نص السؤال

أليس التذكيرُ باليومِ الآخِرِ والقبرِ، ونحوِ ذلك، يسبِّبُ الخوفَ والهَلَعَ والوَسْوَسةَ، خصوصًا للصغار؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

التذكيرُ والترهيبُ بالموتِ والقبر، واليومِ الآخِرِ والنار، يسبِّبُ الخوفَ والهَلَع.

الجواب التفصيلي


هنالك مَن يعترِضُ على ذكرِ الموتِ والقبرِ، واليومِ الآخِرِ والجنَّةِ والنار؛ عند النصحِ والتذكيرِ والوعظ، ويَرَى أن ذلك يسبِّبُ الهلَعَ والخوفَ للإنسان، ولا سيَّما للأطفالِ الصغار.

والجوابُ على هذه الشبهةِ مِن وجوه:

الوجهُ الأوَّلُ: الإنسانُ - بطبيعتِهِ - يُحِبُّ جلبَ الخيرِ لنفسِه، ويَكرَهُ ما يسبِّبُ له الألَمَ والشقاءَ؛ وهذا يَدفَعُ الإنسانَ للاستجابةِ لمؤثِّراتِ الترغيبِ التي تَجعَلُهُ يُقبِلُ على ما يَنفَعُهُ ويُصلِحُه، أما الترهيبُ، فيَجعَلُهُ يبتعِدُ عما يضُرُّهُ ويُفسِدُه؛ فالترغيبُ والترهيبُ يولِّدانِ حافزًا ذاتيًّا داخِلَ النفسِ الإنسانيَّة؛ يحرِّكُ عواطفَها، ويوجِّهُ إرادتَها، ويَدفَعُها نحوَ السلوكيَّاتِ والتصرُّفاتِ المناسِبةِ والصحيحة، ويُبعِدُها عن السلوكيَّاتِ والتصرُّفاتِ السيِّئةِ والخاطئة.

وعن تربيةِ الطفلِ خاصَّةً، نَسْألُ هذا السؤالَ:

كيف نربِّي الطفلَ؟

كلُّ ما نَعمَلُهُ مِن وسائلَ لتربيةِ الطفلِ يَرجِعُ إلى أحدِ الطرُقِ الآتية:

1- التلقينُ؛ وهذا يُعتمَدُ فيه على مجرَّدِ الأمرِ، وهو غيرُ مُجْدٍ؛ وللأسفِ فهو المستعمَلُ لدى كثيرٍ مِن الناس.

2- يُضافُ مع التلقينِ أمرٌ آخَرُ؛ كالنصحِ، أو الترغيبِ والترهيب؛ وهو ما يَعْنينا في هذا المقام؛ وهذا أَجْدى مِن سابِقِه.

3- الملاحَظةُ والتقليدُ؛ وهذا أهمُّها وأخطَرُها، وهنا دَوْرُ القدوةِ في البيت، وسلوكِ الأمِّ؛ فلن تستطيعَ تعليمَهُ الصدقَ، ونَهْيَهُ عن الكذبِ، وهي تَكذِبُ أمامَه.

وقد استخدَمَ الإسلامُ هذا الأسلوبَ (الترغيبَ والترهيبَ) في تحريكِ الدوافعِ الخيِّرةِ وتنشيطِها: بالترغيبِ فيما أعدَّه اللهُ تعالى لمَن استقام على دِينِه، وكَبْحِ الدوافعِ السيِّئةِ: بالترهيبِ بما أعدَّه اللهُ مِن العذابِ لمَن أطلَقَ العِنانَ لنفسِهِ بالطغيانِ والفسادِ والانحراف؛ قال تعالى:

{فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}

[النازعات: 37- 41].

