نص السؤال

أليس في الصلاةِ خمسَ مرَّاتٍ مشقَّةٌ على الإنسانِ، وقطعٌ له عن أعمالِه؟ أَلَا تكفي صلاةٌ واحدةٌ، كما يُوجَدُ في أديانٍ أخرى؛ تتحقَّقُ بها المقاصدُ المرجوَّةُ مِن الصلاة، ولا يكونُ فيها انقطاعٌ عن الحياة؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

المسلِمون يصلُّون خمسَ مرَّاتٍ يوميًّا؛ أَلَا تَرَوْنَ هذا كثيرًا في زمانِنا المعاصِر، زمَنِ العِلمِ والتكنولوجيا والأعمالِ التِّجاريَّةِ المعقَّدة؟

الجواب التفصيلي


يَرَى بعضُهم: أن صلاةَ المسلِمين في اليومِ كثيرةٌ، وأنهم يحتاجون إلى أن يخفِّفوها إلى صلاةٍ واحدةٍ في هذا العصر.

والجوابُ على هذه الشبهةِ مِن عدَّةِ أوجُه:

الوجهُ الأوَّلُ: أن الحياةَ التي يُريدُها الإسلامُ للإنسانِ، هي الحياةُ الطيِّبةُ السعيدةُ المتوازِنة، والتي يرتبِطُ فيها الإنسانُ إيمانيًّا ورُوحيًّا بربِّه الذي خلَقهُ، وليست الحياةَ المادِّيَّةَ المُفرِطةَ التي تَجعَلُ الإنسانَ ينهمِكُ فيها ويَنْسى، ويغفُلُ عن ربِّهِ ونفسِهِ وأسرتِه، والآخَرين مِن حولِه؛ فينحرِفُ سلوكُه، وتسُوءُ أخلاقُه.

وتأتي العباداتُ في الإسلامِ - ومنها الصلواتُ الخمسُ - لتحقيقِ ذلك التوازُنِ، وتلك الحياةِ الطيِّبة؛ فالصلاةُ عبادةٌ وصِلةٌ بين الإنسانِ وربِّه عزَّ وجلَّ، فيستمِدُّ مِن مناجاتِهِ لربِّه القوَّةَ والمَدَدَ على إرادةِ الخيرِ ومكارمِ الأخلاق، ويجدُ فيها ما يوجِّهُهُ لكلِّ خيرٍ في حياتِه؛ قال تعالى:

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}

[النحل: 97].

الوجهُ الثاني: أن الصلاةَ في الإسلامِ عبادةٌ يؤدِّيها المسلِمُ لربِّه عزَّ وجلَّ؛ ابتغاءَ وجهِهِ، وطلبًا لمرضاتِه، ولهذه الصلواتِ الخمسِ التي يؤدِّيها المسلِمُ في اليومِ والليلةِ فوائدُ طيِّبةٌ، وثمَراتٌ حسَنةٌ على حياتِهِ؛ في جسَدِهِ وقلبِه، وعقلِهِ ورُوحِه، وللصلاةِ تأثيراتُها الحضاريَّةُ على حياةِ المجتمَعِ المسلِمِ، يَظهَرُ ذلك في العُمْرانِ، وفي اللِّباسِ، وفي طرائقِ الحياة؛ فالصلاةُ ليست معطِّلةً لجوانبِ الحياة، بل هي التي تُضيفُ للفردِ وللمجتمَعِ المسلِمِ تميُّزَهُ وقوَّتَهُ ونشاطَهُ؛ إذا حرَصَ على تأديَتِها والمحافَظةِ عليها.

فما يتحقَّقُ للفردِ وللمجتمَعِ المسلِمِ مِن المحافَظةِ على الصلاة، أفضلُ بكثيرٍ مما يتحقَّقُ لمَن لا يؤدِّي الصلاةَ، ولا يحافِظُ عليها.

