نص السؤال
لماذا نريدُ إدخالَ الشريعةِ في أمورِ الدنيا، وفي الحديثِ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»، ثم أليس الإنسانُ أعلَمَ بما يُصلِحُهُ بناءً على تجارِبِهِ الخاصَّة؟ فلماذا يجبُ أن يَصيرَ الدِّينُ هو معيارَ الصوابِ والخطأِ في كلِّ تفاصيلِ الحياة؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
دعوى فصلِ الدِّينِ عن الحياةِ؛ استنادًا لحديثِ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ».
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
هذه الشبهةُ متعلِّقةٌ بحديثِ تأبيرِ النخل، ومَن تتبَّع الرواياتِ، عَلِمَ أنه لا حجَّةَ فيها على تركِ العملِ بالشريعة:
فعن موسى بنِ طَلْحةَ، عن أبيه، قال:
«مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ^ بِقَوْمٍ عَلَى رُؤُوسِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟»، فَقَالُوا: يُلَقِّحُونَهُ، يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى، فَيَلْقَحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ^: «مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا»، قَالَ: فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ، فَتَرَكُوهُ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ ^ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ، فَلْيَصْنَعُوهُ؛ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيْئًا، فَخُذُوا بِهِ؛ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»
رواه مسلم (2361).
وفي بعضِ الروياتِ الأخرى: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»؛ رواه مسلم (2363).
ولنوضِّحْ معنى الحديث: فالتأبيرُ هو التلقيحُ، وهو جعلُ شيءٍ مِن طَلْعِ الذَّكَرِ في الأُنْثى؛ لتحصيلِ ثمرتِها وبَلَحِها، وهو بمنزلةِ النُّطْفةِ للحمل، جرَتِ العادةُ لحكمةٍ إلهيَّةٍ؛ أنها لا تُثمِرُ بدونِه، وكان ^ مَرَّ بهم وهم يَفعَلون ذلك، فسأَلَهم عنه، فأخبَروهُ، فوقَعَ في ظنِّه احتمالُ أنهم لو ترَكوهُ، فقد يصلُحُ أيضًا، فأخبَرَهم بظنِّه ذلك، وأنه ظنٌّ، فترَكوهُ موافَقةً لظنِّه ^، فلم تُثمِرْ نخلُهم في ذلك العامِ، فلما أخبَروهُ بذلك، قال لهم: «إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا؛ فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ».
إن حقيقةَ هذه الشبهةِ: تقومُ على فهمٍ فاسدٍ لنصٍّ صحيحٍ ثابتٍ عن النبيِّ ^، ثم ترتيبِ دعوى مناقَضةٍ للدِّين، وهي مَبدَأُ «العالَمانيَّةِ» على هذا الفهم.
والجوابُ عنها يحتاجُ إلى بيانِ المعنى الصحيحِ لهذا الحديث، وكذلك بيانِ الأوجُهِ الدالَّةِ في نصوصِ الوحيِ على مناقَضةِ مَبدَأِ «العالَمانيَّةِ» على جهةِ الاختصار:
أوَّلًا: الجوابُ عن استدلالِهم بالحديثِ مِن وجوه:
1- حديثُ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»، جاء ما يفسِّرُهُ مِن رواياتِ القصَّةِ نفسِها:
فهو لم يُخبِرْ بأمرٍ حاسمٍ، بل قال بالظنِّ؛ حيثُ جاء في الحديثِ كما سبَقَ: قَالَ ^:
«مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا»، قَالَ: فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ، فَتَرَكُوهُ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ ^ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ، فَلْيَصْنَعُوهُ؛ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا؛ فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ ...».
فهو قد صرَّح بعبارةٍ واضحةٍ: «أنه ظَنَّ»، وهو الصادقُ المصدوقُ ^؛ فهو قد ظَنَّ ذلك.
فإذا جاء في موضعٍ، وأخبَرَ خبرًا جازمًا، أو أمَرَ أمرًا لازمًا، فهو الصادقُ المصدوقُ أيضًا؛ فلا يجوزُ معارَضتُهُ أو تخطئتُهُ فيه.
