نص السؤال

الزعم أن الإسلام يعترف بالشرائع الأخرى على صورها المحرفة ويدعو لاتباعها

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

الزعم أن الإسلام يعترف بالشرائع الأخرى على صورها المحرفة ويدعو لاتباعها (*)


مضمون الشبهة: 


1) يزعم بعض المغالطين أن الإسلام حين دع إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر قد اعترف بالشرائع الأخرى على صورها المحرفة، ودعا لاتباعها، وأنه قد أقر الكتب الأخرى على صورتها المحرفة، ودعا لتقديسها، وهم بهذا يسوون بين الإسلام وهذه الأديان، مستدلين على ذلك

بقوله سبحانه وتعالى:

(إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (62))

(البقرة).

 
وجوه إبطال الشبهة: 


1)  الإسلام اعترف بالآخر، بينما أنكر الآخرون غيرهم. 
2)  الديانات السابقة أصابها التحريف، والتبديل، فكيف يطالب الناس باتباعها. 
3)  الكتب السماوية السابقة - قبل التحريف - بشرت بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأوجبت اتباعه. 
4)  كانت الحاجة إلى الرسالة الخاتمة العالمية حاجة ضرورية ملحة. 


التفصيل: 


أولا. الاعتراف بالآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام:

 
هل هذا الأمر قائم بين هذه الأديان الثلاثة على قدم المساواة؟ 
وهل يجل كل منها نبي الآخر، ويحترم رسالته، وكتابه المقدس؟! أم أن في الأمر تفاوتا، وتمايزا بينها في هذا الشأن؟
يقول الشيخ محمد الغزالي: يرى اليهود أن موسى نبي الله وأن بني إسرائيل شعبه المختار، وأن عيسى ومحمدا كليهما رجلان دعيان ليست لهما رسالة، وأن أتباعهما قطعان من المضللين لا يقام لأديانهم وزن، ولا يمنحون أية حرمة. والنصارى - في نظرهم - مخدوعون في لقيط حملت به أمه سفاحا، والمسلمون - في نظرهم - مخدوعون في أعرابي جاء من الصحراء لا يعقل شيئا. 
والمسيحيون، وإن اعترفوا بموسى وتوراته، إلا أنهم ناقمون على اليهود وافترائهم على عيسى وأمه، ولذلك سنوا في معاملتهم قوانين الإذلال والاستئصال، وكما نقموا على اليهود موقفهم من المسيح، فهم كذلك ناقمون على المسلمين؛ لأنهم يرون الإسلام ديانة ملفقة، جاء بها من عند نفسه رجل كاذب في دعواه النبوة، والدين الذي نسخ ما قبله، وأنكر ما بعده هو المسيحية، التي يجب أن تنفرد وحدها بالحياة والسيادة. 


أما المسلمون ففي دينهم قاسم مشترك بين الديانات كلها، فهم يؤمنون بموسى ويوقرونه ويعتبرون التهجم على مكانته كفرا بالإسلام. وهم بذلك يؤمنون بعيسى، ويكرمون مولده وينزهون نسبته، ويرون الطعن في عفاف أمه أو شرف ابنها كفرا بالإسلام. 
وهم يضمون إلى إيمانهم بموسى وتوراته، وعيسى وإنجيله، إيمانا جديدا بمحمد وقرآنه، على أساس أن النبوة الأخيرة جاءت تصديقا لما قبلها، ومحوا للفوارق والخلافات التي مزقت شمل العالم أجمع:

(وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (64))

(النحل).

فالإسلام هو يهودية موسى ونصرانية عيسى معا، وهداية من قبلهما من رسل الله الأكرمين جميعا:

(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (136))

(البقرة).


ومن هذا الشرح تجد أن الانكماش والتعصب والاتهام والتهجم ليس من طبيعة الإسلام وأهله، ولكنه طبيعة من يرون أن يؤمنوا بموسى فقط، ويتعبدوا لله بالطعن في عيسى - عليه السلام - ومحمد صلى الله عليه وسلم، أو يريدون الإيمان بعيسى فقط، ويعتبرون من جاء بعده دجالا يحاربه النصارى بالسيف إن كانوا أكثرية، ويحاربونه بالدس والمؤامرات إن كانوا قلة. ومن هذا الشرح ترى لماذا اتسع صدر الإسلام للأديان الأخرى - فهو يعطيها حق الحياة معه، في الوقت الذي ضن فيه المسيحيون بحق الحياة، لا على المسلمين فحسب، بل على المذاهب المسيحية الأخرى. 


ومن هذا الشرح تعرف السر في جحود صنيعنا الذي أسديناه [1] طوال أربعة عشر قرنا. إن إخواننا المسلمين الذين أوقعهم سوء الحظ بين جماهير المسيحيين في روسيا ويوغوسلافيا وأسبانيا وجنوب إيطاليا... إلخ؛ قد هلكوا جميعا، أما الأقليات المسيحية في ربوعنا الفسيحة، فقد اعتنت وتكاثرت وعزت، ولكنها مع ذلك لا تستريح لما ترى، ولماذا؟ لأنها لا تقر عينا إلا إذا طمست معالم الإسلام، وارتد عامره بلقعا [2]، إن المسلمين في نظرهم خوارج على المسيحية، وهم قوم يتبعون أميا أساء إلى الكنيسة وكهنوتها. وعندما تطوي قلبك على شعور التنقص والازدراء [3] لامرئ ما فإنك لن تقر له بإحسان، ولن تعترف له بجميل" [4].


