نص السؤال
المؤلف: مجموعة مؤلفي بيان الإسلام
المصدر: موسوعة بيان الإسلام
الجواب التفصيلي
توهم أن الأحرف السبع ما هي إلا القراءات السبعة المعروفة (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشتبه عليهم أنه لا معنى للأحرف السبع، التي نزل بها القرآن إلا تلك القراءات السبعة المنقولة عن الأئمة السبع المعروفين عند القراء.
وجها إبطال الشبهة:
1) الأحرف التي نزل بها القرآن أعم من القراءات المنسوبة إلى الأئمة السبعة، وإنما كان القراء المشاهير سبعة لاختيار "مجاهد" لهم.
2) لقد أقر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الأحرف سبع قبل أن يخلق القراء السبع بدهور، فاتفاق العددين محض مشابهة، ولا وجه للربط بينهما وإن أوهم التوافق العددي بينهما.
التفصيل:
أولا. الأحرف السبع أعم من القراءات السبعة:
الأحرف التي نزل بها القرآن أعم من تلك القراءات المنسوبة للأئمة السبعة القراء عموما مطلقا، وأن هذه القراءات أخص من تلك الأحرف السبع النازلة خصوصا مطلقا؛ ذلك لأن الوجوه التي أنزلها الله عليها كانت تنتظم كل وجه قرأه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقرأه أصحابه؛ وذلك ينتظم القراءات السبعة المنسوبة إلى هؤلاء الأئمة السبعة، كما ينتظم ما فوقها إلى العشرة، وما بعد العشرة، وما كان قرآنا ثم نسخ ولم يصل إلى هؤلاء القراء جميعا، وقد اقتصروا على السبع مما وافق خط المصحف تسهيلا؛ لتقاصر الهمم [1].
هذا، والقراءات أكثر من سبع، بل إن الرواة عن الأئمة كانوا كثيرين جدا، "فلما تقاصرت الهمم اختصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه، وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة، وطول العمر في ملازمة القراءة، والاتفاق على الأخذ منه فأفردوا من كل مصر إماما"، [2] فهذه القراءات السبعة، بل معها ثلاثة أخر متواترة صحيحة، كل هذا يعتبر بعضا أو جزءا من الأحرف السبع، وليس كلها.
كما أن الذي جعل الأحرف السبع هي القراءات السبعة أخطأ؛ لأنه بذلك جعل القراءات السبعة هي القرآن، وهذا غير صحيح؛ لأن القرآن غير القراءات، فالقرآن: هو الوحي المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - للبيان والإعجاز، أما القراءات، فهي اختلاف في كيفية النطق بألفاظ الوحي، من تخفيف أو تثقيل أو مد أو نحو ذلك، قال أبو شامة: " ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، وهو خلاف أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل".
وقال الطبري: "وأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف وجره ونصبه، وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة، فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف" بمعزل؛ لأنه معلوم أنه لا حرف من حروف القرآن - مما اختلفت القراءة في قراءته بهذا المعنى - يوجب المراء به كفر المماري به في قول أحد من علماء الأمة، وقد أوجب - صلى الله عليه وسلم - بالمراء فيه الكفر، من الوجه الذي تنازع فيه المتنازعون إليه وتظاهرت عنه بذلك الرواية" [3].
وقال أبو بكر بن العربي: "ليست هذه السبعة متعينة للجواز حتى لا يجوز غيرها".
وقال مكي بن أبي طالب: "هذه القراءات - التي يقرأ بها اليوم وصحت رواياتها عن الأئمة - جزء من الأحرف السبع التي نزل بها القرآن...، ثم قال: " وأما من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع وعاصم هي الأحرف السبع - التي في الحديث - فقد غلط غلطا عظيما".
كما أن القراءات السبعة التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست منحصره في السبع المشهورة، وأنه لا يجوز بحال من الأحوال أن تكون مرادة من الحديث، وكيف يمكن أن تكون القراءات السبعة المشهورة هي المرادة من الحديث، وهي إنما عرف كونها سبعة من قبل أن رواتها المشهورين سبعة، وهذا شيء علم بعد زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة قرون تقريبا، على يد " ابن مجاهد"؟ فغير معقول أن يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بنزول القرآن على حروف لم تعرف ولم تشتهر إلا بعده بقرون"، [4] ثم كيف يعطل نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى هذا الزمن المتأخر؟!