وكونُهم أعلمَ عمومًا بأمورِ دنياهم، لا يَلزَمُ مِن أنه سيقولُ شيئًا بغيرِ علمٍ؛ فهذا أمرٌ يُذَمُّ به الإنسانُ؛ فكيف يقَعُ ممَّن هو كاملُ النبوَّة؟!
بل هو أعلمُ منهم بما أخبَرَ به مِن أمورِ الدِّينِ والدنيا؛ لأنه محفوظٌ مِن الله، ومؤيَّدٌ بالوحي، وهم - في الجملةِ - أعلمُ بجملةِ أمورِ الدنيا مما لم يُخبِرْ به، ولا تعارُضَ بين الأمرَيْنِ أصلًا؛ لافتراقِ الأمرَيْن.
وعليه: لا يَصِحُّ الاستدلالُ بها على تركِ العملِ بالشريعةِ في أيِّ أمرٍ مِن أمرِ الدِّينِ أو الدنيا؛ في مجالاتِ الحُكمِ والتدبيرِ والسياسةِ، أو غيرِها.
2- الحديثُ واردٌ في خيارٍ لأمرٍ دنيويٍّ محضٍ، لا يؤثِّرُ في أمرٍ دينيٍّ، وهو تأبيرُ النخلِ؛ فيُحمَلُ على هذا المعنى:
فالاستدلالُ بهذا الحديثِ لا يلائِمُ دعوى أن الدِّينَ لا يتدخَّلُ في الشؤونِ السياسيَّةِ التي لها آثارُها في الأمورِ الدنيويَّة، أو أن النبيَّ ^ لم يُبعَثْ حاكمًا في أمورِ الدنيا؛ لأن الحديثَ لم يكن مما يتعلَّقُ بالأحكامِ العامَّة.
فعدمُ معرفتِهِ ^ بأمرٍ مِن هذه الأمورِ: غايةُ ما يدُلُّ عليه - عند أهلِ العلم- أنه لا يُشترَطُ في حقِّ الأنبياءِ العِصْمةُ عن الخطأِ في الأمورِ الدنيويَّةِ، التي لا تعلُّقَ لها بالأحكامِ الدينيَّةِ والأحوالِ الأُخرويَّة؛ لتعلُّق هِمَهِمُ العُلْيا بعلومِ الآخِرة، أما غيرُهم، فيَعلَمون ظاهرًا مِن الحياةِ الدنيا.
فالحديثُ دليلٌ على كمالِ مقامِ النبوَّةِ بإزاءِ مقامِ غيرِ الأنبياءِ مِن أهلِ الدنيا.
ثانيًا: بيانُ الأوجُهِ الدالَّةِ في نصوصِ الوحيِ على مناقَضةِ مَبدَأِ «العالَمانيَّة»: فقد جاءت نصوصٌ كثيرةٌ في الكتابِ والسيرةِ
والأحاديثِ الصحيحةِ، تتعلَّقُ بمجالاتِ الحياةِ المختلِفةِ التي يدَّعي أصحابُ الشبهةِ انفصالَ الدِّينِ عنها؛ وهي تدُلُّ على مناقَضةِ مَبدَأِ «العالَمانيَّة»:
1- فإننا إذا نظَرْنا في الكتابِ العزيزِ، نجدُهُ زاخرًا بما يدُلُّ على أن إرشادَهُ ^ لا يقتصِرُ على العقائدِ والعباداتِ، بل يعُمُّ أمورَ الدنيا:
- فنجدُ فيه نصوصًا في بيانِ ما يَحِلُّ أكلُهُ أو شربُه، وما لا يَحِلُّ فيه ذلك؛ قال تعالى:
{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ}
[الأنعام: 145]
وقال تعالى:
{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
[المائدة: 90].
- ونجدُ نصوصًا في بيانِ مَن يَحِلُّ نكاحُهنَّ، ومَن لا يَحِلُّ، ونصوصًا تحرِّمُ مباشَرةَ الزوجةِ في بعضِ الأحوالِ؛ كما قال تعالى:
{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}
[البقرة: 222].