الوجهُ الثاني: الموتُ وعذابُ القبرِ، والدارُ الآخِرةُ والجنَّةُ والنارُ، حقائقُ شرعيَّةٌ ثابتةٌ يقرِّرُها الإسلامُ، وجاء ذِكرُها في القرآنِ والسنَّة؛ فالقرآنُ الكريمُ، والسنَّةُ النبويَّة، زاخِرانِ بالآياتِ والأحاديثِ التي فيها الترغيبُ في الأعمالِ الصالحة، والترهيبُ مِن الأعمالِ السيِّئة؛ مِن أجلِ الاستِعدادِ للدارِ الآخِرة، والفوزِ بالجنَّة، والنجاةِ مِن النار؛ قال تعالى:

{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}

[الجمعة: 8]،

وقال تعالى:

{إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}

[محمد: 12].

فلا مَجَالَ للاعتراضِ على استعمالِ الترغيبِ والترهيبِ في النصحِ والتذكيرِ والوعظِ؛ لكونِهما مِن أساليبِ النصحِ والإرشاد، والوعظِ والتذكيرِ في القرآنِ والسنَّة، وإنما قد يُستساغُ الاعتراضُ على استخدامِهما بطريقةٍ خاطئةٍ، أو مبالَغٍ فيها، لا تتَّفِقُ مع منهجِ الشرعِ الحكيم.

الوجهُ الثالثُ: منهجُ القرآنِ الكريمِ هو الموازَنةُ بين الترغيبِ والترهيب، والرجاءِ والخوف، وعدمُ الاقتصارِ على أحدِهما دون الآخَر؛ قال تعالى:

{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}

[الحجر: 49- 50]

؛ فمَن يقتصِرْ على الرجاءِ والوعدِ والترغيبِ فقطْ، فإنه يتمادى في المعاصي، ويغترُّ برحمةِ اللهِ ومغفرتِه، ومَن يقتصِرْ على الخوفِ والوعيدِ والترهيبِ فقطْ، فإنه يَيْئَسُ ويَقنَطُ مِن رحمةِ اللهِ خوفًا مِن عذابِهِ وقوَّتِه؛ ولذلك وصَفَ اللهُ تعالى حالَ المؤمِنين بأنهم يَجمَعون بين الرجاءِ والخوف؛ قال تعالى:

{وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}

[الإسراء: 57].

وهذا يكونُ في تعامُلِ الإنسانِ مع نفسِهِ: أنه يوازِنُ بين الخوفِ مِن اللهِ تعالى وعقابِه، والرجاءِ لرحمةِ اللهِ تعالى وفضلِهِ وإحسانِه؛ قال ابنُ تيميَّةَ: «ينبغي للمؤمِنِ أن يكونَ خوفُهُ ورجاؤُهُ واحدًا؛ فأيُّهما غلَبَ، هلَكَ صاحبُهُ، ونَصَّ عليه الإمامُ أحمدُ؛ لأن مَن غلَبَ خوفُهُ، وقَعَ في نوعٍ مِن اليأس، ومَن غلَبَ رجاؤُهُ، وقَعَ في نوعٍ مِن الأمنِ مِن مكرِ الله». «الفتاوى الكبرى» (5/ 359).

الوجهُ الرابعُ: في مقامِ الدعوةِ والتذكيرِ والنصحِ: الأَوْلى تقديمُ الترغيبِ على الترهيب، والتبشيرِ بفضلِ اللهِ، وعظيمِ ثوابِهِ، وجزيلِ عطائِهِ، وسَعَةِ رحمتِهِ، على التخويفِ المبالَغِ فيه، الذي يؤدِّي إلى التنفيرِ، والقنوطِ مِن رحمةِ الله تعالى، وقد حَثَّ النبيُّ ^ على ذلك؛ فعن أنَسِ بنِ مالكٍ رضِيَ الله عنه، عن النبيِّ ﷺ، قال:

«يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا»؛

رواه البخاري (69)، ومسلم (1734).

الوجهُ الخامسُ: التخويفُ والترهيبُ الزائدُ عن الحدِّ، مذمومٌ وممنوعٌ شرعًا وعُرْفًا؛ لأنه يؤدِّي إلى اليأسِ والإحباط، ويُفْضي بالإنسانِ إلى أن يَقنَطَ مِن رحمةِ اللهِ سبحانه وتعالى، ويَجعَلُ الشخصَ يظُنُّ أنه لن ينجُوَ مِن النارِ مهما عَمِلَ مِن الأعمالِ الصالحة؛ فيترُكُ التوبةَ والعملَ الصالحَ، ويستمِرُّ في العملِ السيِّئِ لأجلِ ذلك:

قال تعالى:

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}

[الزمر: 53].

