نص السؤال
اتهام مريم - عليها السلام - بالزنا
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
اتهام مريم - عليها السلام - بالزنا(*)
مضمون الشبهة:
يرمي اليهود - عليهم لعنة الله - مريم - عليها السلام - بالبهتان، وأنها حملت بولدها من الزنى، وزاد بعضهم وهي حائض،
قال سبحانه وتعالى:
(قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا (27) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا (28)
(مريم).
وجها إبطال الشبهة:
1) في كلام عيسى - عليه السلام - في المهد تبرئة لأمه مما رميت به.
2) طهارة مريم وحفظها لفرجها، وتوضيح معنى نفخ جبريل في درعها وكيفية الحمل، فضلا عن اصطفاء الله لها.
التفصيل:
أولا. البراءة القاطعة لمريم - عليها السلام - في كلام عيسى - عليه السلام - في المهد:
لقد رمى هؤلاء اليهود - لعنهم الله - مريم بالبهتان، وهو الزنا، واتهموها به،
قال سبحانه وتعالى:
(قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا (27) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا (28)
(مريم).
وهارون كان أخا صالحا في قومه، خاطبوها بالإضافة إليه زيادة في التوبيخ، أي ما كان لأخت مثله أن تفعل فعلتك. وقولهم:
(ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا)
(مريم:28)
عنوا بهذا الكلام الكناية عن كونها أتت بأمر ليس من شأن أهلها، أي أتت بسوء ليس من شأن أبيها، وبغاء ليس من شأن أمها فهم أرادوا ذمها وأنها مبتكرة الفواحش في أهلها فأتوا بكلام صريح ثناء على أبويها مقتض أن شأنها أن تكون مثل أبويها[1].
فهم يقولون لها: إنك من أهل بيت يعرفون بالصلاح والطهر والعبادة، والزهادة، فكيف صدر هذا منك؟! وهكذا رموها بالفاحشة بغير ثبت ولا برهان.
وقد رد عيسى - عليه السلام - عليهم فريتهم وبرأ أمه مما نسب إليها من الفاحشة، فقال متكلما في المهد:
(قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا)
(مريم:30)
وكانت هذه المعجزات عند ولادة عيسى كافية في الدلالة على براءتها من كل عيب.
ثانيا. عفة مريم وطهارتها واصطفاء الله - عز وجل - لها يتنافى مع اتهام اليهود لها:
أكد القرآن براءة مريم - عليها السلام - مما اتهمها به هؤلاء الملعونون،
قال سبحانه وتعالى:
(ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين)
(التحريم:12)
وقال أيضا:
(والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين)
(الأنبياء:91)
ومعنى أحصنت فرجها؛ أي: حفظته وصانته، والإحصان: العفاف، وقد أرسل الله جبريل - عليه السلام - إليها في صورة بشر سوي، وأمره الله - عز وجل - أن ينفخ بفيه في جيب درعها فنزلت النفخة فولجت في فرجها فكان منه الحمل بعيسى - عليه السلام - وبهذا أكد الله - عز وجل - أن إحصانها كان أكثر ما يكون لفرجها، فلم يأتها منه أحد، وصانته عن مقارفة الفواحش، فظلت عذراء لما حملت، وينفرد القرآن بأن ذكر أن الحمل كان بالنفخ في الفرج وليس بالمجامعة والإيلاج؛ لأن الفرج هو الطريق إلى الرحم الذي يكون فيه الحمل، والنفخ هو مجرد أن يتنفس جبريل - عليه السلام - بكلمة (كن) فكان أن حملت، ويقال: إن جبريل تنفس في جيب قميصها فوصل ذلك إلى فرجها، والجيب يسمى فرجا،
كما في قوله سبحانه وتعالى:
(وما لها من فروج)
(ق:6)
والفرج هو الشق، والجيب شق أو فرج في الثوب.
وبين الله - عز وجل - في آيات أخرى أنه اصطفى مريم - عليها السلام - واختارها على نساء العالمين بطاعتها إياه وفضلها عليهن، وطهرها من الأدناس،
قال سبحانه وتعالى:
(وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)
(آل عمران:42)
والإشارة إلى الطهر هنا إشارة ذات مغزى، وذلك لما لابس مولد عيسى - عليه السلام - من شبهات لم يتورع اليهود أن يلصقوها بمريم الطاهرة، معتمدين على أن هذا المولد لا مثال له في عالم الناس فيزعموا أن وراءه سرا لا يشرف؟!
الخلاصة:
·اشتهرت السيدة مريم - عليها السلام - بالعفة والطهارة والإيمان بين قومها، وما كان من الحمل بعيسى، فبأمر من الله لجبريل - عليه السلام - أن ينفح في درعها؛ فنزلت النفخة إلى فرجها، فكان الحمل في رحمها معجزة من الله عز وجل.
·أتم الله - عز وجل - معجزة الحمل بغير زوج للسيدة مريم، فأنطق الله وليدها ليبرئ أمه مما رماها به اليهود، فكان ذلك شاهدا حقا على طهارتها وأن ما حدث لها معجزة.
·إذا كانت مريم - عليها السلام - كما يدعي هؤلاء، فلم كان اصطفاء الله لها، بأن تكون أما لرسول من بني إسرائيل؟!
المراجع
- (*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (النساء/ 156، مريم/ 27، 28).
- الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (مريم/ 30، التحريم/ 12، آل عمران/ 42، الأنبياء/ 91).
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج8، ج18، ص96.