نص السؤال

ادعاء ألوهية عيسى - عليه السلام - لأنه خالق مثل الله

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

ادعاء ألوهية عيسى - عليه السلام - لأنه خالق مثل الله (*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المتوهمين أن عيسى - عليه السلام - يعمل أعمال الله؛ كالخلق، وأن الذي يخلق يعبد، استنادا إلى

قوله سبحانه وتعالى:

(أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون)

(النحل:17)

ويرمون بذلك إلى القول بألوهية عيسى عليه السلام.

وجها إبطال الشبهة:

1) عيسى - عليه السلام - لم يخلق من عدم، ودوره اقتصر على النفخ فتحول الطين إلى طير بإذن الله، ومن ثم فلا مزية لسيدنا عيسى - عليه السلام - بهذا الخلق ترفعه لمقام الألوهية.

2) الإنجيل يشير إلى أن عيسى لم يدع الألوهية، ولم يدع علم الغيب الذي هو من خصائص الألوهية، فكيف ينسبون له الألوهية، وكتابهم - على الرغم من أنه محرف - لم ينسبها له.

التفصيل:

أولا. عيسى - عليه السلام - لم يخلق الطين من عدم، بل نفخ فيه؛ فتحول إلى طير بإذن الله:

عيسى - عليه السلام - لم يخلق من عدم، ولم ينسب إليه في القرآن هذا النوع من الخلق الذي لا يتصف به أحد إلا الله تعالى، فهذا الخلق الذي هو الإيجاد من عدم استقلالا ليس لأحد إلا لله، والقرآن الكريم أثبته لله - عز وجل - ونفاه عن غيره، وتحدى أن يقوم أحد من المعبودات التي تعبد من دون الله بخلق أي شيء مثل خلق الله،

فقال سبحانه وتعالى:

(هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه)

(لقمان: ١١)

وقال سبحانه وتعالى:

(والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون)

(النحل:20)

وقوله سبحانه وتعالى:

(ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله)

(آل عمران: ٤٩)

ويتضح من الآيات أن تحول الطين إلى طير ليس بيد عيسى - عليه السلام - وإنما هو بإذن الله، أما دور عيسى - عليه السلام - فهو مجرد النفخ فيها فتكون طيرا بإذن الله، وذلك معجزة له - عليه السلام - أجراها الله على يديه كما أجرى مثل ذلك على أيدي بعض أنبياء بني إسرائيل[1].

الخلق لله هو الصنع والتقدير والإبداع من عدم وعلى غير مثال سابق، أما لعيسى فهو تصوير على مثال، يوضح ذلك صاحب كتاب "مدرسة الأنبياء" فيقول: صنع نبي الله عيسى ابن مريم - عليه السلام - تمثالا من الطين كهيئة الطير، قيل: على صورة الخفاش أو الوطواط، ثم نفخ فيه فكان طائرا بإذن الله

وفي ذلك يقول القرآن الكريم:

(وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني)

(المائدة: ١١٠).

وفي هذا الإطار ينبغي توضيح ما يلي:

لا يفهم من نسبة الخلق إلى عيسى - عليه السلام - أنه شارك الله في الخلق، ذلك أن معنى الخلق هو التقدير والتصوير، ومعنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير أي: أقدر وأصنع وأصور مثل هيئة الطير، والخلق إذا نسب إلى الإنسان فهو صنع وتقدير على مثال سابق، وإذا نسب إلى الله فهو الصنع والتقدير، والإبداع على غير مثال سابق.

وبناء على ذلك فإن عيسى صنع تمثالا من الطين، ولم يوجد الطين من العدم، والله هو خالق الطين الذي هو مادة الطير. إن عيسى - عليه السلام - صنع التمثال على هيئة الطير، فهو لم يبتكر شكله من عنده، والله هو خالق الهيئة والصورة. إن عيسى - عليه السلام - إنما صنع ذلك بإذن الله الذي علمه الصنعة، ولولا الإذن الإلهي ما استطاع ذلك. إن النفخة التي نفخها - عليه السلام - في الطين فتحول بها إلى طير كانت بإذن الله، وهذا يعني أن الأمر كله متوقف على إذن الله، خالق الروح وواهبها[2].

لقد جاءت كلمة: (بإذن الله) من قول عيسى - عليه السلام - وعلى لسانه، فهذا اعتراف منه بأن ذلك ليس من صنعه، لكنه بإذن الله، وإنما هو إنسان وعبد لله يفعل ما يأذن له به الله، وكأنه - عليه السلام - يريد أن يقول لقومه: إن كنتم فتنتم بهذا فكان يجب أن تفتنوا بإبراهيم - عليه السلام - من باب أولى، حينما قطع الطير وجعل على كل جبل جزءا منهن ثم دعاه.