الوجهُ الثالثُ: أن الصلاةَ تحقِّقُ للإنسانِ الاستقرارَ والصحَّةَ النفسيَّةَ؛ فتُزيلُ كلَّ ما ترسَّب في باطنِهِ مِن اكتئابٍ وقلَقٍ ومخاوِفَ، وانفعالاتٍ نفسيَّةٍ، وتحقِّقُ له راحةَ القلب، وطُمَأنِينةَ الفؤاد، وانشراحَ الصَّدْر، وسعادةَ الرُّوح؛ ولذلك كان النبيُّ محمَّدٌ ^ يقولُ لبلالِ بنِ رَبَاحٍ رضِيَ الله عنه: 

«قُمْ يَا بِلَالُ، فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ»؛ 

رواه أبو داود (4986).

ولذلك عندما يؤدِّي المسلِمُ الصلاةَ في اليومِ عدَّةَ مرَّاتٍ، فإنها أشبَهُ ما تكونُ بالمصفِّي والمرشِّحِ الذي يصفِّي نَفْسَهُ وينقِّي رُوحَهُ طَوَالَ الوقتِ مِن كَدَرِ الحياة.

الوجهُ الرابعُ: أن الصلاةَ تُكسِبُ الإنسانَ نظافةً معنويَّةً، ونظافةً حسِّيَّةً جسَديَّةً ظاهريَّةً، تنعكِسُ على نظافةِ بدَنِهِ ومَلبَسِه، وسلامةِ سلوكِهِ مِن مساوئِ الأخلاقِ ومذمومِها.

فالطهارةُ والنظافةُ مِن الخُلُقِ الجميل، والذَّوْقِ الرفيع، وهو ما تُنشِئُهُ العبادةُ في المتعبِّدين؛ فإذا حافَظَ المجتمَعُ على هذه العباداتِ، ظهَرَتْ عليهِمُ النظافةُ الحسِّيَّةُ والمعنويَّةُ، وتوارَتْ عنهمُ الأمراضُ النفسيَّةُ والجسَديَّةُ؛ فالصلاةُ لا تُقبَلُ إلا بطُهُور، والإنسانُ يصلِّي في يومِهِ خمسَ مرَّات، وهذا يعني أنه يتوضَّأُ في يومِهِ خمسَ مرَّات، والوضوءُ غَسْلٌ وطهارةٌ، ونظافةٌ حسِّيَّةٌ ومعنويَّة.

ولك أن تتخيَّلَ معامَلتَكَ مع موظَّفٍ يتنظَّفُ خَمْسَ مرَّاتٍ، ويذكُرُ ربَّه مع كلِّ صلاةٍ؛ أليس هذا في صالِحِهِ وصالحِ مجتمَعِه؟!

وفي الصلاةِ طهارةٌ معنويَّةٌ مِن الذنوبِ والخطايا؛ عن أبي هُرَيرةَ رضِيَ الله عنه؛ أنه سَمِعَ رسولَ الله ﷺ يقولُ: 

«أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ؛ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟»، قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؛ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا» 

رواه البخاري (528)، ومسلم (667).

الوجهُ الخامسُ: أنَّ في التوقيتِ الزمانيِّ لأوقاتِ الصلواتِ إذا حافَظَ عليها الإنسانُ المسلِمُ: تربيةً لإرادتِهِ على الانضباط؛ وهذا ينعكِسُ على حياتِه؛ فيكونُ عنده انضباطٌ في وقتِهِ ومواعيدِه، وأوقاتِ دراستِهِ وعملِه.

والصلاةُ تربِّي الإنسانَ على قوَّةِ الإرادة، والانضباطِ في الحياة؛ فيستطيعُ التحكُّمَ في نفسِه، وكَبْحَ شهَواتِها، ومَنْعَها مِن الوقوعِ في المخالَفاتِ والمحرَّماتِ والمنكَراتِ التي تضُرُّه، وتضُرُّ المجتمَع.

