نص السؤال
المصدر: شبهات المشككين في الإسلام
الجواب التفصيلي
اتهام موسى وهارون - عليهما السلام - بالسحر(*)
مضمون الشبهة:
اتهم فرعون ومن معه موسى وهارون - عليهما السلام - بأنهما ساحران عالمان خبيران بصناعة السحر، وأن ما أتى به موسى - عليه السلام - من الآيات الظاهرة الواضحة ما هو إلا سحر مبين.
قال تعالى:
(قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى)
(طه:63)
وجها إبطال الشبهة:
1) ما قاله فرعون ومن معه من اتهام موسى وهارون بالسحر هو مجرد زعم باطل، ومقولة ظالمة ناشئة عن البهتان والكذب والاستكبار.
2) إيمان السحرة برب موسى وهارون - عليهما السلام - يعد من أكبر الأدلة على براءة موسى وهارون - عليهما السلام - من تهمة السحر.
التفصيل:
أولا. اتهام موسى وهارون - عليهما السلام - بالسحر مجرد زعم باطل:
تلك مقولة مبنية على الكذب والبهتان والاستكبار والعناد والتعالى، يتهمون ما جاء به موسى - عليه السلام - وهارون - عليهما السلام - من المعجزات الباهرة والدلائل القاهرة والآيات الظاهرة على صدقهما، بأنه سحر ظاهر رغم أنهم شاهدوا ذلك وتحققوه وأيقنوا أنه من عند الله،
يقول سبحانه وتعالى:
(فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين (76) قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون (77)
(يونس).
أي لما رأوا المعجزات التي هي حق ثابت وليست بتخيلات وتمويهات، وعلموا أن موسى - عليه السلام - صادق فيما ادعاه، تدرجوا من مجرد الإباء المنبعث عن الاستكبار إلى البهتان المنبعث عن الشعور بالمغلوبية.
والحق: يطلق اسما على ما قابل الباطل، وهو العدل الصالح، ويطلق وصفا على الثابت الذي لا ريبة فيه، والذي أثبت له المجيء هنا هو الآيات التي أظهرها موسى - عليه السلام - إعجازا لهم لقوله قبله:
(ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا)
(الأعراف: ١٠٣)
فكان جعل الحق جائيا بتلك الآيات صالحا لمعنيي الحق؛ لأن تلك الآيات لما كانت ثابتة لا ريبة فيها كانت في ذاتها حقا، فمجيئها حصولها وظهورها المقصود منه إثبات صدق موسى - عليه السلام - في رسالته فكان الحق جائيا معها، فمجيئه ثبوته
كقوله سبحانه وتعالى:
(وقل جاء الحق وزهق الباطل)
(الإسراء: 81).
وبهذا يتبين أن الآية دالة على أن آيات الصدق ظهرت وأن المحجوجين أيقنوا بصدق موسى وأنه جاء بالحق، ولكنهم لجهلهم وعنادهم لم يميزوا بين السحر، وما هو من قبيل المعجزة التي هي آية من عند الله عز وجل، ولذا قال أولئك الظالمون:
(إن هذا لسحر مبين)
(يونس:76)
واعتذارهم عن ظهور الآيات بأنها سحر هو اعتذار المغلوب العديم الحجة الذي قهرته الحجة وبهره سلطان الحق، فلم يبق له منتشب من المعارضة المقبولة فهو يهرع إلى انتحال معارضات بمعاذير لا تدخل تحت التمحيص ولا تثبت في محك النقد:
ولا بد للمغلوب من بارد العذر
وإذ قد اشتهر بين الدهماء من ذوي الأوهام أن السحر يظهر الشيء في صورة ضده، ادعى هؤلاء أن ما ظهر من دلائل صدق موسى هو سحر ظهر به الباطل في صورة الحق بتخييل السحر.
ومعنى ادعاء الحق سحرا أن دلائله من قبيل التخيلات والتمويهات، فكذلك مدلوله هو مدلول السحر وهو إنشاء تخيل باطل في نفوس المسحورين[1].
ولقد رد عليهم نبي الله موسى - عليه السلام - متعجبا من قولهم: أتقولون هذا الذي قلتم للحق الظاهر الذي هو أبعد الأشياء عن كيد السحر الباطل لما جاءكم وعرفتموه واستيقنته نفوسكم ورأيتموه بأعينكم، ورجفت عن عظمته قلوبكم، فهذا لا يمكن أن يكون سحرا من جنس ما تصنعه أيديكم، كيف والحال المعروف عندكم أن السحرة لا يفوزون في أمور الجد العملية من دعوة دين وتأسيس ملك وقلب نظام، وهو ما تتهمونني به على ضعفي وقوتكم؛ لأن السحر أمور شعوذة وتخييل لا تلبث أن تفتضح وتزول، ولما نفى موسى - عليه السلام - عن آيات الله أن تكون سحرا ارتقى، فأبان لهم فساد السحر وسوء عاقبة معالجيه تحقيرا لهم؛ لأنهم كانوا ينوهون بشأن السحر. فجملة: (ولا يفلح الساحرون) (يونس:77) معطوفة على جملة: (أسحر هذا) (يونس: 77).
