نص السؤال
ادعاء أن الكتاب الذي لا ريب فيه هو الإنجيل وليس القرآن
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
ادعاء أن الكتاب الذي لا ريب فيه هو الإنجيل وليس القرآن(*)
مضمون الشبهة:
يتوهم بعض الجاحدين أن الكتاب الذي لا ريب فيه هو الإنجيل وليس القرآن، ويستدلون على ذلك
بقوله سبحانه وتعالى:
(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2))
(البقرة)،
ويتعللون بأنه لو كان المقصود بالكتاب الذي لا ريب فيه القرآن - كما يدعي المسلمون -
لقال الله تعالى:
(هذا الكتاب لا ريب فيه)،
ولما قال:
(ذلك الكتاب لا ريب)
، فاسم الإشارة للبعيد (ذلك) يشير إلى الإنجيل لا القرآن، الذي لو كان هو المقصود لأشير إليه بـ (هذا).
وجها إبطال الشبهة:
1) القرآن نزل على لغة العرب، واللغة تقرر أن المقصود بقوله: (ذلك الكتاب لا ريب) (البقرة: ٢) هو القرآن، فالإشارة هنا لبعد المنزلة وعظيم الشرف، وليست للبعد التاريخي.
2) اتفاق العلماء والمفسرين على أن اسم الإشارة في آية سورة البقرة يعود على القرآن الكريم - يبطل ما ذهب إليه هؤلاء المدلسون.
التفصيل:
أولا. تجاهل لما هو معلوم من اللغة العربية بالضرورة:
في اللغة العربية اسم الإشارة "ذا" للقريب، واسم الإشارة "ذاك" للمتوسط في البعد، واسم الإشارة "ذلك" للبعيد، ولكن البعد والقرب يكونان تارة بالزمان، وتارة بالمكان، وتارة بالشرف، وتارة بالاستحالة، ومن قبيل ذلك قول امرأة العزيز في حق يوسف:
(فذلكن الذي لمتنني فيه)
(يوسف: 32)،
فـ (فذلكن) اسم إشارة للبعيد مع قرب يوسف منها، ولكنه إن كان قريبا بالمكان فهو بعيد في شرف الحسن خلقا وخلقة.
وكذلك القرآن الكريم، لما عظمت رتبته في الشرف، أشير إليه بـ (ذلك) وقيل لبعد زمانه؛ لأنه وعد به في الكتب المنزلة قديما، وأنه بعيد الزمان؛ لأنه كلام الله، وكلام الله قديم، فأشير إليه بذلك توضيحا لقدمه وعدم حدوثه.
ونضيف إلى رد القرافي السابق - رحمه الله - وهو يستند إلى فهم لغة القرآن الكريم، أن (ذلك) في قوله سبحانه وتعالى: (ذلك الكتاب) لو كان معناها الإشارة إلى البعد تاريخيا، لكان الأولى أن يشار بها إلى التوراة فهي أبعد تاريخيا من الإنجيل، أو يشار بها إلى صحف إبراهيم، فهي أبعد زمنا منهما، لكن لفظة (ذلك) في الآية، لا تشير إلى هذا ولا إلى ذاك، ولكنها تشير إلى القرآن، كما بين القرافي.
وهذه الجملة، تعد أول جملة تقابلنا في القرآن الكريم، إذا أخذنا في الاعتبار أن سورة البقرة، التي صدرت بهذه الجملة أول سورة مفصلة من سور القرآن، فسابقتها هي فاتحة الكتاب، وهي كالمقدمة له، فكأن الله - عز وجل - يشير إلى الكتاب الذي بين يدي الإنسان المخاطب به، ليبدأ التعريف به، وكأن تقدم تلميذك الذي تعتز به للآخرين، فتقول: ذلك التلميذ، لا شك في نجابته.
ولهذا نظير في القرآن الكريم، فقد ابتدئت سورة النور
بقوله سبحانه وتعالى:
(سورة أنزلناها)
(النور: 1)
إشارة إلى السورة نفسها، وقد افتتحت سورة لقمان والسجدة، بمثل هذه الافتتاحية،
فقال سبحانه وتعالى:
(الم (1) تلك آيات الكتاب الحكيم (2))
(لقمان)،
وقال سبحانه وتعالى:
(الم (1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (2))
(السجدة).
وقد جاءت افتتاحية سورة البقرة، ولقمان، والسجدة، وبداية سورة يس، وص، والزمر، وجميع الحواميم بذكر الكتاب، فكل هذه السور مفتتحة بذكر الكتاب، والمعنى بها قطعا وصراحة القرآن الكريم.
ذلك وقد سمي القرآن بـ "الكتاب" كثيرا في القرآن الكريم، فمن ذلك
قوله سبحانه وتعالى:
(إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق )
(النساء: 105)،
وقوله:
(كتاب أنزلناه إليك مبارك)
(ص: 29)،
وسمي "كتابا"؛ لأنه يحفظ عن طريق كتابته، كما سمي "قرآنا"؛ لأنه يحفظ عن طريق قراءته.
ثانيا. عود (ذلك) على القرآن باتفاق المفسرين:
لقد اتفق المفسرون على عود اسم الإشارة (ذلك) على القرآن الكريم، في مفتتح سورة البقرة يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: وعلى الأظهر تكون الإشارة إلى القرآن المعروف لديهم يومئذ. اسم الإشارة مبتدأ، و (الكتاب) بدل، وخبره ما بعده، فالإشارة إلى الكتاب النازل بالفعل، وهي السور المتقدمة على سورة البقرة؛ لأن كل ما نزل من القرآن فهو المعبر عنه بأنه القرآن وينضم إليه ما يلحق... ويجوز أن تكون الإشارة إلى جميع القرآن: ما نزل منه وما سينزل؛ لأن نزوله مترقب، فهو حاضر في الأذهان، فشبه بالحاضر في العيان، فالتعريف فيه للعهد التقديري" [1].
الخلاصة:
• اللغة العربية - لغة القرآن - تشهد أن المراد بـ (ذلك الكتاب) هو القرآن الكريم، ولا يصح صرف المعنى إلى الإنجيل.
• إن هؤلاء المدعين يستدلون على زعمهم بأن (ذلك) اسم إشارة للبعيد، وهذا صحيح والقرآن بعيد؛ لأن الرسل وعدوا به، وهو كلام الله، وكلام الله قديم. ثم إن القرآن بعيد الشرف والمكانة، ولا يستطيع أحد أن يقترب منه بتحريف أو تزييف.
• كان من الأولى بالمشككين في القرآن، أن يرجعوا معنى اسم الإشارة (ذلك) إلى التوارة أو صحف إبراهيم، وغيرها من الكتب السماوية؛ فهي أبعد من الإنجيل زمنا.
• إن استظهار المفسرين وترجيحهم عود اسم الإشارة في آية سورة البقرة على القرآن الكريم - يبطل ما زعمه هؤلاء الطاعنون.
المراجع
- (*) الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة، القرافي، تحقيق: د. بكر زكي عوض، دار ابن الجوزي، القاهرة، 2004م. [1]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، ج1، ص219.