نص السؤال
ادعاء أن سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أفضل من الإيمان بالله والجهاد في سبيله
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
ادعاء أن سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أفضل من الإيمان بالله والجهاد في سبيله(*)
مضمون الشبهة:
يزعم المشركون أن عمارة المسجد الحرام، والقيام على سقاية الحجيج خير ممن آمن وجاهد في سبيل الله - عز وجل - وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون من أجل أنهم أهله وعماره،
قال تعالى:
(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله)
(التوبة: 19).
وجها إبطال الشبهة:
1) لا تتساوى كفة سقاية الحجيج، وعمارة المسجد الحرام مع كفة الإيمان بالله واليوم الآخر، فقد قضى الله تعالى ألا يقبل عملا بغير الإيمان به وباليوم الآخر.
2) هؤلاء المشركون لم يكونوا يعمرون البيت الحرام كما زعموا؛ لأن عمارة البيت تكون بعبادة الله وحده، لا بالاستكبار والفساد في الأرض.
التفصيل:
أولا. لا يقبل الله - عز وجل - عملا بلا إيمان:
لقد كان مشركو مكة مع كفرهم يفتخرون بسقاية الحجيج وعمارة المسجد الحرام، وكان منهم العباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تحدث إليه بعض الصحابة يدعونه للإسلام والجهاد في سبيل الله - حين أسر يوم بدر - فقال: إننا نسقي الحجيج ونرعى البيت، ونفك العاني، ونقوم بعمارة البيت الحرام "، قال العباس ذلك ولم يكن قد أسلم بعد، وما قاله العباس هو موجز رأي أهل الشرك من قريش، الذين جعلوا هذه المسائل مقابل الإيمان بالله والجهاد في سبيله....
وقد رد الله على هؤلاء مقولتهم وبين لهم أن سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام مع البقاء على الشرك لا تعدل الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله عز وجل، فهما أمران لا يستويان أبدا عند الله عز وجل، وما زعمتم من أنكم عمار البيت وسدنته وأهله فإن هذه العمارة والسقاية لا تغني عنكم شيئا بشرككم، وإن كنتم تجعلون هذا في مقابل الإسلام، فذلك لا يصلح أبدا مقابلا للإيمان، ولا تتساوي كفة الإيمان بالله واليوم الآخر أبدا مع كفة سقاية الحجيج، وعمارة المسجد الحرام، ومن يقدر ذلك هو الله سبحانه وتعالى، وله مطلق المشيئة في أن يتقبل العمل أو لا يتقبله، والمؤمن المجاهد في سبيل الله إنما يطلب الجزاء من الله، أما من يسقي الحجاج، ويعمر بيت الله دون أن يعترف بوحدانية الله كالمشركين - قبل الإسلام - فهو يطلب الجزاء ممن عمل من أجلهم، ولأنه - سبحانه وتعالى - هو معطي الجزاء، فهو - عز وجل - يوضح لنا أن هذين العملين لا يستويان عنده؛ أي: لا يساوي أحدهما الآخر في الجزاء[1].
وعليه فإن الله لا يقبل بغير الإيمان به وباليوم الآخر عملا، والله لا يوفق لصالح الأعمال من كان به كافرا ولتوحيده جاحدا ولليوم الآخر منكرا،
قال سبحانه وتعالى:
(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين)
(التوبة:19)
ثم حكم الله بقضائه في هذا الحكم بين الفريقين اللذين افتخر أحدهم بالسقاية والعمارة، والآخر بالإيمان بالله والجهاد في سبيله،
فقال:
(الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون (20) يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم (21) خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم (22)
(التوبة).
ثانيا. هؤلاء المشركون لم يكونوا يعمرون البيت الحرام كما زعموا، وإنما كانوا يستكبرون به ويفسدون في الأرض:
ومن رد الله عليهم أيضا أنه ذكر لهم استكبارهم وإعراضهم؛ حيث كانوا يستكبرون من أجل أنهم أهل الحرم وعماره، وكانوا يسمرون ويهجرون القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم - ويهجرون البيت ولا يعمرونه،
فقال - عز وجل - موبخا لهم:
(قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون (66) مستكبرين به سامرا تهجرون (67)
(المؤمنون).
والضمير في "به" في قوله تعالى: (مستكبرين به) وإن لم يسبق له ذكر في الآيات التي قبل هذه الآية؛ لأن اشتهار استكبارهم وافتخارهم بأنهم قوامه وسدنته وعماره أغنى عن سبق ذكره، وكانت العرب تدين لهم بذلك لامتيازهم عليهم به وبسقاية حجاجه، وكذا ضيافتهم وإن لم تكن عامة كالسقاية؛ لأن الحاجة إليها لم تكن عامة إذ من المعلوم أن الحجاج كانوا وما زالوا أحوج إلى الماء في الحرم من الزاد؛ لأن كل حاج كان يمكنه أن يحمل من الزاد ما يكفيه مدة سفره إلى الحرم وعودته بعد أداء المناسك، ولا سيما العربي القنوع القليل الأكل، ولكن لا يمكنه أن يحمل من الماء ما يكفيه كل هذه المدة ولا نصفها، ولذلك كان أول شروط استطاعة الحج الزاد لإمكانه مع كفالة أولي الأمر في الحرم لتوفير الماء فيه، هذا.
وإن فضيلة البيت الحقيقية التي بني لأجلها هي عبادة الله وحده فيه بما شرعه كما يحب ويرضى، وقد جنى عليه المشركون ودنسوه بعبادة غيره فيه، ثم بصد المؤمنين الموحدين له عنه،
كما قال:
(هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله)
(الفتح: ٢٥)
ثم إخراجهم إياهم من جواره لإيمانهم بربوبيته وألوهيته تعالى وحده دون ما أشركوه معه،
كما قال للمؤمنين:
(يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم)
(الممتحنة: 1)
وقال فيهم:
(الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله)
(الحج: 40)
فأي مزية تبقى مع هذه الجرائم لخدمة حجارته واحتكار مفتاحه وسقاية المشركين من حجاجه؟ وأي ظلم أشد من هذا الظلم في موضوعه[2]؟
الخلاصة:
·لقد رد الله - عز وجل - على مشركي مكة الذين زعموا أن سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام مع الشرك أفضل من الإيمان بالله والجهاد في سبيله؛ بأن هذين الأمرين لا يستويان أبدا، فهذه السقاية والعمارة لا تساوي مع الشرك عند الله شيئا، فالله لا يقبل عملا بغير الإيمان بالله واليوم الآخر.
·ما كان يفعله هؤلاء المشركون لم يكن عمارة للمسجد الحرام كما زعموا، وإنما كانوا يستكبرون على الناس بذلك لكونهم أهل الحرم وعماره، فلا فضل لهم؛ لأن فضيلة البيت الحقيقية هي عبادة الله وحده، لا خدمة أحجاره، واحتكار مفتاحه وسقاية المشركين من حجاجه.
المراجع
- (*) الآية التي وردت فيها الشبهة: (التوبة/ 19). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (التوبة/ 20: 22، المؤمنون/ 66، 67).
- تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج8، ص4963، 4964 بتصرف.
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج10، ص218، 219.