نص السؤال
دعوى مخالفة بعض أئمة الحديث للعقيدة الصحيحة
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
دعوى مخالفة بعض أئمة الحديث للعقيدة الصحيحة(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغرضين أن من أئمة الحديث من لم يكن على عقيدة أهل السنة والجماعة، ومن هؤلاء الأئمة: محمد بن إسحاق الذي رمي بالقدر، فقد قال عنه الذهبي: "وروي عن حميد بن حبيب أنه رآه مجلودا في القدر، جلده إبراهيم بن هشام الأمير".
ومنهم من اتهم بالتشيع كالدارقطني والسيوطي والطبري، مستدلين على ذلك بأن الأول كان يحفظ ديوان السيد الحميري المتشيع، والثاني صحح وقوى حديث "رد الشمس لعلي رضي الله عنه "، كما أنه ألف كتابا استدل فيه على إمامة علي بن أبي طالب بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وسماه "ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى"، بالإضافة إلى تأليفه الكثير في مناقب آل البيت، وأما الثالث فقد جمع وصحح الأحاديث الواردة في "غدير خم" وأعقبها بأحاديث في فضائل على رضي الله عنه، وله كتاب "بشارة المصطفى" في منازل الشيعة ودرجاتهم.
واتهم ابن حزم بالنصب لدعوته إلى الدولة الأموية في الأندلس.
ومنهم من كان زنديقا فاسد العقيدة مثل ابن حبان؛ لأنه قال: "إن النبوة هي العلم والعمل"، فحكم الخليفة بزندقته، وأمر بقتله.
ومنهم من اتهم بالقول بخلق القرآن عندما امتحن في ذلك مثل الإمام يحيى بن معين، مما جعل الإمام أحمد بن حنبل يرد روايته. وعلي بن المديني الذي جنح إلى الجهمية وقال بخلق القرآن، والإمام المروزي الذي صرح في كتاب "الإيمان" بأن الإيمان مخلوق، وأن الإقرار والشهادة وقراءة القرآن بلفظ مخلوق.
ومنهم من اتهم بالقول بالتجسيم كابن خزيمة وعبد الله بن أحمد بن حنبل؛ إذ إنهما قد أكثرا من التأليف في مسائل الاعتقاد، كما أن ابن خزيمة قد أورد حديث "الصورة" في كتابه "التوحيد"، وأوله بما يثبت مذهبه.
ويتساءلون: كيف نقبل رواية الحديث عمن فسدت عقيدته؟
رامين من وراء ذلك إلى الطعن في أئمة الحديث، والتشكيك في عدالتهم وضبطهم، وعدم قبول ما رووه لنا من أحاديث، ورفض آرائهم الصائبة في علم الحديث وغيره.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن من قواعد مصطلح الحديث أن رواية المبتدع مقبولة ما لم يكن داعية إلى بدعته، طالما أنه ثقة عدل ضابط عند علماء الجرح والتعديل، فمن استفاضت عدالته واشتهرت إمامته لا يقبل الجرح في حقه، فإن كان داعية إلى بدعته، ناصرا لها فهذا يوجب رد روايته وعدم الأخذ بها.
2) إن الأدلة على اتهام محمد بن إسحاق بالقدر أدلة ضعيفة لا تصح؛ إذ وردت بصيغة التمريض، بل نصت الروايات نفسها على أنه أبعد الناس منه، ولم يؤثر ذلك في روايته، فهو حسن الحديث، صالح الحال، صدوق عند علماء الجرح والتعديل، استشهد بحديثه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
3) لقد كان الدارقطني شديد الإنكار على الشيعة محرجا لهم، قائلا بأفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، أما حفظه لديوان السيد الحميري الشيعي فقد كان من باب صقل ملكته اللغوية لفصاحة هذا الديوان، لا اعتقادا لما فيه، ولهذا لقب بأمير المؤمنين في الحديث في زمانه.
4) إن تصحيح السيوطي لحديث "رد الشمس لعلي" لا يدل على تشيعه؛ إذ قد صححه عدد من الأئمة قبله وبعده، فتصحيحه لحديث ضعيف لا يدل على اعتناقه مذهبا معينا، واختلاف العلماء في تضعيف حديث أو تصحيحه لا يطعن في عدالة أحد منهم، وأما كتاب "ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى" فإنه لمحب الدين الطبري المتوفى (694هـ) وليس للسيوطي.
