نص السؤال
لماذا كثيرٌ مِن أتباعِ الإسلامِ هم مِن العوامِّ والبُسَطاءِ السُّذَّج؟ أليس هذا بسببِ كونِ الإسلامِ دينًا خاليًا مِن مقوِّماتِ التفكيرِ العميق؛ ولهذا ينتشِرُ عالَمِيًّا؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
الجواب التفصيلي
الإسلامُ دينٌ عظيمٌ، وتعاليمُهُ سهلةٌ ويسيرةٌ وسَمْحةٌ؛ وهذا ما ساعَدَ على انتشارِهِ في أرجاءِ الأرض؛ ويَظهَرُ هذا الأمرُ مِن عدَّةِ أوجُهٍ: الوجهُ الأوَّلُ: الإسلامُ دِينٌ واضحٌ، يَفهَمُ معانيَهُ ويُدرِكُ أحكامَهُ كلُّ أحدٍ؛ فعقيدةُ الإسلامِ وشريعتُهُ في غايةِ الوضوحِ والبيان. وقد وصَفَ اللهُ تعالى كتابَهُ بأنه مُبينٌ واضحٌ لكلِّ مَن قرَأهُ؛ قال تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف: 1]. بينما نجدُ في كثيرٍ مِن العقائدِ والدِّياناتِ الأخرى غموضًا وتعقيدًا، ومسائلَ تَخْفى، وسؤالاتٍ لا يُجابُ عنها، بل يُوصِي كثيرٌ مِن الرهبانِ أتباعَهم مِن العوامِّ بالإعراضِ عن هذه المسائلِ؛ بحجَّةِ أنهم لا يُدرِكون مَعْناها، ولا يَفهَمون مَغْزاها. فالغموضُ يكتنِفُ تعاليمَ تلك الدِّيانات، وفيها مِن المعاني الفلسفيَّةِ المعقَّدةِ الكثيرُ الذي لا يقتنِعُ به العقلُ؛ كما أن في هذه الأديانِ كُهَّانًا أو رجالَ دينٍ يمارِسون سلطانًا دينيًّا وروحيًّا هائلًا على الجماهير، وتُحيطُ بهم هالةٌ مِن الغموضِ والأسرار؛ وهذا هو الذي جعَلَ الكثيرَ مِن أتباعِ هذه الدياناتِ يتمرَّدون عليها، ویترُکُونها إلى غيرِها؛ لِمَا عاشوا مِن قلَقٍ بسببِ عدمِ وضوحِ هذه الأديان. أما دِينُ الإسلامِ: فمِن خصائصِهِ الوضوحُ، وفهمُهُ ميسورٌ لكلِّ أحدٍ؛ بحيثُ لا يُوجَدُ فيه عقائدُ أو أفكارٌ يُمكِنُ أن تُحجَبَ عن بعضِ أتباعِه، أو أن تصدُرَ التوصيةُ مِن أحدٍ - أيًّا كان - بإخفائِها، بل بيانُ حقيقةِ الإسلامِ حقٌّ للجميعِ معرفتُها، كما أنه واجبٌ على كلِّ مَن عَلِمَها أن يعلِّمَها. ومما يجلِّي هذه الحقيقةَ، ويدُلُّ عليها: ما يجدُهُ المسلِمُ مِن الطُّمَأنِينةِ والسكينةِ والفخرِ بالإسلامِ دِينًا عن اقتناعٍ حقيقيٍّ بكونِهِ دِينًا سماويًّا غيرَ محرَّفٍ؛ ولذلك قَلَّ أن تجدَ مسلِمًا عارفًا بدينِهِ ومزاياه، ومطبِّقًا لأحكامِه، ثم يَرجِعَ عن الإسلام، ويرتدَّ عنه. وعن عِياضٍ المجاشِعيِّ، عن النبيِّ ﷺ، فيما يَرْويهِ عن اللهِ تبارَك وتعالى، قال: «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا»؛ رواه مسلم (2865). والحَنَفُ: هو الميلُ عن الضلالِ إلى الاستقامة؛ يقالُ: «تحنَّف