- ونجدُ نصوصًا في قِسمةِ تَرِكاتِ الهالِكينَ على ورَثَتِهم؛ كما قال تعالى:
{يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}
الآيةَ [النساء: 11].
ومِن الأمورِ البيِّنةِ الواضحةِ: أن الأكلَ، والشربَ، والنكاحَ، والأموالَ الموروثةَ عن أُولي القُرْبى، كلُّ ذلك مِن أغراضِ هذه الحياةِ وغاياتِها.
2- والسِّيرةُ النبويَّةُ تدُلُّ بمجمَلِها وتفاصيلِها على أن للنبيِّ ^ حُكْمًا وتدبيرًا في الأمورِ الدنيويَّةِ، وفي سياسةِ الأمَّة:
فنحن إذا قلَّبْنا نظَرَنا في سِيرتِه، نجدُهُ كان يحكُمُ فيما شجَرَ بين الناس، ويُقيمُ الحدودَ والزواجرَ على مَن يَجْني على نَفْسٍ أو مال، أو عِرْضٍ أو عقل، ويَجمَعُ المالَ مِن حيثُ أمَرهُ الله، ويُنفِقُهُ في وجوهِ المصالح، وإسعادِ ذوي الحاجة، ويتولَّى عَقْدَ التحالُفِ والمعاهَداتِ، والصلحِ وإعلانِ الحربِ، ويدبِّرُ أمرَها، ويرسُمُ لها الخُطَطَ مع المشاوَرةِ في هذا السبيل، والأخذِ بأرجحِ الآراء.
3- ومِن الأحاديثِ في ذلك:
- ما جاء عن النبيِّ ^، قال:
«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً، فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ»
رواه أبو داود (3073)، والتِّرمِذيُّ (1378)
قال عُرْوةُ بنُ الزُّبَيرِ - راوي الحديثِ -:
«فلقَدْ خبَّرني الذي حدَّثني هذا الحديثَ: أن رَجُلَيْنِ اختصَمَا إلى رسولِ اللهِ ^؛ غرَسَ أحدُهما نخلًا في أرضِ الآخَرِ، فقضى لصاحِبِ الأرضِ بأرضِهِ، وأمَرَ صاحبَ النخلِ أن يُخرِجَ نخلَهُ منها، قال: فلقد رأيْتُها وإنها لتُضرَبُ أُصولُها بالفؤوسِ، وإنها لَنَخلٌ عُمٌّ، حتى أُخرِجَتْ منها».
- وأخرَجَ التِّرمِذيُّ (1209)، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضيَ الله عنه، عن النبيِّ ^، قال:
«التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ: مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ».
- وأخرَجَ البخاريُّ (2076)، عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهما؛ أن رسولَ اللهِ ^ قال:
«رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».
- وقد جاءت أحاديثُ كثيرةٌ في بَيْعِ ما لم يُقبَضْ، وفي بَيْعِ الثمارِ والزرعِ، وما مِن أمرٍ مِن الأمورِ وشأنٍ مِن الشؤونِ المتعلِّقةِ بالبيعِ والتجارةِ في أيِّ نوعٍ كان، إلا جاء فيه أحاديثُ كثيرةٌ مبيِّنةٌ لحُكمِه، وما يُعمَلُ فيه أمرًا ونهيًا. وبالجملةِ: فما مِن أمرٍ مِن أمورِ الدِّينِ أو الدنيا، أو حادثةٍ وقَعَتْ أو تقَعُ، إلا ولها حكمٌ يُؤخَذُ مِن الكتابِ، والسنَّةِ، أو منهما.
مختصر الجواب
مختصَرُ الإجابة:
حديثُ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» هو إحدى الرواياتِ لواقعةِ تأبيرِ النخلِ التي رواها مسلمٌ وغيرُه، ولها قصَّةٌ ينبغي استحضارُها بألفاظِها لتُفهَمَ على وجهِها حقًّا:
فالنبيُّ ^ أبدى ظنًّا في أمرِ النخل، وصرَّح بلفظٍ صريحٍ واضحٍ: أنه «ظَنٌّ»؛ حيثُ قال ^: «مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا»؛ فهو يُخبِرُ صادقًا عن نفسِهِ أنه يظُنُّ ولا يَجزِمُ بهذا الأمر، وبعد ذلك لم يكن ظنُّه مطابِقًا للواقع، ولا يَقدَحُ فيه ^؛ لأنه أمرٌ دنيويٌّ جزئيٌّ.