5) إن ما فعله ابن جرير الطبري في حديث "غدير خم" هو مجرد جمع الطرق المختلفة لحديث صحيح ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل علي، وليس فيه إشارة إلى الإمامة أو الخلافة، ولم يصنع شيئا من عند نفسه، وأما كتاب " بشارة المصطفى" الذي يدعو إلى التشيع، فهو لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي (ت: 310)، وليس للإمام الطبري المفسر (ت: 310)، ويؤيد عدم تشيع الطبري المفسر إنكاره الشديد على الشيعة، وتجويزه قتل من رفض إمامة أبي بكر وعمر.
6) إن اتهام ابن حزم بالنصب - وهو بغض علي - رضي الله عنه - اتهام باطل لا دليل عليه، يرده ما صح عنه من أقوال عديدة في فضل علي وشرفه العظيم وذمه للأمويين، ودفاعه هو عن نفسه، ولا يطعن مثل هذا الاتهام في اعتباره محدثا؛ إذ كانت له مكانة عالية في الحديث، شهد بها علماء الحديث جميعا، وأخذوا برأيه في علم الجرح والتعديل.
7) إن قول ابن حبان: النبوة هي العلم والعمل لا يعني أنها ملكة ينتجها العلم والعمل، وإنما يعني أنهما عماد النبوة، ولا سبيل إلى تحصيل العلم والعمل بكمالهما، إلا بالوحي الإلهي الذي اختص الله به أنبياءه فقط دون غيرهم، وهذا الرأي لا علاقة له بحديثه؛ إذ شهد له العلماء بأنه أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره.
8) إن يحيى بن معين، وعلي بن المديني لم يقولا بخلق القرآن إلا تقية؛ بل إن علي بن المديني كان يكفر من يقول بخلق القرآن، وأما إنكار أحمد بن حنبل على يحيى فكان ردعا لغيره من العامة مع علمه بمكانته وفضله، وإذا عدت هذه من الأخطاء، فإنه ليس من شرط الثقة العصمة من الذنوب.
9) إن تصريح الإمام المروزي كان القصد منه الرد على من يقول: أفعال العباد وأصواتهم غير مخلوقة، وليس القول بخلق القرآن، فإنه في تصريحه قد نص على القول باللفظية فقط وليس المقروء، وهذا لا يقدح في عقيدته ولا في عدالته، فإن علماء الجرح والتعديل قد أثنوا عليه ثناء جما، وشهدوا بمنزلته الرفيعة في شتى علوم الإسلام.
10) إن كثرة تأليف ابن خزيمة وعبد الله بن أحمد بن حنبل في مسائل الاعتقاد لا يدل على اعتقادهما بالتجسيم؛ لأن مؤلفاتهما في ذلك كلها على مذهب السلف، ولم يكونا بدعا في هذا؛ إذ كثرت المؤلفات في مثل هذه المسائل على عهدهما، وحديث "الصورة" الذي أورده ابن خزيمة ينفي القول بالتجسيم.
التفصيل:
أولا. قبول رواية المبتدع المشهور بالعدالة والضبط، ما لم يكن داعية إلى بدعته:
لقد فحص العلماء رواية المبتدع، ووضعوا شروطا لقبول هذه الرواية؛ ذلك لأن النقص مستول على جملة البشر، كما يقول الراغب الأصفهاني: والمرء لا يسلم من الزلل، فكل بني آدم خطاء، فأي الرجال المهذب؟!
ومن ثم قال عبد الله بن المبارك: "إذا غلبت محاسن الرجل لم تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ لم تذكر المحاسن"([1]).
فأهل الحديث والسنة الذين عرف منهم التقى والورع، وتحري الحق، واتباع السنة، والنصح للمسلمين، إذا وقع أحد منهم في خطأ، لا نبدعه، ولا نضلله، ولا نحرم أنفسنا من علمه وخيره، بل ننبه على خطئه، ونستغفر له، ونشيد مع ذلك بمحاسنه ومناقبه.
قال الإمام الذهبي عند دفاعه عن الإمام قتادة بن دعامة السدوسي: "وكان يرى القدر، نسأل الله العفو، ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكيم لطيف بعباده، ولا يسأل عما يفعل.
ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زللـه، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك"([2]).
ومن قواعد علم الجرح والتعديل - وإن شئت فقل: من حقائقه - أنه لا يقبل الجرح في حق من استفاضت عدالته واشتهرت إمامته؛ ولذلك لا يلتفت - مثلا - إلى كلام ابن أبي ذئب في الإمام مالك، ولا إلى كلام النسائي في أحمد بن صالح المصري؛ لأن هؤلاء أئمة مشهورون صار الجارح لهم كمن أتى بخبر غريب، لو صح لتوافرت الدواعي على نقله وكان القاطع قائما على كذبه([3]).