فلانٌ»، أي: تحرَّى طريقَ الاستقامة، ضِدَّ «الجَنَفِ»؛ وهو الميلُ عن الاستقامةِ إلى الضلال: قال النبيُّ ^: «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ»؛ رواه أحمدُ (2107) وغيرُه، ، والحنيفيَّةُ: هي الإخلاصُ للهِ وحده في العبوديَّة. هذه هي حقيقةُ الإسلامِ الذي تُثارُ حوله الشبهاتُ في كلِّ عَصْرٍ، وهو راسخٌ لا تَنالُ منه شبهةُ حاقدْ، ولا تضُرُّهُ زَوبَعةُ رأيٍ فاسدْ. الوجهُ الثاني: الإسلامُ دِينُ الفطرة؛ فشعائرُهُ وشرائعُهُ لا تتعارَضُ ولا تتصادَمُ مع العقولِ السويَّة، والفِطَرِ المستقيمة؛ قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]. فالفطرةُ المغروسةُ في النفسِ البشَريَّةِ تقتضي الإيمانَ باللهِ تعالى وتوحيدَهُ والانقيادَ له، وعبادتَهُ دون مَن سواه، والفطرةُ السويَّةُ تقتضي حُبَّ الخير، وبُغْضَ الشرّ، وفِعْلَ الأمورِ الحسَنة، وتركَ الأمورِ السيِّئة. عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ ﷺ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»؛ رواه البخاري (1358)، ومسلم (2658). وعقيدةُ الإسلامِ، وأحكامُهُ وتشريعاتُه، والأخلاقُ التي حَثَّ عليها، والمبادئُ التي جاء بها، لا تنازِعُ الفطرةَ، ولا تناقِضُها، ولا تتعارَضُ معها، بل تتوافَقُ معها، وتَشهَدُ لها. وموافَقةُ الإسلامِ للفطرةِ كانت أحدَ العواملِ الرئيسةِ التي دفَعتِ الناسَ إلى الإقبالِ عليه، والدخولِ فيه. الوجهُ الثالثُ: الإسلامُ دينٌ عظيمٌ جاء موافِقًا للعقولِ السليمةِ؛ في عقيدتِهِ وأحكامِه؛ فلا تناقُضَ بين الإسلامِ والعقلِ البشَريِّ السَّوِيّ. فعقيدةُ الإسلامِ التي جاء بها القرآنُ والسنَّةُ، وقرَّراها، توافِقُ العقلَ السليمَ؛ ولذا نجدُ آياتِ القرآنِ تذكُرُ البراهينَ العقليَّةَ لتثبيتِ حقائقِ الإيمانِ بالله؛ كما في قولِهِ تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِله قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [المؤمنون: 84- 90]. وكما أن الإسلامَ يوافِقُ العقلَ في أحكامِهِ العقَديَّة، فهو أيضًا يوافِقُهُ في أحكامِهِ التعبُّديَّةِ، وأحكامِ الأسرةِ، والأخلاقِ والسلوك، وغيرِ ذلك؛ فما أمَرَ الإسلامُ بشيءٍ، أو نهى عن شيءٍ، إلا وهو يوافِقُ العقلَ السليمَ المتبصِّر. الوجهُ الرابعُ: الإسلامُ ينتشِرُ بين الناسِ في كافَّةِ بقاعِ الأرضِ بيُسْرٍ وبساطة، ويَظهَرُ ويهيمِنُ على الدياناتِ الأخرى، والأفكارِ المتعدِّدةِ؛ بسببِ مبادئِهِ السمحة، وتعاليمِهِ المعقولة، الهادئةِ البسيطة. فالإسلامُ يَحمِلُ سرَّ انتشارِه؛ حيثُ لم يَشهَدِ الوجودُ دِينًا انتشَرَ بسرعة، وعَمَّ جزءًا كبيرًا مِن المعمورة، ودخَلَ الناسُ فيه أفواجًا في زمنٍ قليلٍ مِثلَ الدِّينِ الإسلاميِّ؛ وذلك مصداقٌ لقولِهِ تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 9- 10]. إن سِرَّ انتشارِ الإسلامِ بارزٌ في فطرتِه؛ فهو الدِّينُ الذي يوافِقُ سُنَنَ اللهِ تعالى في الخِلْقةِ الإنسانيَّة؛ لأنه يُعْطي القُوَى الجسَديَّةَ والرُّوحانيَّةَ حقوقَها، دون إفراطٍ أو تفريطٍ، ويَسيرُ مع هذه القُوى على طريقِ الاعتدالِ حتى تبلُغَ كمالَها. ويَشهَدُ بهذا الأمرِ عددٌ مِن المستشرِقين، ومفكِّري الغربِ وعقلائِهم: يقولُ أحدُ المستشرِقين «جون نوس»: «إن بساطةَ هذا الدِّينِ ووضوحَهُ قد جذَبا إلى تعاليمِهِ تلك الملايينَ مِن الذين آمَنوا به، وعلى العمومِ: فإن الإسلامَ لم يُثقِلْ عقولَ أتباعِهِ بحشدٍ هائلٍ مِن الأسفارِ المقدَّسة، أو بفيضٍ مِن العقائدِ الغامضة». «الاستشراقُ وتشكيلُ نظرةِ الغربِ للإسلام» للدكتور محمَّد عبد الله الشَّرْقاويّ (ص 219). ويقولُ المفكِّرُ والمؤرِّخُ الإنجليزيُّ «هربرت جورج ويلز»، وهو يتحدَّثُ عن النبيِّ محمَّدٍ ﷺ: «إنه رجُلٌ رُكِّبَتْ فيه طِباعٌ كثيرةٌ، منها شدَّةُ الشعورِ الدينيِّ القويِّ، والإخلاصُ، وأُوحِيَ إليه مِن اللهِ كتابٌ هو القرآنُ، يَحْوي كثيرًا مِن التعاليمِ والشرائعِ والسُّنَن. ويحتوي الإسلامُ الذي فرَضهُ النبيُّ على العرَبِ دِينًا، الشيءَ الكثيرَ مِن القوَّةِ والإلهام؛ فمِن خصائصِهِ: التوحيدُ الذي لا هَوَادةَ فيه، وإيمانُهُ البسيطُ المتحمِّسُ بحكمِ اللهِ للناس، وأُبُوَّتُهُ الشاملةُ لهم، وخُلُوُّهُ مِن التعقيداتِ اللاهوتيَّة». «موجَزُ تاريخِ العالَم» لهربرت جورج ويلز (ص 202). |
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال: السائلُ يَرَى أن دينَ الإسلامِ دينٌ فيه بساطةٌ (أي خالٍ مِن العُمْق)؛ فهو يناسِبُ تفكيرَ العوامِّ؛ وهذا ما جعَلهُ يؤثِّرُ في العالَمِ، وينتشِرُ في كثيرٍ مِن البلدان. |
مختصَرُ الإجابة: هذا السؤالُ يَحمِلُ معنًى صحيحًا، ومعنًى باطلًا: أما المعنى الصحيحُ: فهو أن حقيقةَ الإسلامِ واضحةٌ، وتعاليمَ دِينِ الإسلامِ وأحكامَهُ فيها سماحةٌ ويُسْرٌ؛ ولهذا يستطيعُ أن يَعِيَها عامَّةُ الناسِ، ويَعمَلوا بها. وأما المعنى الباطلُ: فهو أن دِينَ الإسلامِ دِينٌ خُرافيٌّ، أو خالٍ مِن الأدلَّةِ والبراهينِ، وليس فيه شيءٌ مِن الكمالات، وأنه يناسِبُ جُهَّالَ الناسِ، ولا يناسِبُ أصحابَ العقول. والحقُّ: أن الإسلامَ دِينٌ عظيمٌ، وهو دينٌ سهلٌ واضحٌ، يَفهَمُ معانيَهُ ويُدرِكُها العقلُ بكلِّ يُسْر، ويستطيعُ فهمَ وتطبيقَ أحكامِهِ كلُّ أحدٍ؛ فعقيدةُ الإسلامِ وشريعتُهُ في غايةِ الوضوحِ والبيان. وليس في عقيدةِ الإسلامِ غموضٌ أو تناقُضٌ، وليس في أحكامِهِ ما يشُقُّ على النفسِ، أو تَعجِزُ عنه. وهو لا يُشبِهُ الأديانَ الأخرى التي تحتاجُ إلى تعاليمَ معقَّدةٍ، أو تأمُّلاتٍ شاقَّةٍ، أو تضحيَاتٍ باهظةٍ، أو أعمالٍ وتكاليفَ مُرهِقةٍ. وبساطةُ دِينِ الإسلامِ ووضوحُهُ قد جذَبَ إليه الكثيرَ مِن الناسِ الذين دخَلوا فيه، وآمَنوا به في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها. ومع ذلك: فهو دِينٌ عظيمٌ في عقيدتِهِ ومبادئِه، وأحكامِهِ وتشريعاتِه، يتوافَقُ مع العقلِ السليم، ولا يعارِضُهُ ولا يتناقَضُ معه. وهو دينٌ عظيمٌ؛ يَنهَضُ بالفردِ والأُسْرةِ، والمجتَمعِ والأُمَمِ؛ إذا ما تمسَّكوا به، وطبَّقوه في واقعِ حياتِهم. |
خاتمة الجواب
فالإسلامُ دِينٌ عظيمٌ، واضحُ المعالِم، سهلٌ وبسيطٌ في عقيدتِهِ وأحكامِه، موافِقٌ للفِطَرِ السويَّة، والعقولِ المستقيمة؛ وهذا أحدُ أسبابِ انتشارِه، وتزايُدِ الداخِلين فيه. والعجَبُ: أن أهلَ الباطلِ يَجعَلون الصفةَ الحسَنةَ صفةً مشوَّهةً، بعد أن يُضِيفوا عليها بَتْرَ الحقائق، وبعضَ الكذبات.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال: السائلُ يَرَى أن دينَ الإسلامِ دينٌ فيه بساطةٌ (أي خالٍ مِن العُمْق)؛ فهو يناسِبُ تفكيرَ العوامِّ؛ وهذا ما جعَلهُ يؤثِّرُ في العالَمِ، وينتشِرُ في كثيرٍ مِن البلدان. |
مختصَرُ الإجابة: هذا السؤالُ يَحمِلُ معنًى صحيحًا، ومعنًى باطلًا: أما المعنى الصحيحُ: فهو أن حقيقةَ الإسلامِ واضحةٌ، وتعاليمَ دِينِ الإسلامِ وأحكامَهُ فيها سماحةٌ ويُسْرٌ؛ ولهذا يستطيعُ أن يَعِيَها عامَّةُ الناسِ، ويَعمَلوا بها. وأما المعنى الباطلُ: فهو أن دِينَ الإسلامِ دِينٌ خُرافيٌّ، أو خالٍ مِن الأدلَّةِ والبراهينِ، وليس فيه شيءٌ مِن الكمالات، وأنه يناسِبُ جُهَّالَ الناسِ، ولا يناسِبُ أصحابَ العقول. والحقُّ: أن الإسلامَ دِينٌ عظيمٌ، وهو دينٌ سهلٌ واضحٌ، يَفهَمُ معانيَهُ ويُدرِكُها العقلُ بكلِّ يُسْر، ويستطيعُ فهمَ وتطبيقَ أحكامِهِ كلُّ أحدٍ؛ فعقيدةُ الإسلامِ وشريعتُهُ في غايةِ الوضوحِ والبيان. وليس في عقيدةِ الإسلامِ غموضٌ أو تناقُضٌ، وليس في أحكامِهِ ما يشُقُّ على النفسِ، أو تَعجِزُ عنه. وهو لا