فالقراء السبعة لم يكونوا قد خلقوا ولا وجدوا حين نطق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث الشريف، ومحال أن يفرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - على نفسه، وعلى أصحابه ألا يقرأوا بهذه الأحرف السبعة النازلة إلا إذا علموا أن هؤلاء القراء السبعة قد اختاروا القراءة بها، على حين أن بين العهدين بضعة قرون! كما أن هؤلاء القراء وسواهم قد أخذوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن طريق أصحابه، ومن أخذ عنهم إلى أن وصلوا إليهم.
قال المحقق بن الجزري: "فلو كان الحديث منصرفا إلى قراءات السبعة المشهورين أو سبعة غيرهم من القراء الذين ولدوا بعد التابعين؛ لأدى ذلك إلى أن يكون الخبر عاريا عن الفائدة إلى أن يولد هؤلاء السبعة، فتؤخذ عنهم القراءة،وأدى أيضا إلى أنه لا يجوز لأحد من الصحابة أن يقرأ إلا بما يعلم أن هؤلاء السبعة من القراء إذا ولدوا وتعلموا اختاروا القراءة به، وهذا باطل، إذ طريق أخذ القراءة أن تؤخذ من إمام ثقة، لفظا عن لفظ، إماما عن إمام، إلى أن يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم [5].
ثانيا. المراد - بالأحرف السبعة - سبع لغات من لغات العرب المشهورة:
ذهب أكثر علماء الأمة سلفا وخلفا إلى "أن المراد بالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة، وإن شئت فقل: سبع لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة، تختلف فيها الألفاظ والمباني مع اتفاق المعاني، أو تقاربها وعدم اختلافها وتناقضها، وذلك مثل: هلم، وأقبل، وتعال، وإلي، ونحوي، وقصدي، وقربي، فإن هذه ألفاظ سبعة مختلفة يعبر بها عن معنى واحد، وهو طلب الإقبال.
وليس معنى هذا أن كل كلمة كانت تقرأ بسبعة ألفاظ من سبع لغات، بل المراد: أن غاية ما ينتهي إليه الاختلاف في تأدية المعنى هو سبع، فالمعنى الذي تتفق فيه اللغات في التعبير عنه بلفظ واحد يعبر عنه بهذا اللفظ فحسب، والذي يختلف عنه التعبير عنه بلفظين، وتدعو الضرورة إلى التوسعة يعبر عنه بلفظين، وهكذا إلى سبع" [6].
وهذا هو الرأي المختار الذي اتفق عليه جمهور علماء الأمة، وهو الذي تسانده الأدلة الصحيحة،
فعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يا أبي، إني أقرئت القرآن، فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين، قلت: على حرفين، فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة، قلت: على ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت: سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب»
[7].
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» [8].
وغير ذلك من الأحاديث الثابتة، التي إليها ذهب جماهير العلماء من سلف الأمة وخلفها.
وتتلخص حكمة نزول القرآن على سبعة أخرف في أمور:
• تيسير الحفظ والقراءة على قوم أميين، فلكل قبيلة منهم لسان، ولا عهد لهم بحفظ الشرائع، فضلا عن أن يكون ذلك مما ألفوه، وهذه الحكمة نصت عليها الأحاديث،
ففي حديث أبي قال:
«لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل فقال: يا جبريل، إني بعثت إلى أمة أميين، منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط، قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف»
[9].
• وفي رواية:
«أقرأني جبريل على حرف، فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف» •
[10].
إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب، فتعدد مناحي التأليف الصوتي للقرآن يكافيء الفروع اللسانية التي عليها فطرة اللغة في العرب، حتى يستطيع كل عربي أن يوقع بأحرفه وكلماته على لحنه الفطري، ولهجة قومه مع بقاء الإعجاز الذي تحدى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - العرب، ومع اليأس من معارضته لا يكون إعجازا للسان دون آخر، وإنما يكون إعجازا للفطرة اللغوية نفسها عند العرب.
• إعجاز القرآن في معانيه وأحكامه، فإن تقلب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات يتهيأ معه استنباط الأحكام التي تجعل القرآن ملائما لكل عصر؛ ولهذا احتج الفقهاء في الاستنباط والاجتهاد بقراءات الأحرف السبعة [11].