فلا يَصِحُّ أن يُقاسَ عليه ما قاله ^ على صيغةِ الجزمِ، سواءٌ في أمورِ الدنيا أو الآخرةِ؛ لأنه رسولُ اللهِ لا يَنطِقُ إلا حقًّا، ويجبُ تصديقُهُ وطاعتُهُ، وهو وحيٌ يُوحَى، ولا يقولُ بغيرِ علم.
فهو أعلَمُ منهم بما أخبَرَ به مِن أمورِ الدِّينِ والدنيا؛ لأنه محفوظٌ مِن الله، ومؤيَّدٌ بالوحي، وهم - في الجملةِ - أعلمُ بجملةِ أمورِ الدنيا مما لم يُخبِرْ به، ولا تعارُضَ بين الأمرَيْنِ أصلًا؛ لافتراقِ الأمرَيْن.
وعليه: لا يَصِحُّ الاستدلالُ بها على تركِ العملِ بالشريعةِ في أيِّ أمرٍ مِن أمورِ الدنيا أو الدِّينِ؛ في مجالاتِ الحُكمِ والتدبيرِ والسياسةِ، أو غيرِها؛ لأن كونَهم أعلَمَ عمومًا بأمورِ دُنْياهم، لا يَلزَمُ منه أنه سيقولُ شيئًا بغيرِ علمٍ؛ فهذا أمرٌ يُذَمُّ به الإنسانُ؛ فكيف يقَعُ ممَّن هو كاملُ النبوَّة؟! وقد جاءت نصوصٌ كثيرةٌ في الكتابِ والسنَّةِ
والسيرةِ النبويَّةِ، تتعلَّقُ بمجالاتِ الحياةِ المختلِفةِ التي يدَّعي أصحابُ الشبهةِ انفصالَ الدِّينِ عنها؛ وهي تدُلُّ على مناقَضةِ مَبدَأِ «العالَمانيَّة»:
فإننا نجدُ الكتابَ العزيزَ زاخرًا بما يدُلُّ على أن إرشادَهُ لا يقتصِرُ على العقائدِ والعباداتِ، بل يعُمُّ أمورَ الدنيا؛ كالأكلِ والشرب، والنكاحِ والمواريث، والبيوعِ والمعامَلات، وغيرِ ذلك؛ وكلُّ ذلك مِن أغراضِ هذه الحياةِ وغاياتِها، وفي الأحاديثِ مثلُ ذلك.
كما نجدُ السيرةَ النبويَّةَ دالَّةً على أن النبيَّ ^ كان يدبِّرُ أمورَ الأمَّةِ الدينيَّةَ والدنيويَّةَ؛ فكان يحكُمُ بين الناسِ، ويُقيمُ الحدودَ، ويتولَّى عَقْدَ التحالُفِ والمعاهَداتِ، والصلحِ والحربِ، وغيرَ ذلك مِن وظائفِ الإمامة. وبالجملةِ: فما مِن أمرٍ مِن أمورِ الدِّينِ أو الدنيا، أو حادثةٍ وقَعَتْ أو تقَعُ، إلا ولها حكمٌ يُؤخَذُ مِن الكتابِ، والسنَّةِ، أو منهما.
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية:
لا يُمكِنُ إهدارُ الشريعةِ لأجلِ حديثٍ له معنًى يُفهَمُ على وجهِهِ الصحيحِ مِن الرواياتِ الصحيحةِ والصريحة.