وذلك لِمَا تبُثُّهُ الصلاةُ في قلبِ الإنسانِ مِن خشيةِ اللهِ تعالى، وطلَبِ رضاهُ، ورجاءِ رحمتِه، ولما فيها مِن تذكيرٍ مستمِرٍّ للإنسانِ بربِّه عزَّ وجلَّ؛ فالمواظَبةُ على الصلاةِ بالهيئةِ المطلوبةِ تَحمِلُ صاحِبَها على تركِ الفواحشِ والمنكَراتِ؛ كما قال تعالى:

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}

[العنكبوت: 45].

والصلاةُ تَجعَلُ الإنسانَ المؤمِنَ يُقبِلُ على الطاعاتِ، والأعمالِ الصالحةِ، والعاداتِ الحسَنة؛ فالصلاةُ تُسهِمُ في إيجادِ الإنسانِ الفاضل، والمواطِنِ الصالح.

الوجهُ السادسُ: أن الصلاةَ تحقِّقُ بين أفرادِ المجتمَعِ المسلِمِ التعارُفَ والترابُطَ والتعاوُنَ، وتثبِّتُ هذه الرُّوحُ الإسلاميَّةُ لدى الفردِ كثرةَ اللقاءات، وتَكْرارَ المشاهَدة؛ وهذا يَتِمُّ مِن خلالِ الاجتماعِ اليوميِّ لأداءِ الصلوات، وأسبوعيًّا لأداءِ صلاةِ الجُمُعة؛ فالصلاةُ تعلِّمُ أفرادَ المجتمَعِ التعاوُنَ والتآلُفَ والمحبَّة.

الوجهُ السابعُ: أن الصلواتِ الخمسَ بينها وقتٌ طويلٌ، ولا سيَّما بين صلاةِ الفجرِ والظهرِ التي هي مدَّةُ ذِرْوةِ العمَل، وبين صلاةِ العشاءِ والفجرِ التي هي مدَّةُ الراحةِ والنوم؛ فهي لا تعُوقُ حياةَ المسلِم، ولا تَشغَلُه، بل هي منظِّمةٌ لحياةِ المسلِمِ ولأوقاتِه.

وكذلك لا يحتاجُ الإنسانُ إلى وقتٍ طويلٍ لتأديةِ الصلاة؛ فكلُّ ما يحتاجُهُ للوضوءِ والاستعدادِ للصلاةِ وتأديتِها، هو ما يقارِبُ رُبُعَ ساعة، أو نحوَ ذلك، ولا يُعَدُّ ذلك وقتًا طويلًا مِن مجمَلِ ساعاتِ اليوم. وهذا الوقتُ الذي يؤدِّي فيه المسلِمُ الصلاةَ يمثِّلُ وقتًا للراحةِ وتجديدِ النشاط؛ مما يَجعَلُهُ بعد ذلك يُنتِجُ أكثرَ وأفضلَ في عملِهِ، وفي حياتِه.


مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

السائلُ يَرَى أن صلاةَ المسلِمين في اليومِ خمسَ مرَّاتٍ فيها مشقَّةٌ في ذاتِها، وأنها عائقٌ لهم عن الإنتاجِ والإنجازِ في ميادينِ العمل.

مختصَرُ الإجابة:

الإسلامُ له نظرةٌ شاملةٌ للحياةِ التي ينبغي للإنسانِ أن يَحْياها؛ فهو يَسْعى لإيجادِ الحياةِ الطيِّبةِ السعيدةِ المتوازِنةِ للإنسان، والتي يرتبِطُ فيها الإنسانُ إيمانيًّا ورُوحيًّا بربِّه الذي خلَقهُ؛ في كلِّ يومٍ، وفي كلِّ لحظةٍ، مِن خلالِ الصلاةِ وغيرِها مِن العبادات.

