نص السؤال
لا يُوجَدُ شيءٌ اسمُهُ: «حقيقةٌ مطلَقةٌ»؛ والدليلُ على ذلك: أنه ليس هناك مرجعيَّةٌ بالإمكانِ الاتِّفاقُ عليها.
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
القولُ بنسبيَّةِ الحقيقة، ليس هناك حقٌّ مطلَق.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
1- الإشكالُ ليس في القولِ بـ «نسبيَّةِ الحقيقةِ» في المسائلِ الاجتهاديَّة، وإنما في القولِ بها في الثوابتِ؛ وذلك بإلغاءِ المحكَماتِ والقطعيَّاتِ في الدِّين:
قال اللهُ تعالى:
{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}
[يونس: 94].
فالوحيُ يتضمَّنُ قطعيَّاتٍ؛ مِن الأوامرِ والأخبار؛ مثلُ الأركانِ الخمسةِ، وحاكميَّةِ الشريعةِ، ووجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكَر، والإيمانِ باللهِ تعالى وملائكتِهِ وكُتُبِهِ ورسُلِهِ واليومِ الآخِرِ، والقدَرِ خيرِهِ وشرِّه؛ فهذه حقائقُ مطلَقة.
أما ما ورَدَ عن بعضِ الأئمَّةِ في احتماليَّةِ خطأِ قولِهِ، فإنما هذا في المسائلِ الاجتهاديَّةِ الفرعيَّةِ؛ كمسائلِ الخلافِ السائغِ التي اختلَفَ فيها الأئمَّةُ الأربعة، وهذه المسائلُ الحقُّ فيها عند اللهِ تعالى واحدٌ، لكنَّ المجتهِدَ بشرطِهِ يكونُ مُثابًا مأجورًا وإن أخطأ؛
كما جاء في الحديثِ:
«إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ، فَأَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنِ اجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ»
؛ رواه البخاري (7352)، ومسلم (1716).
2- القولُ بـ «نسبيَّةِ الحقيقةِ» يُنافي إدراكَ العقولِ والفِطَرِ البدَهيَّ للمستقبَحات:
فدعوى «النسبيَّةِ المطلَقةِ للحقيقةِ»، معارِضةٌ أيضًا لإدراكِ العقولِ للمستقبَحات؛ فالعقولُ تُدرِكُ قبحَ الكذبِ، وقبحَ الظلمِ، وقبحَ البغيِ، وقبحَ الفسادِ، والقولُ بنسبيَّةِ الحقيقةِ يَجعَلُ استقباحَ هذه الأمورِ يعارِضُ إدراكَ العقلِ والفطرةِ لقبحِ هذه الأمور.
أما دعوى أن استقباحَ هذه الأمورِ لمجرَّدِ الإلفِ والعادة:
فالجوابُ عنها - كما قرَّره بعضُ أهلِ العلم -: أننا لا نُنكِرُ أن للعادةِ واختلافِ الزمانِ والمكانِ والإضافةِ والحالِ تأثيرًا في الملاءَمةِ والمنافَرة، ولا نُنكِرُ أن الإنسانَ يلائِمُهُ ما اعتاده مِن الأغذيةِ والمساكِنِ والملابِس، وينافِرُهُ ما لم يَعتَدْهُ منها، وإن كان أشرَفَ منها وأفضلَ؛ ومِن هذا إلفُ الأوطانِ وحبُّ المساكنِ والحنينُ إليها.
ولكنْ هل يَلزَمُ مِن هذا أن تكونَ الملاءَمةُ والمنافَرةُ كلُّها تَرجِعُ إلى الإلفِ والعادةِ المجرَّدة؟! ومعلومٌ أن هذا مما لا سبيلَ إليه؛ إذِ الحكمُ على فردٍ جزئيٍّ مِن أفرادِ النوعِ، لا يقتضي الحكمَ على جميعِ النوعِ بنفسِ الحكمِ، واستلزامُ الفردِ المعيَّنِ مِن النوعِ للازمِ المعيَّنِ، لا يقتضي استلزامَ النوعِ لهذا اللازمِ، وثبوتُ خاصَّةٍ معيَّنةٍ للفردِ الجزئيِّ، لا يقتضي ثبوتَها للنوعِ الكُلِّيّ.
