نص السؤال
لماذا هذا التفوُّقُ الرهيبُ للغربِ الذي لا يؤمِنُ بالإسلامِ، وبين العالَمِ الإسلاميِّ أجمعَ؟ أليس هذا دليلًا على أن عقيدةَ الإسلامِ سببٌ في هذا التأخُّرِ والتخلُّفِ عن رَكْبِ الحضارةِ والتقدُّم؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
لماذا هذا التفوُّقُ الرهيبُ للغربِ الذي لا يؤمِنُ بالإسلامِ، وبين العالَمِ الإسلاميِّ أجمعَ؟
أليس هذا دليلًا على أن عقيدةَ الإسلامِ سببٌ في هذا التأخُّرِ والتخلُّفِ عن رَكْبِ الحضارةِ والتقدُّم؟
الجواب التفصيلي
التمكينُ في الدنيا ليس مرتبِطًا بصلاحِ العقيدة؛ فلا تلازُمَ بينهما لا شرعًا ولا عقلًا ولا واقعًا؛ فالذي يقولُ: «إن سببَ التخلُّفِ هو الدِّينُ»، يَربِطُ بين ضعفِ التمكينِ والدِّينِ؛ وهذا خلَلٌ كبيرٌ؛ ففي القرآنِ:
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}
[آل عمران: 196- 197]
، وقد يتمكَّنُ الفاسدُ أخلاقيًّا وفكريًّا، وقد يضعُفُ حسَنُ الأخلاق؛ فالدِّينُ والأخلاقُ لا تؤخَذُ مِن القوَّة؛ بل هذا مِن أسبابِ الخَلَلِ أن يُصحَّحَ اعتقادٌ لغلَبةِ أهلِه؛ ومِن ثَمَّ فلا يصحُّ التشكيكُ في عقيدةِ المسلِمين بحجَّةِ ضعفِهم.
وهذا الزعمُ الذي يُفْترى كثيرًا على الإسلامِ وأهلِه، بأنهم صاروا في ذيلِ الأُمَمِ؛ لتمسُّكِهم بدِينِهم وعقيدتِهم -: إنما هو زعمٌ فاسدٌ ظالمٌ، قاصرٌ على فترةٍ وجيزةٍ مِن تاريخِ المسلِمين، وبمناظيرَ محدودةٍ.
وسننقُضُ هذا القولَ، ونبيِّنُ بطلانَهُ مِن عِدَّةِ أوجُهٍ:
أوَّلًا: يا تُرَى كيف بنى النبيُّ ﷺ مع صحابتِهِ رضوانُ اللهِ عليهم - والمسلِمون مِن بعدِهم - أعظمَ إمبراطوريَّةٍ في العالَمِ بالمفهومِ الغربيِّ لكلمةِ «إمبراطوريَّةٍ»، وهم في أَوْجِ تمسُّكِهم بدِينِهم وعقيدتِهم؛ وذلك بأقلِّ الإمكانيَّاتِ العسكريَّةِ والبشَريَّة؟!
فلا يُنكِرُ أحدٌ مِن مُدَّعي هذا القولِ: بأن المسلِمين كانت لهم فتوحاتٌ وانتصاراتٌ؛ فقد أسَّسوا خلافةً عظيمةً دامت قرونًا، كانت الشريعةُ فيها هي المهيمِنةَ على كلِّ تفاصيلِ الحياة، فقامت إمبراطوريَّتُهم على تعاليمِ الإسلام، ودامت بالحفاظِ عليه والخضوعِ له.
فإن أمَّةً كانت في جاهليَّةٍ مَقِيتة، وفُرْقةٍ بَغِيضة، وظلامٍ دامس، ثم أتاها نورُ الرسالة، فصارت أعزَّ الأُمَم، وظلَّت بهذا الحجمِ قرونًا، وما استطاعت أمَّةٌ في التاريخِ أن تشابِهَها في عظَمتِها وكِبْريائِها، ثم ضَعُفَت وخارت قوَّتُها شيئًا فشيئًا، حينما ابتعَدَتْ عن دِينِها، وتلبَّس أبناؤُها بلِباسِ أعدائِهم -: لَخَيْرُ دليلٍ على صلاحِيَةِ الإسلامِ وعُلُوِّ كَعْبِه، وتفرُّدِهِ بمقوِّماتِ الصلاحِ والتقدُّمِ والسيادة.
