نص السؤال

توهم تناقض القرآن بشأن القسم بالأماكن والأزمان

المؤلف: مجموعة مؤلفي بيان الإسلام

المصدر: موسوعة بيان الإسلام

الجواب التفصيلي

توهم تناقض القرآن بشأن القسم بالأماكن والأزمان

مضمون الشبهة:

 يدعي بعض المشككين أن هناك تناقضا بين

قوله سبحانه وتعالى:

(والنجم إذا هوى (1))

(النجم)

مقسما بالنجم،

وقوله سبحانه وتعالى:

(وهذا البلد الأمين(3))

(التين)

مقسما بمكة المكرمة،

وقوله سبحانه وتعالى:

(واليوم الموعود (2))

(البروج)

مقسما بيوم القيامة، وبين

قوله سبحانه وتعالى:

(فلا أقسم بمواقع النجوم (75))

(الواقعة)

مقسما بمواقع النجوم، وبين

قوله سبحانه وتعالى:

(لا أقسم بهذا البلد (1))

(البلد)

، وقوله سبحانه وتعالى:

(لا أقسم بيوم القيامة (1))

(القيامة)،

ويتساءلون: كيف يقسم الله بشيء في موضع، ثم يتفي هذا القسم في موضع آخر؟ ويرمون من وراء ذلك إلى التأكيد على أن القرآن من صنع البشر.

وجه إبطال الشبهة:

للعلماء في معنى "لا" أربعة أوجه:

·       "لا" صلة أو زائدة، والمعنى على الإثبات فلا نفي فيه.

·       "لا" رد لكلام المشركين المكذبين للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله"أقسم" إثبات مستأنف.

·       "لا" لنفي ما ينبئ عنه القسم من إعظام المقسم به وتفخيمه.

·       "لا" اللام للابتداء، وإنما أشبعت فتحتها فتولد عنها ألف، وهذا مشهور في لغة

التفصيل:

للعلماء في معنى "لا" أربعة أوجه يفصلها د. أنور الحديدي على النحو الآتي:

أن الله - سبحانه وتعالى - أقسم بالبلد الأمين، وبيوم القيامة، وبمواقع النجوم، ويكون الكلام في "لا" واحدا من أربعة أوجه:

الأول: أن "لا" صلة أو زائدة على عادة العرب، فإنها ربما لفظت بلفظة "لا" من غير قصد النفي، بل لتقوية الكلام وتوكيده كقول موسى - عليه السلام - فيما حكاه القرآن الكريم - لأخيه هارون - عليه السلام - لما وجد قومه عبدوا العجل في غيبته:

(قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا (92) ألا تتبعن أفعصيت أمري (93))

(طه)

، يعني: أن تتبعن.

وقوله – سبحانـه وتعالــى - لإبليس لما امتنع من السجود لآدم كما أمره الله:

(قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتــك)

(الأعراف: ١٢)،

أي: أن تسجد، بدليل

قوله سبحانه وتعالى:

(قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)

(ص: ٧٥)،

وقوله سبحانه وتعالى:

(لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله)

(الحديد: ٢٩)

، أي: ليعلم أهل الكتاب،

وقولــه سبحانــه وتعالــى:

(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليمــا (65))

(النساء)

، أي: فوربك.

ووردت زيادة "لا" في الشعر كثيرا، كقول العجاج:

في بئر لا حور سرى وما شعر

بإفكه حتى رأى الصبح جشر[1]

فالحور: الهلكة، يعني: في بئر هلكة و "لا" زائدة.

الثاني: أن "لا" رد لكلام المشركين المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: "أقسم" إثبات مستأنف كقول القائل: لا والله. "فلا" رد لكلام تقدمها، ومنه قول الشاعر:

فلا وأبيك ابنة العامري

لا يدعي القوم أني أفر

ولكن ضعف هذا الوجه بأن حذف اسم "لا" وخبرها غير جائز.

الثالث: أن "لا" للنفي، ولكن لا تنفي القسم، بل تنفي ما ينبئ عنه من إعظام المقسم به وتفخيمه، كأن معنى: لا أقسم بكذا: لا أعظمه بإقسامي به، فإنه عظيم في نفسه، أقسم به أو لا، وهذا القول ذكره الزمخشري والألوسي.

الرابع: أن اللام لام الابتداء، والأصل: لأقسم، أشبعت فتحتها فتولدت منها ألف، والعرب ربما أشبعت الفتحة بألف، والكسرة بياء، والضمة بواو.

