نص السؤال
المصدر: شبهات المشككين في الإسلام
الجواب التفصيلي
التشكيك في نسبة الجامع الصحيح بصورته الحالية للإمام البخاري(*)
مضمون الشبهة:
يشكك بعض المغرضين في صحة نسبة "الجامع الصحيح" إلى البخاري، ويستدلون على ذلك بما يصفونه بالاضطراب في الترتيب الذي اعتمده المؤلف لأبوابه، ذلك أن بعض أبوابه تتضمن أحاديث كثيرة، وبعضها فيه حديث واحد، وبعضها يذكر فيه آية من القرآن، وبعضها لا يذكر فيه شيئا ألبتة؛ وما ذلك إلا لأن البخاري مات قبل أن يضع كتابه في صيغته النهائية؛ مما أدى ببعض ناسخي الكتاب إلى ضم بعض الأبواب، وإضافة تراجم إلى أحاديث غير مترجم لها، وهذا يعني أن "الجامع الصحيح" في شكله النهائي أنجزه أتباع البخاري وتلاميذه، لا البخاري نفسه.
هادفين من وراء ذلك إلى التشويش على المسلمين بالقدح في نسبة أصح ديوان من دواوين السنة إلى صاحبه.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لا ينكر أي منصف أن يكون البخاري هو مؤلف "الجامع الصحيح" لثبوت ذلك عقلا ونقلا؛ إذ إنه بعد تنقيحه وتهذيبه عرضه على ثلاثة من كبار علماء الحديث فاستحسنوه، وقدحدث به كثيرا من تلامذته فنقلوه عنه، كما كتبه في صيغته التي وصلت إلينا.
2) إن طريقة تصنيف كتاب "الجامع الصحيح" تشير إلى أنه من تأليف الإمام البخاري؛ فقد حرص البخاري على أن يخرج كتابه بهذا الترتيب والتبويب؛ حيث راعى فيه الدقة والتحري والتشدد في قبول الأحاديث، وأن يشتمل على الصحيح لا على غيره.
3) إن ما استدل به مثيرو الشبهة لم يقع من الإمام البخاري سهوا، وإنما كان لفقه خاص به؛ لأن مقصوده ليس مقتصرا على سرد الأحاديث فقط؛ بل مراده الاستنباط منها، والاستدلال لأبواب أرادها من خلال فقهه في تراجمه التي أعيت فحول العلماء.
التفصيل:
أولا. إثبات نسبة "الجامع الصحيح" للبخاري عقلا ونقلا:
من الواضح الجلي لكل ذي عقل أن البخاري هو مؤلف كتاب "الجامع الصحيح" ولا يكاد ينكر ذلك الأمر إلا جاهل بعلم السنة ورجالاتها، كما أن البخاري رحمه الله نقح كتابه وهذبه غاية التهذيب قبل موته، ولم يمت إلا بعد أن تركه بصورته التي وصلت إلينا.
ويؤكد ذلك الأمر ما قاله أبو جعفر محمود بن عمر العقيلي مؤكدا تأليف البخاري للجامع الصحيح: "لما ألف البخاري كتاب "الصحيح" عرضه على أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة، إلا في أربعة أحاديث، والقول فيها للبخاري وهي صحيحة ([1]).
وهذا يدل دلالة قاطعة على أن البخاري رحمه الله لما أتم كتابه العظيم عرضه على هؤلاء الأعلام، ولم ينكر ذلك أحد، ومعنى نفي الصحة عن أربعة أحاديث أنهم فحصوا الكتاب حديثا حديثا قبل أن يشهدوا له بالصحة، ويالها من شهادة نطق بها أئمة الحديث في عصره.
وقد أكد البخاري نفسه أنه قد أتم صحيحه قبل موته، ولم يتركه إلا بعد أن هذبه ونقحه فقال رحمه الله: "صنفت جميع كتبي ثلاث مرات"([2])، وصنف الشيء أي: ميز بعضه عن بعض، فالبخاري نقح كتابه وهذبه وراجعه ثلاث مرات، فكيف نقول إن كتابه لم يكتمل في صورته النهائية إلا بعد موته؟!
فإذا أراد المشتبهون نفي أن يكون الكتاب من تأليفه رحمه الله فلينفوا ما حكاه التاريخ على مر الزمن عن البخاري وكتابه "الصحيح"، واشتهار ذلك على جميع المستويات والطوائف يؤكده الإمام الذهبي في "تاريخ الإسلام" إذ يقول: وأما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى، قال: وهو أعلى في وقتنا هذا إسنادا للناس، ومن ثلاثين سنة كانوا يفرحون بعلو سماعه، فكيف اليوم؟ فلو رحل الشخص لسماعه من ألف فرسخ لما ضاعت رحلته([3]).
وقال الحافظ ابن كثير: "وكتاب البخاري الصحيح يستسقى بقراءته الغمام، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام"([4]).
وعليه فإن الإمام البخاري رحمه الله هو أشهر الأئمة الأعلام من أصحاب الموسوعات الحديثية، وقد كان كتابه "الجامع" أحد الأنهار الكبرى التي صبت فيها الروافد المتدفقة من عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين([5]).
ومن الأدلة الواضحة المؤكدة على أن البخاري هو مؤلف الصحيح، هذه الشروح الكثيرة والضخمة التي ملأت المكتبة الإسلامية شارحة لكتاب "البخاري"، موضحة منهجه في تأليف ذلك الكتاب، وشروطه في قبول أحاديثه أو ردها، يعلم هذا القاصي والداني، المتعلم والأمي، المثقف والجاهل، الجميع يعرف ذلك، ولا ينكر هذا إلا متعنت يريد أن يسلب الحق أهله.
قال ابن عدي: حدثني محمد بن أحمد القومسي، سمعت محمد ابن حمدويه، سمعت محمد بن إسماعيل - أي البخاري - يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح([6]).
وقال ابن عدي: سمعت البخاري يقول: صنفت "الصحيح" في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى"([7]).
وقد اشتهر أن البخاري لم يمت إلا بعد أن حدث بصحيحه كثيرا من تلامذته، وأنهم تسابقوا في كتابة أصله حتى وصل إلينا كما تركه هو، يقول أبو إسحاق المستملي عن محمد بن يوسف الفربري أنه كان يقول: "سمع كتاب "الصحيح" لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يرويه غيري"([8]).
ويقول الدكتورأبو شهبة: "وليس أدل على ما بذله من جهد وتنقيح وغربلة للأحاديث حتى جاء كتابه في غاية الصحة من قوله: "جمعت كتابي هذا من ستمائة ألف حديث"، وقد استفاض واشتهر أن البخاري لم يمت إلا بعد أن حدث بصحيحه الكثيرين من تلاميذه، وأنهم تسابقوا في كتابة أصله الذي بالغ في التحري في جمع أحاديثه، حتى وصل إلينا كما تركه"([9]).
ومن ثم، فالقول بأن أحدا من النساخ أو التلاميذ تصرف في صحيح البخاري بعد موت صاحبه أي تصرف، هو قول ممتنع عقلا؛ إذ ليس من الممكن أن يسمع الإمام البخاري صحيحه الجامع لآلاف التلاميذ بعد أن عرضه على أئمة الحديث، وقضى في تصنيفه ستة عشر عاما دون أن يستقر على صورته النهائية، وإذا لم يستقر على الانتهاء من الصيغة النهائية لكتاب وقف نفسه على تأليفه ستة عشر عاما، فمتى كان سيستقر إذا؟
وإذا كان الإمام البخاري قد عرض كتابه على مشايخه، وأقروه عليه، فهل عرضه عليهم بعد ستة عشر عاما قضاها في تأليفه دون أن يكون قد انتهي منه؟ وعلام أقره شيوخه إذن، هل على ما صنفه أم على ما سيصنفه؟!
وإذا كان الإمام البخاري قد حدث آلاف التلاميذ بكتابه الصحيح مبوبا ومرتبا حسب ما صنفه، وكان من هؤلاء المحدثين طائفة من صفوة تلاميذه، فكيف تدخل النساخ دون أن ينكر عليهم التلاميذ ذلك؟ وإذا انفرد أحد التلاميذ بتبويب وترتيب وتقديم وتأخير لصحيح البخاري لم يقم به الإمام، فكيف يقره باقي التلاميذ على ذلك؟! وإذا تواطأ تلاميذ الإمام على التدخل في كتابه، وقد رواه آلاف مؤلفة، فكيف أقرهم جمهور المحدثين على ذلك؟! وإذا كان هذا القول لم يقل به أحد من قبل، فما هو المسوغ لقبوله، والقول به مع قيام الدليل بنقيضه؟!
ومن ثم، فإن هذا يثبت أن ما قام به بعض النساخ من ضم بعض أبواب صحيح البخاري، وإضافة تراجم إلى أحاديث غير مترجم لها - لم يؤثر بحال على "الجامع الصحيح" بصورته الحالية، وذلك لأن ما قام به هؤلاء النساخ لم يلق قبولا لدى العلماء وجماهير النساخ الآخرين الذين أبقوا على ما فعله البخاري؛ حتى وصل إلينا صحيحه كما هو، وليس أدل على هذا من تضمن الجامع الصحيح في صورته الحالية أحاديث ليست لها ترجمة، وترجمة ليس فيها أحاديث، فلو كان لما فعله هؤلاء النساخ أثر، لظهر جليا في صحيح البخاري بصورته الحالية؟!([10]).
ثانيا. طريقة تصنيف الكتاب "الجامع" تشير إلى أنه من تأليف البخاري:
لقد كان الغرض الأساسي من تصنيف البخاري "الجامع الصحيح" أمرين:
الأول: انتخاب جملة من الأحاديث التي أجمع عليها المحدثون في فروع الإسلام المختلفة، حتى تكون نبعا صافيا للسنة النبوية، يستقي منه الناس في سائر الأعصار والأمصار، ومن ثم، تحرى أشد التحري واحتاط باختيار أعلى الرواة في الحفظ والعدالة، وتأكد من شدة اتصال سلسلة الإسناد في كل حديث.
الآخر: هو استنباط المسائل الفقهية، واستخراج النكات الحكمية، ولهذا الغرض قسم الكتاب إلى كتب، وقسم كل كتاب إلى أبواب، وترجم للأحاديث تراجم، ولم يكتف بترجمة واحدة لكل حديث، بل يذكر أحيانا للحديث الواحد عدة تراجم، إما بتقطيعه، والترجمة لكل معنى يتضمنه الحديث، وإما بذكر روايات الحديث الواحد المختلفة، والترجمة لكل رواية بما يناسبها([11]).
لذا كان لهذا الترتيب الذي جاء به كتاب الصحيح مناسبة ذكرها ابن حجر في "الفتح"، فقال: قال شيخ الإسلام أبو حفص عمر البلقيني: "بدأ البخاري بقوله كيف بدأ الوحي ولم يقل كتاب بدء الوحي؛ لأن بدء الوحي من بعض ما يشتمل عليه الوحي، قلت(أي: ابن حجر): ويظهر لي أنه إنما عراه من باب؛ لأن كل باب يأتي بعده ينقسم منه، فهو أم الأبواب فلا يكون قسيما لها، قال (أي: عمر البلقيني): وقدمه؛ لأنه منبع الخيرات، وبه قامت الشرائع وجاءت الرسالات، ومنه عرف الإيمان والعلوم، وكان أوله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يقتضي الإيمان من القراءة والربوبية وخلق الإنسان، فذكر بعد كتاب الإيمان والعلوم، وكان الإيمان أشرف العلوم، فعقبه بكتاب العلم، وبعد العلم يكون العمل، وأفضل الأعمال البدنية الصلاة ولا يتوصل إليها إلا بالطهارة، فقال: كتاب الطهارة فذكر أنواعها وأجناسها"([12])، وهكذا بين رحمه الله لماذا اختار البخاري هذه الطريقة في الترتيب، إذ لم تكن من قبيل الصدفة؛ وإنما كانت لغرض حكيم في نفسه.