ثانيًا: ما تفسيرُ هذا العدَدِ الهائلِ مِن المسلِمين في شتَّى بقاعِ الأرضِ الآنَ، وهذا العددُ في تزايُدٍ كبير؟!
وفي ظلِّ هذه الدعَواتِ والهجَماتِ الشرسةِ: لا يزالُ كثيرٌ مِن الناسِ يدخُلون في دينِ اللهِ أفواجًا؛ رغبةً منهم وحُبًّا في هذا الدِّينِ الحنيف؛ أليس هذا دليلًا على انتصارِ هذا الدِّينِ على غيرِهِ مِن الأديانِ والدعَواتِ في ظلِّ هذا الهجومِ المتقَنِ عليه؟!
ثالثًا: ما تفسيرُ شهادةِ كثيرٍ مِن أعداءِ الإسلامِ له على مَرِّ التاريخ؟! إنها شهاداتٌ تُثبِتُ عظمةَ هذا الدِّينِ وتفرُّدَهُ وسُمُوَّهُ وعُلُوَّ كعبِهِ، على غيرِهِ مِن المنظوماتِ الفكريَّة.
فكثيرٌ مِن أعلامِ غيرِ المسلِمين، شَهِدوا للإسلامِ بسُمُوِّ عقيدتِه، وصحَّةِ أصولِه، وشرَفِ مَقصِدِه:
ومِن ذلك: قولُ «مُورِيسْ بُوكاي»: «إنه أصيبَ بدَهْشةٍ بالغةٍ عندما تفرَّغ لدراسةِ القرآنِ باللغةِ العربيَّة، فاكتشَفَ إشاراتٍ وحقائقَ علميَّةً، لم يكن يتوقَّعُ أن يجدَها في كتابٍ دينيٍّ أُنزِلَ مِن أربعةَ عشَرَ قرنًا».
ويقولُ المستشرِقُ «ليوبولد فايس»: «هناك سببٌ واحدٌ للانحلالِ الاجتماعيِّ والثقافيِّ الذي أصاب المسلِمين؛ وهو ابتعادُهم عن رُوحِ الإسلام».
رابعًا: نقولُ لأصحابِ هذا القولِ: أين أنتم مِن نصوصِ الوحيِ التي تدعو إلى تعميرِ الأرضِ، والجِدِّ والاجتهادِ لتحصيلِ أسبابِ القوَّةِ والتقدُّم؟!
فإنه مِن المُجحِفِ أن يُحاسَبَ الإسلامُ بفعلِ بعضِ أبنائِه، فإذا أرَدْنا أن نحكُمَ على الإسلامِ، فلننظُرْ إلى الوحيِ مِن كتابِ اللهِ وسنَّةِ رسولِهِ ﷺ، وهو ماثلٌ بين أيدينا؛ فنجدُ فيه المعانيَ الساميةَ التي جاء بها الإسلامُ، وحَثَّ عليها؛ كالنظرِ والتفكير، وطلَبِ العلم، والتأمُّلِ في حالِ الأممِ السابقة، والتعلُّمِ منهم، والجِدِّ في تحصيلِ وسائلِ القوَّةِ، وإعمارِ الأرض، كما حَثَّ الإسلامُ أيضًا على العملِ والسعي، ونَبْذِ القعودِ والتخاذُل.
فلما عَمِلَ أبناءُ الإسلامِ بتعاليمِ دِينِهم، سادوا العالَمَ، وتعلَّم منهم غيرُهم.
خامسًا: ليس هناك تلازُمٌ تامٌّ بين نوعِ الدِّينِ وبين التقدُّمِ الدنيويّ:
وعلى سبيلِ المثالِ: فالمسلِمون والنصارى فيهم الغنيُّ والفقير، والعاقلُ والبليد، والمتقدِّمُ والمتأخِّر، والقويُّ والضعيف.
