نص السؤال

إن مبدأَ التسليمِ للنصوصِ يُمكِنُنا أن نتجاوَزَهُ؛ فليس هو بالقطعيَّةِ والحتميَّةِ التي يصوِّرُها النصوصيُّون؛ فإن العلماءَ اختلَفوا على مَرِّ العصور.

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

كيف يكونُ مبدأُ التسليمِ للنصِّ لازمًا، مع أنه وقَعَتْ خلافاتٌ فقهيَّةٌ بين العلماء؟
يسُوغُ مخالَفةُ النصِّ؛ لوجودِ الخلافِ، أو لتتبُّعِ الرُّخَص.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

حقيقةُ هذه الشبهةِ: إضافةُ معانٍ ولوازمَ ومقتضَياتٍ فاسدةٍ لأصلٍ مقبول، وهو تقبُّلُ وجودِ الخلافِ الفقهيّ.

والإجابةُ عنها تحتاجُ إلى كشفِ اللوازمِ والمقتضَياتِ الفاسدةِ التي تُبْنى على الفهمِ الخاطئِ لإعمالِ الخلافِ الفقهيِّ، وعدمِ تعطيلِه.

فقد تصدُرُ هذه الشبهةُ عمَّن لا يَدْري لوازمَ ما يقولُه؛ فينبغي الموازَنةُ عند ردِّ هذه الشبهةِ وغيرِها مما هو مِن جنسِها، بين إقامةِ الحقِّ، والرفقِ بالخلقِ: بإرشادِهم إلى ما قد لا يُدْرِكونه مِن خطورةِ الأقوال.

لوازمُ لا تَلزَمُ مِن إعمالِ الخلافِ الفقهيِّ، ونبيِّنُها كما يأتي:

1- إعمالُ الخلافِ الفقهيِّ، لا يَلزَمُ منه جوازُ تتبُّعِ الرُّخَص:

فاللهُ تعالى أمَرَ باتِّباعِ حُكْمِه، والواجبُ البحثُ عن حكمِه، وأما تتبُّعُ الرُّخَصِ، فهو بحثٌ عن هَوَى النفس، وليس بحثًا عن الشرع.

وقد نقَلَ ابنُ عبدِ البرِّ الإجماعَ على المنعِ مِن تتبُّعِ الرُّخَصِ، والأخذِ بما يوافِقُ الهوى والغرَضَ مِن أقوالِ العلماء. «جامعُ بيانِ العلم» (2/ 927).

وقال ابنُ القيِّمِ: «وبالجملةِ: فلا يجوزُ العملُ والإفتاءُ في دِينِ اللهِ بالتشهِّي والتخيُّرِ وموافَقةِ الغرَضِ، فيطلُبُ القولَ الذي يوافِقُ غرضَهُ وغرضَ مَن يُحابِيهِ، فيَعمَلُ به، ويُفْتي به، ويحكُمُ به، ويحكُمُ على عدوِّهِ ويُفْتيهِ بضِدِّه؛ وهذا مِن أفسقِ الفسوق، وأكبرِ الكبائر، واللهُ المستعان». «إعلامُ الموقِّعين» (4/ 211).

ذلك أنه لا أحدَ مِن العلماءِ يقولُ بإباحةِ جميعِ الرُّخَص؛ فإن القائلَ بالرخصةِ في هذا المذهبِ، لا يقولُ بالرخصةِ الأخرى في المذهبِ الآخر.

ولهذا قال بعضُ أهلِ العلمِ: «إذا تتبَّعتَ رخصةَ كلِّ عالِمٍ، اجتمَعَ فيك الشرُّ كلُّه». «جامعُ بيانِ العلم» (2/927)، وقال بعضُهم: «مَن أخَذَ بنوادرِ العلماءِ، خرَجَ مِن الإسلامِ». «السنن الكبرى» للبيهقي (10/356).