الخلاصة:
• الأحرف السبع ليست هي القراءات السبعة، إنما القراءات السبع، بل العشرة المتواترة الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جزء أو بعض من الأحرف السبع؛ لأن القراءات كانت أكثر من ذلك بكثير، لكن اشتهرت السبعة لتوافر حملتها وناقلوها وشهرة أئمتها في الدين والعلم، واكتفى الناس بها - عندما قصرت الهمم - مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه.
• من غير المعقول أن تكون القراءات السبعة هي المرادة بالأحرف السبع في الحديث؛ لأنه لم تعرف سبعة إلا بعد زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة قرون، فمن غير المعقول أن يخبر - صلى الله عليه وسلم - بنزول القرآن على حروف لم تعرف ولم تشتهر إلا بعده بقرون.
• جمهور علماء الأمة على أن المراد بالأحرف السبع، سبع لغات من لغات العرب، كما أن مجيء القرآن على سبعة أحرف له حكم عظيمة، منها التيسير، وكمال الإعجاز للفطرة اللغوية، وإثراء المعاني والدلالة.
المراجع
- (*) مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م. مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط13، 1425هـ/2004م. المدخل لدراسة القرآن الكريم، د. محمد بن محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1423هـ / 2003م. [1]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م، ج1، ص162 بتصرف.
- مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط13، 1425هـ/2004م، ص165.
- مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط13، 1425هـ/، ص158، 159.
- المدخل لدراسة القرآن الكريم، د. محمد بن محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1423هـ / 2003م، ص196، 197 بتصرف.
- مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م، ج1، ص163،162 بتصرف يسير.
- المدخل لدراسة القرآن الكريم، د. محمد بن محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1423هـ / 2003م، ص176.
- صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الأنصار، حديث سليمان بن هبرد عن أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ (21187)، وأبو داود في سننه، كتاب الوتر، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (1479)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (1477).
- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب ما أنزل القرآن على سبعة أحرف (4705)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (1939).
- صحيح: أخرجه الترمذي في سننه، كتاب القراءات، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (2944)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (2944).
- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (3047)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (1939).
- مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط13، 1425هـ/2004م، ص160، 161 بتصرف يسير.
الجواب التفصيلي
توهم أن الأحرف السبع ما هي إلا القراءات السبعة المعروفة (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشتبه عليهم أنه لا معنى للأحرف السبع، التي نزل بها القرآن إلا تلك القراءات السبعة المنقولة عن الأئمة السبع المعروفين عند القراء.
وجها إبطال الشبهة:
1) الأحرف التي نزل بها القرآن أعم من القراءات المنسوبة إلى الأئمة السبعة، وإنما كان القراء المشاهير سبعة لاختيار "مجاهد" لهم.
2) لقد أقر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الأحرف سبع قبل أن يخلق القراء السبع بدهور، فاتفاق العددين محض مشابهة، ولا وجه للربط بينهما وإن أوهم التوافق العددي بينهما.
التفصيل:
أولا. الأحرف السبع أعم من القراءات السبعة:
الأحرف التي نزل بها القرآن أعم من تلك القراءات المنسوبة للأئمة السبعة القراء عموما مطلقا، وأن هذه القراءات أخص من تلك الأحرف السبع النازلة خصوصا مطلقا؛ ذلك لأن الوجوه التي أنزلها الله عليها كانت تنتظم كل وجه قرأه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقرأه أصحابه؛ وذلك ينتظم القراءات السبعة المنسوبة إلى هؤلاء الأئمة السبعة، كما ينتظم ما فوقها إلى العشرة، وما بعد العشرة، وما كان قرآنا ثم نسخ ولم يصل إلى هؤلاء القراء جميعا، وقد اقتصروا على السبع مما وافق خط المصحف تسهيلا؛ لتقاصر الهمم [1].
هذا، والقراءات أكثر من سبع، بل إن الرواة عن الأئمة كانوا كثيرين جدا، "فلما تقاصرت الهمم اختصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه، وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة، وطول العمر في ملازمة القراءة، والاتفاق على الأخذ منه فأفردوا من كل مصر إماما"، [2] فهذه القراءات السبعة، بل معها ثلاثة أخر متواترة صحيحة، كل هذا يعتبر بعضا أو جزءا من الأحرف السبع، وليس كلها.