وعن عائشةَ رضِيَ الله عنها؛ أنها قالت لعُبَيدِ بنِ عُمَيرٍ:

«أُحَدَّثُ أَنَّكَ تَجْلِسُ وَيُجْلَسُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: بَلَى، يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: «فَإِيَّاكَ وَإِمْلَالَ النَّاسِ وَتَقْنِيطَهُمْ»؛

رواه البَيهَقيُّ في «شُعَبِ الإيمان» (2/ 341).

ومَرَّ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه على قاصٍّ، وهو يذكِّرُ، فقال:

«يَا مُذَكِّرُ، لَا تُقَنِّطِ النَّاسَ»، ثُمَّ قَرَأَ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53]

»؛ رواه البَيهَقيُّ في «شُعَبِ الإيمان» (2/ 342).

الوجهُ السادسُ: الطفلُ الصغيرُ لا ينبغي تخويفُهُ وترهيبُهُ مِن النارِ والموتِ، وعذابِ القبرِ ونحوِها؛ لأنه غيرُ مكلَّفٍ، ولا سيِّئاتِ ولا إثمَ عليه في حالِ وقوعِهِ في الخطأ، ولأن نفسَهُ ما زالت ضعيفةً؛ فتخويفُهُ مِن النارِ قد يضُرُّهُ، أو يَجعَلُهُ لا يُبالي بذكرِ النارِ بعد ذلك؛ لكثرةِ ما يَسمَعُ مِن التخويفِ بها، وإنما يُغلَّبُ معه جانبُ الحُبِّ للهِ عزَّ وجلَّ.

مثلُ أن يقالَ له عند فعلِ الخطأِ: «هذا الفعلُ الذي تَفعَلُهُ لا يحبُّهُ اللهُ،، اللهُ لا يحبُّ الكذبَ، بل يحبُّ الصِّدقَ»، ويُغلَّبُ كذلك جانبُ الترغيبِ بأن اللهَ تعالى يُثيبُه، ويُعطيهِ الحسَناتِ على فعلِ الصواب، أو تركِ الخطأِ.

وإذا ذُكِرتِ النارُ، أو ذُكِرَ الموتُ والقبرُ، فيكونُ ذكرًا مقتضَبًا، وعلى أوقاتٍ متفرِّقة، وليس باستمرارٍ يؤدِّي إلى النفورِ والمَلَل.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

السائلُ يستشكِلُ ما يحصُلُ مِن ترهيبٍ وتخويفٍ بالموتِ والقبرِ، واليومِ الآخِرِ والنارِ، عند النصحِ والتذكيرِ، لمَن يحصُلُ منه خطأٌ، أو يقَعُ في شيءٍ مِن الذنوبِ والمعاصي، ولا سيَّما الأطفالُ الصِّغارُ، ويَرَى أن هذا الأمرَ يسبِّبُ لهم الخوفَ والهلَعَ، ويؤثِّرُ سلبًا على نفسيَّتِهم وحياتِهم.

مختصَرُ الإجابة:

أسلوبُ الترغيبِ والترهيبِ مِن الأساليبِ التي تربِّي النفسَ وتهذِّبُها، وتَجعَلُها تُقبِلُ على الخيرِ والسلوكيَّاتِ الصحِّيَّة، وتُحجِمُ عن الشرِّ والسلوكيَّاتِ الخاطئة.

وقد استخدَمَ القرآنُ الكريمُ، والسنَّةُ النبويَّةُ: هذا الأسلوبَ في الكثيرِ مِن الآياتِ القرآنيَّة، والأحاديثِ النبويَّة؛ فورَدَ فيهما التذكيرُ بالموتِ والقبرِ، واليومِ الآخِرِ والجنَّةِ والنار.