3- القولُ بـ «نسبيَّةِ الحقيقةِ» يَفتَحُ البابَ لجحدِ الضروريَّاتِ العقليَّة:
مثالُ ذلك: «مبدأُ السببيَّةِ العامَّةِ»، والذي يقولُ: «بأن لكلِّ أمرٍ حادثٍ سببًا أحدَثهُ»؛ هذا المبدأُ يمثِّلُ قاعدةً مطلَقةً لا تدخُلُها النِّسبيَّة، ومدَّعي النسبيَّةِ: يَلزَمُهُ ادِّعاءُ إمكانِ أن يحدُثَ شيءٌ مِن لا شيءَ، أو يحدُثَ وجودٌ مِن عدَمٍ؛ وهي سَفسَطةٌ وتنكُّرٌ للبداهةِ العقليَّة.
وقل الأمرَ نفسَهُ في «مبدأِ عدمِ التناقُضِ»؛ فمِن الممتنِعِ المستحيلِ عقلًا: أن يُوجَدَ جسمٌ متحرِّكٌ وساكنٌ في الوقتِ نفسِه؛ فمَن قال بنسبيَّةِ هذه الحقيقةِ، لَزِمَهُ تجويزُ وقوعِ مثلِ هذا؛ وهي سَفسَطةٌ ظاهرة.
والسَّفسَطةُ فيها إنكارُ الحسِّيَّاتِ أيضًا، وقد قال بعضُ المتقدِّمين: «الطريقُ معهم في إلزامِهم، ودفعِ إنكارِهم: أن تُعَدَّ عليهم أمورٌ لا بدَّ لهم مِن الاعترافِ بثبوتِها والجزمِ فيها؛ حتى يَظهَرَ عنادُهم في إنكارِ الأشياءِ كلِّها؛ مثلُ أنك هل تميِّزُ بين الألمِ واللذَّةِ، أو بين دخولِ النارِ والماءِ، أو بين مَذهَبِكَ وما يناقِضُه؟ فإن أبَوْا إلا الإصرارَ على الإنكارِ، أُوجِعوا ضربًا، وأُصْلُوا نارًا، إلى أن يعترِفوا بالألمِ، وهو مِن الحسِّيَّاتِ، وبالفرقِ بينه وبين اللذَّةِ؛ وهو مِن البديهيَّات».
4- قاعدةُ «نسبيَّةِ الحقيقةِ» تعُودُ على نفسِها بالإبطال:
فإن أوَّلَ ما يُسْألُ عنه مَن يقولُ بـ «نسبيَّةِ الحقيقة»: هل قولُكَ بنسبيَّةِ الحقيقةِ حقيقةٌ مطلَقةٌ أو نسبيَّةٌ؟ فإن قال: «مطلَقةٌ»، فهو يقولُ بالحقيقةِ المطلَقة؛ وهذا نقضٌ لأصلِه، وإن قال: «نسبيَّةٌ»، قلنا: هذا يَلزَمُكَ، ولا يَلزَمُنا.