فالصلاةُ في الإسلامِ هي عبادةٌ يؤدِّيها المسلِمُ لربِّهِ؛ ابتغاءَ وجهِهِ، وطلبًا لمرضاتِه، ولهذه الصلواتِ الخمسِ فوائدُ طيِّبةٌ، وثمَراتٌ حسَنةٌ على حياتِهِ؛ في جسَدِهِ وقلبِه، وعقلِهِ ورُوحِه، وكذلك للصلاةِ تأثيراتُها الحضاريَّةُ على حياةِ المجتمَعِ المسلِمِ؛ فالصلاةُ ليست معطِّلةً لجوانبِ الحياة، بل هي التي تُضيفُ للفردِ وللمجتمَعِ المسلِمِ تميُّزَهُ وقوَّتَهُ ونشاطَهُ؛ إذا حرَصَ على تأديتِها، والمحافَظةِ عليها.

على أن هذه الصلواتِ الخمسَ بينها وقتٌ طويلٌ؛ فهي لا تَعُوقُ حياةَ المسلِمِ ولا تَشغَلُه؛ فإن الإنسانَ لا يحتاجُ إلى وقتٍ طويلٍ لتأديةِ الصلاة، وهذا الوقتُ الذي يؤدِّي فيه المسلِمُ الصلاةَ يمثِّلُ وقتًا للراحةِ وتجديدِ النشاط؛ مما يَجعَلُهُ بعد ذلك يُنتِجُ أكثرَ وأفضلَ في عملِهِ، وفي حياتِه.

خاتمة الجواب

وهذه الفوائدُ العظيمةُ وغيرُها مِن الفوائدِ للصلاةِ تتحقَّقُ في حياةِ الإنسانِ المسلِمِ، عندما يحافِظُ عليها، ويَحرِصُ على تأديتِها على الوجهِ الأكمل، وهي لا تأخُذُ إلا جزءًا يسيرًا مِن ساعاتِ يومِه.

فعلى المسلِمِ أن يحافِظَ على الصلواتِ الخمسِ في أوقاتِها؛ حتى تكونَ له نُورًا في حياتِه، ونجاةً له يومَ القيامة: عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو رضِيَ اللهُ عنهما، عن النبيِّ ﷺ؛ أنه ذكَرَ الصلاةَ يومًا، فقال:

«مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا، كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؛

رواه أحمد (6576).


مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

السائلُ يَرَى أن صلاةَ المسلِمين في اليومِ خمسَ مرَّاتٍ فيها مشقَّةٌ في ذاتِها، وأنها عائقٌ لهم عن الإنتاجِ والإنجازِ في ميادينِ العمل.

مختصَرُ الإجابة:

الإسلامُ له نظرةٌ شاملةٌ للحياةِ التي ينبغي للإنسانِ أن يَحْياها؛ فهو يَسْعى لإيجادِ الحياةِ الطيِّبةِ السعيدةِ المتوازِنةِ للإنسان، والتي يرتبِطُ فيها الإنسانُ إيمانيًّا ورُوحيًّا بربِّه الذي خلَقهُ؛ في كلِّ يومٍ، وفي كلِّ لحظةٍ، مِن خلالِ الصلاةِ وغيرِها مِن العبادات.

فالصلاةُ في الإسلامِ هي عبادةٌ يؤدِّيها المسلِمُ لربِّهِ؛ ابتغاءَ وجهِهِ، وطلبًا لمرضاتِه، ولهذه الصلواتِ الخمسِ فوائدُ طيِّبةٌ، وثمَراتٌ حسَنةٌ على حياتِهِ؛ في جسَدِهِ وقلبِه، وعقلِهِ ورُوحِه، وكذلك للصلاةِ تأثيراتُها الحضاريَّةُ على حياةِ المجتمَعِ المسلِمِ؛ فالصلاةُ ليست معطِّلةً لجوانبِ الحياة، بل هي التي تُضيفُ للفردِ وللمجتمَعِ المسلِمِ تميُّزَهُ وقوَّتَهُ ونشاطَهُ؛ إذا حرَصَ على تأديتِها، والمحافَظةِ عليها.