وبالنسبةِ للإسلام: فإن الإسلامَ يشتمِلُ على معانٍ وتعاليمَ كثيرةٍ، وقد يترُكُ بعضُ المسلِمين كثيرًا منها، ويتمسَّكون بأشياءَ أخرى؛ فيكونُ نقصُهم بسببِ ما ترَكوه، وليس بسببِ ما استمسَكوا به.
فلما كانت الأمَّةُ الإسلاميَّةُ متمسِّكةً بدِينِها في صدرِ الإسلامِ، كانت لها العِزَّةُ والتمكين، والقوَّةُ والسيطرةُ في جميعِ نواحي الحياة، بل الغربُ لم يستفيدوا ما استفادوه مِن العلومِ إلا بما نقَلوهُ عن المسلِمين، ولكنَّ الأمَّةَ الإسلاميَّةَ تخلَّفت كثيرًا عن دِينِها، وابتدَعَتْ في دِينِ اللهِ ما ليس منه، عقيدةً، وقولًا، وفعلًا، وحصَلَ بذلك التأخُّرُ العظيم، والتخلُّفُ الكبير، ونحن نَعلَمُ علمَ اليقينِ أننا لو رجَعْنا إلى ما كان عليه أسلافُنا في دِينِنا، لكانت لنا العزَّةُ والكرامة، والظهورُ على جميعِ الناس.
ولهذا لما حدَّث أبو سُفْيانَ هِرَقْلَ مَلِكَ الرومِ - والرومُ في ذلك الوقتِ تُعتبَرُ دولةً عظمى - بما عليه الرسولُ ﷺ وأصحابُهُ؛ قال:
«وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا، فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ»؛
رواه البخاري (2941).
وأما ما حصَلَ في الدُّوَلِ الغربيَّةِ الكافرةِ الملحِدةِ مِن التقدُّمِ في الصناعاتِ وغيرِها، فإن دِينَنا لا يَمنَعُ منه لو أننا التفَتْنا إليه.
وعليه: فإن الأسبابَ الحقيقيَّةَ لتقهقُرِ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ وضعفِها وتخلُّفِها، ليس في تمسُّكِها بدِينِها وعقيدتِها، بل هذا التمسُّكُ ليس حاصلًا اليومَ، وهذا عينُهُ هو سببُ تأخُّرِها الحقيقيّ.
ونُجمِلُ هذه الأسبابَ اختصارًا في الآتي:
- الجهلُ والعلمُ الناقص.
- فسادُ الأخلاق، والانشغالُ بالشهَوات.
- الجُبْنُ والهَلَع.
- اليأسُ والقنوطُ مِن رحمةِ اللهِ تعالى.
- نِسْيانُ المسلِمينَ ماضِيَهم المجيد.
- التفريطُ في الأخذِ بأسبابِ القُوَّةِ مِن العلمِ والعمل.
مختصر الجواب
الحقائقُ لها منهجٌ علميٌّ للوصولِ إليها، وأما نسبةُ الحقِّ والباطلِ نظرًا للظهورِ الدنيويِّ لصاحبِهِ أو عدمِهِ، فهو ليس بمنهجٍ علميٍّ؛ لأن أصحابَ القولِ الواحدِ يرتفِعون يومًا، وينخفِضون أخرى، ولم تتغيَّرِ الحقيقة.
ولانخفاضِ سلطانِ المسلِمين اليومَ أسبابٌ؛ ليس منها التمسُّكُ بالدِّين، بل العكسُ؛ بدليلِ ارتفاعِ سلطانِهم مع تمسُّكِهم بالدِّينِ فيما سبَق.
خاتمة الجواب
الحَقُّ: أن المسلِمين اليومَ تأخَّروا؛ لضعفِ تمسُّكِهم بعقيدتِهم، وتخلِّيهم عن تعاليمِ دِينِهم، وجَرْيِهم وراءَ الغربِ الكافر، ومحاوَلاتِهم التطبُّعَ بمنظوماتِهِ ولُوثاتِهِ الفكريَّة، مع تركِ الأخذِ بسننِ القوَّةِ والتمكين.