وعليه: فإن مَن يقولُ بـ «نسبيَّةِ الحقيقةِ»: إن تدرَّجْنا معه في الجدالِ، لا بدَّ أن يصلَ إلى مرحلةٍ يُقِرُّ فيها بوجودِ شيءٍ مطلَقٍ، ومهما اختلَفْنا معه في تحديدِهِ، فإن مجرَّدَ قولِهِ به يكونُ منطلَقًا لإلزامِهِ بما فوقه مِن الحقائقِ والقطعيَّات؛ حتى يَعلَمَ أن شريعةَ اللهِ تعالى حقٌّ مطلَقٌ، والأخذُ بها حتمٌ لازم.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال: صاحبُ هذا السؤالِ يَرَى أنه لا توجدُ حقيقةٌ مطلَقةٌ، وأن الحقيقةَ دائمًا نسبيَّةٌ، وهو يُريدُ أن يصلَ إلى القولِ بعدمِ صحَّةِ تقييدِ حريَّةِ الناسِ بالشريعةِ الإسلاميَّة؛ لأنه ليس هناك حقيقةٌ مطلَقةٌ يُمكِنُ أن تدَّعِيَها فئةٌ مِن الفئات.
مختصَرُ الإجابة:
ليس هناك مسلِمٌ يقولُ: «إن جميعَ ما يعتقِدُهُ ويأتيهِ في أمورِ دِينِهِ ودنياهُ، حقٌّ مطلَقٌ»، وإنما الحقُّ المطلَقُ ينحصِرُ في الثوابتِ والقطعيَّات. والقولُ بـ «نسبيَّةِ الحقيقةِ» إذا أُخِذَ به في جميعِ المجالاتِ، فهو يؤدِّي إلى جحدِ الضروريَّاتِ؛ مثلُ: معرفتِنا بـ «أنَّ الكلَّ أكبرُ مِن الجزء»، و«أن النقيضَيْنِ لا يجتمِعانِ ولا يرتفِعان»، و«أن لكلِّ حادثٍ محدِثًا»، ويؤدِّي إلى جحدِ المستحسَناتِ والمستقبَحاتِ العقليَّةِ؛ مثلُ: حسنِ الصدق، وقبحِ الكذب، ومثلُ هذا لو أُوقِفَ عليه كثيرٌ ممَّن يدَّعي نسبيَّةَ الحقيقةِ، سيأباهُ ويُنكِرُه، وتسليمُهُ به إقرارٌ منه بوجودِ شروطٍ وقيودٍ لقاعدتِه، وهو إقرارٌ يُمكِنُ أن يُبنَى عليه الإقرارُ بسائرِ الثوابتِ والقطعيَّات، الدينيَّةِ والأخلاقيَّة.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال: صاحبُ هذا السؤالِ يَرَى أنه لا توجدُ حقيقةٌ مطلَقةٌ، وأن الحقيقةَ دائمًا نسبيَّةٌ، وهو يُريدُ أن يصلَ إلى القولِ بعدمِ صحَّةِ تقييدِ حريَّةِ الناسِ بالشريعةِ الإسلاميَّة؛ لأنه ليس هناك حقيقةٌ مطلَقةٌ يُمكِنُ أن تدَّعِيَها فئةٌ مِن الفئات.
مختصَرُ الإجابة:
ليس هناك مسلِمٌ يقولُ: «إن جميعَ ما يعتقِدُهُ ويأتيهِ في أمورِ دِينِهِ ودنياهُ، حقٌّ مطلَقٌ»، وإنما الحقُّ المطلَقُ ينحصِرُ في الثوابتِ والقطعيَّات. والقولُ بـ «نسبيَّةِ الحقيقةِ» إذا أُخِذَ به في جميعِ المجالاتِ، فهو يؤدِّي إلى جحدِ الضروريَّاتِ؛ مثلُ: معرفتِنا بـ «أنَّ الكلَّ أكبرُ مِن الجزء»، و«أن النقيضَيْنِ لا يجتمِعانِ ولا يرتفِعان»، و«أن لكلِّ حادثٍ محدِثًا»، ويؤدِّي إلى جحدِ المستحسَناتِ والمستقبَحاتِ العقليَّةِ؛ مثلُ: حسنِ الصدق، وقبحِ الكذب، ومثلُ هذا لو أُوقِفَ عليه كثيرٌ ممَّن يدَّعي نسبيَّةَ الحقيقةِ، سيأباهُ ويُنكِرُه، وتسليمُهُ به إقرارٌ منه بوجودِ شروطٍ وقيودٍ لقاعدتِه، وهو إقرارٌ يُمكِنُ أن يُبنَى عليه الإقرارُ بسائرِ الثوابتِ والقطعيَّات، الدينيَّةِ والأخلاقيَّة.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
1- الإشكالُ ليس في القولِ بـ «نسبيَّةِ الحقيقةِ» في المسائلِ الاجتهاديَّة، وإنما في القولِ بها في الثوابتِ؛ وذلك بإلغاءِ المحكَماتِ والقطعيَّاتِ في الدِّين:
قال اللهُ تعالى:
{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}
[يونس: 94].