على أن هذه الصلواتِ الخمسَ بينها وقتٌ طويلٌ؛ فهي لا تَعُوقُ حياةَ المسلِمِ ولا تَشغَلُه؛ فإن الإنسانَ لا يحتاجُ إلى وقتٍ طويلٍ لتأديةِ الصلاة، وهذا الوقتُ الذي يؤدِّي فيه المسلِمُ الصلاةَ يمثِّلُ وقتًا للراحةِ وتجديدِ النشاط؛ مما يَجعَلُهُ بعد ذلك يُنتِجُ أكثرَ وأفضلَ في عملِهِ، وفي حياتِه.

الجواب التفصيلي


يَرَى بعضُهم: أن صلاةَ المسلِمين في اليومِ كثيرةٌ، وأنهم يحتاجون إلى أن يخفِّفوها إلى صلاةٍ واحدةٍ في هذا العصر.

والجوابُ على هذه الشبهةِ مِن عدَّةِ أوجُه:

الوجهُ الأوَّلُ: أن الحياةَ التي يُريدُها الإسلامُ للإنسانِ، هي الحياةُ الطيِّبةُ السعيدةُ المتوازِنة، والتي يرتبِطُ فيها الإنسانُ إيمانيًّا ورُوحيًّا بربِّه الذي خلَقهُ، وليست الحياةَ المادِّيَّةَ المُفرِطةَ التي تَجعَلُ الإنسانَ ينهمِكُ فيها ويَنْسى، ويغفُلُ عن ربِّهِ ونفسِهِ وأسرتِه، والآخَرين مِن حولِه؛ فينحرِفُ سلوكُه، وتسُوءُ أخلاقُه.

وتأتي العباداتُ في الإسلامِ - ومنها الصلواتُ الخمسُ - لتحقيقِ ذلك التوازُنِ، وتلك الحياةِ الطيِّبة؛ فالصلاةُ عبادةٌ وصِلةٌ بين الإنسانِ وربِّه عزَّ وجلَّ، فيستمِدُّ مِن مناجاتِهِ لربِّه القوَّةَ والمَدَدَ على إرادةِ الخيرِ ومكارمِ الأخلاق، ويجدُ فيها ما يوجِّهُهُ لكلِّ خيرٍ في حياتِه؛ قال تعالى:

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}

[النحل: 97].

الوجهُ الثاني: أن الصلاةَ في الإسلامِ عبادةٌ يؤدِّيها المسلِمُ لربِّه عزَّ وجلَّ؛ ابتغاءَ وجهِهِ، وطلبًا لمرضاتِه، ولهذه الصلواتِ الخمسِ التي يؤدِّيها المسلِمُ في اليومِ والليلةِ فوائدُ طيِّبةٌ، وثمَراتٌ حسَنةٌ على حياتِهِ؛ في جسَدِهِ وقلبِه، وعقلِهِ ورُوحِه، وللصلاةِ تأثيراتُها الحضاريَّةُ على حياةِ المجتمَعِ المسلِمِ، يَظهَرُ ذلك في العُمْرانِ، وفي اللِّباسِ، وفي طرائقِ الحياة؛ فالصلاةُ ليست معطِّلةً لجوانبِ الحياة، بل هي التي تُضيفُ للفردِ وللمجتمَعِ المسلِمِ تميُّزَهُ وقوَّتَهُ ونشاطَهُ؛ إذا حرَصَ على تأديَتِها والمحافَظةِ عليها.

فما يتحقَّقُ للفردِ وللمجتمَعِ المسلِمِ مِن المحافَظةِ على الصلاة، أفضلُ بكثيرٍ مما يتحقَّقُ لمَن لا يؤدِّي الصلاةَ، ولا يحافِظُ عليها.

