نص السؤال

استنكار اختصاص الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإنزال الذكر عليه من بين الناس

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

استنكار اختصاص الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإنزال الذكر عليه من بين الناس (*)

مضمون الشبهة:

يستبعد المشركون تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - بإنزال القرآن عليه من بينهم، ويقولون: هلا كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم الشأن، وهكذا قال هذه المقولة أقوام الرسل من قبل لرسلهم،

قال تعالى:

(وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم)

(الزخرف:31)

وقال تعالى:

(أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)

(النساء: ٥٤).

وجها إبطال الشبهة:

1) استبعاد اختصاص الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإنزال الذكر عليه منشؤه الحسد والاستكبار والجهل وقصور الفهم والعناد.

2)  الله - عز وجل - هو الذي يصطفي الرسل ويقسم الأمور بين عباده كما قسم حظوظهم في الدنيا.

التفصيل:

أولا. استبعاد اختصاص الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة، منشؤه الحسد والاستكبار من المشركين:

هذه مقالة طالما قالها أهل التكذيب والضلال من الأقوام السالفة الذين أرسل إليهم الرسل، فقوم ثمود قالوا عن نبيهم صالح عليه السلام:

(أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر)

(القمر:25)

ومشركو مكة قالوا عن رسول الله:

(أأنزل عليه الذكر من بيننا)

(ص: ٨)

وقالوا:

(لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم)

(الزخرف:31)

وأيضا فقد حسد اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما رزقه الله من النبوة العظيمة، ومنعهم من تصديقهم إياه أنه من العرب وليس من بني إسرائيل.

وهذه المقالة التي قالها هؤلاء مليئة بالحسد من عند أنفسهم، وهي تدل على عنادهم واستكبارهم، وهي مخرجة عن أصل القضية والحق الذي جاء به محمد، فمقولتهم هذه هي حيلة العاجز المفلس، وقد رد الله عليهم في مواطن عديدة هذه الشبهة الواهية والمقالة الفاسدة.

فمن ذلك بيان أن قصدهم ليس المراد به الطعن في اختصاص الرسول بالرسالة، ولكن شكهم في أصل الرسالة عن الله وإنكارهم لها، فقال - عز وجل - عقب قولهم الباطل:

(بل هم في شك من ذكري)

(ص: ٨)

فقصدهم الشك في أن الله يوحي إلى أحد بالرسالة، وهو كمعنى

قوله عز وجل:

(فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)

(الأنعام:33)

ومن رد الله عليهم أيضا أن يوضح أن مقالتهم هذه تنبئ عن مدارك عقول الجهلة الذين يقيسون الأمور بمقاييس قصور أفهامهم ويحسبون أن أسباب الأثرة في العادات هي أسبابها في الحقائق؛ لأنهم يريدون أن يقولوا: إن فيهم من هو أحق من الرسول بالرسالة، وأن هناك من يتميز عنه بالعظمة كما حكى الله عنهم:

(لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم)

(الزخرف:31)

فجعلوا عماد التأهل لسيادة الأقوام أمرين هما:

1.  عظمة المسود.

2.  عظمة قريته، يعنون بذلك مكة والطائف، فنظروا إلى سعة المال التي هي من مقومات وصف السؤدد، تماما كما قال الله عن بني إسرائيل الذين اعترضوا على جعل طالوت ملكا عليهم:

(أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال)

(البقرة: ٢٤٧).

فوضح الله لهم أنه ليس من العقل أن تنصبوا أنفسكم منصب من يتخير أصناف الناس للرسالة عن الله، فإن هذا الأمر لله وليس لكم،

قال عز وجل:

(أهم يقسمون رحمت ربك)

(الزخرف: ٣٢)

فأبطل الله قولهم وخطأهم في تحكمهم في هذه القسمة؛ لأن الرسالة اصطفاء من الله ورحمة لمن يصطفي لها، ورحمة أيضا للناس المرسل إليهم، والله أعلم بمن يتأهل لإبلاغها،

قال عز وجل:

(الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس)

(الحج: ٧5)

وقال:

(الله أعلم حيث يجعل رسالته)

(الأنعام: ١٢٤).

ثانيا. الله - عز وجل - يصطفي الرسل ويقسم الأمور بين عباده:

رد القرآن على بني إسرائيل في شأن طالوت

فقال:

(قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء)

(البقرة:٢٤٧)

فالله هو الذي يختار رسله وأنبياءه ويختص من شاء بالرسالة والنبوة، وليس لأهل العقول مهما بلغت بهم من الفطنة والاختيار أن يطلعوا على خفايا الأمور فيصطفوا للمقامات العالية من قد تخفى عنهم نقائصهم؛

ولهذا قال عز وجل:

(يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور)

(الحج:76)

فهذا كناية عن عموم علمه بالأشياء سبحانه وتعالى.