فالوحيُ يتضمَّنُ قطعيَّاتٍ؛ مِن الأوامرِ والأخبار؛ مثلُ الأركانِ الخمسةِ، وحاكميَّةِ الشريعةِ، ووجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكَر، والإيمانِ باللهِ تعالى وملائكتِهِ وكُتُبِهِ ورسُلِهِ واليومِ الآخِرِ، والقدَرِ خيرِهِ وشرِّه؛ فهذه حقائقُ مطلَقة.
أما ما ورَدَ عن بعضِ الأئمَّةِ في احتماليَّةِ خطأِ قولِهِ، فإنما هذا في المسائلِ الاجتهاديَّةِ الفرعيَّةِ؛ كمسائلِ الخلافِ السائغِ التي اختلَفَ فيها الأئمَّةُ الأربعة، وهذه المسائلُ الحقُّ فيها عند اللهِ تعالى واحدٌ، لكنَّ المجتهِدَ بشرطِهِ يكونُ مُثابًا مأجورًا وإن أخطأ؛
كما جاء في الحديثِ:
«إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ، فَأَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنِ اجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ»
؛ رواه البخاري (7352)، ومسلم (1716).
2- القولُ بـ «نسبيَّةِ الحقيقةِ» يُنافي إدراكَ العقولِ والفِطَرِ البدَهيَّ للمستقبَحات:
فدعوى «النسبيَّةِ المطلَقةِ للحقيقةِ»، معارِضةٌ أيضًا لإدراكِ العقولِ للمستقبَحات؛ فالعقولُ تُدرِكُ قبحَ الكذبِ، وقبحَ الظلمِ، وقبحَ البغيِ، وقبحَ الفسادِ، والقولُ بنسبيَّةِ الحقيقةِ يَجعَلُ استقباحَ هذه الأمورِ يعارِضُ إدراكَ العقلِ والفطرةِ لقبحِ هذه الأمور.
أما دعوى أن استقباحَ هذه الأمورِ لمجرَّدِ الإلفِ والعادة:
فالجوابُ عنها - كما قرَّره بعضُ أهلِ العلم -: أننا لا نُنكِرُ أن للعادةِ واختلافِ الزمانِ والمكانِ والإضافةِ والحالِ تأثيرًا في الملاءَمةِ والمنافَرة، ولا نُنكِرُ أن الإنسانَ يلائِمُهُ ما اعتاده مِن الأغذيةِ والمساكِنِ والملابِس، وينافِرُهُ ما لم يَعتَدْهُ منها، وإن كان أشرَفَ منها وأفضلَ؛ ومِن هذا إلفُ الأوطانِ وحبُّ المساكنِ والحنينُ إليها.
ولكنْ هل يَلزَمُ مِن هذا أن تكونَ الملاءَمةُ والمنافَرةُ كلُّها تَرجِعُ إلى الإلفِ والعادةِ المجرَّدة؟! ومعلومٌ أن هذا مما لا سبيلَ إليه؛ إذِ الحكمُ على فردٍ جزئيٍّ مِن أفرادِ النوعِ، لا يقتضي الحكمَ على جميعِ النوعِ بنفسِ الحكمِ، واستلزامُ الفردِ المعيَّنِ مِن النوعِ للازمِ المعيَّنِ، لا يقتضي استلزامَ النوعِ لهذا اللازمِ، وثبوتُ خاصَّةٍ معيَّنةٍ للفردِ الجزئيِّ، لا يقتضي ثبوتَها للنوعِ الكُلِّيّ.