2- إعمالُ الخلافِ الفقهيِّ، لا يَلزَمُ منه اعتبارُ كلِّ خلاف:

وهذا يُوقِعُ في غلَطَيْنِ ظاهرَيْن:

الغلَطُ الأوَّلُ: إسباغُ الاعتبارِ للخلافِ غيرِ المعتبَرِ، فليس كلُّ ما يُحْكى مِن خلافٍ يكونُ معتبَرًا، بل كلُّ قولٍ مخالِفٍ للإجماعِ، أو النصِّ الظاهرِ الذي لا معارِضَ له، فليس بخلافٍ معتبَرٍ، وبناءً عليه فلا يجوزُ ردُّ الحُكمِ الشرعيِّ البيِّنِ بدعوى وجودِ مِثلِ هذا الخلاف؛ فالخلافُ عند العلماءِ على قسمَيْن:

خلافٌ معتبَرٌ: وهو الذي تتَّسِعُ له الدلائلُ، ويحتمِلُهُ الحكمُ؛ بحيثُ لا يكونُ ثَمَّ نَصٌّ قاطعٌ في مَحَلِّ النزاع، أو إجماعٌ معتبَرٌ متقدِّمٌ على وقوعِ الخلاف.

وخلافٌ غيرُ معتبَرٍ: وهو الذي قد خالَفَ نصًّا، أو إجماعًا؛ فلا يجوزُ اتِّباعُه.

فالقولُ بأن في المسألةِ خلافًا، قد يكونُ عند بعضِ الناسِ شاملًا للخلافِ غيرِ المعتبَرِ؛ فتجدُهُ يذكُرُ أقوالًا شاذَّةً، أو مهجورةً، أو ضعيفةً في مقابِلِ نصوصٍ صريحةٍ، أو إجماعٍ سابقٍ؛ وهذا خلَلٌ.

فالواجبُ على المسلِمِ: هو اتِّباعُ كلامِ اللهِ، وكلامِ رسولِهِ ^، وليس وجودُ الخلافِ بموجِبٍ للحيلولةِ دون تحقيقِ هذا الواجبِ، فضلًا عن التعلُّقِ بشاذِّ الأقوالِ وضعيفِها.

الغلَطُ الثاني: الحُكْمُ على ما ليس فيه خلافٌ بأن فيه خلافًا، بسببِ عدمِ معرفةِ طبيعةِ الخلافِ المذكور، وما يحتفُّ به مِن شروطٍ أو موانعَ؛ فبعضُ الأقوالِ تكونُ متعلِّقةً بشروطٍ، أو أحوالٍ، أو موانعَ لا يُحسِنُها كلُّ أحدٍ، بل تتطلَّبُ عالِمًا بطبيعةِ المسألة، فمَن يتمسَّكُ بأيِّ خلافٍ، قد يتهاوَنُ في توظيفِ أيِّ قولٍ في سياقٍ مخالِفٍ له.

3- إعمالُ الخلافِ الفقهيِّ، لا يَعْني أن الخلافَ بحدِّ ذاتِهِ حُجَّةٌ:

فإن العملَ بالأدلَّةِ الشرعيَّةِ مِن الكتابِ والسنَّةِ في المسائلِ الفقهيَّةِ، لا يُشترَطُ له وقوعُ الاتِّفاقِ والإجماعِ على ما دَلَّ عليه الدليلُ، ولا يَصِحُّ التنصُّلُ مِن اتِّباعِ الدليلِ بحجَّةِ أن المسألةَ مختلَفٌ فيها.

4- إعمالُ الخلافِ الفقهيِّ، لا يُجيزُ للمسلِمِ التهاوُنَ في أداءِ الاجتهادِ الواجبِ عليه:

والمقصودُ بهذا: أن المسلِمَ إذا اعتاد على مقابَلةِ كلِّ حكمٍ شرعيٍّ بالقولِ بأن في المسألةِ خلافًا؛ فإن ذلك سيُضعِفُ في نفسِهِ باعثَ الرغبةِ في التفقُّهِ في دِينِ اللهِ تعالى، ومعرفةِ مرادِه، وإصابةِ حُكمِ اللهِ تعالى في النازلة.