وعلى ذلك: فلا بأسَ باستخدامِ هذا الأسلوبِ، وذكرِ هذه الأمورِ في النصحِ والتوجيهِ، مع مراعاةِ الضوابطِ التالية:

أوَّلًا: الموازَنةُ بين جانبِ الترغيبِ والوعدِ والرجاء، وجانبِ الترهيبِ والوعيدِ والخوف، وعدمُ الاقتصارِ على أحدِهما دون الآخَر.

ثانيًا: في النصحِ والتوجيهِ: يُغلَّبُ جانبُ الترغيبِ والتبشير، على جانبِ التخويفِ والتنفير.

ثالثًا: عدمُ المبالَغةِ في التخويفِ والترهيبِ الزائدِ عن الحدِّ الذي يؤدِّي إلى الهَلَعِ والقنوطِ مِن رحمةِ الله.

رابعًا: لا ينبغي مع الطفلِ الصغيرِ تخويفُهُ وترهيبُهُ مِن الموتِ، والقبرِ، والنارِ، ونحوِها؛ لأنه غيرُ مكلَّفٍ، ولا سيِّئاتِ ولا إثمَ عليه في حالِ وقوعِهِ في الخطأ، ولأن نفسَهُ ما زالت ضعيفةً؛ فتخويفُهُ بالموتِ والقبرِ والنارِ قد يضُرُّهُ، وإنما يُغلَّبُ معه ذِكرُ حُبِّ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأن اللهَ لا يحبُّ فِعلَ الخطأ، وكذلك جانبُ الترغيبِ بأن اللهَ تعالى يُثيبُهُ بالحسَناتِ على فعلِ الصواب، أو تركِ الخطأ.

خاتمة الجواب

فعلينا إذَنِ استخدامُ أسلوبِ الترغيبِ والترهيب؛ لِما له مِن دَوْرٍ وأثَرٍ فعَّالٍ في إصلاحِ النفوسِ وتوجيهِها، مع مراعاةِ الضوابطِ التي تَجعَلُ استخدامَهُ يكونُ بالصورةِ الصحيحة، ويؤدِّي دَوْرَهُ والغرَضَ منه في إقبالِ النفسِ على الخير، وابتعادِها عن الشرّ.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

السائلُ يستشكِلُ ما يحصُلُ مِن ترهيبٍ وتخويفٍ بالموتِ والقبرِ، واليومِ الآخِرِ والنارِ، عند النصحِ والتذكيرِ، لمَن يحصُلُ منه خطأٌ، أو يقَعُ في شيءٍ مِن الذنوبِ والمعاصي، ولا سيَّما الأطفالُ الصِّغارُ، ويَرَى أن هذا الأمرَ يسبِّبُ لهم الخوفَ والهلَعَ، ويؤثِّرُ سلبًا على نفسيَّتِهم وحياتِهم.

مختصَرُ الإجابة:

أسلوبُ الترغيبِ والترهيبِ مِن الأساليبِ التي تربِّي النفسَ وتهذِّبُها، وتَجعَلُها تُقبِلُ على الخيرِ والسلوكيَّاتِ الصحِّيَّة، وتُحجِمُ عن الشرِّ والسلوكيَّاتِ الخاطئة.

وقد استخدَمَ القرآنُ الكريمُ، والسنَّةُ النبويَّةُ: هذا الأسلوبَ في الكثيرِ مِن الآياتِ القرآنيَّة، والأحاديثِ النبويَّة؛ فورَدَ فيهما التذكيرُ بالموتِ والقبرِ، واليومِ الآخِرِ والجنَّةِ والنار.

وعلى ذلك: فلا بأسَ باستخدامِ هذا الأسلوبِ، وذكرِ هذه الأمورِ في النصحِ والتوجيهِ، مع مراعاةِ الضوابطِ التالية:

أوَّلًا: الموازَنةُ بين جانبِ الترغيبِ والوعدِ والرجاء، وجانبِ الترهيبِ والوعيدِ والخوف، وعدمُ الاقتصارِ على أحدِهما دون الآخَر.