وعلى أية حال، فإن هذه التراجم كلها تدور حول معاملة العبد مع الخالق، وبعدها معاملة العبد مع الخلق، فقال: كتاب البيوع، وذكر تراجم بيوع الأعيان، ثم بيع دين على وجه مخصوص وهو السلم، وكذا البيع يقع قهريا، فذكر الشفعة التي هي بيع قهري([13]).
وهذا يعني أن تصنيف "الجامع الصحيح" كان شغل البخاري الشاغل في هذه المدة (في ست عشرة سنة هي عمر تصنيف كتاب الجامع الصحيح)؛ فقد أكثر من مراجعته، والإضافة إليه والحذف منه([14]).
يقول محمد بن أبي حاتم: سمعت أبا عبد الله(يعني البخاري) يقول: صنفت جميع كتبي ثلاث مرات([15]).
ولم يكتف الإمام البخاري باحتياطه، واتباعه لأصح الأساليب العلمية للوصول إلى هدفه في التأليف، حتى استعان بالله - عز وجل - واستخار ربه تعالى قبل أن يضع كل حديث في "جامعه الصحيح"([16]).
فهل بعد هذا يحق لمدع أن يقول: إن "الجامع الصحيح" يتسم بشيء من الاضطراب والغرابة، أو إنه ليس من تأليف البخاري؟!
ثالثا. فقه البخاري في تراجم كتابه "الجامع الصحيح":
لقد سار الإمام البخاري في ترتيب أبواب كتابه الجامع الصحيح على المنهج الفقهي - كما أشرنا - وهو استنباط المسائل الفقهية، واستخراج النكات الحكمية، والذي دعاه إلى أن يترجم لأحاديث كتابه بتراجم توضح ذلك، ولكن بعض الذين أثاروا حول كتابه الشبهات لم يفطنوا إلى ذلك.
يقول ابن جماعة: "إن الإمام البخاري ضمن تراجم بعض الأبواب ما يبعد فهمه من حديث ذلك الباب، فأوقع ذلك بعض التباس على كثير من الناس، فبعضهم مصوب له ومتعجب من حسن فهمه، وبعضهم نسبه إلى التقصير في فهمه وعلمه، وهؤلاء ما أنصفوه؛ لأنهم لم يعرفوه"([17]).
ومن ثم، فقد ذهب هؤلاء إلى القول بأن الإمام البخاري لم يهذب كتابه، ولم يرتب أبوابه بوعي، مستدلين على ذلك خطأ بأنه يقع في كثير من أبوابه الأحاديث الكثيرة، وفي بعضها حديث واحد، وفي بعضها آية من كتاب الله، وبعضها لا شيء فيه ألبتة.
وهاهو الحافظ ابن حجر يوضح الإشكالات التي أثيرت حول تراجمه ومناسبة الترجمة لحديث الباب، وتوهيم من وهم البخاري في كثير من الأحيان، وذلك من خلال بيان فقه البخاري في تراجمه الذي اشتهر من قول جمع من الفضلاء، فيقول: "وكثيرا ما يترجم بأمر مختص ببعض الوقائع لا يظهر في بادئ الرأي، كقوله: "باب استياك الإمام بحضرة رعيته"؛ فإنه لما كان الاستياك قد يظن أنه من أفعال المهنة، فلعل بعض الناس يتوهم أن إخفاءه أولى مراعاة للمروءة، فلما وقع في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استاك بحضرة الناس دل على أنه من باب التطيب لا من الباب الآخر، نبه على ذلك ابن دقيق العيد، وكثيرا ما يترجم بلفظ يومئ إلى معنى حديث لم يصح على شرطه، أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصح على شرطه صريحا في الترجمة، ويورد في الباب ما يؤدي معناه تارة بأمر ظاهر وتارة بأمر خفي، من ذلك قوله: "باب الأمراء من قريش"، وهذا لفظ حديث يروى عن علي - رضي الله عنه - وليس على شرط البخاري، وأورد في حديث "لا يزال وال من قريش"... وربما اكتفى أحيانا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصح على شرطه، وأورد معها أثرا أو آية، فكأنه يقول لم يصح في الباب على شرطي"([18])، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، حتى يتبين للغافلين المشككين مدى فقه البخاري في "تراجمه التي حيرت الأفكار، وأدهشت العقول والأبصار([19])، والتي بذل فيها جهدا كبيرا، حيث قام باستخراجها من عشرات النصوص من بين آية قرآنية، وحديث نبوي، وأثر جيد، وفريدة لغوية، وهو بهذا يثبت أنه ليس راوية حديث فحسب، ولا رجل دراية في الأسانيد فقط، ولكنه جمع فيما جمع فهما جيدا لفقه الكتاب والسنة حتى أصبح إماما في هذا الشأن([20]).
ولقد أجاد القائل:
أعيا فحول العلم حل رموز ما
أبداه في الأبواب من أسرار([21])
وقد ختم الحافظ ابن حجر كلامه عن تراجم البخاري، ومدى مناسبة الترجمة لحديث الباب بقوله: "وللغفلة عن هذه المقاصد الدقيقة اعتقد من لم يمعن النظر أنه ترك الكتاب بلا تبييض، ومن تأمل ظفر، ومن جد وجد"([22]).