ولو أنهم عادُوا إلى دِينِهم وعقيدتِهم، كما كانوا في الصدرِ الأوَّل، لسادوا الأُمَمَ، ولتبوَّؤوا مَقعَدَهم الذي يَحِقُّ لهم؛ مثلَما كانوا مِن قبلُ.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (224)، (262).
مختصر الجواب
الحقائقُ لها منهجٌ علميٌّ للوصولِ إليها، وأما نسبةُ الحقِّ والباطلِ نظرًا للظهورِ الدنيويِّ لصاحبِهِ أو عدمِهِ، فهو ليس بمنهجٍ علميٍّ؛ لأن أصحابَ القولِ الواحدِ يرتفِعون يومًا، وينخفِضون أخرى، ولم تتغيَّرِ الحقيقة.
ولانخفاضِ سلطانِ المسلِمين اليومَ أسبابٌ؛ ليس منها التمسُّكُ بالدِّين، بل العكسُ؛ بدليلِ ارتفاعِ سلطانِهم مع تمسُّكِهم بالدِّينِ فيما سبَق.
الجواب التفصيلي
التمكينُ في الدنيا ليس مرتبِطًا بصلاحِ العقيدة؛ فلا تلازُمَ بينهما لا شرعًا ولا عقلًا ولا واقعًا؛ فالذي يقولُ: «إن سببَ التخلُّفِ هو الدِّينُ»، يَربِطُ بين ضعفِ التمكينِ والدِّينِ؛ وهذا خلَلٌ كبيرٌ؛ ففي القرآنِ:
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}
[آل عمران: 196- 197]
، وقد يتمكَّنُ الفاسدُ أخلاقيًّا وفكريًّا، وقد يضعُفُ حسَنُ الأخلاق؛ فالدِّينُ والأخلاقُ لا تؤخَذُ مِن القوَّة؛ بل هذا مِن أسبابِ الخَلَلِ أن يُصحَّحَ اعتقادٌ لغلَبةِ أهلِه؛ ومِن ثَمَّ فلا يصحُّ التشكيكُ في عقيدةِ المسلِمين بحجَّةِ ضعفِهم.
وهذا الزعمُ الذي يُفْترى كثيرًا على الإسلامِ وأهلِه، بأنهم صاروا في ذيلِ الأُمَمِ؛ لتمسُّكِهم بدِينِهم وعقيدتِهم -: إنما هو زعمٌ فاسدٌ ظالمٌ، قاصرٌ على فترةٍ وجيزةٍ مِن تاريخِ المسلِمين، وبمناظيرَ محدودةٍ.
وسننقُضُ هذا القولَ، ونبيِّنُ بطلانَهُ مِن عِدَّةِ أوجُهٍ:
أوَّلًا: يا تُرَى كيف بنى النبيُّ ﷺ مع صحابتِهِ رضوانُ اللهِ عليهم - والمسلِمون مِن بعدِهم - أعظمَ إمبراطوريَّةٍ في العالَمِ بالمفهومِ الغربيِّ لكلمةِ «إمبراطوريَّةٍ»، وهم في أَوْجِ تمسُّكِهم بدِينِهم وعقيدتِهم؛ وذلك بأقلِّ الإمكانيَّاتِ العسكريَّةِ والبشَريَّة؟!
فلا يُنكِرُ أحدٌ مِن مُدَّعي هذا القولِ: بأن المسلِمين كانت لهم فتوحاتٌ وانتصاراتٌ؛ فقد أسَّسوا خلافةً عظيمةً دامت قرونًا، كانت الشريعةُ فيها هي المهيمِنةَ على كلِّ تفاصيلِ الحياة، فقامت إمبراطوريَّتُهم على تعاليمِ الإسلام، ودامت بالحفاظِ عليه والخضوعِ له.