فالرسولُ ^ لا يَنطِقُ عن الهَوَى، وقد أمَرَ اللهُ بتصديقِهِ في كلِّ ما أخبَرَ، وطاعتِهِ في كلِّ ما أمَرَ. وأما الحديثُ المذكورُ، فقد أخبَرَ ^ أنه ظنٌّ في حادثةٍ مخصوصةٍ في أمرٍ دينويٍّ محضٍ، لا أثَرَ له في أمورِ الدِّين؛ فلا تبطُلُ الشريعةُ به.
مختصر الجواب
مختصَرُ الإجابة:
حديثُ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» هو إحدى الرواياتِ لواقعةِ تأبيرِ النخلِ التي رواها مسلمٌ وغيرُه، ولها قصَّةٌ ينبغي استحضارُها بألفاظِها لتُفهَمَ على وجهِها حقًّا:
فالنبيُّ ^ أبدى ظنًّا في أمرِ النخل، وصرَّح بلفظٍ صريحٍ واضحٍ: أنه «ظَنٌّ»؛ حيثُ قال ^: «مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا»؛ فهو يُخبِرُ صادقًا عن نفسِهِ أنه يظُنُّ ولا يَجزِمُ بهذا الأمر، وبعد ذلك لم يكن ظنُّه مطابِقًا للواقع، ولا يَقدَحُ فيه ^؛ لأنه أمرٌ دنيويٌّ جزئيٌّ.
فلا يَصِحُّ أن يُقاسَ عليه ما قاله ^ على صيغةِ الجزمِ، سواءٌ في أمورِ الدنيا أو الآخرةِ؛ لأنه رسولُ اللهِ لا يَنطِقُ إلا حقًّا، ويجبُ تصديقُهُ وطاعتُهُ، وهو وحيٌ يُوحَى، ولا يقولُ بغيرِ علم.
فهو أعلَمُ منهم بما أخبَرَ به مِن أمورِ الدِّينِ والدنيا؛ لأنه محفوظٌ مِن الله، ومؤيَّدٌ بالوحي، وهم - في الجملةِ - أعلمُ بجملةِ أمورِ الدنيا مما لم يُخبِرْ به، ولا تعارُضَ بين الأمرَيْنِ أصلًا؛ لافتراقِ الأمرَيْن.
وعليه: لا يَصِحُّ الاستدلالُ بها على تركِ العملِ بالشريعةِ في أيِّ أمرٍ مِن أمورِ الدنيا أو الدِّينِ؛ في مجالاتِ الحُكمِ والتدبيرِ والسياسةِ، أو غيرِها؛ لأن كونَهم أعلَمَ عمومًا بأمورِ دُنْياهم، لا يَلزَمُ منه أنه سيقولُ شيئًا بغيرِ علمٍ؛ فهذا أمرٌ يُذَمُّ به الإنسانُ؛ فكيف يقَعُ ممَّن هو كاملُ النبوَّة؟! وقد جاءت نصوصٌ كثيرةٌ في الكتابِ والسنَّةِ
والسيرةِ النبويَّةِ، تتعلَّقُ بمجالاتِ الحياةِ المختلِفةِ التي يدَّعي أصحابُ الشبهةِ انفصالَ الدِّينِ عنها؛ وهي تدُلُّ على مناقَضةِ مَبدَأِ «العالَمانيَّة»:
فإننا نجدُ الكتابَ العزيزَ زاخرًا بما يدُلُّ على أن إرشادَهُ لا يقتصِرُ على العقائدِ والعباداتِ، بل يعُمُّ أمورَ الدنيا؛ كالأكلِ والشرب، والنكاحِ والمواريث، والبيوعِ والمعامَلات، وغيرِ ذلك؛ وكلُّ ذلك مِن أغراضِ هذه الحياةِ وغاياتِها، وفي الأحاديثِ مثلُ ذلك.
