نص السؤال
دعوى أن النفاق والمداراة بين المؤمنين والكافرين هو عين الإصلاح
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
دعوى أن النفاق والمداراة بين المؤمنين والكافرين هو عين الإصلاح(*)
مضمون الشبهة:
يدعي المنافقون أن الكفر والعمل بالمعصية صلاح وهدى، وأن الحالة التي هم عليها من النفاق والمداراة بين الفريقين - المؤمنين والكافرين - هو عين الصلاح،
قال سبحانه وتعالى:
(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)
(البقرة:11)
وجها إبطال الشبهة:
1) تزيين الشيطان للمنافقين جعلهم يظنون أنهم مصلحون، فضلا عن أن سوء الغفلة التي يعيش فيها هؤلاء جعلهم لا يشعرون بفسادهم في الأرض.
2) سياسة المدارة التي يتبعها المنافقون مع المسلمين والكافرين هي عين الفساد، وقد ألزمهم الله التصديق بما جاء به رسول الله كالذي ألزم به المؤمنين.
التفصيل:
أولا. تزيين الشيطان وسوء الغفلة جعلا المنافقين لا يشعرون بفسادهم في الأرض:
يظهر المنافقون الإيمان ويبطنون الكفر خوف السيف والقتل، وقد ظهر المنافقون بالمدينة وكثروا نظرا لكثرة المسلمين وقوة شوكتهم، وتلك بؤرة النفاق التي يحيا فيها، وكان المنافقون يوالون الكافرين، ويصدون الناس عن الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وعن الإيمان بالقرآن، ويعمدون إلى إلقاء الشبه والوشايات بين الناس، وإيقاع الشر بينهم عن طريق النميمة وغير ذلك، وهذا هو إفسادهم الذي حكاه الله سبحانه وتعالى:
(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)
(البقرة:11)
فهم لسوء أعمالهم وغفلتهم لا يشعرون أن ما يفعلونه ويمارسونه فساد في فساد، وهذا من تزيين الشيطان لهم،
كما قال الله سبحانه وتعالى:
(أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء)
(فاطر: 8)
وقال أيضا:
(الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)
(الكهف)
وقال سبحانه وتعالى:
(وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون)
(النمل)
والقائل لهم: (لا تفسدوا في الأرض) بعض من وقف على حالهم من المؤمنين الذين لهم اطلاع على شؤونهم لقرابة أو صحبة، فيخلصون لهم النصيحة والموعظة رجاء إيمانهم ويسترون عليهم خشية عليهم من العقوبة وعلما بأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - يغضي عن زلاتهم كما أشار إليه ابن عطية.
وفي جوابهم بقولهم: (إنما نحن مصلحون) ما يفيد أن الذين قالوا لهم (لا تفسدوا في الأرض) كانوا جازمين بأنهم مفسدون؛ لأن ذلك مقتضى حرف إنما، ويدل لذلك بناء فعل (قيل) للمجهول بحسب ما يأتي في
قوله تعالى:
(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا)
(البقرة: 14).
ولا يصح أن يكون القائل لهم الله والرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ لو نزل الوحي وبلغ إلى معينين منهم لعلم كفرهم، ولو نزل مجملا كما تنزل مواعظ القرآن لم يستقم جوابهم بقولهم: (إنما نحن مصلحون) (البقرة:11).
وبيان إيقاعهم الفساد أنه مراتب:
1. إفسادهم أنفسهم بالإصرار على تلك الأدواء القلبية، وما يترتب عليها من المذام ويتولد من المفاسد.
