نص السؤال

توهم تناقض القرآن حول آيات فجور العبد وتقواه

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

توهم تناقض القرآن حول آيات فجور العبد وتقواه 


مضمون الشبهة: 


يزعم بعض المتوهمين أن هناك تناقضا بين

قوله سبحانه وتعالى:

(ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8))

(الشمس)

، على أن "ألهمها" تعني: أن الله جعل في النفس الفجور والتقوى، فالله تعالى خلق في الكافر فجوره، وخلق في المؤمن تقواه. بينما يصرح في آيات أخرى أن فجور العبد وتقواه باختياره ومشيئته

كقوله سبحانه وتعالى:

(وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون (17))

(فصلت)

، وقوله سبحانه وتعالى:

(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)

(الكهف:٢٩)

، وقوله سبحانه وتعالى:

(أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (16))

(البقرة).

ويتساءلون: كيف يقرر الله في موضع أنه خلق في نفس الكافر فجورها، وخلق في نفس المؤمن تقواها، ثم يتفي ذلك في موضع آخر، مبينا أن فجور العبد وتقواه باختياره نفسه؟! ويرمون من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن. 


وجها إبطال الشبهة: 


1) مذهب القدرية في القول باستقلال العبد في خلق أفعاله دون تأثير لقدرة الله مذهب مخالف لعقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم. 
2) للعبد إرادة اختيارية يكون عليها الثواب والعقاب، ولكنها محاطة بإرادة الله وقدرته، فهو الذي خلق العبد وخلق إرادته وأفعاله. 


التفصيل: 


أولا. دحض مذهب القدرية في القول باستقلال العبد في خلق أفعاله دون تأثير لقدرة الله:

قال الله سبحانه وتعالى:

(ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8))

(الشمس)،

 
يذكر د. الحديدي أن للمفسرين في معنى "فألهمها" قولين: 
الأول: عرفها وبين لها طريق الخير وطريق الشر، وعليه فلا إشكال في الآية. 
الثاني: جعل فيها الفجور والتقوى، بالخذلان للأولى، والتوفيق للثانية، فالله تعالى خلق في الكافر فجوره، وخلق في المؤمن تقواه. 
وعلى المعنى الثاني قد يظن بعض المتوهمين تعارضها مع الآيات الدالة على أن فجور العبد وتقواه باختياره ومشيئته!
وللرد على هذا الزعم يمكن القول: إن الزاعمين بأن العبد يخلق أعماله بنفسه استقلالا من غير تأثير لقدرة الله فيه - وهم القدرية - قد أخطأوا وضلوا ضلالا بعيدا. كما أن الذين ذهبوا إلى أن العبد لا عمل له أصلا حتى يؤاخذ به قد ضلوا كذلك. 
وما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، من أن للعبد أفعالا اختيارية عليها يكون الثواب إن كانت خيرا وطاعة وبرا، أو العقاب إن كانت شرا ومعصية وفسقا - هو الصواب. 


ثانيا. للعبد إرادة اختيارية يكون عليها الثواب والعقاب ولكنها محاطة بإرادة الله عزوجل: 


وهنا يثار تساؤل.. إذا كان للإنسان أفعال اختيارية يفعلها بإرادته، فأين منها إرادة الله وقدرته؟
ويمكن أن نجيب عن هذا التساؤل بعدة نقاط هي: 
1.  أن الله تعالى خالق كل شيء، فهو خالق العبد وخالق قدرته وإرادته، وتأثير قدرة العبد يكون بمشيئة الله تعالى؛ إذ يفعل العبد ما يفعله اختيارا بالإرادة والقدرة اللتين خلقهما الله تعالى فيه. 
2.  أن الله تعالى قد بين لعباده طريق الخير وطريق الشر، وجعل للإنسان عقلا يميز به هذا من ذاك، وأرسل الرسل هداة ومرشدين ومبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. 
والإنسان لا يدري ما قدر الله عليه، ولذا فليس من حقه أن يتعلل لكفره وعصيانه، بأن الله تعالى قدر عليه ذلك، وهو لا يملك مدافعة إرادة الله ومشيئته. 
3.  لا يعقل كذلك أن يقع في ملك رب العالمين، وخالق الخلق أجمعين شيء لا يريده، وكيف يتحكم العبد - وهو المخلوق - فيفعل فعلا لا يريده الرب الخالق؟

وقد قال سبحانه وتعالى:

(وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما (30))

(الإنسان)

، فأثبت للعبد مشيئة، وبين أنه لا مشيئة للعبد إلا بمشيئة الله عز وجل  [1].
يروى أنه لما تناظر أبو إسحاق الإسفرائيني مع عبد الجبار المعتزلي، قال عبد الجبار: سبحان من تنزه عن الفحشاء، وقصده أن المعاصي - كالسرقة والزنا - بمشيئة العبد دون مشيئة الله؛ لأن الله أعلى وأجل من أن يشاء القبائح في زعمهم. فقال أبو إسحاق: كلمة حق أريد بها باطل، ثم قال: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء. فقال عبد الجبار: أتراه يخلقه ويعاقبني عليه؟ فقال أبو إسحاق: أتراك تفعله جبرا عليه؟ أأنت الرب، وهو العبد؟ فقال عبد الجبار: أرأيت إن دعاني إلى الهدى، وقضى علي بالردى، أتراه أحسن إلى أم أساء؟ فقال أبو إسحاق: إن كان الذي منعك ملكا لك، فقد أساء، وإن كان له، فإن أعطاك ففضل، وإن منعك فعدل، فبهت عبد الجبار، وقال الحاضرون: والله ما لهذا جواب [2]. 
جاء في الصحيح عن أبي الأسود الدؤلي أنه قال: قال لي عمران بن حصين: «أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه؟ أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر ما سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم. قال: فقال: أفلا يكون ظلما؟ قال: ففزعت من ذلك فزعا شديدا، وقلت: كل شيء خلق الله وملك يده، فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال لي: يرحمك الله، إني لم أرد بما سألتك إلا لأحزر [3] عقلك: إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: "لا، بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في

كتاب الله عز وجل:

(ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8))

(الشمس)»  [4]. 

وعن عمران بن حصين أنه قال:

«قيل: يا رسول الله، أعلم أهل الجنة من أهل النار؟ قال: فقال: "نعم"، قال: قيل: ففيم يعمل العاملون؟ قال: كل ميسر لما خلق له»

[5]  [6].


الخلاصة: 


لا تعارض في كتاب الله بين ما يفيد أن الله جعل في النفس الفجور والتقوى، فخلق في الكافر فجوره، وخلق في المؤمن تقواه، وبين ما يفيد أن فجور العبد وتقواه باختياره ومشيئته؛ وذلك لأن للعبد أفعالا اختيارية يكون عليها الثواب والعقاب، واختيار العبد لأفعاله لا يتفي إرادة الله وقدرته، فالله تعالى خلق العبد وخلق قدرته وإرادته، وتأثير قدرة العبد يكون بمشيئة الله. 


المراجع

  1. ()البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م. أسئلة بلا أجوبة، صموئيل عبد المسيح، موقع الكلمة. هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي، موقع إسلاميات. www.islameyat.com [1]. البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص84 وما بعدها.
  2. دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ط2، 1420 هـ/ 2000م، ص57.
  3. أحزر: أمتحن.
  4. أخرجه مسلم في صحيحه،كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه (6909).
  5.  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب القدر، باب جف القلم على علم الله (6223)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه (6907).
  6.  البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص85.