الوجهُ الثالثُ: أن الصلاةَ تحقِّقُ للإنسانِ الاستقرارَ والصحَّةَ النفسيَّةَ؛ فتُزيلُ كلَّ ما ترسَّب في باطنِهِ مِن اكتئابٍ وقلَقٍ ومخاوِفَ، وانفعالاتٍ نفسيَّةٍ، وتحقِّقُ له راحةَ القلب، وطُمَأنِينةَ الفؤاد، وانشراحَ الصَّدْر، وسعادةَ الرُّوح؛ ولذلك كان النبيُّ محمَّدٌ ^ يقولُ لبلالِ بنِ رَبَاحٍ رضِيَ الله عنه: 

«قُمْ يَا بِلَالُ، فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ»؛ 

رواه أبو داود (4986).

ولذلك عندما يؤدِّي المسلِمُ الصلاةَ في اليومِ عدَّةَ مرَّاتٍ، فإنها أشبَهُ ما تكونُ بالمصفِّي والمرشِّحِ الذي يصفِّي نَفْسَهُ وينقِّي رُوحَهُ طَوَالَ الوقتِ مِن كَدَرِ الحياة.

الوجهُ الرابعُ: أن الصلاةَ تُكسِبُ الإنسانَ نظافةً معنويَّةً، ونظافةً حسِّيَّةً جسَديَّةً ظاهريَّةً، تنعكِسُ على نظافةِ بدَنِهِ ومَلبَسِه، وسلامةِ سلوكِهِ مِن مساوئِ الأخلاقِ ومذمومِها.

فالطهارةُ والنظافةُ مِن الخُلُقِ الجميل، والذَّوْقِ الرفيع، وهو ما تُنشِئُهُ العبادةُ في المتعبِّدين؛ فإذا حافَظَ المجتمَعُ على هذه العباداتِ، ظهَرَتْ عليهِمُ النظافةُ الحسِّيَّةُ والمعنويَّةُ، وتوارَتْ عنهمُ الأمراضُ النفسيَّةُ والجسَديَّةُ؛ فالصلاةُ لا تُقبَلُ إلا بطُهُور، والإنسانُ يصلِّي في يومِهِ خمسَ مرَّات، وهذا يعني أنه يتوضَّأُ في يومِهِ خمسَ مرَّات، والوضوءُ غَسْلٌ وطهارةٌ، ونظافةٌ حسِّيَّةٌ ومعنويَّة.

ولك أن تتخيَّلَ معامَلتَكَ مع موظَّفٍ يتنظَّفُ خَمْسَ مرَّاتٍ، ويذكُرُ ربَّه مع كلِّ صلاةٍ؛ أليس هذا في صالِحِهِ وصالحِ مجتمَعِه؟!

وفي الصلاةِ طهارةٌ معنويَّةٌ مِن الذنوبِ والخطايا؛ عن أبي هُرَيرةَ رضِيَ الله عنه؛ أنه سَمِعَ رسولَ الله ﷺ يقولُ: 

«أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ؛ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟»، قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؛ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا» 

رواه البخاري (528)، ومسلم (667).

الوجهُ الخامسُ: أنَّ في التوقيتِ الزمانيِّ لأوقاتِ الصلواتِ إذا حافَظَ عليها الإنسانُ المسلِمُ: تربيةً لإرادتِهِ على الانضباط؛ وهذا ينعكِسُ على حياتِه؛ فيكونُ عنده انضباطٌ في وقتِهِ ومواعيدِه، وأوقاتِ دراستِهِ وعملِه.

والصلاةُ تربِّي الإنسانَ على قوَّةِ الإرادة، والانضباطِ في الحياة؛ فيستطيعُ التحكُّمَ في نفسِه، وكَبْحَ شهَواتِها، ومَنْعَها مِن الوقوعِ في المخالَفاتِ والمحرَّماتِ والمنكَراتِ التي تضُرُّه، وتضُرُّ المجتمَع.