ومِن المعلومِ: أن المجتهِدَ مِن أهلِ العلمِ واجبُهُ بذلُ الوُسْعِ في إصابةِ حكمِ اللهِ تعالى؛ وذلك بالاجتهادِ في النظَرِ في الأدلَّةِ، والاجتهادِ في النظَرِ في الواقعةِ وفهمِها. كما أن لعامَّةِ المسلِمين نصيبًا مِن الاجتهادِ في معرفةِ الأحكامِ الفقهيَّة؛ وذلك في بذلِ العامِّيِّ الوُسْعَ في اختيارِ مَن يستفتيه.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

مؤدَّى الشبهةِ: التزهيدُ في اتِّباعِ النصوصِ الشرعيَّةِ؛ نظرًا إلى كثرةِ اختلافِ العلماء، وإلى ضرورةِ تفعيلِ الاختلافِ الفقهيّ؛ فالعلماءُ قد اختلَفوا في كثيرٍ مِن المسائل، وهذا - مِن وجهةِ نظرِ السائلِ - يستلزِمُ ألا يكونَ التسليمُ للنصِّ أمرًا بالغَ الأهميَّة.

مختصَرُ الإجابة:

اللهُ تعالى أمَرَ بطاعتِهِ وطاعةِ رسولِهِ ^؛ وهذا هو الدِّينُ.

ثم وقَعتْ خلافاتٌ لاحقةٌ بين العلماءِ قد يُحتاجُ إلى معرفةِ أسبابِ اختلافِهم فيها وأنواعِه؛ لكنْ كلُّ ذلك لا يسوِّغُ تغييرَ الدِّينِ الذي هو ثابتٌ مِن قَبْلِ الخلاف، ولا يسوِّغُ البحثَ عن الرُّخَص؛ لأن المطلوبَ اتِّباعُ الشرعِ أنَّى كان.

أما الاختلافُ، فهو أمرٌ طارئٌ، وللاختلافِ أسبابٌ منها: خفاءُ النصِّ، وعدمُ بلوغِه، ومِن الاختلافِ: ما هو معتبَرٌ، ومنه: ما هو غيرُ معتبَرٍ، ومِن أقوالِ العلماءِ: ما هو شاذٌّ ومخالِفٌ للإجماع؛ وذلك كلُّه عند التأمُّلِ فيه لا يعارِضُ التسليمَ للنصِّ الشرعيّ: فإن إعمالَ الخلافِ الفقهيِّ، لا يَلزَمُ منه جوازُ تتبُّعِ الرُّخَص؛ فقد وقَعَ الإجماعُ على المنعِ مِن تتبُّعِ الرُّخَصِ، والأخذِ بما يوافِقُ الهوى والغرَضَ مِن أقوالِ العلماء؛ فإن مَن تتبَّع رخصةَ كلِّ عالِمٍ، فقد اجتمَعَ فيه الشرُّ كلُّه.

وإن إعمالَ الخلافِ الفقهيِّ، لا يَلزَمُ منه اعتبارُ كلِّ خلاف؛ فإن مِن الخلافِ ما هو معتبَرٌ، ومنه ما هو غيرُ معتبَرٍ.

كما أن إعمالَ الخلافِ الفقهيِّ، لا يَعْني أن الخلافَ بحدِّ ذاتِهِ حُجَّةٌ؛ فلا يَصِحُّ التنصُّلُ مِن اتِّباعِ الدليلِ بحجَّةِ أن المسألةَ مختلَفٌ فيها.

وأخيرًا: فإن إعمالَ الخلافِ الفقهيِّ، لا يُجيزُ للمسلِمِ التهاوُنَ في أداءِ الاجتهادِ الواجبِ عليه، ولا التفقُّهِ في دِينِ اللهِ تعالى، ومعرفةِ مرادِه، وإصابةِ حكمِ اللهِ تعالى في النازِلة، بل إن للعامِّيِّ نصيبًا مِن الاجتهادِ ببذلِهِ الوُسْعَ في اختيارِ مَن يستفتيه. فالواجبُ على المسلِمِ: تطلُّبُ الحقِّ، وإرادةُ تحقيقِ مرادِ الله، لا تلمُّسُ هوى النفسِ، وما يناسِبُ الإنسانَ، وتغليفُ ذلك بادِّعاءِ وجودِ الخلاف.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

فالواجبُ على المسلِمِ: تطلُّبُ الحقِّ، وإرادةُ تحقيقِ مرادِ الله، لا تلمُّسُ هوى النفسِ، وما يناسِبُ الإنسانَ، وتغليفُ ذلك بادِّعاءِ وجودِ الخلاف. ثم الواجبُ: سلوكُ الطريقِ الشرعيِّ الصحيحِ للترجيحِ في هذا اللونِ مِن الخلافِ؛ بحسَبِ طبيعةِ الناظرِ، ومعرفتِهِ، وعِلمِه. 

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

مؤدَّى الشبهةِ: التزهيدُ في اتِّباعِ النصوصِ الشرعيَّةِ؛ نظرًا إلى كثرةِ اختلافِ العلماء، وإلى ضرورةِ تفعيلِ الاختلافِ الفقهيّ؛ فالعلماءُ قد اختلَفوا في كثيرٍ مِن المسائل، وهذا - مِن وجهةِ نظرِ السائلِ - يستلزِمُ ألا يكونَ التسليمُ للنصِّ أمرًا بالغَ الأهميَّة.

مختصَرُ الإجابة:

اللهُ تعالى أمَرَ بطاعتِهِ وطاعةِ رسولِهِ ^؛ وهذا هو الدِّينُ.

ثم وقَعتْ خلافاتٌ لاحقةٌ بين العلماءِ قد يُحتاجُ إلى معرفةِ أسبابِ اختلافِهم فيها وأنواعِه؛ لكنْ كلُّ ذلك لا يسوِّغُ تغييرَ الدِّينِ الذي هو ثابتٌ مِن قَبْلِ الخلاف، ولا يسوِّغُ البحثَ عن الرُّخَص؛ لأن المطلوبَ اتِّباعُ الشرعِ أنَّى كان.

أما الاختلافُ، فهو أمرٌ طارئٌ، وللاختلافِ أسبابٌ منها: خفاءُ النصِّ، وعدمُ بلوغِه، ومِن الاختلافِ: ما هو معتبَرٌ، ومنه: ما هو غيرُ معتبَرٍ، ومِن أقوالِ العلماءِ: ما هو شاذٌّ ومخالِفٌ للإجماع؛ وذلك كلُّه عند التأمُّلِ فيه لا يعارِضُ التسليمَ للنصِّ الشرعيّ: فإن إعمالَ الخلافِ الفقهيِّ، لا يَلزَمُ منه جوازُ تتبُّعِ الرُّخَص؛ فقد وقَعَ الإجماعُ على المنعِ مِن تتبُّعِ الرُّخَصِ، والأخذِ بما يوافِقُ الهوى والغرَضَ مِن أقوالِ العلماء؛ فإن مَن تتبَّع رخصةَ كلِّ عالِمٍ، فقد اجتمَعَ فيه الشرُّ كلُّه.

وإن إعمالَ الخلافِ الفقهيِّ، لا يَلزَمُ منه اعتبارُ كلِّ خلاف؛ فإن مِن الخلافِ ما هو معتبَرٌ، ومنه ما هو غيرُ معتبَرٍ.

كما أن إعمالَ الخلافِ الفقهيِّ، لا يَعْني أن الخلافَ بحدِّ ذاتِهِ حُجَّةٌ؛ فلا يَصِحُّ التنصُّلُ مِن اتِّباعِ الدليلِ بحجَّةِ أن المسألةَ مختلَفٌ فيها.

وأخيرًا: فإن إعمالَ الخلافِ الفقهيِّ، لا يُجيزُ للمسلِمِ التهاوُنَ في أداءِ الاجتهادِ الواجبِ عليه، ولا التفقُّهِ في دِينِ اللهِ تعالى، ومعرفةِ مرادِه، وإصابةِ حكمِ اللهِ تعالى في النازِلة، بل إن للعامِّيِّ نصيبًا مِن الاجتهادِ ببذلِهِ الوُسْعَ في اختيارِ مَن يستفتيه. فالواجبُ على المسلِمِ: تطلُّبُ الحقِّ، وإرادةُ تحقيقِ مرادِ الله، لا تلمُّسُ هوى النفسِ، وما يناسِبُ الإنسانَ، وتغليفُ ذلك بادِّعاءِ وجودِ الخلاف.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

حقيقةُ هذه الشبهةِ: إضافةُ معانٍ ولوازمَ ومقتضَياتٍ فاسدةٍ لأصلٍ مقبول، وهو تقبُّلُ وجودِ الخلافِ الفقهيّ.