كما نجدُ السيرةَ النبويَّةَ دالَّةً على أن النبيَّ ^ كان يدبِّرُ أمورَ الأمَّةِ الدينيَّةَ والدنيويَّةَ؛ فكان يحكُمُ بين الناسِ، ويُقيمُ الحدودَ، ويتولَّى عَقْدَ التحالُفِ والمعاهَداتِ، والصلحِ والحربِ، وغيرَ ذلك مِن وظائفِ الإمامة. وبالجملةِ: فما مِن أمرٍ مِن أمورِ الدِّينِ أو الدنيا، أو حادثةٍ وقَعَتْ أو تقَعُ، إلا ولها حكمٌ يُؤخَذُ مِن الكتابِ، والسنَّةِ، أو منهما.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
هذه الشبهةُ متعلِّقةٌ بحديثِ تأبيرِ النخل، ومَن تتبَّع الرواياتِ، عَلِمَ أنه لا حجَّةَ فيها على تركِ العملِ بالشريعة:
فعن موسى بنِ طَلْحةَ، عن أبيه، قال:
«مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ^ بِقَوْمٍ عَلَى رُؤُوسِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟»، فَقَالُوا: يُلَقِّحُونَهُ، يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى، فَيَلْقَحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ^: «مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا»، قَالَ: فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ، فَتَرَكُوهُ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ ^ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ، فَلْيَصْنَعُوهُ؛ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيْئًا، فَخُذُوا بِهِ؛ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»
رواه مسلم (2361).
وفي بعضِ الروياتِ الأخرى: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»؛ رواه مسلم (2363).
ولنوضِّحْ معنى الحديث: فالتأبيرُ هو التلقيحُ، وهو جعلُ شيءٍ مِن طَلْعِ الذَّكَرِ في الأُنْثى؛ لتحصيلِ ثمرتِها وبَلَحِها، وهو بمنزلةِ النُّطْفةِ للحمل، جرَتِ العادةُ لحكمةٍ إلهيَّةٍ؛ أنها لا تُثمِرُ بدونِه، وكان ^ مَرَّ بهم وهم يَفعَلون ذلك، فسأَلَهم عنه، فأخبَروهُ، فوقَعَ في ظنِّه احتمالُ أنهم لو ترَكوهُ، فقد يصلُحُ أيضًا، فأخبَرَهم بظنِّه ذلك، وأنه ظنٌّ، فترَكوهُ موافَقةً لظنِّه ^، فلم تُثمِرْ نخلُهم في ذلك العامِ، فلما أخبَروهُ بذلك، قال لهم: «إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا؛ فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ».
إن حقيقةَ هذه الشبهةِ: تقومُ على فهمٍ فاسدٍ لنصٍّ صحيحٍ ثابتٍ عن النبيِّ ^، ثم ترتيبِ دعوى مناقَضةٍ للدِّين، وهي مَبدَأُ «العالَمانيَّةِ» على هذا الفهم.
والجوابُ عنها يحتاجُ إلى بيانِ المعنى الصحيحِ لهذا الحديث، وكذلك بيانِ الأوجُهِ الدالَّةِ في نصوصِ الوحيِ على مناقَضةِ مَبدَأِ «العالَمانيَّةِ» على جهةِ الاختصار:
أوَّلًا: الجوابُ عن استدلالِهم بالحديثِ مِن وجوه:
1- حديثُ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»، جاء ما يفسِّرُهُ مِن رواياتِ القصَّةِ نفسِها:
فهو لم يُخبِرْ بأمرٍ حاسمٍ، بل قال بالظنِّ؛ حيثُ جاء في الحديثِ كما سبَقَ: قَالَ ^:
«مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا»، قَالَ: فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ، فَتَرَكُوهُ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ ^ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ، فَلْيَصْنَعُوهُ؛ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا؛ فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ ...».
فهو قد صرَّح بعبارةٍ واضحةٍ: «أنه ظَنَّ»، وهو الصادقُ المصدوقُ ^؛ فهو قد ظَنَّ ذلك.
فإذا جاء في موضعٍ، وأخبَرَ خبرًا جازمًا، أو أمَرَ أمرًا لازمًا، فهو الصادقُ المصدوقُ أيضًا؛ فلا يجوزُ معارَضتُهُ أو تخطئتُهُ فيه.
وكونُهم أعلمَ عمومًا بأمورِ دنياهم، لا يَلزَمُ مِن أنه سيقولُ شيئًا بغيرِ علمٍ؛ فهذا أمرٌ يُذَمُّ به الإنسانُ؛ فكيف يقَعُ ممَّن هو كاملُ النبوَّة؟!