فمثاله في الفتحة قول الراجز:

إذا العجوز غضبت فطلق

ولا ترضاها ولا تملق

فالأصل: ترضها؛ لأن الفعل مجزوم بلا الناهية.

وفي إشباع الكسرة بالياء قول قيس بن زهير:

ألم يأتيك والأنباء تسري

بما لاقت لبون بني زياد

فالأصل: يأتك؛ لوجود الجازم.

وفي إشباع الضمة بالواو قول الراجز:

لو أن عمرا هم أن يرقودا

فانهض فشد المئزر المعقودا

يعني: يرقد، ويدل لهذا الوجه قراءة الحسن والأعشى "لأقسم" من غير ألف. والوجه الأول أرجحها جميعها[2]

وقال علماء اللغة: إن هذا القسم يفيد تعظيم المقسوم به، كما في سورة البلد، وكما في

قوله سبحانــه وتعالــى:

(فلا أقسم بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76) إنه لقرآن كريــم (77))

(الواقعة)

، وكقوله:

(لا أقسم بيوم القيامة (1) ولا أقسم بالنفس اللوامة (2))

(القيامة)

، فهذه كلها أقسام.

وليس هذا من دقائق اللغة، وإنما هو من أولياتها، ولكن القوم لا يعلمون، وإذا اعتبرت "لا" نافية والجملة خبرية فهي مقيدة؛ أي: لا أقسم به و أنت حل به، ولكن أقسم به وأنت غير حل به، فلا تناقض أيضا.

الخلاصة:

أن لا تعارض بين الآيات التي يقسم الله - عز وجل - فيها بمكة ويوم القيامة ومواقع النجوم، وبين الآيات التي يوهم ظاهرها بعدم القسم؛ لأن "لا" في هذه الآيات لا تخرج على أربعة أوجه:

·       إما أنها صلة أو زائدة ونطقت لغير قصد النفي، بل التوكيد.

·       وإما أنها رد لكلام المشركين المكذبين للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

·       وإما على أنها لنفي ما ينبني عليه القسم من إعظام المقسم به وتفخيمه.

·       وإما على أن اللام لام الابتداء، أشبعت فتحتها، وهذا مشهور في كلام العرب.

المراجع

  1. () البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م. [1]. جشر: طلع.
  2. البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص86: 88 بتصرف.



الجواب التفصيلي

توهم تناقض القرآن بشأن القسم بالأماكن والأزمان

مضمون الشبهة:

 يدعي بعض المشككين أن هناك تناقضا بين

قوله سبحانه وتعالى:

(والنجم إذا هوى (1))

(النجم)

مقسما بالنجم،

وقوله سبحانه وتعالى:

(وهذا البلد الأمين(3))

(التين)

مقسما بمكة المكرمة،

وقوله سبحانه وتعالى:

(واليوم الموعود (2))

(البروج)

مقسما بيوم القيامة، وبين

قوله سبحانه وتعالى:

(فلا أقسم بمواقع النجوم (75))

(الواقعة)

مقسما بمواقع النجوم، وبين

قوله سبحانه وتعالى:

(لا أقسم بهذا البلد (1))

(البلد)

، وقوله سبحانه وتعالى:

(لا أقسم بيوم القيامة (1))

(القيامة)،

ويتساءلون: كيف يقسم الله بشيء في موضع، ثم يتفي هذا القسم في موضع آخر؟ ويرمون من وراء ذلك إلى التأكيد على أن القرآن من صنع البشر.

وجه إبطال الشبهة:

للعلماء في معنى "لا" أربعة أوجه:

·       "لا" صلة أو زائدة، والمعنى على الإثبات فلا نفي فيه.

·       "لا" رد لكلام المشركين المكذبين للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله"أقسم" إثبات مستأنف.

·       "لا" لنفي ما ينبئ عنه القسم من إعظام المقسم به وتفخيمه.

·       "لا" اللام للابتداء، وإنما أشبعت فتحتها فتولد عنها ألف، وهذا مشهور في لغة

التفصيل:

للعلماء في معنى "لا" أربعة أوجه يفصلها د. أنور الحديدي على النحو الآتي:

أن الله - سبحانه وتعالى - أقسم بالبلد الأمين، وبيوم القيامة، وبمواقع النجوم، ويكون الكلام في "لا" واحدا من أربعة أوجه:

الأول: أن "لا" صلة أو زائدة على عادة العرب، فإنها ربما لفظت بلفظة "لا" من غير قصد النفي، بل لتقوية الكلام وتوكيده كقول موسى - عليه السلام - فيما حكاه القرآن الكريم - لأخيه هارون - عليه السلام - لما وجد قومه عبدوا العجل في غيبته:

(قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا (92) ألا تتبعن أفعصيت أمري (93))

(طه)

، يعني: أن تتبعن.