والإجابةُ عنها تحتاجُ إلى كشفِ اللوازمِ والمقتضَياتِ الفاسدةِ التي تُبْنى على الفهمِ الخاطئِ لإعمالِ الخلافِ الفقهيِّ، وعدمِ تعطيلِه.

فقد تصدُرُ هذه الشبهةُ عمَّن لا يَدْري لوازمَ ما يقولُه؛ فينبغي الموازَنةُ عند ردِّ هذه الشبهةِ وغيرِها مما هو مِن جنسِها، بين إقامةِ الحقِّ، والرفقِ بالخلقِ: بإرشادِهم إلى ما قد لا يُدْرِكونه مِن خطورةِ الأقوال.

لوازمُ لا تَلزَمُ مِن إعمالِ الخلافِ الفقهيِّ، ونبيِّنُها كما يأتي:

1- إعمالُ الخلافِ الفقهيِّ، لا يَلزَمُ منه جوازُ تتبُّعِ الرُّخَص:

فاللهُ تعالى أمَرَ باتِّباعِ حُكْمِه، والواجبُ البحثُ عن حكمِه، وأما تتبُّعُ الرُّخَصِ، فهو بحثٌ عن هَوَى النفس، وليس بحثًا عن الشرع.

وقد نقَلَ ابنُ عبدِ البرِّ الإجماعَ على المنعِ مِن تتبُّعِ الرُّخَصِ، والأخذِ بما يوافِقُ الهوى والغرَضَ مِن أقوالِ العلماء. «جامعُ بيانِ العلم» (2/ 927).

وقال ابنُ القيِّمِ: «وبالجملةِ: فلا يجوزُ العملُ والإفتاءُ في دِينِ اللهِ بالتشهِّي والتخيُّرِ وموافَقةِ الغرَضِ، فيطلُبُ القولَ الذي يوافِقُ غرضَهُ وغرضَ مَن يُحابِيهِ، فيَعمَلُ به، ويُفْتي به، ويحكُمُ به، ويحكُمُ على عدوِّهِ ويُفْتيهِ بضِدِّه؛ وهذا مِن أفسقِ الفسوق، وأكبرِ الكبائر، واللهُ المستعان». «إعلامُ الموقِّعين» (4/ 211).

ذلك أنه لا أحدَ مِن العلماءِ يقولُ بإباحةِ جميعِ الرُّخَص؛ فإن القائلَ بالرخصةِ في هذا المذهبِ، لا يقولُ بالرخصةِ الأخرى في المذهبِ الآخر.

ولهذا قال بعضُ أهلِ العلمِ: «إذا تتبَّعتَ رخصةَ كلِّ عالِمٍ، اجتمَعَ فيك الشرُّ كلُّه». «جامعُ بيانِ العلم» (2/927)، وقال بعضُهم: «مَن أخَذَ بنوادرِ العلماءِ، خرَجَ مِن الإسلامِ». «السنن الكبرى» للبيهقي (10/356).

2- إعمالُ الخلافِ الفقهيِّ، لا يَلزَمُ منه اعتبارُ كلِّ خلاف:

وهذا يُوقِعُ في غلَطَيْنِ ظاهرَيْن:

الغلَطُ الأوَّلُ: إسباغُ الاعتبارِ للخلافِ غيرِ المعتبَرِ، فليس كلُّ ما يُحْكى مِن خلافٍ يكونُ معتبَرًا، بل كلُّ قولٍ مخالِفٍ للإجماعِ، أو النصِّ الظاهرِ الذي لا معارِضَ له، فليس بخلافٍ معتبَرٍ، وبناءً عليه فلا يجوزُ ردُّ الحُكمِ الشرعيِّ البيِّنِ بدعوى وجودِ مِثلِ هذا الخلاف؛ فالخلافُ عند العلماءِ على قسمَيْن:

خلافٌ معتبَرٌ: وهو الذي تتَّسِعُ له الدلائلُ، ويحتمِلُهُ الحكمُ؛ بحيثُ لا يكونُ ثَمَّ نَصٌّ قاطعٌ في مَحَلِّ النزاع، أو إجماعٌ معتبَرٌ متقدِّمٌ على وقوعِ الخلاف.