وعليه، فإن القول بأنه يقع في كثير من أبواب صحيح البخاري الأحاديث الكثيرة، وفي بعضها حديث واحد، وفي بعضها آية من كتاب الله تعالى، وبعضها لا شيء فيه ألبتة، هو قول حق أريد به باطل، وهو الزعم بأنه لم يهذب كتابه ولم يرتب أبوابه، وقد وقع ما قالوه في الجامع الصحيح للبخاري لكن ليس سهوا من مؤلفه، وإنما لحكمة بديعة، ذكرها ابن حجر في "الفتح"، فقال: "تقرر أنه التزم فيه الصحة، وأنه لا يورد فيه إلا حديثا صحيحا، هذا أصل موضوعه، وهو مستفاد من تسميته إياه "الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه"، ومما نقلناه عنه من رواية الأئمة عنه صريحا، ثم رأى ألا يخليه من الفوائد الفقهية والنكت الحكمية، فاستخرج بفقهه من المتون معاني كثيرة فرقها في أبواب الكتاب بحسب تناسبها، واعتنى فيه بآيات الأحكام؛ فانتزع منها الدلالات البديعة، وسلك في الإشارة إلى تفسيرها السبل الوسيعة، قال الشيخ محيي الدين: ليس مقصود البخاري الاقتصار على الأحاديث فقط؛ بل مراده الاستنباط منها والاستدلال لأبواب أرادها، ولهذا المعنى أخلى كثيرا من الأبواب عن إسناد الحديث واقتصر فيه على قوله: "فيه فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم" أو نحو ذلك، وقد يذكر المتن بغير إسناد، وقد يورده معلقا، وإنما يفعل هذا؛ لأنه أراد الاحتجاج للمسألة التي ترجم لها، وأشار إلى الحديث لكونه معلوما، وقد يكون مما تقدم، وربما تقدم قريبا"([23]).
وهذا يدل دلالة واضحة على أن "الجامع الصحيح" هو صنعة وتصنيف وتبويب الإمام البخاري، وأنه عمد إلى هذا التبويب والتصنيف عمدا؛ لأن له من وراء ذلك مبتغى فقهيا.
فهل بعد هذا يحق لمدع أن يقول بأن الإمام البخاري لم يضع كتابه في صورته النهائية، وإنما وضعه تلاميذه، أو الذين قاموا بنسخه؟!
وفي النهاية نستطيع القول بأن الحق الذي لا مراء فيه أن البخاري لم يمت إلا بعد أن نقح كتابه، وهذبه غاية التهذيب، ولم يتركه إلا بهذه الصورة التي وصلت إلينا، وأما وضعه أحاديث كثيرة في بعض الأبواب، وحديث واحد أو أكثر في بعضها الآخر، وعدم وضع أحاديث مطلقا في بعض الأبواب؛ فإن ذلك عن عمد منه، وهو أن يبين أن الباب الذي لم يذكر فيه أحاديث لم يثبت عنده حديث بشرطه في هذا المعنى.
الخلاصة:
· مما لا شك فيه أن كتاب "الجامع الصحيح" بصورته النهائية من تأليف البخاري لا غيره، ولا ينكر هذا إلا جاهل بعلم السنة ورجالها، ومن الأدلة على ذلك أن البخاري بعدما هذب كتابه ونقحه عرضه على الأئمة الأعلام: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة.
· لقد أكد البخاري نفسه أنه أتم صحيحه قبل موته وهذبه أكثر من مرة فقال رحمه الله: "صنفت جميع كتبي ثلاث مرات" فكيف نقول: إن كتابه لم يكتمل في صورته النهائية إلا بعد موته وقد راجعه في التصنيف ثلاث مرات؟!
· اشتهر بين أهل العلم أن البخاري لم يمت إلا بعد أن حدث بصحيحه كثيرا من تلامذته، وأنهم تسابقوا في كتابة أصله؛ حتى وصل إلينا كما تركه، وليس أدل على تنقيحه وتهذيبه له من قوله: "جمعت كتابي هذا من ستمائة ألف حديث".
· إن الكلام عن طريقة ترتيب أبواب الكتاب وكتبه يؤكد أن الغرض الأساسي من تصنيف "الجامع الصحيح"، هو انتخاب جملة من الأحاديث التي أجمع عليها المحدثون في فروع الإسلام المختلفة، وكذلك استنباط المسائل الفقهية، واستخراج النكات الحكمية؛ لذا كان لهذا الترتيب حكمة؛ فابتدأ صحيحه بقوله "كيف بدأ الوحي" وعراه من باب لأنه أم الأبواب، فلا يكون قسيما لها، كما أنه منبع الخيرات، وبه قامت الشرائع وجاءت الرسالات، ثم ذكر الإيمان ثم الأعمال البدنية، فابتدأ بأفضلها "الصلاة"، وهكذا لم يكن التبويب إلا لحكمة في نفسه رحمه الله.
· إن مثيري الشبهة قد غفلوا عن المقاصد الدقيقة، والفوائد الجمة التي ضمنها الإمام البخاري تراجم كتابه، فتوهموا وظنوا أنه ترك الكتاب بلا تبييض، لكنه لما كان يترجم لأبواب ولا يذكر فيها أحاديث، يريد أن يخبر أنه لم يجد لهذا الباب حديثا على شرطه، وهذا لا يعني الاضطراب في التبويب وإنما يعني الدقة في تحري الصحيح دون غيره، فإعداد الأحاديث في الأبواب عن قصد منه، وليس سهوا كما زعموا.
المراجع
- (*) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م. الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث، محمد حمزة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2005م.
- [1]. هدي الساري مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، ص514.
- [2]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 403).
- [3]. الإمام القسطلاني وصحيح البخاري، عبد الرحيم عطية، ص114، نقلا عن: الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص77.
- [4]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (6/ 82).
- [5]. كيف ولماذا التشكيك في السنة؟، د. أحمد عبد الرحمن، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص61 بتصرف.
- [6]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/ 461).
- [7]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 404، 405).
- [8]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 469).
- [9]. دفاع عن السنة، د. محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، ص255.
- [10]. انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص 10.
- [11]. الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص85.
- [12]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص 494.
- [13]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص 494 بتصرف.
- [14]. الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص87.
- [15]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 403).
- [16]. انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص513.
- [17]. مناسبات تراجم البخاري، بدر الدين بن جماعة، نقلا عن: الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص167 بتصرف.
- [18]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص16.
- [19]. انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص15.
- [20]. من جهود الأمة في حفظ السنة، د. أحمد حسين محمد إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، 1419هـ/ 1999م، ص221 بتصرف.
- [21]. الإمام القسطلاني وصحيح البخاري، عطية عبد الرحيم عطية، ص 98، نقلا عن: الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص105.
- [22]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص16.