كما أن الذي جعل الأحرف السبع هي القراءات السبعة أخطأ؛ لأنه بذلك جعل القراءات السبعة هي القرآن، وهذا غير صحيح؛ لأن القرآن غير القراءات، فالقرآن: هو الوحي المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - للبيان والإعجاز، أما القراءات، فهي اختلاف في كيفية النطق بألفاظ الوحي، من تخفيف أو تثقيل أو مد أو نحو ذلك، قال أبو شامة: " ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، وهو خلاف أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل".
وقال الطبري: "وأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف وجره ونصبه، وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة، فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف" بمعزل؛ لأنه معلوم أنه لا حرف من حروف القرآن - مما اختلفت القراءة في قراءته بهذا المعنى - يوجب المراء به كفر المماري به في قول أحد من علماء الأمة، وقد أوجب - صلى الله عليه وسلم - بالمراء فيه الكفر، من الوجه الذي تنازع فيه المتنازعون إليه وتظاهرت عنه بذلك الرواية" [3].
وقال أبو بكر بن العربي: "ليست هذه السبعة متعينة للجواز حتى لا يجوز غيرها".
وقال مكي بن أبي طالب: "هذه القراءات - التي يقرأ بها اليوم وصحت رواياتها عن الأئمة - جزء من الأحرف السبع التي نزل بها القرآن...، ثم قال: " وأما من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع وعاصم هي الأحرف السبع - التي في الحديث - فقد غلط غلطا عظيما".
كما أن القراءات السبعة التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست منحصره في السبع المشهورة، وأنه لا يجوز بحال من الأحوال أن تكون مرادة من الحديث، وكيف يمكن أن تكون القراءات السبعة المشهورة هي المرادة من الحديث، وهي إنما عرف كونها سبعة من قبل أن رواتها المشهورين سبعة، وهذا شيء علم بعد زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة قرون تقريبا، على يد " ابن مجاهد"؟ فغير معقول أن يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بنزول القرآن على حروف لم تعرف ولم تشتهر إلا بعده بقرون"، [4] ثم كيف يعطل نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى هذا الزمن المتأخر؟!
فالقراء السبعة لم يكونوا قد خلقوا ولا وجدوا حين نطق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث الشريف، ومحال أن يفرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - على نفسه، وعلى أصحابه ألا يقرأوا بهذه الأحرف السبعة النازلة إلا إذا علموا أن هؤلاء القراء السبعة قد اختاروا القراءة بها، على حين أن بين العهدين بضعة قرون! كما أن هؤلاء القراء وسواهم قد أخذوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن طريق أصحابه، ومن أخذ عنهم إلى أن وصلوا إليهم.
قال المحقق بن الجزري: "فلو كان الحديث منصرفا إلى قراءات السبعة المشهورين أو سبعة غيرهم من القراء الذين ولدوا بعد التابعين؛ لأدى ذلك إلى أن يكون الخبر عاريا عن الفائدة إلى أن يولد هؤلاء السبعة، فتؤخذ عنهم القراءة،وأدى أيضا إلى أنه لا يجوز لأحد من الصحابة أن يقرأ إلا بما يعلم أن هؤلاء السبعة من القراء إذا ولدوا وتعلموا اختاروا القراءة به، وهذا باطل، إذ طريق أخذ القراءة أن تؤخذ من إمام ثقة، لفظا عن لفظ، إماما عن إمام، إلى أن يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم [5].
ثانيا. المراد - بالأحرف السبعة - سبع لغات من لغات العرب المشهورة:
ذهب أكثر علماء الأمة سلفا وخلفا إلى "أن المراد بالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة، وإن شئت فقل: سبع لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة، تختلف فيها الألفاظ والمباني مع اتفاق المعاني، أو تقاربها وعدم اختلافها وتناقضها، وذلك مثل: هلم، وأقبل، وتعال، وإلي، ونحوي، وقصدي، وقربي، فإن هذه ألفاظ سبعة مختلفة يعبر بها عن معنى واحد، وهو طلب الإقبال.