2. إفسادهم الناس ببث تلك الصفات والدعوة إليها، وإفسادهم أبناءهم وعيالهم في اقتدائهم بهم في مساويهم كما قال نوح عليه السلام:
(إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا)
(نوح:26)
3. إفسادهم بالأفعال التي ينشأ عنها فساد المجتمع، كإلقاء النميمة والعداوة وتسعير الفتن وتأليب الأحزاب على المسلمين وإحداث العقبات في طريق المصلحين.[1]
وهكذا شأن كل مفسد في الأرض يدعي أنه مصلح في نفس إفساده، فإن كان على بينة من إفساده عارفا أنه مضل - وإنما يكون كذلك إذا كان إفساده لغيره لعداوة منه له - فإنما يدعي ذلك لتبرئة نفسه من وصمة الإفساد بالتمويه والمواربة، وإن كان مسوقا إلى الإفساد بسوء التقليد الأعمى الذي لا ميزان فيه لمعرفة الإصلاح من الإفساد إلا الثقة بالرؤساء المقلدين، فهو يدعيه عن اعتقاد ولا يريد أن يفهم غير ما تلقاه عنهم، وإن كان أثر تقليدهم والسير على طريقتهم مفسدا للأمة في الواقع ونفس الأمر؛ لأن الوجود والحقيقة الواقعة لا قيمة لهما ولا اعتبار في نظر المقلدين، بل هم لا يعرفون مناشئ المفاسد ومصادر الخلل ولا مزالق الزلل؛ لأنهم عطلوا نظرهم الذي يميز ذلك، وأرادوا أن يوقعوا غيرهم بهذه المهالك بصدهم عن سبيل الإسلام الداعي إلى الوحدة والالتئام، فكان ذلك منهم دعوة إلى الفرقة والاختصام، وأي إفساد في الأرض أعظم من التنفير عن اتباع الحق، والاعتصام بدين فيه سعادة الدارين، والأرض إنما تفسد وتصلح بأهلها، ولذا فإنك ترى هؤلاء المفسدين، في كل عصر ومصر يفسدون في الأرض[2]، ويزعمون أنهم أهل الإصلاح والبناء والتعمير، ويصفون أهل الإيمان بالرذالة والفساد، فها هو فرعون يقول لقومه:
(ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)
(غافر:29)
ثم يقول عن نبي الله موسى الذي جاء بكل صلاح له ولقومه:
(إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)
(غافر:29)
ثانيا. سياسة المدارة التي يتبعها المنافقون مع المسلمين والكافرين هي عين الفساد:
لقد تنبه أعداء الإسلام إلى أن هذا الدين القوي الحق، لا يمكن أن يتأثر بطعنات الكفر، بل يواجهها ويتغلب عليها - فما قامت معركة بين حق وباطل إلا انتصر الحق - ولقد حاول أعداء الإسلام أن يواجهوه سنوات طويلة، ولكنهم عجزوا، ثم تنبهوا إلى أن هذا الدين لا يمكن أن يهزم إلا من داخله، وان استخدام المنافقين في الإفساد، هو الطريقة الحقيقية لتفريق المسلمين، فانطلقوا على المسلمين اسما ليتخذوا منهم الحربة التي يوجهونها ضد الإسلام، وظهرت مذاهب واختلافات وما أسموه العلمانية واليسارية وغير ذلك، كل هذا قام به المنافقون في الإسلام وغلفوه بغلاف إسلامي؛ ليفسدوا في الأرض ويحاربوا منهج الله، وإذا لفت المؤمنون نظرهم إلى أنهم يفسدون في الأرض، وطلبوا منهم أن يمتنعوا عن الإفساد ادعوا أنهم لا يفسدون ولكنهم يصلحون[3].
ولذا رد الله على هؤلاء المنافقين الزاعمين لأنفسهم الصلاح
فقال:
(ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)
(البقرة:12)
فهم أهل الفساد لتركهم الحق واتباعهم للباطل ولفعلهم المعاصي، ولكنهم لا يشعرون أن ذلك فساد، ولا يعلمون أن محاولة مداراتهم الفريقين من المؤمنين والكافرين، وإصلاحهم بين المؤمنين وأهل الكتاب هي عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادا؛ لأن الله قد فرض عليهم عداوة اليهود وحربهم مع المسلمين، وألزمهم التصديق بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالذي ألزم من ذلك المؤمنين به، وقد قطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين بقوله:
(لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين)
(النساء: 144).
الخلاصة:
·يعيش المنافقون دائما على الوشايات والفتن، وهذا دأبهم وديدنهم، وظهر ذلك جليا في المدينة حينما هاجر إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون بينهم يعلمون ذلك، وعندما نصحوا المنافقين رد عليهم المنافقون بأنهم مصلحون وقد تصوروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض.
·يعتقد المنافقون للمرض الذي ملأ عقولهم وقلوبهم أن سياسة المداراة التي يتبعونها مع المسلمين والكافرين هي عين الإصلاح، رغم أن الله - عز وجل - ألزمهم عداوة اليهود والكفار كما ألزم المسلمين، وألزمهم التصديق بكل ما أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، شأنهم في ذلك شأن المؤمنين حتى ينقطع دابر النفاق.
·حرم الإسلام ونهى عن موالاة غير المسلمين من دون المسلمين.
المراجع
- (*) الآية التي وردت فيها الشبهة: (البقرة/ 11). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (البقرة/ 12، فاطر/ 8، النمل/ 24، الكهف/ 104).
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج1، ج1، ص284.
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج1، ص157.
- تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج1، ص154، 155.