وقوله – سبحانـه وتعالــى - لإبليس لما امتنع من السجود لآدم كما أمره الله:

(قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتــك)

(الأعراف: ١٢)،

أي: أن تسجد، بدليل

قوله سبحانه وتعالى:

(قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)

(ص: ٧٥)،

وقوله سبحانه وتعالى:

(لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله)

(الحديد: ٢٩)

، أي: ليعلم أهل الكتاب،

وقولــه سبحانــه وتعالــى:

(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليمــا (65))

(النساء)

، أي: فوربك.

ووردت زيادة "لا" في الشعر كثيرا، كقول العجاج:

في بئر لا حور سرى وما شعر

بإفكه حتى رأى الصبح جشر[1]

فالحور: الهلكة، يعني: في بئر هلكة و "لا" زائدة.

الثاني: أن "لا" رد لكلام المشركين المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: "أقسم" إثبات مستأنف كقول القائل: لا والله. "فلا" رد لكلام تقدمها، ومنه قول الشاعر:

فلا وأبيك ابنة العامري

لا يدعي القوم أني أفر

ولكن ضعف هذا الوجه بأن حذف اسم "لا" وخبرها غير جائز.

الثالث: أن "لا" للنفي، ولكن لا تنفي القسم، بل تنفي ما ينبئ عنه من إعظام المقسم به وتفخيمه، كأن معنى: لا أقسم بكذا: لا أعظمه بإقسامي به، فإنه عظيم في نفسه، أقسم به أو لا، وهذا القول ذكره الزمخشري والألوسي.

الرابع: أن اللام لام الابتداء، والأصل: لأقسم، أشبعت فتحتها فتولدت منها ألف، والعرب ربما أشبعت الفتحة بألف، والكسرة بياء، والضمة بواو.

فمثاله في الفتحة قول الراجز:

إذا العجوز غضبت فطلق

ولا ترضاها ولا تملق

فالأصل: ترضها؛ لأن الفعل مجزوم بلا الناهية.

وفي إشباع الكسرة بالياء قول قيس بن زهير:

ألم يأتيك والأنباء تسري

بما لاقت لبون بني زياد

فالأصل: يأتك؛ لوجود الجازم.

وفي إشباع الضمة بالواو قول الراجز:

لو أن عمرا هم أن يرقودا

فانهض فشد المئزر المعقودا

يعني: يرقد، ويدل لهذا الوجه قراءة الحسن والأعشى "لأقسم" من غير ألف. والوجه الأول أرجحها جميعها[2]

وقال علماء اللغة: إن هذا القسم يفيد تعظيم المقسوم به، كما في سورة البلد، وكما في

قوله سبحانــه وتعالــى:

(فلا أقسم بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76) إنه لقرآن كريــم (77))

(الواقعة)

، وكقوله:

(لا أقسم بيوم القيامة (1) ولا أقسم بالنفس اللوامة (2))

(القيامة)

، فهذه كلها أقسام.

وليس هذا من دقائق اللغة، وإنما هو من أولياتها، ولكن القوم لا يعلمون، وإذا اعتبرت "لا" نافية والجملة خبرية فهي مقيدة؛ أي: لا أقسم به و أنت حل به، ولكن أقسم به وأنت غير حل به، فلا تناقض أيضا.

الخلاصة:

أن لا تعارض بين الآيات التي يقسم الله - عز وجل - فيها بمكة ويوم القيامة ومواقع النجوم، وبين الآيات التي يوهم ظاهرها بعدم القسم؛ لأن "لا" في هذه الآيات لا تخرج على أربعة أوجه:

·       إما أنها صلة أو زائدة ونطقت لغير قصد النفي، بل التوكيد.

·       وإما أنها رد لكلام المشركين المكذبين للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

·       وإما على أنها لنفي ما ينبني عليه القسم من إعظام المقسم به وتفخيمه.

·       وإما على أن اللام لام الابتداء، أشبعت فتحتها، وهذا مشهور في كلام العرب.

المراجع

  1. () البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م. [1]. جشر: طلع.
  2. البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص86: 88 بتصرف.