ثانيًا: في النصحِ والتوجيهِ: يُغلَّبُ جانبُ الترغيبِ والتبشير، على جانبِ التخويفِ والتنفير.

ثالثًا: عدمُ المبالَغةِ في التخويفِ والترهيبِ الزائدِ عن الحدِّ الذي يؤدِّي إلى الهَلَعِ والقنوطِ مِن رحمةِ الله.

رابعًا: لا ينبغي مع الطفلِ الصغيرِ تخويفُهُ وترهيبُهُ مِن الموتِ، والقبرِ، والنارِ، ونحوِها؛ لأنه غيرُ مكلَّفٍ، ولا سيِّئاتِ ولا إثمَ عليه في حالِ وقوعِهِ في الخطأ، ولأن نفسَهُ ما زالت ضعيفةً؛ فتخويفُهُ بالموتِ والقبرِ والنارِ قد يضُرُّهُ، وإنما يُغلَّبُ معه ذِكرُ حُبِّ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأن اللهَ لا يحبُّ فِعلَ الخطأ، وكذلك جانبُ الترغيبِ بأن اللهَ تعالى يُثيبُهُ بالحسَناتِ على فعلِ الصواب، أو تركِ الخطأ.

الجواب التفصيلي


هنالك مَن يعترِضُ على ذكرِ الموتِ والقبرِ، واليومِ الآخِرِ والجنَّةِ والنار؛ عند النصحِ والتذكيرِ والوعظ، ويَرَى أن ذلك يسبِّبُ الهلَعَ والخوفَ للإنسان، ولا سيَّما للأطفالِ الصغار.

والجوابُ على هذه الشبهةِ مِن وجوه:

الوجهُ الأوَّلُ: الإنسانُ - بطبيعتِهِ - يُحِبُّ جلبَ الخيرِ لنفسِه، ويَكرَهُ ما يسبِّبُ له الألَمَ والشقاءَ؛ وهذا يَدفَعُ الإنسانَ للاستجابةِ لمؤثِّراتِ الترغيبِ التي تَجعَلُهُ يُقبِلُ على ما يَنفَعُهُ ويُصلِحُه، أما الترهيبُ، فيَجعَلُهُ يبتعِدُ عما يضُرُّهُ ويُفسِدُه؛ فالترغيبُ والترهيبُ يولِّدانِ حافزًا ذاتيًّا داخِلَ النفسِ الإنسانيَّة؛ يحرِّكُ عواطفَها، ويوجِّهُ إرادتَها، ويَدفَعُها نحوَ السلوكيَّاتِ والتصرُّفاتِ المناسِبةِ والصحيحة، ويُبعِدُها عن السلوكيَّاتِ والتصرُّفاتِ السيِّئةِ والخاطئة.

وعن تربيةِ الطفلِ خاصَّةً، نَسْألُ هذا السؤالَ:

كيف نربِّي الطفلَ؟

كلُّ ما نَعمَلُهُ مِن وسائلَ لتربيةِ الطفلِ يَرجِعُ إلى أحدِ الطرُقِ الآتية:

1- التلقينُ؛ وهذا يُعتمَدُ فيه على مجرَّدِ الأمرِ، وهو غيرُ مُجْدٍ؛ وللأسفِ فهو المستعمَلُ لدى كثيرٍ مِن الناس.

2- يُضافُ مع التلقينِ أمرٌ آخَرُ؛ كالنصحِ، أو الترغيبِ والترهيب؛ وهو ما يَعْنينا في هذا المقام؛ وهذا أَجْدى مِن سابِقِه.

3- الملاحَظةُ والتقليدُ؛ وهذا أهمُّها وأخطَرُها، وهنا دَوْرُ القدوةِ في البيت، وسلوكِ الأمِّ؛ فلن تستطيعَ تعليمَهُ الصدقَ، ونَهْيَهُ عن الكذبِ، وهي تَكذِبُ أمامَه.

