نص السؤال
استنكار الإنفاق على الفقراء لأن الله لو شاء لأطعمهم
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
استنكار الإنفاق على الفقراء لأن الله لو شاء لأطعمهم(*)
مضمون الشبهة:
استنكر المشركون المعاندون الإنفاق - مما رزقهم الله عز وجل - على المحتاجين والفقراء من المسلمين محتجين بأن الله لو شاء لأغنى هؤلاء المحتاجين ولأطعمهم من رزقه، ويقولون: نحن نوافق مشيئة الله - عز وجل - فيهم،
قال تعالى:
(وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه)
(يس: ٤٧).
وجها إبطال الشبهة:
1) هذه مقولة ضلال يقصد بها الاستهزاء، ولا حجة فيها لأن المؤمن لا يعترض على مشيئة الله.
2) مقولتهم تدل على بخلهم وتمسكهم بالدنيا، فإن الغنى والفقر ابتلاء من الله للناس ببعضهم.
التفصيل:
أولا. هذه مقولة ضلال، لا حجة فيها:
يبين الله - عز وجل - أن اعتراض الكافرين على المؤمنين حين يأمرونهم بالإنفاق على الفقراء والمحاويج اعتراض باطل، وحجة داحضة حين قالوا: أيفقرهم الله ونطعمهم نحن، لو شاء الله لأغناهم كما أغنانا، وما هذه المقالة منهم إلا ضلال ظاهر،
كما قال عز وجل:
(إن أنتم إلا في ضلال مبين)
(يس:47)
وهذا على قول من قال من أهل التأويل إن هذه الجملة السابقة من قول الله لهم جوابا عن مقالتهم، أو حكاية قول المؤمنين لهم، وقد كان هؤلاء الكافرون يسمعون من المؤمنين أنهم يعلقون أفعال الله - عز وجل - بمشيئته فيقولون: لو شاء الله لأغنى فلانا، ولو شاء لأعز فلانا، ولو شاء لكان كذا وكذا، فأخرج الكفار ذلك الجواب السابق مخرج الاستهزاء بالمؤمنين، وكأنهم يقولون لهم: إذا كان الله رزقنا فهو قادر على أن يرزق هؤلاء الفقراء فلم تلتمسون الرزق منا؟[1]، وهذا في الحقيقة احتجاج باطل؛ لأن الله - عز وجل - إذا ملك عبدا مالا ثم أوجب عليه فيه حقا فكأنه انتزع ذلك القدر منه فلا معنى للاعتراض، وقد صدقوا في قولهم: لو شاء الله أطعمهم، ولكن كذبوا في الاحتجاج؛ لأن هذا غلط منهم ومكابرة ومجادلة بالباطل، فكلامهم وإن كان صحيحا في نفسه، لكنهم لما قصدوا به الإنكار لقدرة الله، أو إنكار جواز الأمر بالإنفاق مع قدرة الله، كان احتجاجهم من هذه الحيثية باطلا؛ لأن لله إرادة كونية، وإرادة شرعية، ولا يصح الاحتجاج بالإرادة الكونية على الإرادة الشرعية، وهو عين ما قاله الذين كفروا، فالأمر بالإطعام أمر شرعي،
وقولهم:
(أنطعم من لو يشاء الله أطعمه)
(يس: ٤٧)
إشارة إلى المشيئة الكونية.
فلو كانوا يؤمنون بمشيئة الله التي يحتجون بها لأنفقوا مما رزقهم الله؛ فالمؤمن يسير وفق أمر الله ولا يعترض على مشيئته وقدره، ويدرك سنن الله في حياة العباد، فالله هو مطعم الجميع وهو رازق الجميع، وكل ما في الأرض من أرزاق ينالها العباد هي من خلقه، فلم يخلقوا هم لأنفسهم منها شيئا، وما هم بقادرين على خلقه أصلا[2].
وهذا مثل قوله عز وجل:
(سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا)
(الأنعام: ١٤٨).
ثانيا. مقولة بخل:
في هذه الآية أكبر زجر عن اقتصاص ما يحكى عن البخلاء في اعتذارهم بمثل ما ضلل به المشركون ومجاراتهم فيه فإن ذلك من اللؤم وشح النفس وخبث الطبع[3].
فمقالة هؤلاء المشركين خطأ؛ لأن الله - عز وجل - أغنى بعض الخلق وأفقر بعضا ليبلو الغني بالفقير فيما فرض له من الزكاة، والمؤمن لا يعترض على المشيئة، وإنما يوافق الأمر، أما مقالة هؤلاء: نحن نوافق مشيئة الله، فلا نطعم من لم يطعمه الله، فهذا مما يتمسك به البخلاء، وهو زعم باطل،
قال تعالى:
(قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا)
(الإسراء:100)
فإن المال أعطاه الله قوما وحرمه آخرين؛ ابتلاء منه سبحانه للناس بعضهم ببعض فلا اعتراض لأحد على مشيئة الله - عز وجل - وحكمه في خلقه[4]،
قال تعالى:
(وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم)
(الأنعام:165)
الخلاصة:
·دعوى المشركين أنهم لا يعطون الفقراء من أموالهم لأن الله لو شاء لأغناهم - دعوى ضلال بين عن إدراك طبيعة سنن الله وإدراك حركة الحياة، وضخامة هذه الحركة وعظمة الغاية التي تتنوع من أجلها المواهب والاستعدادات، وتتوزع بسببها الأموال والأرزاق.
·هذه دعوى تشي بعدم إدراكهم لسنن الله في حياة العباد؛ فالله هو مطعم الجميع وهو الواهب للرزق، ولو شاء لمنعهم رزقهم فماذا كانوا سيقولون حينئذ؟!
·هذه الدعوى تنضح بلؤم دخائلهم، وخبث طباعهم، وشح نفوسهم وتطاولهم على من يدعونهم إلى البر والإنفاق.
المراجع
- (*) الآية التي وردت فيها الشبهة: (يس/ 47). الآية التي ورد فيها الرد على الشبهة: (يس/ 47).
- الكشاف، الزمخشري، الدار العالمية، بيروت، د. ت، ج3، ص325 بتصرف. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج11، ج23، ص32.
- في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج5، ص2970، 2971.
- محاسن التأويل، القاسمي، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1424هـ/2003م، ج8، ص68. الكشاف، الزمخشري، الدار العالمية، بيروت، د. ت، ج3، ص325.
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج11، ج23، ص32.