3- القولُ بـ «نسبيَّةِ الحقيقةِ» يَفتَحُ البابَ لجحدِ الضروريَّاتِ العقليَّة:
مثالُ ذلك: «مبدأُ السببيَّةِ العامَّةِ»، والذي يقولُ: «بأن لكلِّ أمرٍ حادثٍ سببًا أحدَثهُ»؛ هذا المبدأُ يمثِّلُ قاعدةً مطلَقةً لا تدخُلُها النِّسبيَّة، ومدَّعي النسبيَّةِ: يَلزَمُهُ ادِّعاءُ إمكانِ أن يحدُثَ شيءٌ مِن لا شيءَ، أو يحدُثَ وجودٌ مِن عدَمٍ؛ وهي سَفسَطةٌ وتنكُّرٌ للبداهةِ العقليَّة.
وقل الأمرَ نفسَهُ في «مبدأِ عدمِ التناقُضِ»؛ فمِن الممتنِعِ المستحيلِ عقلًا: أن يُوجَدَ جسمٌ متحرِّكٌ وساكنٌ في الوقتِ نفسِه؛ فمَن قال بنسبيَّةِ هذه الحقيقةِ، لَزِمَهُ تجويزُ وقوعِ مثلِ هذا؛ وهي سَفسَطةٌ ظاهرة.
والسَّفسَطةُ فيها إنكارُ الحسِّيَّاتِ أيضًا، وقد قال بعضُ المتقدِّمين: «الطريقُ معهم في إلزامِهم، ودفعِ إنكارِهم: أن تُعَدَّ عليهم أمورٌ لا بدَّ لهم مِن الاعترافِ بثبوتِها والجزمِ فيها؛ حتى يَظهَرَ عنادُهم في إنكارِ الأشياءِ كلِّها؛ مثلُ أنك هل تميِّزُ بين الألمِ واللذَّةِ، أو بين دخولِ النارِ والماءِ، أو بين مَذهَبِكَ وما يناقِضُه؟ فإن أبَوْا إلا الإصرارَ على الإنكارِ، أُوجِعوا ضربًا، وأُصْلُوا نارًا، إلى أن يعترِفوا بالألمِ، وهو مِن الحسِّيَّاتِ، وبالفرقِ بينه وبين اللذَّةِ؛ وهو مِن البديهيَّات».
4- قاعدةُ «نسبيَّةِ الحقيقةِ» تعُودُ على نفسِها بالإبطال:
فإن أوَّلَ ما يُسْألُ عنه مَن يقولُ بـ «نسبيَّةِ الحقيقة»: هل قولُكَ بنسبيَّةِ الحقيقةِ حقيقةٌ مطلَقةٌ أو نسبيَّةٌ؟ فإن قال: «مطلَقةٌ»، فهو يقولُ بالحقيقةِ المطلَقة؛ وهذا نقضٌ لأصلِه، وإن قال: «نسبيَّةٌ»، قلنا: هذا يَلزَمُكَ، ولا يَلزَمُنا.
وعليه: فإن مَن يقولُ بـ «نسبيَّةِ الحقيقةِ»: إن تدرَّجْنا معه في الجدالِ، لا بدَّ أن يصلَ إلى مرحلةٍ يُقِرُّ فيها بوجودِ شيءٍ مطلَقٍ، ومهما اختلَفْنا معه في تحديدِهِ، فإن مجرَّدَ قولِهِ به يكونُ منطلَقًا لإلزامِهِ بما فوقه مِن الحقائقِ والقطعيَّات؛ حتى يَعلَمَ أن شريعةَ اللهِ تعالى حقٌّ مطلَقٌ، والأخذُ بها حتمٌ لازم.