- [23]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص10.
الجواب التفصيلي
التشكيك في نسبة الجامع الصحيح بصورته الحالية للإمام البخاري(*)
مضمون الشبهة:
يشكك بعض المغرضين في صحة نسبة "الجامع الصحيح" إلى البخاري، ويستدلون على ذلك بما يصفونه بالاضطراب في الترتيب الذي اعتمده المؤلف لأبوابه، ذلك أن بعض أبوابه تتضمن أحاديث كثيرة، وبعضها فيه حديث واحد، وبعضها يذكر فيه آية من القرآن، وبعضها لا يذكر فيه شيئا ألبتة؛ وما ذلك إلا لأن البخاري مات قبل أن يضع كتابه في صيغته النهائية؛ مما أدى ببعض ناسخي الكتاب إلى ضم بعض الأبواب، وإضافة تراجم إلى أحاديث غير مترجم لها، وهذا يعني أن "الجامع الصحيح" في شكله النهائي أنجزه أتباع البخاري وتلاميذه، لا البخاري نفسه.
هادفين من وراء ذلك إلى التشويش على المسلمين بالقدح في نسبة أصح ديوان من دواوين السنة إلى صاحبه.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لا ينكر أي منصف أن يكون البخاري هو مؤلف "الجامع الصحيح" لثبوت ذلك عقلا ونقلا؛ إذ إنه بعد تنقيحه وتهذيبه عرضه على ثلاثة من كبار علماء الحديث فاستحسنوه، وقدحدث به كثيرا من تلامذته فنقلوه عنه، كما كتبه في صيغته التي وصلت إلينا.
2) إن طريقة تصنيف كتاب "الجامع الصحيح" تشير إلى أنه من تأليف الإمام البخاري؛ فقد حرص البخاري على أن يخرج كتابه بهذا الترتيب والتبويب؛ حيث راعى فيه الدقة والتحري والتشدد في قبول الأحاديث، وأن يشتمل على الصحيح لا على غيره.
3) إن ما استدل به مثيرو الشبهة لم يقع من الإمام البخاري سهوا، وإنما كان لفقه خاص به؛ لأن مقصوده ليس مقتصرا على سرد الأحاديث فقط؛ بل مراده الاستنباط منها، والاستدلال لأبواب أرادها من خلال فقهه في تراجمه التي أعيت فحول العلماء.
التفصيل:
أولا. إثبات نسبة "الجامع الصحيح" للبخاري عقلا ونقلا:
من الواضح الجلي لكل ذي عقل أن البخاري هو مؤلف كتاب "الجامع الصحيح" ولا يكاد ينكر ذلك الأمر إلا جاهل بعلم السنة ورجالاتها، كما أن البخاري رحمه الله نقح كتابه وهذبه غاية التهذيب قبل موته، ولم يمت إلا بعد أن تركه بصورته التي وصلت إلينا.
ويؤكد ذلك الأمر ما قاله أبو جعفر محمود بن عمر العقيلي مؤكدا تأليف البخاري للجامع الصحيح: "لما ألف البخاري كتاب "الصحيح" عرضه على أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة، إلا في أربعة أحاديث، والقول فيها للبخاري وهي صحيحة ([1]).
وهذا يدل دلالة قاطعة على أن البخاري رحمه الله لما أتم كتابه العظيم عرضه على هؤلاء الأعلام، ولم ينكر ذلك أحد، ومعنى نفي الصحة عن أربعة أحاديث أنهم فحصوا الكتاب حديثا حديثا قبل أن يشهدوا له بالصحة، ويالها من شهادة نطق بها أئمة الحديث في عصره.
وقد أكد البخاري نفسه أنه قد أتم صحيحه قبل موته، ولم يتركه إلا بعد أن هذبه ونقحه فقال رحمه الله: "صنفت جميع كتبي ثلاث مرات"([2])، وصنف الشيء أي: ميز بعضه عن بعض، فالبخاري نقح كتابه وهذبه وراجعه ثلاث مرات، فكيف نقول إن كتابه لم يكتمل في صورته النهائية إلا بعد موته؟!
فإذا أراد المشتبهون نفي أن يكون الكتاب من تأليفه رحمه الله فلينفوا ما حكاه التاريخ على مر الزمن عن البخاري وكتابه "الصحيح"، واشتهار ذلك على جميع المستويات والطوائف يؤكده الإمام الذهبي في "تاريخ الإسلام" إذ يقول: وأما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى، قال: وهو أعلى في وقتنا هذا إسنادا للناس، ومن ثلاثين سنة كانوا يفرحون بعلو سماعه، فكيف اليوم؟ فلو رحل الشخص لسماعه من ألف فرسخ لما ضاعت رحلته([3]).
وقال الحافظ ابن كثير: "وكتاب البخاري الصحيح يستسقى بقراءته الغمام، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام"([4]).
وعليه فإن الإمام البخاري رحمه الله هو أشهر الأئمة الأعلام من أصحاب الموسوعات الحديثية، وقد كان كتابه "الجامع" أحد الأنهار الكبرى التي صبت فيها الروافد المتدفقة من عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين([5]).
ومن الأدلة الواضحة المؤكدة على أن البخاري هو مؤلف الصحيح، هذه الشروح الكثيرة والضخمة التي ملأت المكتبة الإسلامية شارحة لكتاب "البخاري"، موضحة منهجه في تأليف ذلك الكتاب، وشروطه في قبول أحاديثه أو ردها، يعلم هذا القاصي والداني، المتعلم والأمي، المثقف والجاهل، الجميع يعرف ذلك، ولا ينكر هذا إلا متعنت يريد أن يسلب الحق أهله.
قال ابن عدي: حدثني محمد بن أحمد القومسي، سمعت محمد ابن حمدويه، سمعت محمد بن إسماعيل - أي البخاري - يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح([6]).
وقال ابن عدي: سمعت البخاري يقول: صنفت "الصحيح" في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى"([7]).