فإن أمَّةً كانت في جاهليَّةٍ مَقِيتة، وفُرْقةٍ بَغِيضة، وظلامٍ دامس، ثم أتاها نورُ الرسالة، فصارت أعزَّ الأُمَم، وظلَّت بهذا الحجمِ قرونًا، وما استطاعت أمَّةٌ في التاريخِ أن تشابِهَها في عظَمتِها وكِبْريائِها، ثم ضَعُفَت وخارت قوَّتُها شيئًا فشيئًا، حينما ابتعَدَتْ عن دِينِها، وتلبَّس أبناؤُها بلِباسِ أعدائِهم -: لَخَيْرُ دليلٍ على صلاحِيَةِ الإسلامِ وعُلُوِّ كَعْبِه، وتفرُّدِهِ بمقوِّماتِ الصلاحِ والتقدُّمِ والسيادة.
ثانيًا: ما تفسيرُ هذا العدَدِ الهائلِ مِن المسلِمين في شتَّى بقاعِ الأرضِ الآنَ، وهذا العددُ في تزايُدٍ كبير؟!
وفي ظلِّ هذه الدعَواتِ والهجَماتِ الشرسةِ: لا يزالُ كثيرٌ مِن الناسِ يدخُلون في دينِ اللهِ أفواجًا؛ رغبةً منهم وحُبًّا في هذا الدِّينِ الحنيف؛ أليس هذا دليلًا على انتصارِ هذا الدِّينِ على غيرِهِ مِن الأديانِ والدعَواتِ في ظلِّ هذا الهجومِ المتقَنِ عليه؟!
ثالثًا: ما تفسيرُ شهادةِ كثيرٍ مِن أعداءِ الإسلامِ له على مَرِّ التاريخ؟! إنها شهاداتٌ تُثبِتُ عظمةَ هذا الدِّينِ وتفرُّدَهُ وسُمُوَّهُ وعُلُوَّ كعبِهِ، على غيرِهِ مِن المنظوماتِ الفكريَّة.
فكثيرٌ مِن أعلامِ غيرِ المسلِمين، شَهِدوا للإسلامِ بسُمُوِّ عقيدتِه، وصحَّةِ أصولِه، وشرَفِ مَقصِدِه:
ومِن ذلك: قولُ «مُورِيسْ بُوكاي»: «إنه أصيبَ بدَهْشةٍ بالغةٍ عندما تفرَّغ لدراسةِ القرآنِ باللغةِ العربيَّة، فاكتشَفَ إشاراتٍ وحقائقَ علميَّةً، لم يكن يتوقَّعُ أن يجدَها في كتابٍ دينيٍّ أُنزِلَ مِن أربعةَ عشَرَ قرنًا».
ويقولُ المستشرِقُ «ليوبولد فايس»: «هناك سببٌ واحدٌ للانحلالِ الاجتماعيِّ والثقافيِّ الذي أصاب المسلِمين؛ وهو ابتعادُهم عن رُوحِ الإسلام».
رابعًا: نقولُ لأصحابِ هذا القولِ: أين أنتم مِن نصوصِ الوحيِ التي تدعو إلى تعميرِ الأرضِ، والجِدِّ والاجتهادِ لتحصيلِ أسبابِ القوَّةِ والتقدُّم؟!
فإنه مِن المُجحِفِ أن يُحاسَبَ الإسلامُ بفعلِ بعضِ أبنائِه، فإذا أرَدْنا أن نحكُمَ على الإسلامِ، فلننظُرْ إلى الوحيِ مِن كتابِ اللهِ وسنَّةِ رسولِهِ ﷺ، وهو ماثلٌ بين أيدينا؛ فنجدُ فيه المعانيَ الساميةَ التي جاء بها الإسلامُ، وحَثَّ عليها؛ كالنظرِ والتفكير، وطلَبِ العلم، والتأمُّلِ في حالِ الأممِ السابقة، والتعلُّمِ منهم، والجِدِّ في تحصيلِ وسائلِ القوَّةِ، وإعمارِ الأرض، كما حَثَّ الإسلامُ أيضًا على العملِ والسعي، ونَبْذِ القعودِ والتخاذُل.
فلما عَمِلَ أبناءُ الإسلامِ بتعاليمِ دِينِهم، سادوا العالَمَ، وتعلَّم منهم غيرُهم.