يُشبِهُ الأديانَ الأخرى التي تحتاجُ إلى تعاليمَ معقَّدةٍ، أو تأمُّلاتٍ شاقَّةٍ، أو تضحيَاتٍ باهظةٍ، أو أعمالٍ وتكاليفَ مُرهِقةٍ. وبساطةُ دِينِ الإسلامِ ووضوحُهُ قد جذَبَ إليه الكثيرَ مِن الناسِ الذين دخَلوا فيه، وآمَنوا به في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها. ومع ذلك: فهو دِينٌ عظيمٌ في عقيدتِهِ ومبادئِه، وأحكامِهِ وتشريعاتِه، يتوافَقُ مع العقلِ السليم، ولا يعارِضُهُ ولا يتناقَضُ معه. وهو دينٌ عظيمٌ؛ يَنهَضُ بالفردِ والأُسْرةِ، والمجتَمعِ والأُمَمِ؛ إذا ما تمسَّكوا به، وطبَّقوه في واقعِ حياتِهم. |
الجواب التفصيلي
الإسلامُ دينٌ عظيمٌ، وتعاليمُهُ سهلةٌ ويسيرةٌ وسَمْحةٌ؛ وهذا ما ساعَدَ على انتشارِهِ في أرجاءِ الأرض؛ ويَظهَرُ هذا الأمرُ مِن عدَّةِ أوجُهٍ: الوجهُ الأوَّلُ: الإسلامُ دِينٌ واضحٌ، يَفهَمُ معانيَهُ ويُدرِكُ أحكامَهُ كلُّ أحدٍ؛ فعقيدةُ الإسلامِ وشريعتُهُ في غايةِ الوضوحِ والبيان. وقد وصَفَ اللهُ تعالى كتابَهُ بأنه مُبينٌ واضحٌ لكلِّ مَن قرَأهُ؛ قال تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف: 1]. بينما نجدُ في كثيرٍ مِن العقائدِ والدِّياناتِ الأخرى غموضًا وتعقيدًا، ومسائلَ تَخْفى، وسؤالاتٍ لا يُجابُ عنها، بل يُوصِي كثيرٌ مِن الرهبانِ أتباعَهم مِن العوامِّ بالإعراضِ عن هذه المسائلِ؛ بحجَّةِ أنهم لا يُدرِكون مَعْناها، ولا يَفهَمون مَغْزاها. فالغموضُ يكتنِفُ تعاليمَ تلك الدِّيانات، وفيها مِن المعاني الفلسفيَّةِ المعقَّدةِ الكثيرُ الذي لا يقتنِعُ به العقلُ؛ كما أن في هذه الأديانِ كُهَّانًا أو رجالَ دينٍ يمارِسون سلطانًا دينيًّا وروحيًّا هائلًا على الجماهير، وتُحيطُ بهم هالةٌ مِن الغموضِ والأسرار؛ وهذا هو الذي جعَلَ الكثيرَ مِن أتباعِ هذه الدياناتِ يتمرَّدون عليها، ویترُکُونها إلى غيرِها؛ لِمَا عاشوا مِن قلَقٍ بسببِ عدمِ وضوحِ هذه الأديان. أما دِينُ الإسلامِ: فمِن خصائصِهِ الوضوحُ، وفهمُهُ ميسورٌ لكلِّ أحدٍ؛ بحيثُ لا يُوجَدُ فيه عقائدُ أو أفكارٌ يُمكِنُ أن تُحجَبَ عن بعضِ أتباعِه، أو أن تصدُرَ التوصيةُ مِن أحدٍ - أيًّا كان - بإخفائِها، بل بيانُ حقيقةِ الإسلامِ حقٌّ للجميعِ معرفتُها، كما أنه واجبٌ على كلِّ مَن عَلِمَها أن يعلِّمَها. ومما يجلِّي هذه الحقيقةَ، ويدُلُّ عليها: ما يجدُهُ المسلِمُ مِن الطُّمَأنِينةِ والسكينةِ والفخرِ بالإسلامِ دِينًا عن اقتناعٍ حقيقيٍّ بكونِهِ دِينًا سماويًّا غيرَ محرَّفٍ؛ ولذلك قَلَّ أن تجدَ مسلِمًا عارفًا