بل هو أعلمُ منهم بما أخبَرَ به مِن أمورِ الدِّينِ والدنيا؛ لأنه محفوظٌ مِن الله، ومؤيَّدٌ بالوحي، وهم - في الجملةِ - أعلمُ بجملةِ أمورِ الدنيا مما لم يُخبِرْ به، ولا تعارُضَ بين الأمرَيْنِ أصلًا؛ لافتراقِ الأمرَيْن.
وعليه: لا يَصِحُّ الاستدلالُ بها على تركِ العملِ بالشريعةِ في أيِّ أمرٍ مِن أمرِ الدِّينِ أو الدنيا؛ في مجالاتِ الحُكمِ والتدبيرِ والسياسةِ، أو غيرِها.
2- الحديثُ واردٌ في خيارٍ لأمرٍ دنيويٍّ محضٍ، لا يؤثِّرُ في أمرٍ دينيٍّ، وهو تأبيرُ النخلِ؛ فيُحمَلُ على هذا المعنى:
فالاستدلالُ بهذا الحديثِ لا يلائِمُ دعوى أن الدِّينَ لا يتدخَّلُ في الشؤونِ السياسيَّةِ التي لها آثارُها في الأمورِ الدنيويَّة، أو أن النبيَّ ^ لم يُبعَثْ حاكمًا في أمورِ الدنيا؛ لأن الحديثَ لم يكن مما يتعلَّقُ بالأحكامِ العامَّة.
فعدمُ معرفتِهِ ^ بأمرٍ مِن هذه الأمورِ: غايةُ ما يدُلُّ عليه - عند أهلِ العلم- أنه لا يُشترَطُ في حقِّ الأنبياءِ العِصْمةُ عن الخطأِ في الأمورِ الدنيويَّةِ، التي لا تعلُّقَ لها بالأحكامِ الدينيَّةِ والأحوالِ الأُخرويَّة؛ لتعلُّق هِمَهِمُ العُلْيا بعلومِ الآخِرة، أما غيرُهم، فيَعلَمون ظاهرًا مِن الحياةِ الدنيا.
فالحديثُ دليلٌ على كمالِ مقامِ النبوَّةِ بإزاءِ مقامِ غيرِ الأنبياءِ مِن أهلِ الدنيا.
ثانيًا: بيانُ الأوجُهِ الدالَّةِ في نصوصِ الوحيِ على مناقَضةِ مَبدَأِ «العالَمانيَّة»: فقد جاءت نصوصٌ كثيرةٌ في الكتابِ والسيرةِ
والأحاديثِ الصحيحةِ، تتعلَّقُ بمجالاتِ الحياةِ المختلِفةِ التي يدَّعي أصحابُ الشبهةِ انفصالَ الدِّينِ عنها؛ وهي تدُلُّ على مناقَضةِ مَبدَأِ «العالَمانيَّة»:
1- فإننا إذا نظَرْنا في الكتابِ العزيزِ، نجدُهُ زاخرًا بما يدُلُّ على أن إرشادَهُ ^ لا يقتصِرُ على العقائدِ والعباداتِ، بل يعُمُّ أمورَ الدنيا:
- فنجدُ فيه نصوصًا في بيانِ ما يَحِلُّ أكلُهُ أو شربُه، وما لا يَحِلُّ فيه ذلك؛ قال تعالى:
{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ}
[الأنعام: 145]
وقال تعالى:
{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
[المائدة: 90].
- ونجدُ نصوصًا في بيانِ مَن يَحِلُّ نكاحُهنَّ، ومَن لا يَحِلُّ، ونصوصًا تحرِّمُ مباشَرةَ الزوجةِ في بعضِ الأحوالِ؛ كما قال تعالى:
{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}
[البقرة: 222].
- ونجدُ نصوصًا في قِسمةِ تَرِكاتِ الهالِكينَ على ورَثَتِهم؛ كما قال تعالى:
{يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}
الآيةَ [النساء: 11].