بل ويعاب من وقع في هذه الهنة وتلك الزلة، ولذا حينما تكلم الإمام يحيى بن معين في الإمام الشافعي، صحح له ذلك الإمام الذهبي، وعابه على ذلك، فقال: "قد آذى ابن معين نفسه بذلك، ولم يلتفت الناس إلى كلامه في الشافعي، ولا إلى كلامه في جماعة من الأثبات، كما لم يلتفتوا إلى توثيقه لبعض الناس، فإنا نقبل قوله دائما في الجرح والتعديل ونقدمه على كثير من الحفاظ، ما لم يخالف الجمهور في اجتهاده، فإذا انفرد بتوثيق من لينه الجمهور، أو بتضعيف من وثقه الجمهور وقبلوه، فالحكم لعموم أقوال الأئمة، لا لمن شذ..."([4]).
فإن الراوي إذا كان صاحب بدعة؛ كأن يكون متشيعا أو جهميا أو قدريا أو مجسما، أو غير ذلك من البدع الأخرى - فإن ذلك لا يرد روايته، إلا إذا وجدت ضميمة أخرى، كأن يكون الراوي غير عدل أو غير ضابط، وأكبر ضميمة توجب رد رواية المبتدع أن يكون داعيا لبدعته منتصرا لها، فهذا يوجب رد روايته، وعدم الأخذ عنه.
فإن لم يكن داعيا لبدعته ولا ناصرا لها، وكان ضابطا عدلا، ووثقه غير واحد من أهل العلم المعتبرين، قبلت روايته ولم ترد، وهذا هو الراجح عند العلماء جميعا.
يقول ابن حجر: "أما البدعة فالموصوف بها إما أن يكون ممن يكفر بها أو يفسق، فالمكفر بها لا بد أن يكون ذلك التكفير متفقا عليه من قواعد جميع الأئمة، كما في غلاة الروافض من دعوى بعضهم حلول الإلهية في علي أو غيره، أو الإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة أو غير ذلك، والمفسق بها كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلو، وغير هؤلاء من طوائف المخالفين لأصول السنة خلافا ظاهرا، لكن مستند إلى تأويل ظاهره سائغ، فقد اختلف أهل السنة في قبول حديث من هذا سبيله إذا كان معروفا بالتحرز من الكذب، مشهورا بالسلامة من خوارم المروءة، موصوفا بالديانة والعبادة، فقيل: يقبل مطلقا، وقيل: يرد مطلقا، والثالث: التفصيل بين أن يكون داعية أو غير داعية، فيقبل غير الداعية، ويرد حديث الداعية، وهذا المذهب هو الأعدل، وصارت إليه طوائف من غير الأئمة، وادعى ابن حبان إجماع أهل النقل عليه؛ لكن في دعواه نظر، ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل، فبعضهم أطلق ذلك، وبعضهم زاده تفصيلا، فقال: إن اشتملت رواية غير الداعية على ما يشيد بدعته ويزينه ويحسنه ظاهرا فلا تقبل، وإن لم تشتمل فتقبل، وطرد بعضهم هذا التفصيل بعينه في عكسه في حق الداعية، فقال: إن اشتملت روايته على ما يرد بدعته قبل، وإلا فلا، وعلى هذا اشتملت رواية المبتدع سواء أكان داعية أم لم يكن على ما لا تعلق له ببدعته..."([5]).
ويقول النووي في التقريب: "من كفر ببدعته لم يحتج به بالاتفاق، ومن لم يكفر قيل: لا يحتج به مطلقا، وقيل: يحتج به إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه، وحكي عن الشافعي. وقيل: يحتج به إن لم يكن داعية إلى بدعته، ولا يحتج به إن كان داعية، وهذا هو الأظهر الأعدل، وقول الكثير أو الأكثر، وضعف الأول باحتجاج صاحبي الصحيحين وغيرهما بكثير من المبتدعة غير الدعاة"([6]).
فكل من لم يكن داعية لبدعته، ولا مروجا لها تقبل روايته، طالما أنه لا يستحل الكذب.
وقال السيوطي: "والمعتمد أن الذي ترد بدعته روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة، أو اعتقد عكسه، وأما من لم يكن كذلك وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه، فلا مانع من قبوله... وقيل: يحتج به إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه، سواء كان داعية أم لا، ولا يقبل إن استحل ذلك، وحكي هذا القول عن الشافعي، حكاه عنه الخطيب في الكفاية؛ لأنه قال: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، قال: وحكي هذا أيضا عن ابن أبي ليلى والثوري والقاضي أبي يوسف، وقيل: يحتج به إن لم يكن داعية إلى بدعته ولا يحتج به إن كان داعية إليها؛ لأن تزيين بدعته، قد تحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه"([7]).