وذلك لِمَا تبُثُّهُ الصلاةُ في قلبِ الإنسانِ مِن خشيةِ اللهِ تعالى، وطلَبِ رضاهُ، ورجاءِ رحمتِه، ولما فيها مِن تذكيرٍ مستمِرٍّ للإنسانِ بربِّه عزَّ وجلَّ؛ فالمواظَبةُ على الصلاةِ بالهيئةِ المطلوبةِ تَحمِلُ صاحِبَها على تركِ الفواحشِ والمنكَراتِ؛ كما قال تعالى:

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}

[العنكبوت: 45].

والصلاةُ تَجعَلُ الإنسانَ المؤمِنَ يُقبِلُ على الطاعاتِ، والأعمالِ الصالحةِ، والعاداتِ الحسَنة؛ فالصلاةُ تُسهِمُ في إيجادِ الإنسانِ الفاضل، والمواطِنِ الصالح.

الوجهُ السادسُ: أن الصلاةَ تحقِّقُ بين أفرادِ المجتمَعِ المسلِمِ التعارُفَ والترابُطَ والتعاوُنَ، وتثبِّتُ هذه الرُّوحُ الإسلاميَّةُ لدى الفردِ كثرةَ اللقاءات، وتَكْرارَ المشاهَدة؛ وهذا يَتِمُّ مِن خلالِ الاجتماعِ اليوميِّ لأداءِ الصلوات، وأسبوعيًّا لأداءِ صلاةِ الجُمُعة؛ فالصلاةُ تعلِّمُ أفرادَ المجتمَعِ التعاوُنَ والتآلُفَ والمحبَّة.

الوجهُ السابعُ: أن الصلواتِ الخمسَ بينها وقتٌ طويلٌ، ولا سيَّما بين صلاةِ الفجرِ والظهرِ التي هي مدَّةُ ذِرْوةِ العمَل، وبين صلاةِ العشاءِ والفجرِ التي هي مدَّةُ الراحةِ والنوم؛ فهي لا تعُوقُ حياةَ المسلِم، ولا تَشغَلُه، بل هي منظِّمةٌ لحياةِ المسلِمِ ولأوقاتِه.

وكذلك لا يحتاجُ الإنسانُ إلى وقتٍ طويلٍ لتأديةِ الصلاة؛ فكلُّ ما يحتاجُهُ للوضوءِ والاستعدادِ للصلاةِ وتأديتِها، هو ما يقارِبُ رُبُعَ ساعة، أو نحوَ ذلك، ولا يُعَدُّ ذلك وقتًا طويلًا مِن مجمَلِ ساعاتِ اليوم. وهذا الوقتُ الذي يؤدِّي فيه المسلِمُ الصلاةَ يمثِّلُ وقتًا للراحةِ وتجديدِ النشاط؛ مما يَجعَلُهُ بعد ذلك يُنتِجُ أكثرَ وأفضلَ في عملِهِ، وفي حياتِه.


خاتمة الجواب

وهذه الفوائدُ العظيمةُ وغيرُها مِن الفوائدِ للصلاةِ تتحقَّقُ في حياةِ الإنسانِ المسلِمِ، عندما يحافِظُ عليها، ويَحرِصُ على تأديتِها على الوجهِ الأكمل، وهي لا تأخُذُ إلا جزءًا يسيرًا مِن ساعاتِ يومِه.

فعلى المسلِمِ أن يحافِظَ على الصلواتِ الخمسِ في أوقاتِها؛ حتى تكونَ له نُورًا في حياتِه، ونجاةً له يومَ القيامة: عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو رضِيَ اللهُ عنهما، عن النبيِّ ﷺ؛ أنه ذكَرَ الصلاةَ يومًا، فقال:

«مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا، كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؛

رواه أحمد (6576).