وليس معنى هذا أن كل كلمة كانت تقرأ بسبعة ألفاظ من سبع لغات، بل المراد: أن غاية ما ينتهي إليه الاختلاف في تأدية المعنى هو سبع، فالمعنى الذي تتفق فيه اللغات في التعبير عنه بلفظ واحد يعبر عنه بهذا اللفظ فحسب، والذي يختلف عنه التعبير عنه بلفظين، وتدعو الضرورة إلى التوسعة يعبر عنه بلفظين، وهكذا إلى سبع" [6].
وهذا هو الرأي المختار الذي اتفق عليه جمهور علماء الأمة، وهو الذي تسانده الأدلة الصحيحة،
فعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يا أبي، إني أقرئت القرآن، فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين، قلت: على حرفين، فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة، قلت: على ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت: سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب»
[7].
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» [8].
وغير ذلك من الأحاديث الثابتة، التي إليها ذهب جماهير العلماء من سلف الأمة وخلفها.
وتتلخص حكمة نزول القرآن على سبعة أخرف في أمور:
• تيسير الحفظ والقراءة على قوم أميين، فلكل قبيلة منهم لسان، ولا عهد لهم بحفظ الشرائع، فضلا عن أن يكون ذلك مما ألفوه، وهذه الحكمة نصت عليها الأحاديث،
ففي حديث أبي قال:
«لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل فقال: يا جبريل، إني بعثت إلى أمة أميين، منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط، قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف»
[9].
• وفي رواية:
«أقرأني جبريل على حرف، فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف» •
[10].
إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب، فتعدد مناحي التأليف الصوتي للقرآن يكافيء الفروع اللسانية التي عليها فطرة اللغة في العرب، حتى يستطيع كل عربي أن يوقع بأحرفه وكلماته على لحنه الفطري، ولهجة قومه مع بقاء الإعجاز الذي تحدى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - العرب، ومع اليأس من معارضته لا يكون إعجازا للسان دون آخر، وإنما يكون إعجازا للفطرة اللغوية نفسها عند العرب.
• إعجاز القرآن في معانيه وأحكامه، فإن تقلب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات يتهيأ معه استنباط الأحكام التي تجعل القرآن ملائما لكل عصر؛ ولهذا احتج الفقهاء في الاستنباط والاجتهاد بقراءات الأحرف السبعة [11].
الخلاصة:
• الأحرف السبع ليست هي القراءات السبعة، إنما القراءات السبع، بل العشرة المتواترة الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جزء أو بعض من الأحرف السبع؛ لأن القراءات كانت أكثر من ذلك بكثير، لكن اشتهرت السبعة لتوافر حملتها وناقلوها وشهرة أئمتها في الدين والعلم، واكتفى الناس بها - عندما قصرت الهمم - مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه.
• من غير المعقول أن تكون القراءات السبعة هي المرادة بالأحرف السبع في الحديث؛ لأنه لم تعرف سبعة إلا بعد زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة قرون، فمن غير المعقول أن يخبر - صلى الله عليه وسلم - بنزول القرآن على حروف لم تعرف ولم تشتهر إلا بعده بقرون.
• جمهور علماء الأمة على أن المراد بالأحرف السبع، سبع لغات من لغات العرب، كما أن مجيء القرآن على سبعة أحرف له حكم عظيمة، منها التيسير، وكمال الإعجاز للفطرة اللغوية، وإثراء المعاني والدلالة.
المراجع
- (*) مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م. مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط13، 1425هـ/2004م. المدخل لدراسة القرآن الكريم، د. محمد بن محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1423هـ / 2003م. [1]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م، ج1، ص162 بتصرف.
- مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط13، 1425هـ/2004م، ص165.
- مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط13، 1425هـ/، ص158، 159.
- المدخل لدراسة القرآن الكريم، د. محمد بن محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1423هـ / 2003م، ص196، 197 بتصرف.
- مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م، ج1، ص163،162 بتصرف يسير.
- المدخل لدراسة القرآن الكريم، د. محمد بن محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1423هـ / 2003م، ص176.
- صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الأنصار، حديث سليمان بن هبرد عن أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ (21187)، وأبو داود في سننه، كتاب الوتر، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (1479)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (1477).
- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب ما أنزل القرآن على سبعة أحرف (4705)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (1939).
- صحيح: أخرجه الترمذي في سننه، كتاب القراءات، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (2944)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (2944).
- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (3047)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (1939).
- مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط13، 1425هـ/2004م، ص160، 161 بتصرف يسير.