ونذكر فائدة عظيمة للإمام جلال الدين السيوطي، تبين صحة ما نرمي إليه، من قبول رواية الراوي الذي رمي ببدعته، طالما أنه لا يستحل الكذب فيقول: "أردت أن أسرد هنا من رمي ببدعته ممن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما، وهم: إبراهيم بن طهمان، وأيوب بن عائذ الطائي، وذر بن عبد الله المرهبي، وشبابة بن سوار،....هؤلاء رموا بالإرجاء؛ وهو تأخير القول في الحكم على مرتكب الكبائر بالنار. إسحاق بن سويد، وبهز بن أسد، وجرير بن عثمان، وحصين بن نمير الواسطي.... هؤلاء رموا بالنصب، وهو بغض علي - رضي الله عنه - وتقديم غيره عليه. وإسماعيل بن أبان، وإسماعيل بن زكريا، وجرير بن عبد الحميد، وأبان بن تغلب الكوفي، وخالد بن مخلد الفطواني... هؤلاء رموا بالتشيع، وهو تقديم علي على الصحابة. وثور بن زيد المدني، وثور بن يزيد الحمصي، وحسان بن عطية المحاربي، والحسن بن ذكوان، وداود بن الحصين... هؤلاء رموا بالقدر، وهو زعم أن الشر من خلق العبد. وبشر بن السري، رمي برأي أبي جهم، وهو نفي صفات الله تعالى، والقول بخلق القرآن. وعكرمة مولى ابن عباس، والوليد بن كثير، هؤلاء الحرورية، وهم الخوارج الذين أنكروا على علي التحكيم، وتبرءوا منه ومن عثمان وذويه، وقاتلوهم. وعلي بن هشام رمي بالوقف، وهو أن لا يقول: القرآن مخلوق أو غير مخلوق. وعمران بن حطان من القعدية، الذين يرون الخروج على الأئمة ولا يباشرون ذلك، فهؤلاء المبتدعة ممن أخرج لهم الشيخان أو أحدهما"([8]).
ولا شك أن البخاري ومسلما لم يخرجا في صحيحيهما عن أي من الرواة المطعون في روايتهم، وكل من أخرجا لهم لا غبار على صدق روايتهم وصحة حديثهم، مع أن بعضهم قد رمي ببدعة كالتشيع وغيرها، ومن ثم فإن كون أحد الرواة أو الأئمة يخالف العقيدة الصحيحة لا يشترط منه الطعن في روايته.
ونخلص من ذلك إلى أنه إذا كان بعض رواة الحديث وأئمته قد رموا بمخالفة العقيدة - مع عدم صحة هذا الرمي كما سنوضحه بعد قليل - فإن ذلك لا يستلزم القدح فيما رووه لنا من أحاديث، طالما أنهم ثقات ضابطون عدول عند علماء الجرح والتعديل، الذين يؤخذ برأيهم في هذا الشأن، أما إذا كان هناك سبب آخر يقدح في صدق روايتهم غير الرمي بمخالفة العقيدة الصحيحة، فإن ذلك من شأنه أن يطعن فيهم، وهذا ما لم يحدث مع الأئمة الذين معنا.
ثانيا. محمد بن إسحاق ثقة صدوق صالح الحال، حسن الحديث، ولا دليل على اتهامه بالقدر([9]):
إن الذين اتهموا محمد بن إسحاق بالقدر قد اعتمدوا على عدة روايات ضعيفة واهية، لا يعتمد عليها في إصدار مثل هذا الحكم على أحد الأئمة الكبار، وإليك هذه الروايات وبيان ضعفها ووهنها.
الرواية الأولى: ذكرها الذهبي في "ميزان الاعتدال"، وقد ذكرها بصيغة التمريض، التي توحي بتشككه هو في الأمر؛ إذ يقول فيها: "وروي عن حميد بن حبيب أنه رأى محمد بن إسحاق مجلودا في القدر، جلده إبراهيم بن هشام الأمير"([10]).
وهذه الرواية كما قلنا توحي بعدم اقتناعه بهذا الاتهام.
والرواية الثانية: أوردها الذهبي في "السير" عن محمد بن عبد الله بن نمير قال: "كان ابن إسحاق يرمى بالقدر"، وعند الرجوع إليها في مصدرها نجد أن المشكك قد تخلى عن أمانته في هذا النقل، فجاء بنصف الرواية التي تخدم هدفه وترك النصف الآخر، وهاهي الرواية تقول: قال أبو العباس بن عقدة: "كان ابن إسحاق يرمى بالقدر، وكان أبعد الناس منه"([11]).