وقد اشتهر أن البخاري لم يمت إلا بعد أن حدث بصحيحه كثيرا من تلامذته، وأنهم تسابقوا في كتابة أصله حتى وصل إلينا كما تركه هو، يقول أبو إسحاق المستملي عن محمد بن يوسف الفربري أنه كان يقول: "سمع كتاب "الصحيح" لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يرويه غيري"([8]).
ويقول الدكتورأبو شهبة: "وليس أدل على ما بذله من جهد وتنقيح وغربلة للأحاديث حتى جاء كتابه في غاية الصحة من قوله: "جمعت كتابي هذا من ستمائة ألف حديث"، وقد استفاض واشتهر أن البخاري لم يمت إلا بعد أن حدث بصحيحه الكثيرين من تلاميذه، وأنهم تسابقوا في كتابة أصله الذي بالغ في التحري في جمع أحاديثه، حتى وصل إلينا كما تركه"([9]).
ومن ثم، فالقول بأن أحدا من النساخ أو التلاميذ تصرف في صحيح البخاري بعد موت صاحبه أي تصرف، هو قول ممتنع عقلا؛ إذ ليس من الممكن أن يسمع الإمام البخاري صحيحه الجامع لآلاف التلاميذ بعد أن عرضه على أئمة الحديث، وقضى في تصنيفه ستة عشر عاما دون أن يستقر على صورته النهائية، وإذا لم يستقر على الانتهاء من الصيغة النهائية لكتاب وقف نفسه على تأليفه ستة عشر عاما، فمتى كان سيستقر إذا؟
وإذا كان الإمام البخاري قد عرض كتابه على مشايخه، وأقروه عليه، فهل عرضه عليهم بعد ستة عشر عاما قضاها في تأليفه دون أن يكون قد انتهي منه؟ وعلام أقره شيوخه إذن، هل على ما صنفه أم على ما سيصنفه؟!
وإذا كان الإمام البخاري قد حدث آلاف التلاميذ بكتابه الصحيح مبوبا ومرتبا حسب ما صنفه، وكان من هؤلاء المحدثين طائفة من صفوة تلاميذه، فكيف تدخل النساخ دون أن ينكر عليهم التلاميذ ذلك؟ وإذا انفرد أحد التلاميذ بتبويب وترتيب وتقديم وتأخير لصحيح البخاري لم يقم به الإمام، فكيف يقره باقي التلاميذ على ذلك؟! وإذا تواطأ تلاميذ الإمام على التدخل في كتابه، وقد رواه آلاف مؤلفة، فكيف أقرهم جمهور المحدثين على ذلك؟! وإذا كان هذا القول لم يقل به أحد من قبل، فما هو المسوغ لقبوله، والقول به مع قيام الدليل بنقيضه؟!
ومن ثم، فإن هذا يثبت أن ما قام به بعض النساخ من ضم بعض أبواب صحيح البخاري، وإضافة تراجم إلى أحاديث غير مترجم لها - لم يؤثر بحال على "الجامع الصحيح" بصورته الحالية، وذلك لأن ما قام به هؤلاء النساخ لم يلق قبولا لدى العلماء وجماهير النساخ الآخرين الذين أبقوا على ما فعله البخاري؛ حتى وصل إلينا صحيحه كما هو، وليس أدل على هذا من تضمن الجامع الصحيح في صورته الحالية أحاديث ليست لها ترجمة، وترجمة ليس فيها أحاديث، فلو كان لما فعله هؤلاء النساخ أثر، لظهر جليا في صحيح البخاري بصورته الحالية؟!([10]).
ثانيا. طريقة تصنيف الكتاب "الجامع" تشير إلى أنه من تأليف البخاري:
لقد كان الغرض الأساسي من تصنيف البخاري "الجامع الصحيح" أمرين:
الأول: انتخاب جملة من الأحاديث التي أجمع عليها المحدثون في فروع الإسلام المختلفة، حتى تكون نبعا صافيا للسنة النبوية، يستقي منه الناس في سائر الأعصار والأمصار، ومن ثم، تحرى أشد التحري واحتاط باختيار أعلى الرواة في الحفظ والعدالة، وتأكد من شدة اتصال سلسلة الإسناد في كل حديث.
الآخر: هو استنباط المسائل الفقهية، واستخراج النكات الحكمية، ولهذا الغرض قسم الكتاب إلى كتب، وقسم كل كتاب إلى أبواب، وترجم للأحاديث تراجم، ولم يكتف بترجمة واحدة لكل حديث، بل يذكر أحيانا للحديث الواحد عدة تراجم، إما بتقطيعه، والترجمة لكل معنى يتضمنه الحديث، وإما بذكر روايات الحديث الواحد المختلفة، والترجمة لكل رواية بما يناسبها([11]).
لذا كان لهذا الترتيب الذي جاء به كتاب الصحيح مناسبة ذكرها ابن حجر في "الفتح"، فقال: قال شيخ الإسلام أبو حفص عمر البلقيني: "بدأ البخاري بقوله كيف بدأ الوحي ولم يقل كتاب بدء الوحي؛ لأن بدء الوحي من بعض ما يشتمل عليه الوحي، قلت(أي: ابن حجر): ويظهر لي أنه إنما عراه من باب؛ لأن كل باب يأتي بعده ينقسم منه، فهو أم الأبواب فلا يكون قسيما لها، قال (أي: عمر البلقيني): وقدمه؛ لأنه منبع الخيرات، وبه قامت الشرائع وجاءت الرسالات، ومنه عرف الإيمان والعلوم، وكان أوله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يقتضي الإيمان من القراءة والربوبية وخلق الإنسان، فذكر بعد كتاب الإيمان والعلوم، وكان الإيمان أشرف العلوم، فعقبه بكتاب العلم، وبعد العلم يكون العمل، وأفضل الأعمال البدنية الصلاة ولا يتوصل إليها إلا بالطهارة، فقال: كتاب الطهارة فذكر أنواعها وأجناسها"([12])، وهكذا بين رحمه الله لماذا اختار البخاري هذه الطريقة في الترتيب، إذ لم تكن من قبيل الصدفة؛ وإنما كانت لغرض حكيم في نفسه.