وخلافٌ غيرُ معتبَرٍ: وهو الذي قد خالَفَ نصًّا، أو إجماعًا؛ فلا يجوزُ اتِّباعُه.

فالقولُ بأن في المسألةِ خلافًا، قد يكونُ عند بعضِ الناسِ شاملًا للخلافِ غيرِ المعتبَرِ؛ فتجدُهُ يذكُرُ أقوالًا شاذَّةً، أو مهجورةً، أو ضعيفةً في مقابِلِ نصوصٍ صريحةٍ، أو إجماعٍ سابقٍ؛ وهذا خلَلٌ.

فالواجبُ على المسلِمِ: هو اتِّباعُ كلامِ اللهِ، وكلامِ رسولِهِ ^، وليس وجودُ الخلافِ بموجِبٍ للحيلولةِ دون تحقيقِ هذا الواجبِ، فضلًا عن التعلُّقِ بشاذِّ الأقوالِ وضعيفِها.

الغلَطُ الثاني: الحُكْمُ على ما ليس فيه خلافٌ بأن فيه خلافًا، بسببِ عدمِ معرفةِ طبيعةِ الخلافِ المذكور، وما يحتفُّ به مِن شروطٍ أو موانعَ؛ فبعضُ الأقوالِ تكونُ متعلِّقةً بشروطٍ، أو أحوالٍ، أو موانعَ لا يُحسِنُها كلُّ أحدٍ، بل تتطلَّبُ عالِمًا بطبيعةِ المسألة، فمَن يتمسَّكُ بأيِّ خلافٍ، قد يتهاوَنُ في توظيفِ أيِّ قولٍ في سياقٍ مخالِفٍ له.

3- إعمالُ الخلافِ الفقهيِّ، لا يَعْني أن الخلافَ بحدِّ ذاتِهِ حُجَّةٌ:

فإن العملَ بالأدلَّةِ الشرعيَّةِ مِن الكتابِ والسنَّةِ في المسائلِ الفقهيَّةِ، لا يُشترَطُ له وقوعُ الاتِّفاقِ والإجماعِ على ما دَلَّ عليه الدليلُ، ولا يَصِحُّ التنصُّلُ مِن اتِّباعِ الدليلِ بحجَّةِ أن المسألةَ مختلَفٌ فيها.

4- إعمالُ الخلافِ الفقهيِّ، لا يُجيزُ للمسلِمِ التهاوُنَ في أداءِ الاجتهادِ الواجبِ عليه:

والمقصودُ بهذا: أن المسلِمَ إذا اعتاد على مقابَلةِ كلِّ حكمٍ شرعيٍّ بالقولِ بأن في المسألةِ خلافًا؛ فإن ذلك سيُضعِفُ في نفسِهِ باعثَ الرغبةِ في التفقُّهِ في دِينِ اللهِ تعالى، ومعرفةِ مرادِه، وإصابةِ حُكمِ اللهِ تعالى في النازلة.

ومِن المعلومِ: أن المجتهِدَ مِن أهلِ العلمِ واجبُهُ بذلُ الوُسْعِ في إصابةِ حكمِ اللهِ تعالى؛ وذلك بالاجتهادِ في النظَرِ في الأدلَّةِ، والاجتهادِ في النظَرِ في الواقعةِ وفهمِها. كما أن لعامَّةِ المسلِمين نصيبًا مِن الاجتهادِ في معرفةِ الأحكامِ الفقهيَّة؛ وذلك في بذلِ العامِّيِّ الوُسْعَ في اختيارِ مَن يستفتيه.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

فالواجبُ على المسلِمِ: تطلُّبُ الحقِّ، وإرادةُ تحقيقِ مرادِ الله، لا تلمُّسُ هوى النفسِ، وما يناسِبُ الإنسانَ، وتغليفُ ذلك بادِّعاءِ وجودِ الخلاف. ثم الواجبُ: سلوكُ الطريقِ الشرعيِّ الصحيحِ للترجيحِ في هذا اللونِ مِن الخلافِ؛ بحسَبِ طبيعةِ الناظرِ، ومعرفتِهِ، وعِلمِه.