ثم ضرب الله مثلا من حياتهم الدنيا وقياسا شاهدا يقيسون هذا الأمر عليه، وهو أن الله قسم بين الناس معيشتهم فكانوا على نحو ما هيأ الله لهم من نظام الحياة، فجعل منهم أقوياء وضعفاء وأغنياء وفقراء، فسخر بعضهم لبعض في أشغالهم على حساب دواعي حاجة الحياة، ورفع بذلك بعضهم فوق بعض، وجعل بعضهم محتاجا إلى بعض ومسخرا له، فإذا كانوا بهذه المثابة في تدبير معيشة الدنيا، فكذلك الحال في إقامة بعضهم دون بعض للتبليغ، فإن ذلك أعظم شئون البشر، فهذا وجه الاستدلال لو كانوا يعقلون ويفهمون الأمور،

قال عز وجل:

(نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)

(الزخرف: ٣٢)

وذيل الله رده عليهم بقوله:

(ورحمت ربك خير مما يجمعون)

(الزخرف:32)

وهذا رد ثان، فإن المال الذي جعلوه عماد الاصطفاء للرسالة هو أقل من رحمة الله، فهي خير مما يجمعون من المال والعظمة والسيادة، ذلك الذي جعلوه سبب التفضيل، فإن المال شيء جمعه صاحبه لنفسه، فلا يكون مثل اصطفاء الله العبد ليرسله إلى الناس، فالمال والغنى لا حظ لهما عند الله عز وجل، فإن الله أعطى كل شيء خلقه، وجعل للأشياء مقاديرها، فكثيرا ما يكون المال للكافرين ومن لا خلاق لهم من الخير، فتعين أن المال قسمة من الله على الناس جعل له أسبابا نظمها في سلك النظم الاجتماعية، وشتان بينها وبين مواهب النفس الزكية والسرائر الطيبة، إذ مواهب النفوس الطيبة مصادرها لنفع أصحابها ونفع الأمة، أما المال فمصدره في الغالب لإرضاء الشهوات والتطاول.

ويبين الله لهم في موطن آخر أن اعتراضهم على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ناشئ عن الحسد والعناد والكبر، وهم لا نصيب لهم من الملك، ولو كان لهم منه شيء لم يعطوا أحدا منه لبخلهم وحسدهم، فهل هم أولى بالنبوة ممن أرسله الله، أم لهم نصيب من الملك فيمنعوا الحقوق، أم أنهم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، فيسخطوا بذلك على قضاء الله ولا يرضوا بقسمته، وهذا من سوء أدبهم؛ كما قال القائل:

ألا قل لـمن ظل لي حاسدا

أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في حكمه

إذا أنت لم ترض لي ما وهب

ولذا قال عز وجل:

(أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا (53) أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (54) فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا (55)

(النساء).

الخلاصة:

·حكى القرآن لونا من ألوان حسد المشركين وعنادهم حين قال: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) (الزخرف:31)، فقد قال هؤلاء المشركون ذلك على سبيل العناد والحسد، فهم لجهلهم وانطماس بصائرهم استكثروا أن ينزل هذا القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي - وإن كان في القمة من الشرف والسمو بين قومه - لم يكن أكثرهم مالا وسلطانا، وهم يريدون أن تكون النبوة في زعيم من زعمائهم، أو رئيس من رؤسائهم، وهذا منهم لجهلهم بأن رتبة الرسالة إنما تستدعي عظيم النفس، بالتخلي عن الرذائل الدنية، والتحلي بالكمالات والفضائل القدسية دون التزخرف بالزخارف الدنيوية.

· الله يختار لرحمته ورسالته من يشاء ويصطفيهم لذلك، هذا الاصطفاء لا علاقة بينه وبين عرض الحياة الدنيا، ولا صلة له بقيم هذه الحياة، فهذه القيم عند الله ليست هي مقياس المفاضلة، ومن ثم يشترك فيها الأبرار والفجار، وينالها الصالحون والطالحون، بينما يختص الله - عز وجل - برحمته المختارين.

 

المراجع

  1. (*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (النساء/ 54، الزخرف/ 31، ص/ 8، القمر/ 25).
  2.  الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (النساء/ 53: 55، الحج / 76، 75، الزخرف/ 32، الأنعام/ 124، ص/ 8).