وعلى أية حال، فإن هذه التراجم كلها تدور حول معاملة العبد مع الخالق، وبعدها معاملة العبد مع الخلق، فقال: كتاب البيوع، وذكر تراجم بيوع الأعيان، ثم بيع دين على وجه مخصوص وهو السلم، وكذا البيع يقع قهريا، فذكر الشفعة التي هي بيع قهري([13]).
وهذا يعني أن تصنيف "الجامع الصحيح" كان شغل البخاري الشاغل في هذه المدة (في ست عشرة سنة هي عمر تصنيف كتاب الجامع الصحيح)؛ فقد أكثر من مراجعته، والإضافة إليه والحذف منه([14]).
يقول محمد بن أبي حاتم: سمعت أبا عبد الله(يعني البخاري) يقول: صنفت جميع كتبي ثلاث مرات([15]).
ولم يكتف الإمام البخاري باحتياطه، واتباعه لأصح الأساليب العلمية للوصول إلى هدفه في التأليف، حتى استعان بالله - عز وجل - واستخار ربه تعالى قبل أن يضع كل حديث في "جامعه الصحيح"([16]).
فهل بعد هذا يحق لمدع أن يقول: إن "الجامع الصحيح" يتسم بشيء من الاضطراب والغرابة، أو إنه ليس من تأليف البخاري؟!
ثالثا. فقه البخاري في تراجم كتابه "الجامع الصحيح":
لقد سار الإمام البخاري في ترتيب أبواب كتابه الجامع الصحيح على المنهج الفقهي - كما أشرنا - وهو استنباط المسائل الفقهية، واستخراج النكات الحكمية، والذي دعاه إلى أن يترجم لأحاديث كتابه بتراجم توضح ذلك، ولكن بعض الذين أثاروا حول كتابه الشبهات لم يفطنوا إلى ذلك.
يقول ابن جماعة: "إن الإمام البخاري ضمن تراجم بعض الأبواب ما يبعد فهمه من حديث ذلك الباب، فأوقع ذلك بعض التباس على كثير من الناس، فبعضهم مصوب له ومتعجب من حسن فهمه، وبعضهم نسبه إلى التقصير في فهمه وعلمه، وهؤلاء ما أنصفوه؛ لأنهم لم يعرفوه"([17]).
ومن ثم، فقد ذهب هؤلاء إلى القول بأن الإمام البخاري لم يهذب كتابه، ولم يرتب أبوابه بوعي، مستدلين على ذلك خطأ بأنه يقع في كثير من أبوابه الأحاديث الكثيرة، وفي بعضها حديث واحد، وفي بعضها آية من كتاب الله، وبعضها لا شيء فيه ألبتة.
وهاهو الحافظ ابن حجر يوضح الإشكالات التي أثيرت حول تراجمه ومناسبة الترجمة لحديث الباب، وتوهيم من وهم البخاري في كثير من الأحيان، وذلك من خلال بيان فقه البخاري في تراجمه الذي اشتهر من قول جمع من الفضلاء، فيقول: "وكثيرا ما يترجم بأمر مختص ببعض الوقائع لا يظهر في بادئ الرأي، كقوله: "باب استياك الإمام بحضرة رعيته"؛ فإنه لما كان الاستياك قد يظن أنه من أفعال المهنة، فلعل بعض الناس يتوهم أن إخفاءه أولى مراعاة للمروءة، فلما وقع في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استاك بحضرة الناس دل على أنه من باب التطيب لا من الباب الآخر، نبه على ذلك ابن دقيق العيد، وكثيرا ما يترجم بلفظ يومئ إلى معنى حديث لم يصح على شرطه، أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصح على شرطه صريحا في الترجمة، ويورد في الباب ما يؤدي معناه تارة بأمر ظاهر وتارة بأمر خفي، من ذلك قوله: "باب الأمراء من قريش"، وهذا لفظ حديث يروى عن علي - رضي الله عنه - وليس على شرط البخاري، وأورد في حديث "لا يزال وال من قريش"... وربما اكتفى أحيانا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصح على شرطه، وأورد معها أثرا أو آية، فكأنه يقول لم يصح في الباب على شرطي"([18])، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، حتى يتبين للغافلين المشككين مدى فقه البخاري في "تراجمه التي حيرت الأفكار، وأدهشت العقول والأبصار([19])، والتي بذل فيها جهدا كبيرا، حيث قام باستخراجها من عشرات النصوص من بين آية قرآنية، وحديث نبوي، وأثر جيد، وفريدة لغوية، وهو بهذا يثبت أنه ليس راوية حديث فحسب، ولا رجل دراية في الأسانيد فقط، ولكنه جمع فيما جمع فهما جيدا لفقه الكتاب والسنة حتى أصبح إماما في هذا الشأن([20]).
ولقد أجاد القائل:
أعيا فحول العلم حل رموز ما
أبداه في الأبواب من أسرار([21])
وقد ختم الحافظ ابن حجر كلامه عن تراجم البخاري، ومدى مناسبة الترجمة لحديث الباب بقوله: "وللغفلة عن هذه المقاصد الدقيقة اعتقد من لم يمعن النظر أنه ترك الكتاب بلا تبييض، ومن تأمل ظفر، ومن جد وجد"([22]).
