نص السؤال
إن الحياةَ المعاصِرةَ تحتاجُ إلى اجتهاداتٍ مقاصديَّةٍ جديدةٍ، تقومُ على تقديمِ رُوحِ الشريعةِ ومقاصدِها العُلْيا، على النصوصِ والأحكامِ الشرعيَّةِ التفصيليَّة.
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- معرفةُ المقاصدِ ليست منفكَّةً عن إدراكِ أحكامِ الشريعةِ التفصيليَّة:
فقد تستبِطنُ بعضُ العقولِ فكرةً غيرَ صحيحة، وهي أن معرفةَ المقاصدِ عمليَّةٌ منفكَّةٌ عن إدراكِ أحكامِ الشريعةِ التفصيليَّة.
والواقعُ: أن الحديثَ عن مقاصدِ الشريعةِ يجبُ أن يكونَ منطلِقًا مِن الشريعةِ ذاتِها أصولًا وفروعًا، كليَّاتٍ وجزئيَّاتٍ، لا أن يتصوَّرَ المرءُ مِن عِنديَّاتِهِ مقاصدَ، ثم ينسُبَها إلى الشريعة، ثم يَجعَلَ مقاصدَهُ هذه حاكمةً على فروعِ الشريعة.
بل «عِلمُ مقاصدِ الشريعةِ»: عِلمٌ كاشفٌ عن مقاصدِ الشريعةِ بالنظرِ إلى الشريعةِ ذاتِها، وإلى ما حدَّدَتْهُ مِن المقاصدِ نصًّا، أو ما يُمكِنُ تحصيلُهُ منها عن طريقِ النظرِ والاستقراءِ لجزئيَّاتِها؛ وهو مقامٌ عِلْميٌّ رفيعٌ، يجبُ أن يتحلَّى صاحبُهُ بالعِلمِ الوافرِ، والاستقراءِ التامِّ، والورَعِ الشديد؛ خوفًا أن يقولَ على اللهِ وشريعتِهِ بلا عِلم.
ويقالُ تفريعًا على هذا: إنَّ ردَّ الأحكامِ الجزئيَّةِ يؤُولُ في حقيقتِهِ إلى التشكيكِ في الأحكامِ الكُلِّيَّة؛ فإن الكلِّيَّاتِ إنما حصَلَتْ باستقراءِ الجزئيَّات.
2- التشريعاتُ التفصيليَّةُ مقاصدُ جزئيَّةٌ أيضًا، أو وسائلُ مقصودةٌ لمقاصدِ الشريعة:
يكفي ادِّعاءُ إمكانيَّةِ معرفةِ تفاصيلِ المَقصِدِ الشرعيِّ لتلك الأحكامِ وحدودِها، ثم ادِّعاءُ أن ثَمَّةَ وسائلَ تحقِّقُ عينَ المَقصِدِ الذي تطلَّبتْهُ الشريعةُ بتلك التشريعات، وأن هذه الوسائلَ يُمكِنُ الاستغناءُ بها عن الوسائلِ التي قرَّرتْها الشريعة.
ولنا أن نسألَ مَن يدَّعي ذلك: أن يُخبِرَنا عن البديلِ الذي يتحقَّقُ به مقصودُ الشريعةِ مِن أَنصِبةِ الزكاةِ، أو أعدادِ ركَعاتِ الصلَوات، أو مواقيتِها؟
والقولُ بأن هذه التشريعاتِ التفصيليَّةَ مجرَّدُ وسائلَ، ليس قولًا صحيحًا في نفسِه، بل جملةٌ مِن هذه التعبُّداتِ مطلوبةٌ لذاتِها؛ لأنها محبوبةٌ للهِ تعالى، وتحقيقُ ما يحبُّهُ اللهُ تعالى هو أجلُّ المقاصدِ والمطالب، ولا ينحصِرُ ذلك في التعبُّداتِ المحضةِ؛ كالصلاةِ، والصيام، بل حتى أحكامُ المعامَلاتِ ليست مجرَّدَ وسائلَ يُمكِنُ الاستعاضةُ عنها بغيرِها، بل هي أيضًا فيها معنى التعبُّد:
فلو قيل للقاضي مثلًا: «لِمَ لا تحكُمُ بين الناسِ وأنت غَضْبانُ؟»، فأجاب بأنِّي نُهِيتُ عن ذلك -: كان مصيبًا؛ كما أنه إذا قال: «لأن الغضَبَ يشوِّشُ عقلي، وهو مَظِنَّةُ عدمِ التثبُّتِ في الحكمِ» -: كان مصيبًا أيضًا.