ويقول البروفيسور سليمان شاهد مفسر الذي هداه الله للإسلام: "ورد اسم عيسى - عليه السلام - في القرآن والإنجيل، ولكن هناك اختلاف جذري بين دلالة هذا الاسم في الإسلام، وبين دلالته في المسيحية، فالمسلمون يؤمنون أن عيسى - عليه السلام - نبي من أنبياء الله، ويجلونه قدر إجلالهم لإبراهيم - عليه السلام - وموسى - عليه السلام - ومحمد - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم من الأنبياء، في حين أن الكنائس المسيحية تؤمن بأن عيسى ابن الرب، ويعبدونه على هذا الأساس. 


ورغم أن المسلمين يحترمون جميع الأديان السماوية، إلا أنهم ينكرون إيمان النصارى بألوهية المسيح، وثمة خلاف جد كبير بين ما ذكره القرآن عن عيسى - عليه السلام - وهديه، وبين ما ذكره كتاب العهد الجديد. وأهم نقاط هذا الخلاف هو ما أقره القرآن من أن عيسى - عليه السلام - برئ كل البراءة من ادعاء الألوهية، وأنه لم يصلب، وأنه بشر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء. 


كان عيسى - عليه السلام - نبيا مباركا بعثه الله لكي يثوب [5] ببني إسرائيل إلى عبادة الله الواحد، وكان عبد الله ورسوله، وجيها في الدنيا والآخرة، ولدته مريم العذراء - عليها السلام -

فى قوله سبحانه وتعالى:

(وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين (42) يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين (43))

(آل عمران)،

وكان مولده معجزة إلهية، ويذكر القرآن أن الله اصطفى مريم وطهرها، واصطفاها على نساء العالمين، وأن الملائكة بشروها بعيسى، وأجمل وصف لهذا الحديث هو ما قاله الله - عز وجل - في محكم آياته:

(إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين (45) ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين (46) قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (47) ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل (48) ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين (49) ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون (50) إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم (51))

(آل عمران). 


وعن ميلاد عيسى - عليه السلام

- يقول القرآن:

(واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا (16) فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا (17) قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا (18) قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا (19) قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا (20) قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا (21) فحملته فانتبذت به مكانا قصيا (22) فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا (23) فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا (24) وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا (25) فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا (26) فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا (27) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا (28) فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا (29) قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا (30) وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا (31) وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا (32) والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا (33) ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون (34))

(مريم). 


إن مريم - عليها السلام - اتخذت من دون أهلها حجابا، فظهر لها الروح القدس - أي جبريل - في صورة إنسان يبشرها بغلام، وحملت مريم بمعجزة إلهية، واعتكفت بحملها في مكان قصي [6]، وبعد أن وضعت الغلام أتت به قومها، فاتهموها بالفاحشة، فما كان منها إلا أن أشارت إلى الغلام فتساءلوا منكرين، كيف يكلمون من كان في المهد [7] صبيا؟ ولكن هذا الذي في المهد أجابهم قائلا:

(وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا (31) وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا (32) والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا (33) ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون (34))

(مريم). 


يجدر بنا أن نذكر هنا أنه على الرغم من أن المسلمين يؤمنون أن عيسى - عليه السلام - قد أوتي الإنجيل؛ فإنهم لا يقرون أن الأناجيل الأربعة الحالية هي ما ورد على لسان عيسى - عليه السلام - بل وحتى الكنيسة نفسها تعترف بأن الأناجيل الأربعة كتبها أربعة من الحواريين، ولكنها لا تزال تؤمن بأنها وحي سماوي، وهذا اعتقاد ينكره المسلمون وربما كانت حجتهم أنه لا يتأتى أن تكون الأناجيل الأربعة وحيا إلهيا وبينها ما بينها من تناقضات خطيرة وحذف وإضافة، فيما يتعلق بسيرة عيسى - عليه السلام - هذا علاوة على أنها لم تدون في عهد المسيح عليه السلام، بل بعده بزمن يتراوح بين خمسة وثلاثين عاما وخمسة وستين عاما، وهي لا تمثل إلا جزءا من تلك الكتب المسماة لأناجيل التي كتبت آنذاك التي أنكرت الكنيسة بعضا منها. 


وكان على عيسى - عليه السلام - أيضا أن يبشر الناس بنبي خاتم يأتي من بعده، وهذا مذكور صراحة في

قوله سبحانه وتعالى:

(وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين (6))

(الصف)  [8].


إذن هذه هي طبيعة موقف الإسلام المقر لما سبقه من ديانات السماء، الموقر لأنبيائها، المتعهد بحفظ جانب أتباعها، وهذا جزاء سنمار [9] من قبل أهلها له ولأتباعه، فأين هو الاعتراف بل الاحترام المتبادل، والإقرار لكل بقيمته وفضله الذي نصت عليه الآية الكريمة محل زعمهم. 


المراجع

  1. (*) الإسلام والغرب، روم لاندو، ترجمة: منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، 1962م. الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة، أبو الأعلى المودودي، تعريب: خليل أحمد الحامدي، دار القلم، الكويت، ط4، 1400هـ/ 1980م. [1]. أسديناه: أعطيناه. 
  2.  [2]. البلقع: المكان الخالي من كل شيء.
  3.  [3]. الازدراء: التنقص والاحتقار.
  4.  [4]. التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، د. ت، ص65، 66.
  5.  [5]. يثوب: يرجع.
  6.  [6]. القصي: البعيد. 
  7.  [7]. المهد: أي طفلا قبل وقت الكلام. 
  8.  [8]. عيسى رسول الإسلام، سليمان شاهد مفسر، ترجمة: أبو إسلام أحمد عبد الله، بيت الحكمة، ط1، 1993م، ص12: 16.
  9.  [9]. جزاء سنمار: وهو مثل يضرب لمن يعمل عملا ثم يبخس حقه، أو يعاقب بدلا من الإحسان إليه.