خامسًا: ليس هناك تلازُمٌ تامٌّ بين نوعِ الدِّينِ وبين التقدُّمِ الدنيويّ:
وعلى سبيلِ المثالِ: فالمسلِمون والنصارى فيهم الغنيُّ والفقير، والعاقلُ والبليد، والمتقدِّمُ والمتأخِّر، والقويُّ والضعيف.
وبالنسبةِ للإسلام: فإن الإسلامَ يشتمِلُ على معانٍ وتعاليمَ كثيرةٍ، وقد يترُكُ بعضُ المسلِمين كثيرًا منها، ويتمسَّكون بأشياءَ أخرى؛ فيكونُ نقصُهم بسببِ ما ترَكوه، وليس بسببِ ما استمسَكوا به.
فلما كانت الأمَّةُ الإسلاميَّةُ متمسِّكةً بدِينِها في صدرِ الإسلامِ، كانت لها العِزَّةُ والتمكين، والقوَّةُ والسيطرةُ في جميعِ نواحي الحياة، بل الغربُ لم يستفيدوا ما استفادوه مِن العلومِ إلا بما نقَلوهُ عن المسلِمين، ولكنَّ الأمَّةَ الإسلاميَّةَ تخلَّفت كثيرًا عن دِينِها، وابتدَعَتْ في دِينِ اللهِ ما ليس منه، عقيدةً، وقولًا، وفعلًا، وحصَلَ بذلك التأخُّرُ العظيم، والتخلُّفُ الكبير، ونحن نَعلَمُ علمَ اليقينِ أننا لو رجَعْنا إلى ما كان عليه أسلافُنا في دِينِنا، لكانت لنا العزَّةُ والكرامة، والظهورُ على جميعِ الناس.
ولهذا لما حدَّث أبو سُفْيانَ هِرَقْلَ مَلِكَ الرومِ - والرومُ في ذلك الوقتِ تُعتبَرُ دولةً عظمى - بما عليه الرسولُ ﷺ وأصحابُهُ؛ قال:
«وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا، فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ»؛
رواه البخاري (2941).
وأما ما حصَلَ في الدُّوَلِ الغربيَّةِ الكافرةِ الملحِدةِ مِن التقدُّمِ في الصناعاتِ وغيرِها، فإن دِينَنا لا يَمنَعُ منه لو أننا التفَتْنا إليه.
وعليه: فإن الأسبابَ الحقيقيَّةَ لتقهقُرِ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ وضعفِها وتخلُّفِها، ليس في تمسُّكِها بدِينِها وعقيدتِها، بل هذا التمسُّكُ ليس حاصلًا اليومَ، وهذا عينُهُ هو سببُ تأخُّرِها الحقيقيّ.
ونُجمِلُ هذه الأسبابَ اختصارًا في الآتي:
- الجهلُ والعلمُ الناقص.
- فسادُ الأخلاق، والانشغالُ بالشهَوات.
- الجُبْنُ والهَلَع.
- اليأسُ والقنوطُ مِن رحمةِ اللهِ تعالى.
- نِسْيانُ المسلِمينَ ماضِيَهم المجيد.
- التفريطُ في الأخذِ بأسبابِ القُوَّةِ مِن العلمِ والعمل.
خاتمة الجواب
الحَقُّ: أن المسلِمين اليومَ تأخَّروا؛ لضعفِ تمسُّكِهم بعقيدتِهم، وتخلِّيهم عن تعاليمِ دِينِهم، وجَرْيِهم وراءَ الغربِ الكافر، ومحاوَلاتِهم التطبُّعَ بمنظوماتِهِ ولُوثاتِهِ الفكريَّة، مع تركِ الأخذِ بسننِ القوَّةِ والتمكين.
ولو أنهم عادُوا إلى دِينِهم وعقيدتِهم، كما كانوا في الصدرِ الأوَّل، لسادوا الأُمَمَ، ولتبوَّؤوا مَقعَدَهم الذي يَحِقُّ لهم؛ مثلَما كانوا مِن قبلُ.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (224)، (262).