والجوابُ الأوَّلُ: جوابُ التعبُّدِ المحض، والجوابُ الثاني: جوابُ الالتفاتِ إلى المعنى، وإذا جاز اجتماعُهما وعدمُ تنافِيهِما، جاز القصدُ إلى التعبُّدِ؛ وهذا المثالُ الذي ذكَرهُ الإمامُ الشاطبيُّ يوضِّحُ أن المعنى التعبُّديَّ في الشريعةِ الإسلاميَّةِ لا ينحصِرُ في العباداتِ المحضة.
3- واضعُ المقاصدِ والتشريعاتِ يَعلَمُ معنى كلامِهِ وأحكامِهِ ومآلاتِها، وتغيُّراتِ الزمان:
فالذي وضَعَ هذه الأحكامَ، لم يكن جاهلًا بتغيُّرِ الزمان، بل وضَعَ أحكامًا عظيمةً صالحةً لكلِّ زمانٍ تُقرَأُ فيه نصوصُها.
فاللهُ تعالى أنزَلَ الكتابَ، وأوحى السنَّةَ إلى نبيِّهِ ^، وأمَرَ بطاعتِهما، فما داما يُقْرَأَانِ، فهو قد عَلِمَ أن المصلحةَ في طاعتِهما مدى الزمان.
4- شأنُ المصالحِ الأخرويَّةِ في النظَرِ الشرعيِّ، أعمقُ وأكبرُ مِن شأنِ المصالحِ الدنيويَّة: فالحديثُ عن رُوحِ الشريعةِ ومقاصدِها العُلْيا، لا ينبغي أن يكونَ مختزَلًا اختزالًا شديدًا؛ بحيثُ يَشمَلُ في نهايةِ المَطافِ المتطلَّباتِ المادِّيَّةَ الدنيويَّةَ، بل شأنُ المصالحِ الأخرويَّةِ في النظَرِ الشرعيِّ، أعمَقُ وأكبَرُ.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
حقيقةُ هذه الشبهةِ: هي فتحُ البابِ لردِّ الأحكامِ الشرعيَّةِ التفصيليَّة، والجوابُ عنها يحتاجُ إلى بيانِ العَلاقةِ بين النصوصِ الجزئيَّةِ، والمقاصدِ العامَّةِ للشريعة.
مختصَرُ الإجابة:
معرفةُ المقاصدِ الكلِّيَّةِ مبنيَّةٌ على معرفةِ الأحكامِ الجزئيَّةِ بالاستقراءِ والتتبُّع، كما أن التشريعاتِ التفصيليَّةَ مقاصدُ جزئيَّةٌ أيضًا، أو وسائلُ مقصودةٌ لمقاصدِ الشريعة؛ فإذا أبطَلْنا النظرَ في الأحكامِ الجزئيَّةِ، لن نتوصَّلَ إلى معرفةِ المقاصدِ الكلِّيَّة؛ كما أننا نَعلَمُ أننا عاجِزون عن الإتيانِ بوسائلَ بديلةٍ لِمَا جاء في النصوصِ لتحقيقِ المقاصدِ العُلْيا للشريعة، أما واضعُ المقاصدِ والتشريعاتِ، فيَعلَمُ معنى كلامِهِ وأحكامِهِ ومآلاتِها، وتغيُّراتِ الزمان، وشأنُ المصالحِ الأخرويَّةِ عنده، أعمقُ وأكبرُ مِن شأنِ المصالحِ الدنيويَّة.
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية:
فعلينا جميعًا أن نَحرِصَ - في حياتِنا المعاصِرةِ وواقعِنا الراهنِ؛ بتعقيداتِهِ وعَلاقاتِهِ المتشابِكة - على تعظيمِ الوحي، ثم العمَلِ به؛ بحيثُ يُصبِحُ ذلك جزءًا أصيلًا في حياةِ وثقافةِ الفردِ المسلِمِ، والمجتمَعِ الإسلاميِّ، مُدرِكين جيِّدًا أن التهوينَ مِن قِيمةِ أحكامِ الشريعةِ التفصيليَّةِ وأهميَّتِها يُفْضي إلى إسقاطِ المقاصِدِ العُلْيا مِن الشريعةِ التي يحصُلُ بها صلاحُ العباد، في المَعاشِ والمَعاد.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
حقيقةُ هذه الشبهةِ: هي فتحُ البابِ لردِّ الأحكامِ الشرعيَّةِ التفصيليَّة، والجوابُ عنها يحتاجُ إلى بيانِ العَلاقةِ بين النصوصِ الجزئيَّةِ، والمقاصدِ العامَّةِ للشريعة.