ومِن الأمورِ البيِّنةِ الواضحةِ: أن الأكلَ، والشربَ، والنكاحَ، والأموالَ الموروثةَ عن أُولي القُرْبى، كلُّ ذلك مِن أغراضِ هذه الحياةِ وغاياتِها.
2- والسِّيرةُ النبويَّةُ تدُلُّ بمجمَلِها وتفاصيلِها على أن للنبيِّ ^ حُكْمًا وتدبيرًا في الأمورِ الدنيويَّةِ، وفي سياسةِ الأمَّة:
فنحن إذا قلَّبْنا نظَرَنا في سِيرتِه، نجدُهُ كان يحكُمُ فيما شجَرَ بين الناس، ويُقيمُ الحدودَ والزواجرَ على مَن يَجْني على نَفْسٍ أو مال، أو عِرْضٍ أو عقل، ويَجمَعُ المالَ مِن حيثُ أمَرهُ الله، ويُنفِقُهُ في وجوهِ المصالح، وإسعادِ ذوي الحاجة، ويتولَّى عَقْدَ التحالُفِ والمعاهَداتِ، والصلحِ وإعلانِ الحربِ، ويدبِّرُ أمرَها، ويرسُمُ لها الخُطَطَ مع المشاوَرةِ في هذا السبيل، والأخذِ بأرجحِ الآراء.
3- ومِن الأحاديثِ في ذلك:
- ما جاء عن النبيِّ ^، قال:
«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً، فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ»
رواه أبو داود (3073)، والتِّرمِذيُّ (1378)
قال عُرْوةُ بنُ الزُّبَيرِ - راوي الحديثِ -:
«فلقَدْ خبَّرني الذي حدَّثني هذا الحديثَ: أن رَجُلَيْنِ اختصَمَا إلى رسولِ اللهِ ^؛ غرَسَ أحدُهما نخلًا في أرضِ الآخَرِ، فقضى لصاحِبِ الأرضِ بأرضِهِ، وأمَرَ صاحبَ النخلِ أن يُخرِجَ نخلَهُ منها، قال: فلقد رأيْتُها وإنها لتُضرَبُ أُصولُها بالفؤوسِ، وإنها لَنَخلٌ عُمٌّ، حتى أُخرِجَتْ منها».
- وأخرَجَ التِّرمِذيُّ (1209)، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضيَ الله عنه، عن النبيِّ ^، قال:
«التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ: مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ».
- وأخرَجَ البخاريُّ (2076)، عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهما؛ أن رسولَ اللهِ ^ قال:
«رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».
- وقد جاءت أحاديثُ كثيرةٌ في بَيْعِ ما لم يُقبَضْ، وفي بَيْعِ الثمارِ والزرعِ، وما مِن أمرٍ مِن الأمورِ وشأنٍ مِن الشؤونِ المتعلِّقةِ بالبيعِ والتجارةِ في أيِّ نوعٍ كان، إلا جاء فيه أحاديثُ كثيرةٌ مبيِّنةٌ لحُكمِه، وما يُعمَلُ فيه أمرًا ونهيًا. وبالجملةِ: فما مِن أمرٍ مِن أمورِ الدِّينِ أو الدنيا، أو حادثةٍ وقَعَتْ أو تقَعُ، إلا ولها حكمٌ يُؤخَذُ مِن الكتابِ، والسنَّةِ، أو منهما.
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية:
لا يُمكِنُ إهدارُ الشريعةِ لأجلِ حديثٍ له معنًى يُفهَمُ على وجهِهِ الصحيحِ مِن الرواياتِ الصحيحةِ والصريحة.
فالرسولُ ^ لا يَنطِقُ عن الهَوَى، وقد أمَرَ اللهُ بتصديقِهِ في كلِّ ما أخبَرَ، وطاعتِهِ في كلِّ ما أمَرَ. وأما الحديثُ المذكورُ، فقد أخبَرَ ^ أنه ظنٌّ في حادثةٍ مخصوصةٍ في أمرٍ دينويٍّ محضٍ، لا أثَرَ له في أمورِ الدِّين؛ فلا تبطُلُ الشريعةُ به.