وبهذا البيان يتضح لنا أن معجزات السيد المسيح - عليه السلام - وقد ذكر القرآن بعضها، إنما هي كسائر معجزات الأنبياء لا تدل على ألوهيته، وإنما تدل على صدق نبوته وبشريته عليه السلام.

ثانيا. الإنجيل يشير إلى أن عيسى لم يدع الألوهية، ولم يدع علم الغيب الذي هو من خصائص الألوهية:

والإنجيل يشير إلى أن عيسى - عليه السلام - لم يدع الألوهية، ولم يدع علم الغيب، فلم يعرف 0موعد الساعة: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن، إلا الآب". (مرقس 13: 32)، وكذلك لما طلب منه إحياء أخي مرثا، فذهبت أخته مريم معه إلى الجبانة، وهناك سألها: "أين وضعتموه"؟ (يوحنا 11: 34)، وكذلك لم يعرف مدة مرض المجنون، فقد سأل أباه: "كم من الزمن منذ أصابه هذا"؟ فقال: منذ صباه". (مرقس 9: 21)، كذلك جاء شجرة التين هو وأصحابه؛ ليصيبوا منها ما يسد مـخمصتهم، فلم يجدوا فيها شيئا: "فنظر شجرة تين على الطريق، وجاء إليها فلم يجد فيها شيئا إلا ورقا فقط". (متى 21: 19)، كما بين إنه رسول الله، حيث قال: "لا أطلب مشيئتي، بل مشيئة الآب الذي أرسلني". (يوحنا 5: 30)، كما شهدت له مرثا أنه نبي الله وحبيبه: "ولكني الآن أيضا أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه". (يوحنا 11: 22)، كما دعا الله وقت محنته فقال: "يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت". (متى 26: 39)، كما كان معروفا بين شعبه أنه نبي: "فقال لهما: «ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين؟» فأجاب أحدهما، الذي اسمه كليوباس وقال له:«هل أنت متغرب وحدك في أورشليم ولم تعلم الأمور التي حدثت فيها في هذه الأيام؟» فقال لهما:«وما هي؟» فقالا: المختصة بيسوع الناصري، الذي كان إنسانا نبيا مقتدرا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب". (لوقا 24: 17 - 19)، كذلك نادته مريم المجدلية بقولها: "ربوني الذي تفسيره: يا معلم". (يوحنا 20: 16)، والربانيون من الأحبار المعلمون في المعبد من نسل لاوي، وليست هذه من صفات الله، بل هي من صفات المخلوق الذي يناجي ربه.

الخلاصة:

· عيسى - عليه السلام - لم يخلق الطين الذي خلق منه الطير، ولم يخلق الطير وكل دوره هو النفخ في هذا الطير فصار طيرا بإذن الله عز وجل.

· معنى الخلق المنسوب إلى عيسى - عليه السلام - هو التقدير والتصوير، على مثال سابق، أما الخلق لله فهو الصنع والتقدير والإبداع على غير مثال سابق، فهو الإيجاد من عدم؛ لأن الله هو خالق الطين الذي هو مادة الطير، فدور عيسى - عليه السلام - هو تصوير هذا الطين على هيئة الطير ثم ينفخ فيه فيحول إلى طير بإذن الله تعالى، وهذا يعني أن الأمر متوقف على إذن الله تعالى، وبهذا البيان يتضح جليا لكل ذي عقل أن هذه معجزة لعيسى - عليه السلام - أجراها الله على يديه مثل الذي أجراه الله تعالى على يد إبراهيم - عليه السلام - تأييدا له وتصديقا لنبوته وهو عبد الله ورسوله.

· تشير الأناجيل إلى أن عيسى - عليه السلام - لم يدع الألوهية كما لم يدع علم الغيب الذي هو من خصائص الألوهية.

المراجع

  1. (*) هذا هو الحق: رد على مفتريات كاهن الكنيسة، محمد عبد اللطيف بن الخطيب، المطبعة المصرية، القاهرة، 1399هـ/ 1977م.
  2.  قصص الأنبياء، محمد متولي الشعراوي، دار القدس، القاهرة، ط1، 2006م، ص435. 
  3.  مدرسة الأنبياء: عبر وأضواء، محمد بسام الزين، دار الفكر، بيروت، ط2، 1419هـ/ 1999م، ص325، 326.