مختصَرُ الإجابة:
معرفةُ المقاصدِ الكلِّيَّةِ مبنيَّةٌ على معرفةِ الأحكامِ الجزئيَّةِ بالاستقراءِ والتتبُّع، كما أن التشريعاتِ التفصيليَّةَ مقاصدُ جزئيَّةٌ أيضًا، أو وسائلُ مقصودةٌ لمقاصدِ الشريعة؛ فإذا أبطَلْنا النظرَ في الأحكامِ الجزئيَّةِ، لن نتوصَّلَ إلى معرفةِ المقاصدِ الكلِّيَّة؛ كما أننا نَعلَمُ أننا عاجِزون عن الإتيانِ بوسائلَ بديلةٍ لِمَا جاء في النصوصِ لتحقيقِ المقاصدِ العُلْيا للشريعة، أما واضعُ المقاصدِ والتشريعاتِ، فيَعلَمُ معنى كلامِهِ وأحكامِهِ ومآلاتِها، وتغيُّراتِ الزمان، وشأنُ المصالحِ الأخرويَّةِ عنده، أعمقُ وأكبرُ مِن شأنِ المصالحِ الدنيويَّة.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- معرفةُ المقاصدِ ليست منفكَّةً عن إدراكِ أحكامِ الشريعةِ التفصيليَّة:
فقد تستبِطنُ بعضُ العقولِ فكرةً غيرَ صحيحة، وهي أن معرفةَ المقاصدِ عمليَّةٌ منفكَّةٌ عن إدراكِ أحكامِ الشريعةِ التفصيليَّة.
والواقعُ: أن الحديثَ عن مقاصدِ الشريعةِ يجبُ أن يكونَ منطلِقًا مِن الشريعةِ ذاتِها أصولًا وفروعًا، كليَّاتٍ وجزئيَّاتٍ، لا أن يتصوَّرَ المرءُ مِن عِنديَّاتِهِ مقاصدَ، ثم ينسُبَها إلى الشريعة، ثم يَجعَلَ مقاصدَهُ هذه حاكمةً على فروعِ الشريعة.
بل «عِلمُ مقاصدِ الشريعةِ»: عِلمٌ كاشفٌ عن مقاصدِ الشريعةِ بالنظرِ إلى الشريعةِ ذاتِها، وإلى ما حدَّدَتْهُ مِن المقاصدِ نصًّا، أو ما يُمكِنُ تحصيلُهُ منها عن طريقِ النظرِ والاستقراءِ لجزئيَّاتِها؛ وهو مقامٌ عِلْميٌّ رفيعٌ، يجبُ أن يتحلَّى صاحبُهُ بالعِلمِ الوافرِ، والاستقراءِ التامِّ، والورَعِ الشديد؛ خوفًا أن يقولَ على اللهِ وشريعتِهِ بلا عِلم.
ويقالُ تفريعًا على هذا: إنَّ ردَّ الأحكامِ الجزئيَّةِ يؤُولُ في حقيقتِهِ إلى التشكيكِ في الأحكامِ الكُلِّيَّة؛ فإن الكلِّيَّاتِ إنما حصَلَتْ باستقراءِ الجزئيَّات.
2- التشريعاتُ التفصيليَّةُ مقاصدُ جزئيَّةٌ أيضًا، أو وسائلُ مقصودةٌ لمقاصدِ الشريعة:
يكفي ادِّعاءُ إمكانيَّةِ معرفةِ تفاصيلِ المَقصِدِ الشرعيِّ لتلك الأحكامِ وحدودِها، ثم ادِّعاءُ أن ثَمَّةَ وسائلَ تحقِّقُ عينَ المَقصِدِ الذي تطلَّبتْهُ الشريعةُ بتلك التشريعات، وأن هذه الوسائلَ يُمكِنُ الاستغناءُ بها عن الوسائلِ التي قرَّرتْها الشريعة.