وقد استخدَمَ الإسلامُ هذا الأسلوبَ (الترغيبَ والترهيبَ) في تحريكِ الدوافعِ الخيِّرةِ وتنشيطِها: بالترغيبِ فيما أعدَّه اللهُ تعالى لمَن استقام على دِينِه، وكَبْحِ الدوافعِ السيِّئةِ: بالترهيبِ بما أعدَّه اللهُ مِن العذابِ لمَن أطلَقَ العِنانَ لنفسِهِ بالطغيانِ والفسادِ والانحراف؛ قال تعالى:

{فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}

[النازعات: 37- 41].

الوجهُ الثاني: الموتُ وعذابُ القبرِ، والدارُ الآخِرةُ والجنَّةُ والنارُ، حقائقُ شرعيَّةٌ ثابتةٌ يقرِّرُها الإسلامُ، وجاء ذِكرُها في القرآنِ والسنَّة؛ فالقرآنُ الكريمُ، والسنَّةُ النبويَّة، زاخِرانِ بالآياتِ والأحاديثِ التي فيها الترغيبُ في الأعمالِ الصالحة، والترهيبُ مِن الأعمالِ السيِّئة؛ مِن أجلِ الاستِعدادِ للدارِ الآخِرة، والفوزِ بالجنَّة، والنجاةِ مِن النار؛ قال تعالى:

{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}

[الجمعة: 8]،

وقال تعالى:

{إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}

[محمد: 12].

فلا مَجَالَ للاعتراضِ على استعمالِ الترغيبِ والترهيبِ في النصحِ والتذكيرِ والوعظِ؛ لكونِهما مِن أساليبِ النصحِ والإرشاد، والوعظِ والتذكيرِ في القرآنِ والسنَّة، وإنما قد يُستساغُ الاعتراضُ على استخدامِهما بطريقةٍ خاطئةٍ، أو مبالَغٍ فيها، لا تتَّفِقُ مع منهجِ الشرعِ الحكيم.

الوجهُ الثالثُ: منهجُ القرآنِ الكريمِ هو الموازَنةُ بين الترغيبِ والترهيب، والرجاءِ والخوف، وعدمُ الاقتصارِ على أحدِهما دون الآخَر؛ قال تعالى:

{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}

[الحجر: 49- 50]

؛ فمَن يقتصِرْ على الرجاءِ والوعدِ والترغيبِ فقطْ، فإنه يتمادى في المعاصي، ويغترُّ برحمةِ اللهِ ومغفرتِه، ومَن يقتصِرْ على الخوفِ والوعيدِ والترهيبِ فقطْ، فإنه يَيْئَسُ ويَقنَطُ مِن رحمةِ اللهِ خوفًا مِن عذابِهِ وقوَّتِه؛ ولذلك وصَفَ اللهُ تعالى حالَ المؤمِنين بأنهم يَجمَعون بين الرجاءِ والخوف؛ قال تعالى:

{وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}

[الإسراء: 57].

وهذا يكونُ في تعامُلِ الإنسانِ مع نفسِهِ: أنه يوازِنُ بين الخوفِ مِن اللهِ تعالى وعقابِه، والرجاءِ لرحمةِ اللهِ تعالى وفضلِهِ وإحسانِه؛ قال ابنُ تيميَّةَ: «ينبغي للمؤمِنِ أن يكونَ خوفُهُ ورجاؤُهُ واحدًا؛ فأيُّهما غلَبَ، هلَكَ صاحبُهُ، ونَصَّ عليه الإمامُ أحمدُ؛ لأن مَن غلَبَ خوفُهُ، وقَعَ في نوعٍ مِن اليأس، ومَن غلَبَ رجاؤُهُ، وقَعَ في نوعٍ مِن الأمنِ مِن مكرِ الله». «الفتاوى الكبرى» (5/ 359).

