نص السؤال
توهم تناقض القرآن حول حالة الجبال يوم القيامة
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
توهم تناقض القرآن حول حالة الجبال يوم القيامة (*)
مضمون الشبهة:
يتوهم بعض المشككين أن هناك تناقضا بين آيات القرآن الكريم في وصفه حالة الجبال يوم القيامة؛ فتارة يذكر أن الجبال تضطرب حتى تصير رملا سائلا في
قوله تعالى:
(يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا (14))
(المزمـل)
، وقولــه تعالـى:
(ويسألونــك عن الجبال فقـل ينسفهـا ربــي نسفــا (105) فيذرها قاعا صفصفا (106) لا تـرى فيها عوجـا ولا أمتـا (107))
(طه)
وتارة يذكر أن الجبال تكون كالصوف المنفوش
وذلك في قوله:
(وتكون الجبال كالعهن المنفوش (5))
(القارعة)
، وأخرى تكون هباء منبثا
، في قوله:
(فكانت هباء منبثا (6))
(الواقعة)
، ورابعة تكون كالسحاب تسوقها الرياح في
قوله سبحانه وتعالى:
(وترى الجبـال تحسبهـا جامـدة وهي تمر مر السحـاب صنـع الله الذي أتقـن كـل شيء إنـه خبيـر بمـا تفعلــون (88))
(النمل)
، ويتساءلون: ألا يعد هذا التناقض دليلا على بشرية القرآن؟!
ويهدفون من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن من التناقض.
وجه إبطال الشبهة:
تتحدث كل آية من هذه الآيات عن حالة مختلفة من حالات الجبال يوم القيامة، وذلك كالآتي:
• حالة تفتت الجبال وصيرورتها رملا سائلا.
• حالة صيرورة الجبال كالصوف المنفوش.
• حالة كون الجبال هباء منبثا.
• حالة صيرورتها كالسراب.
أما مرور الجبال مر السحاب، فهذا وصف لجبال الدنيا لا جبال الآخرة.
التفصيل:
الآيات التي تحدثت عن أحوال الجبال يوم القيامة كل منها تتحدث عن مرحلة أو حالة مختلفة للجبال:
فقد مرت الجبال يوم القيامة بالعديد من الحالات؛ وهي:
الحالة الأولى: تفتت الجبال وصيرورتها رملا سائلا.
يقول تعالى:
(يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا (14))
(المزمل)
، "ترجف" بمعنى: تتحرك وتضطرب بمن عليها وما عليها، والكثيب: الرمل المجتمع، والمهيل: السائل الذي يمر تحت الأرجل، وإذا أخذ أسفله انهال، ففي يوم القيامة تضطرب الجبال فتصير رملا سائلا.
ويقول - عز وجل - أيضا:
(ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا (105) فيذرها قاعا صفصفا (106) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا (107))
(طه)،
فأول مرحلة تمر بها الجبال يوم القيامة، وأول حالة تكون عليها هي: مرحلة النسف؛ حيث ينسفها الله تبارك وتعالى نسفا أي: يقلعها قلعا من أصولها، ثم يصيرها رملا سائلا ويترك موضعها - بعد نسف ما كان عليها من الجبال - أرضا ملساء مستوية لا نبات فيها ولا بناء، ولا انخفاض فيها ولا ارتفاع.
الحالة الثانية: صيرورتها كالعهن المنفوش.
بعد أن يقلع الله - سبحانه وتعالى - الجبال قلعا من أصولها ويصيرها رملا سائلا يسيل سيلا، بعد ذلك يصيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا وهكذا، ولا يكون العهن من الصوف إلا المصبوغ الملون بالألوان المختلفة الذي نفش بالمندف [1].
الحالة الثالثة: عندما تكون هباءمنبثا.
يقـول تعالـى:
(وبسـت الجبـال بسـا (5) فكانـت هبـاء منبثــا (6))
(الواقعة)
، فبعد أن تبس [2] الجبال تصير هباء منبثا، أي: غبارا متفرقا منتشرا.
الحالة الرابعة: صيرورتها كالسراب.
قال تعالى:
(وسيرت الجبال فكانت سرابا (20))
(النبأ)،
فبعد أن تقلع الجبال عن مواضعها، وتسير عن أماكنها في الهواء فتكون هباء منبثا، فحينئذ يظنها الناظر سرابا، فالجبال صارت لا شيء في آخر مرحلة من مراحلها يوم القيامة [3].
أما قوله سبحانه وتعالى:
(وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب)
(النمل: ٨٨)
فهو وصف لجبال الدنيا لا جبال الآخرة، فإن الناظر لحال الجبال في الدنيا يراها أمام عينيه ثابتة لا تتحرك، في حين أنها تسير سير السحاب في السماء، ولكننا لا نشعر بهذه الحركة، وهذا من قبيل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فقد أثبت القرآن هذه الحقيقة العلمية قبل أن يعرفها العلماء في العصر الحديث بأكثر من 1400 سنة فكيف يوصف كتاب يحتوي على مثل هذه الحقائق بأنه من وضع البشر؟!
الخلاصة:
الآيات التي تتحدث عن أحوال الجبال يوم القيامة كل منها تتحدث عن حالة مختلفة للجبال؛ وهي:
• حالة تفتت الجبال وصيرورتها رملا سائلا: فأول شئ يحدث للجبال يوم القيامة هو اقتلاعها من أماكنها، ثم جعلها كالرمل.
• صيرورة الجبال كالعهن المنفوش: فبعد أن يقلع الله - سبحانه وتعالى - الجبال قلعا من أصولها، ويصيرها رملا سائلا يسيل سيلا، بعد ذلك يصيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا وهكذا.
• جعل الجبال هباء منبثا: فبعد أن تبس الجبال تصير غبارا متفرقا منتشرا.
• صيرورة الجبال سرابا: فبعد أن تقلع الجبال عن مواضعها، وتسير عن أماكنها في الهواء فتكون هباء منبثا، فحينئذ يظنها الناظر سرابا، فالجبال صارت لا شيء في آخر مرحلة من مراحلها يوم القيامة.
• أما مرور الجبال كالسحاب، فهذا وصف لجبال الدنيا لا جبال الآخرة، فإن الناظر إليها في الدنيا يظنها ثابتة لا تتحرك، في حين أنها تسير سير السحاب في السماء، وهذا من الإعجاز العلمي في القرآن. وعليه، فلا تناقض بين هذه الآيات.
المراجع
- المندف: خشب يضرب بها القطن ليرقق.
- البس: بمعنى التفتيت والتكسر الدقيق.
- البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص40: 42 بتصرف.