ولنا أن نسألَ مَن يدَّعي ذلك: أن يُخبِرَنا عن البديلِ الذي يتحقَّقُ به مقصودُ الشريعةِ مِن أَنصِبةِ الزكاةِ، أو أعدادِ ركَعاتِ الصلَوات، أو مواقيتِها؟
والقولُ بأن هذه التشريعاتِ التفصيليَّةَ مجرَّدُ وسائلَ، ليس قولًا صحيحًا في نفسِه، بل جملةٌ مِن هذه التعبُّداتِ مطلوبةٌ لذاتِها؛ لأنها محبوبةٌ للهِ تعالى، وتحقيقُ ما يحبُّهُ اللهُ تعالى هو أجلُّ المقاصدِ والمطالب، ولا ينحصِرُ ذلك في التعبُّداتِ المحضةِ؛ كالصلاةِ، والصيام، بل حتى أحكامُ المعامَلاتِ ليست مجرَّدَ وسائلَ يُمكِنُ الاستعاضةُ عنها بغيرِها، بل هي أيضًا فيها معنى التعبُّد:
فلو قيل للقاضي مثلًا: «لِمَ لا تحكُمُ بين الناسِ وأنت غَضْبانُ؟»، فأجاب بأنِّي نُهِيتُ عن ذلك -: كان مصيبًا؛ كما أنه إذا قال: «لأن الغضَبَ يشوِّشُ عقلي، وهو مَظِنَّةُ عدمِ التثبُّتِ في الحكمِ» -: كان مصيبًا أيضًا.
والجوابُ الأوَّلُ: جوابُ التعبُّدِ المحض، والجوابُ الثاني: جوابُ الالتفاتِ إلى المعنى، وإذا جاز اجتماعُهما وعدمُ تنافِيهِما، جاز القصدُ إلى التعبُّدِ؛ وهذا المثالُ الذي ذكَرهُ الإمامُ الشاطبيُّ يوضِّحُ أن المعنى التعبُّديَّ في الشريعةِ الإسلاميَّةِ لا ينحصِرُ في العباداتِ المحضة.
3- واضعُ المقاصدِ والتشريعاتِ يَعلَمُ معنى كلامِهِ وأحكامِهِ ومآلاتِها، وتغيُّراتِ الزمان:
فالذي وضَعَ هذه الأحكامَ، لم يكن جاهلًا بتغيُّرِ الزمان، بل وضَعَ أحكامًا عظيمةً صالحةً لكلِّ زمانٍ تُقرَأُ فيه نصوصُها.
فاللهُ تعالى أنزَلَ الكتابَ، وأوحى السنَّةَ إلى نبيِّهِ ^، وأمَرَ بطاعتِهما، فما داما يُقْرَأَانِ، فهو قد عَلِمَ أن المصلحةَ في طاعتِهما مدى الزمان.
4- شأنُ المصالحِ الأخرويَّةِ في النظَرِ الشرعيِّ، أعمقُ وأكبرُ مِن شأنِ المصالحِ الدنيويَّة: فالحديثُ عن رُوحِ الشريعةِ ومقاصدِها العُلْيا، لا ينبغي أن يكونَ مختزَلًا اختزالًا شديدًا؛ بحيثُ يَشمَلُ في نهايةِ المَطافِ المتطلَّباتِ المادِّيَّةَ الدنيويَّةَ، بل شأنُ المصالحِ الأخرويَّةِ في النظَرِ الشرعيِّ، أعمَقُ وأكبَرُ.
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية:
فعلينا جميعًا أن نَحرِصَ - في حياتِنا المعاصِرةِ وواقعِنا الراهنِ؛ بتعقيداتِهِ وعَلاقاتِهِ المتشابِكة - على تعظيمِ الوحي، ثم العمَلِ به؛ بحيثُ يُصبِحُ ذلك جزءًا أصيلًا في حياةِ وثقافةِ الفردِ المسلِمِ، والمجتمَعِ الإسلاميِّ، مُدرِكين جيِّدًا أن التهوينَ مِن قِيمةِ أحكامِ الشريعةِ التفصيليَّةِ وأهميَّتِها يُفْضي إلى إسقاطِ المقاصِدِ العُلْيا مِن الشريعةِ التي يحصُلُ بها صلاحُ العباد، في المَعاشِ والمَعاد.