بدينِهِ ومزاياه، ومطبِّقًا لأحكامِه، ثم يَرجِعَ عن الإسلام، ويرتدَّ عنه. وعن عِياضٍ المجاشِعيِّ، عن النبيِّ ﷺ، فيما يَرْويهِ عن اللهِ تبارَك وتعالى، قال: «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا»؛ رواه مسلم (2865). والحَنَفُ: هو الميلُ عن الضلالِ إلى الاستقامة؛ يقالُ: «تحنَّف فلانٌ»، أي: تحرَّى طريقَ الاستقامة، ضِدَّ «الجَنَفِ»؛ وهو الميلُ عن الاستقامةِ إلى الضلال: قال النبيُّ ^: «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ»؛ رواه أحمدُ (2107) وغيرُه، ، والحنيفيَّةُ: هي الإخلاصُ للهِ وحده في العبوديَّة. هذه هي حقيقةُ الإسلامِ الذي تُثارُ حوله الشبهاتُ في كلِّ عَصْرٍ، وهو راسخٌ لا تَنالُ منه شبهةُ حاقدْ، ولا تضُرُّهُ زَوبَعةُ رأيٍ فاسدْ. الوجهُ الثاني: الإسلامُ دِينُ الفطرة؛ فشعائرُهُ وشرائعُهُ لا تتعارَضُ ولا تتصادَمُ مع العقولِ السويَّة، والفِطَرِ المستقيمة؛ قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]. فالفطرةُ المغروسةُ في النفسِ البشَريَّةِ تقتضي الإيمانَ باللهِ تعالى وتوحيدَهُ والانقيادَ له، وعبادتَهُ دون مَن سواه، والفطرةُ السويَّةُ تقتضي حُبَّ الخير، وبُغْضَ الشرّ، وفِعْلَ الأمورِ الحسَنة، وتركَ الأمورِ السيِّئة. عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ ﷺ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»؛ رواه البخاري (1358)، ومسلم (2658). وعقيدةُ الإسلامِ، وأحكامُهُ وتشريعاتُه، والأخلاقُ التي حَثَّ عليها، والمبادئُ التي جاء بها، لا تنازِعُ الفطرةَ، ولا تناقِضُها، ولا تتعارَضُ معها، بل تتوافَقُ معها، وتَشهَدُ لها. وموافَقةُ الإسلامِ للفطرةِ كانت أحدَ العواملِ الرئيسةِ التي دفَعتِ الناسَ إلى الإقبالِ عليه، والدخولِ فيه. الوجهُ الثالثُ: الإسلامُ دينٌ عظيمٌ جاء موافِقًا للعقولِ السليمةِ؛ في عقيدتِهِ وأحكامِه؛ فلا تناقُضَ بين الإسلامِ والعقلِ البشَريِّ السَّوِيّ. فعقيدةُ الإسلامِ التي جاء بها القرآنُ والسنَّةُ، وقرَّراها، توافِقُ العقلَ السليمَ؛ ولذا نجدُ آياتِ القرآنِ تذكُرُ البراهينَ العقليَّةَ لتثبيتِ حقائقِ الإيمانِ بالله؛ كما في قولِهِ تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِله قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [المؤمنون: 84- 90]. وكما أن الإسلامَ يوافِقُ العقلَ في أحكامِهِ العقَديَّة، فهو أيضًا يوافِقُهُ في أحكامِهِ التعبُّديَّةِ، وأحكامِ الأسرةِ، والأخلاقِ والسلوك، وغيرِ ذلك؛ فما أمَرَ الإسلامُ بشيءٍ، أو نهى عن شيءٍ، إلا وهو يوافِقُ العقلَ السليمَ المتبصِّر. الوجهُ الرابعُ: الإسلامُ ينتشِرُ بين الناسِ في كافَّةِ بقاعِ الأرضِ بيُسْرٍ وبساطة، ويَظهَرُ ويهيمِنُ على الدياناتِ الأخرى، والأفكارِ المتعدِّدةِ؛ بسببِ مبادئِهِ السمحة، وتعاليمِهِ المعقولة، الهادئةِ البسيطة. فالإسلامُ يَحمِلُ سرَّ انتشارِه؛ حيثُ لم يَشهَدِ الوجودُ دِينًا انتشَرَ بسرعة، وعَمَّ جزءًا كبيرًا مِن المعمورة، ودخَلَ الناسُ فيه أفواجًا في زمنٍ قليلٍ مِثلَ الدِّينِ الإسلاميِّ؛ وذلك مصداقٌ لقولِهِ تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 9- 10]. إن سِرَّ انتشارِ الإسلامِ بارزٌ في فطرتِه؛ فهو الدِّينُ الذي يوافِقُ سُنَنَ اللهِ تعالى في الخِلْقةِ الإنسانيَّة؛ لأنه يُعْطي القُوَى الجسَديَّةَ والرُّوحانيَّةَ حقوقَها، دون إفراطٍ أو تفريطٍ، ويَسيرُ مع هذه القُوى على طريقِ الاعتدالِ حتى تبلُغَ كمالَها. ويَشهَدُ بهذا الأمرِ عددٌ مِن المستشرِقين، ومفكِّري الغربِ وعقلائِهم: يقولُ أحدُ المستشرِقين «جون نوس»: «إن بساطةَ هذا الدِّينِ ووضوحَهُ قد جذَبا إلى تعاليمِهِ تلك الملايينَ مِن الذين آمَنوا به، وعلى العمومِ: فإن الإسلامَ لم يُثقِلْ عقولَ أتباعِهِ بحشدٍ هائلٍ مِن الأسفارِ المقدَّسة، أو بفيضٍ مِن العقائدِ الغامضة». «الاستشراقُ وتشكيلُ نظرةِ الغربِ للإسلام» للدكتور محمَّد عبد الله الشَّرْقاويّ (ص 219). ويقولُ المفكِّرُ والمؤرِّخُ الإنجليزيُّ «هربرت جورج ويلز»، وهو يتحدَّثُ عن النبيِّ محمَّدٍ ﷺ: «إنه رجُلٌ رُكِّبَتْ فيه طِباعٌ كثيرةٌ، منها شدَّةُ الشعورِ الدينيِّ القويِّ، والإخلاصُ، وأُوحِيَ إليه مِن اللهِ كتابٌ هو القرآنُ، يَحْوي كثيرًا مِن التعاليمِ والشرائعِ والسُّنَن. ويحتوي الإسلامُ الذي فرَضهُ النبيُّ على العرَبِ دِينًا، الشيءَ الكثيرَ مِن القوَّةِ والإلهام؛ فمِن خصائصِهِ: التوحيدُ الذي لا هَوَادةَ فيه، وإيمانُهُ البسيطُ المتحمِّسُ بحكمِ اللهِ للناس، وأُبُوَّتُهُ الشاملةُ لهم، وخُلُوُّهُ مِن التعقيداتِ اللاهوتيَّة». «موجَزُ تاريخِ العالَم» لهربرت جورج ويلز (ص 202). |
خاتمة الجواب
فالإسلامُ دِينٌ عظيمٌ، واضحُ المعالِم، سهلٌ وبسيطٌ في عقيدتِهِ وأحكامِه، موافِقٌ للفِطَرِ السويَّة، والعقولِ المستقيمة؛ وهذا أحدُ أسبابِ انتشارِه، وتزايُدِ الداخِلين فيه. والعجَبُ: أن أهلَ الباطلِ يَجعَلون الصفةَ الحسَنةَ صفةً مشوَّهةً، بعد أن يُضِيفوا عليها بَتْرَ الحقائق، وبعضَ الكذبات.