وعليه، فإن القول بأنه يقع في كثير من أبواب صحيح البخاري الأحاديث الكثيرة، وفي بعضها حديث واحد، وفي بعضها آية من كتاب الله تعالى، وبعضها لا شيء فيه ألبتة، هو قول حق أريد به باطل، وهو الزعم بأنه لم يهذب كتابه ولم يرتب أبوابه، وقد وقع ما قالوه في الجامع الصحيح للبخاري لكن ليس سهوا من مؤلفه، وإنما لحكمة بديعة، ذكرها ابن حجر في "الفتح"، فقال: "تقرر أنه التزم فيه الصحة، وأنه لا يورد فيه إلا حديثا صحيحا، هذا أصل موضوعه، وهو مستفاد من تسميته إياه "الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه"، ومما نقلناه عنه من رواية الأئمة عنه صريحا، ثم رأى ألا يخليه من الفوائد الفقهية والنكت الحكمية، فاستخرج بفقهه من المتون معاني كثيرة فرقها في أبواب الكتاب بحسب تناسبها، واعتنى فيه بآيات الأحكام؛ فانتزع منها الدلالات البديعة، وسلك في الإشارة إلى تفسيرها السبل الوسيعة، قال الشيخ محيي الدين: ليس مقصود البخاري الاقتصار على الأحاديث فقط؛ بل مراده الاستنباط منها والاستدلال لأبواب أرادها، ولهذا المعنى أخلى كثيرا من الأبواب عن إسناد الحديث واقتصر فيه على قوله: "فيه فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم" أو نحو ذلك، وقد يذكر المتن بغير إسناد، وقد يورده معلقا، وإنما يفعل هذا؛ لأنه أراد الاحتجاج للمسألة التي ترجم لها، وأشار إلى الحديث لكونه معلوما، وقد يكون مما تقدم، وربما تقدم قريبا"([23]).
وهذا يدل دلالة واضحة على أن "الجامع الصحيح" هو صنعة وتصنيف وتبويب الإمام البخاري، وأنه عمد إلى هذا التبويب والتصنيف عمدا؛ لأن له من وراء ذلك مبتغى فقهيا.
فهل بعد هذا يحق لمدع أن يقول بأن الإمام البخاري لم يضع كتابه في صورته النهائية، وإنما وضعه تلاميذه، أو الذين قاموا بنسخه؟!
وفي النهاية نستطيع القول بأن الحق الذي لا مراء فيه أن البخاري لم يمت إلا بعد أن نقح كتابه، وهذبه غاية التهذيب، ولم يتركه إلا بهذه الصورة التي وصلت إلينا، وأما وضعه أحاديث كثيرة في بعض الأبواب، وحديث واحد أو أكثر في بعضها الآخر، وعدم وضع أحاديث مطلقا في بعض الأبواب؛ فإن ذلك عن عمد منه، وهو أن يبين أن الباب الذي لم يذكر فيه أحاديث لم يثبت عنده حديث بشرطه في هذا المعنى.
الخلاصة:
· مما لا شك فيه أن كتاب "الجامع الصحيح" بصورته النهائية من تأليف البخاري لا غيره، ولا ينكر هذا إلا جاهل بعلم السنة ورجالها، ومن الأدلة على ذلك أن البخاري بعدما هذب كتابه ونقحه عرضه على الأئمة الأعلام: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة.
· لقد أكد البخاري نفسه أنه أتم صحيحه قبل موته وهذبه أكثر من مرة فقال رحمه الله: "صنفت جميع كتبي ثلاث مرات" فكيف نقول: إن كتابه لم يكتمل في صورته النهائية إلا بعد موته وقد راجعه في التصنيف ثلاث مرات؟!
· اشتهر بين أهل العلم أن البخاري لم يمت إلا بعد أن حدث بصحيحه كثيرا من تلامذته، وأنهم تسابقوا في كتابة أصله؛ حتى وصل إلينا كما تركه، وليس أدل على تنقيحه وتهذيبه له من قوله: "جمعت كتابي هذا من ستمائة ألف حديث".
· إن الكلام عن طريقة ترتيب أبواب الكتاب وكتبه يؤكد أن الغرض الأساسي من تصنيف "الجامع الصحيح"، هو انتخاب جملة من الأحاديث التي أجمع عليها المحدثون في فروع الإسلام المختلفة، وكذلك استنباط المسائل الفقهية، واستخراج النكات الحكمية؛ لذا كان لهذا الترتيب حكمة؛ فابتدأ صحيحه بقوله "كيف بدأ الوحي" وعراه من باب لأنه أم الأبواب، فلا يكون قسيما لها، كما أنه منبع الخيرات، وبه قامت الشرائع وجاءت الرسالات، ثم ذكر الإيمان ثم الأعمال البدنية، فابتدأ بأفضلها "الصلاة"، وهكذا لم يكن التبويب إلا لحكمة في نفسه رحمه الله.
· إن مثيري الشبهة قد غفلوا عن المقاصد الدقيقة، والفوائد الجمة التي ضمنها الإمام البخاري تراجم كتابه، فتوهموا وظنوا أنه ترك الكتاب بلا تبييض، لكنه لما كان يترجم لأبواب ولا يذكر فيها أحاديث، يريد أن يخبر أنه لم يجد لهذا الباب حديثا على شرطه، وهذا لا يعني الاضطراب في التبويب وإنما يعني الدقة في تحري الصحيح دون غيره، فإعداد الأحاديث في الأبواب عن قصد منه، وليس سهوا كما زعموا.
المراجع
- (*) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م. الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث، محمد حمزة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2005م.
- [1]. هدي الساري مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، ص514.
- [2]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 403).
- [3]. الإمام القسطلاني وصحيح البخاري، عبد الرحيم عطية، ص114، نقلا عن: الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص77.
- [4]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (6/ 82).
- [5]. كيف ولماذا التشكيك في السنة؟، د. أحمد عبد الرحمن، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص61 بتصرف.
- [6]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/ 461).
- [7]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 404، 405).
- [8]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 469).
- [9]. دفاع عن السنة، د. محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، ص255.
- [10]. انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص 10.
- [11]. الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص85.
- [12]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص 494.
- [13]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص 494 بتصرف.
- [14]. الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص87.
- [15]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 403).
- [16]. انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص513.
- [17]. مناسبات تراجم البخاري، بدر الدين بن جماعة، نقلا عن: الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص167 بتصرف.
- [18]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص16.
- [19]. انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص15.
- [20]. من جهود الأمة في حفظ السنة، د. أحمد حسين محمد إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، 1419هـ/ 1999م، ص221 بتصرف.
- [21]. الإمام القسطلاني وصحيح البخاري، عطية عبد الرحيم عطية، ص 98، نقلا عن: الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص105.
- [22]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص16.
- [23]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص10.