فالمعنى: هذا ليس بسحر وإنما أعلم أن الساحر لا يفلح، أي لو كان ساحرا لما شنع حال الساحرين؛ إذ صاحب الصناعة لا يحقر صناعته؛ لأنه لو رآها محقرة لما التزمها[2].
ثانيا. إيمان السحرة برب موسى وهارون - عليهما السلام - دليل على براءتهما من تهمة السحر:
ومن أدل الأدلة على أن ما جاء به موسى - عليه السلام - ليس سحرا - كما زعم فرعون وقومه - أن السحرة لما ظهرت لهم المعجزة واتضح لهم البرهان، وبطل سحرهم أمام موسى - عليه السلام - وعاينوا ذلك وشاهدوه - وهم ذوو خبرة بفنون السحر وصناعته وطرقه ووجوهه - علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى - عليه السلام - ليس من قبيل السحر والحيل، بل حق لا مرية فيه، ولا يقدر على هذا إلا إله قادر حكيم يقول للشيء: كن فيكون، فعند ذلك وقعوا لله سجدا وقالوا: آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون - عليهما السلام -، فكانوا أول النهار سحرة، وفي آخره شهداء بررة،
قال سبحانه وتعالى:
(فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى)
(طه:70)
الخلاصة:
·جاء موسى - عليه السلام - فرعون ومن معه بآيات باهرة ومعجزات بينة، وقد أيقن فرعون ومن معه بصدق موسى عليه السلام، وأن ما جاء به هو الحق، ولكنه استكبر هو ومن معه، فاتهم موسى وهارون بأنهما ساحران. عنادا وتكذيبا لهما.
·لما ألقى موسى - عليه السلام - عصاه ولقفت عصى وحبال السحرة، أيقن السحرة أن ما جاء به موسى - عليه السلام - لا يمكن أن يكون من قبيل السحر، بل هو الحق من ربهم، فوقعوا سجدا لله، وآمنوا برب موسى وهارون - عليهما السلام -.
المراجع
- (*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (طه/ 63، النمل/ 13، غافر/ 24، القصص/ 36، 48، يونس/ 76). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (يونس/ 77، طه/ 70، 72، 73).
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج6، ج11، ص248، 249 بتصرف.
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج6، ج11، ص250.
الجواب التفصيلي
اتهام موسى وهارون - عليهما السلام - بالسحر(*)
مضمون الشبهة:
اتهم فرعون ومن معه موسى وهارون - عليهما السلام - بأنهما ساحران عالمان خبيران بصناعة السحر، وأن ما أتى به موسى - عليه السلام - من الآيات الظاهرة الواضحة ما هو إلا سحر مبين.
قال تعالى:
(قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى)
(طه:63)
وجها إبطال الشبهة:
1) ما قاله فرعون ومن معه من اتهام موسى وهارون بالسحر هو مجرد زعم باطل، ومقولة ظالمة ناشئة عن البهتان والكذب والاستكبار.
2) إيمان السحرة برب موسى وهارون - عليهما السلام - يعد من أكبر الأدلة على براءة موسى وهارون - عليهما السلام - من تهمة السحر.
التفصيل:
أولا. اتهام موسى وهارون - عليهما السلام - بالسحر مجرد زعم باطل:
تلك مقولة مبنية على الكذب والبهتان والاستكبار والعناد والتعالى، يتهمون ما جاء به موسى - عليه السلام - وهارون - عليهما السلام - من المعجزات الباهرة والدلائل القاهرة والآيات الظاهرة على صدقهما، بأنه سحر ظاهر رغم أنهم شاهدوا ذلك وتحققوه وأيقنوا أنه من عند الله،
يقول سبحانه وتعالى:
(فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين (76) قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون (77)
(يونس).
أي لما رأوا المعجزات التي هي حق ثابت وليست بتخيلات وتمويهات، وعلموا أن موسى - عليه السلام - صادق فيما ادعاه، تدرجوا من مجرد الإباء المنبعث عن الاستكبار إلى البهتان المنبعث عن الشعور بالمغلوبية.
والحق: يطلق اسما على ما قابل الباطل، وهو العدل الصالح، ويطلق وصفا على الثابت الذي لا ريبة فيه، والذي أثبت له المجيء هنا هو الآيات التي أظهرها موسى - عليه السلام - إعجازا لهم لقوله قبله:
(ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا)
(الأعراف: ١٠٣)
فكان جعل الحق جائيا بتلك الآيات صالحا لمعنيي الحق؛ لأن تلك الآيات لما كانت ثابتة لا ريبة فيها كانت في ذاتها حقا، فمجيئها حصولها وظهورها المقصود منه إثبات صدق موسى - عليه السلام - في رسالته فكان الحق جائيا معها، فمجيئه ثبوته
كقوله سبحانه وتعالى:
(وقل جاء الحق وزهق الباطل)
(الإسراء: 81).
وبهذا يتبين أن الآية دالة على أن آيات الصدق ظهرت وأن المحجوجين أيقنوا بصدق موسى وأنه جاء بالحق، ولكنهم لجهلهم وعنادهم لم يميزوا بين السحر، وما هو من قبيل المعجزة التي هي آية من عند الله عز وجل، ولذا قال أولئك الظالمون:
(إن هذا لسحر مبين)
(يونس:76)
واعتذارهم عن ظهور الآيات بأنها سحر هو اعتذار المغلوب العديم الحجة الذي قهرته الحجة وبهره سلطان الحق، فلم يبق له منتشب من المعارضة المقبولة فهو يهرع إلى انتحال معارضات بمعاذير لا تدخل تحت التمحيص ولا تثبت في محك النقد:
ولا بد للمغلوب من بارد العذر
وإذ قد اشتهر بين الدهماء من ذوي الأوهام أن السحر يظهر الشيء في صورة ضده، ادعى هؤلاء أن ما ظهر من دلائل صدق موسى هو سحر ظهر به الباطل في صورة الحق بتخييل السحر.
ومعنى ادعاء الحق سحرا أن دلائله من قبيل التخيلات والتمويهات، فكذلك مدلوله هو مدلول السحر وهو إنشاء تخيل باطل في نفوس المسحورين[1].
ولقد رد عليهم نبي الله موسى - عليه السلام - متعجبا من قولهم: أتقولون هذا الذي قلتم للحق الظاهر الذي هو أبعد الأشياء عن كيد السحر الباطل لما جاءكم وعرفتموه واستيقنته نفوسكم ورأيتموه بأعينكم، ورجفت عن عظمته قلوبكم، فهذا لا يمكن أن يكون سحرا من جنس ما تصنعه أيديكم، كيف والحال المعروف عندكم أن السحرة لا يفوزون في أمور الجد العملية من دعوة دين وتأسيس ملك وقلب نظام، وهو ما تتهمونني به على ضعفي وقوتكم؛ لأن السحر أمور شعوذة وتخييل لا تلبث أن تفتضح وتزول، ولما نفى موسى - عليه السلام - عن آيات الله أن تكون سحرا ارتقى، فأبان لهم فساد السحر وسوء عاقبة معالجيه تحقيرا لهم؛ لأنهم كانوا ينوهون بشأن السحر. فجملة: (ولا يفلح الساحرون) (يونس:77) معطوفة على جملة: (أسحر هذا) (يونس: 77).
فالمعنى: هذا ليس بسحر وإنما أعلم أن الساحر لا يفلح، أي لو كان ساحرا لما شنع حال الساحرين؛ إذ صاحب الصناعة لا يحقر صناعته؛ لأنه لو رآها محقرة لما التزمها[2].
ثانيا. إيمان السحرة برب موسى وهارون - عليهما السلام - دليل على براءتهما من تهمة السحر:
ومن أدل الأدلة على أن ما جاء به موسى - عليه السلام - ليس سحرا - كما زعم فرعون وقومه - أن السحرة لما ظهرت لهم المعجزة واتضح لهم البرهان، وبطل سحرهم أمام موسى - عليه السلام - وعاينوا ذلك وشاهدوه - وهم ذوو خبرة بفنون السحر وصناعته وطرقه ووجوهه - علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى - عليه السلام - ليس من قبيل السحر والحيل، بل حق لا مرية فيه، ولا يقدر على هذا إلا إله قادر حكيم يقول للشيء: كن فيكون، فعند ذلك وقعوا لله سجدا وقالوا: آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون - عليهما السلام -، فكانوا أول النهار سحرة، وفي آخره شهداء بررة،
قال سبحانه وتعالى:
(فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى)
(طه:70)
الخلاصة:
·جاء موسى - عليه السلام - فرعون ومن معه بآيات باهرة ومعجزات بينة، وقد أيقن فرعون ومن معه بصدق موسى عليه السلام، وأن ما جاء به هو الحق، ولكنه استكبر هو ومن معه، فاتهم موسى وهارون بأنهما ساحران. عنادا وتكذيبا لهما.
·لما ألقى موسى - عليه السلام - عصاه ولقفت عصى وحبال السحرة، أيقن السحرة أن ما جاء به موسى - عليه السلام - لا يمكن أن يكون من قبيل السحر، بل هو الحق من ربهم، فوقعوا سجدا لله، وآمنوا برب موسى وهارون - عليهما السلام -.
المراجع
- (*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (طه/ 63، النمل/ 13، غافر/ 24، القصص/ 36، 48، يونس/ 76). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (يونس/ 77، طه/ 70، 72، 73).
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج6، ج11، ص248، 249 بتصرف.
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج6، ج11، ص250.