الوجهُ الرابعُ: في مقامِ الدعوةِ والتذكيرِ والنصحِ: الأَوْلى تقديمُ الترغيبِ على الترهيب، والتبشيرِ بفضلِ اللهِ، وعظيمِ ثوابِهِ، وجزيلِ عطائِهِ، وسَعَةِ رحمتِهِ، على التخويفِ المبالَغِ فيه، الذي يؤدِّي إلى التنفيرِ، والقنوطِ مِن رحمةِ الله تعالى، وقد حَثَّ النبيُّ ^ على ذلك؛ فعن أنَسِ بنِ مالكٍ رضِيَ الله عنه، عن النبيِّ ﷺ، قال:

«يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا»؛

رواه البخاري (69)، ومسلم (1734).

الوجهُ الخامسُ: التخويفُ والترهيبُ الزائدُ عن الحدِّ، مذمومٌ وممنوعٌ شرعًا وعُرْفًا؛ لأنه يؤدِّي إلى اليأسِ والإحباط، ويُفْضي بالإنسانِ إلى أن يَقنَطَ مِن رحمةِ اللهِ سبحانه وتعالى، ويَجعَلُ الشخصَ يظُنُّ أنه لن ينجُوَ مِن النارِ مهما عَمِلَ مِن الأعمالِ الصالحة؛ فيترُكُ التوبةَ والعملَ الصالحَ، ويستمِرُّ في العملِ السيِّئِ لأجلِ ذلك:

قال تعالى:

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}

[الزمر: 53].

وعن عائشةَ رضِيَ الله عنها؛ أنها قالت لعُبَيدِ بنِ عُمَيرٍ:

«أُحَدَّثُ أَنَّكَ تَجْلِسُ وَيُجْلَسُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: بَلَى، يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: «فَإِيَّاكَ وَإِمْلَالَ النَّاسِ وَتَقْنِيطَهُمْ»؛

رواه البَيهَقيُّ في «شُعَبِ الإيمان» (2/ 341).

ومَرَّ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه على قاصٍّ، وهو يذكِّرُ، فقال:

«يَا مُذَكِّرُ، لَا تُقَنِّطِ النَّاسَ»، ثُمَّ قَرَأَ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53]

»؛ رواه البَيهَقيُّ في «شُعَبِ الإيمان» (2/ 342).

الوجهُ السادسُ: الطفلُ الصغيرُ لا ينبغي تخويفُهُ وترهيبُهُ مِن النارِ والموتِ، وعذابِ القبرِ ونحوِها؛ لأنه غيرُ مكلَّفٍ، ولا سيِّئاتِ ولا إثمَ عليه في حالِ وقوعِهِ في الخطأ، ولأن نفسَهُ ما زالت ضعيفةً؛ فتخويفُهُ مِن النارِ قد يضُرُّهُ، أو يَجعَلُهُ لا يُبالي بذكرِ النارِ بعد ذلك؛ لكثرةِ ما يَسمَعُ مِن التخويفِ بها، وإنما يُغلَّبُ معه جانبُ الحُبِّ للهِ عزَّ وجلَّ.

مثلُ أن يقالَ له عند فعلِ الخطأِ: «هذا الفعلُ الذي تَفعَلُهُ لا يحبُّهُ اللهُ،، اللهُ لا يحبُّ الكذبَ، بل يحبُّ الصِّدقَ»، ويُغلَّبُ كذلك جانبُ الترغيبِ بأن اللهَ تعالى يُثيبُه، ويُعطيهِ الحسَناتِ على فعلِ الصواب، أو تركِ الخطأِ.

وإذا ذُكِرتِ النارُ، أو ذُكِرَ الموتُ والقبرُ، فيكونُ ذكرًا مقتضَبًا، وعلى أوقاتٍ متفرِّقة، وليس باستمرارٍ يؤدِّي إلى النفورِ والمَلَل.

خاتمة الجواب

فعلينا إذَنِ استخدامُ أسلوبِ الترغيبِ والترهيب؛ لِما له مِن دَوْرٍ وأثَرٍ فعَّالٍ في إصلاحِ النفوسِ وتوجيهِها، مع مراعاةِ الضوابطِ التي تَجعَلُ استخدامَهُ يكونُ بالصورةِ الصحيحة، ويؤدِّي دَوْرَهُ والغرَضَ منه في إقبالِ النفسِ على الخير، وابتعادِها عن الشرّ.