إن ابن نمير ذكر اتهامه بالقدر لا ليثبته عليه، وإنما لينفيه عنه؛ لذلك كان حريصا على قوله: إنه كان أبعد الناس عن القدر.
وقد ذكر هذه الرواية الذهبي، والفرق ظاهر في ذكر السند عن الأولى، وأكد فيها ليبين عدم صحة الأولى، وقد ذكر هذه الرواية المزي في " تهذيب الكمال" أثناء ترجمته لمحمد بن إسحاق، وكذلك فعل الخطيب في" تاريخ بغداد".
وأما الرواية الأخيرة: التي تحاول إثبات اتهامه بالقدر، فقد وردت في "تهذيب الكمال" يقول فيها: " وقال سعيد بن داود الزنبري عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي: كنا في مجلس محمد بن إسحاق نتعلم، فأغفى إغفاءة، فقال: إني رأيت في المنام الساعة كأن إنسانا دخل المسجد ومعه حبل، فوضعه في عنق حمار فأخرجه، فما لبثنا أن دخل المسجد رجل معه حبل، حتى وضعه في عنق ابن إسحاق فأخرجه، فذهب به إلى السلطان، فجلد، قال الزنبري: من أجل القدر"([12]).
وهذه الرواية فيها سعيد بن داود وهو ضعيف كما في الأنساب وغيره([13]). والذي يهمنا الآن هو رأي علماء الجرح والتعديل في حديثه، هل يقبل أو لا؟ وهل لاتهامه بالقدر أثر في حديثه؟
نبدأ أولا بذكر رأي الذهبي فيه باعتباره إماما كبيرا في الحديث، وأيضا لاعتماد من رماه بالقدر على قوله، فقد قال في نهاية ترجمته في الميزان: "فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث، صالح الحال صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة، فإن في حفظه شيئا، وقد احتج به أئمة"([14]).
وكذلك فإن رأي علماء الجرح والتعديل يظهر حسن حديثه، قال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث، وقال ابن معين: ثقة وليس بحجة، وقال علي بن المديني: حديثه عندي صحيح،... وقال يحيى بن كثير وغيره: سمعنا شعبة يقول: ابن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث، وقال شعبة أيضا: صدوق، وقال ابن المديني: لم أجد له سوى حديثين منكرين([15]).
قال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: لو كان لي سلطان لأمرت ابن إسحاق على المحدثين([16])، وقال أحمد بن عبد الله العجلي: ابن إسحاق ثقة([17]).
وإن من أهم الأدلة على صلاحية حديثه وضبطه أن البخاري قد استشهد به في الصحيح، وروى له في كتاب "القراءة خلف الإمام" وغيره، وروى له مسلم في المتابعات، واحتج به الباقون([18]).
ويقول الخطيب البغدادي في تاريخه: قال أبو زرعة: ومحمد بن إسحاق رجل قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ منه؛ منهم: سفيان، وشعبة، وابن عيينة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وابن المبارك، وإبراهيم بن سعد، وروى عنه من الأكابر: يزيد بن أبي حبيب، وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقا وخيرا، مع مدحة ابن شهاب له". ثم قال الخطيب: "فأما الصدق فليس بمدفوع عنه"([19]).
وقال محمد بن أحمد بن يعقوب: "نبأنا جدي، قال: سألت علي بن المديني عن ابن إسحاق، قلت: كيف حديث محمد بن إسحاق عندك صحيح؟ فقال: نعم، حديثه عندي صحيح، قلت له: فكلام مالك فيه؟ قال علي: مالك لم يجالسه ولم يعرفه. ثم قال علي: ابن إسحاق أي شيء حدث بالمدينة؟ قلت له: فهشام بن عروة قد تكلم فيه، فقال علي: الذي قال هشام ليس بحجة، لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها، وسمعت عليا يقول: إن حديث محمد بن إسحاق ليتبين فيه الصدق، يروى مرة حدثني أبو الزناد، ومرة ذكر أبو الزناد"([20]).
ونخلص من هذا كله إلى أن محمد بن إسحاق لم يكن قدريا، وإنما كان هذا الاتهام بناء على أدلة واهية لا يعتمد عليها، وأما هو فإمام من أئمة الحديث؛ قد أجمع العلماء على صحة حديثه، فهو حسن الحديث ثقة صدوق، روى له البخاري ومسلم وغيرهما، ومن ثم فلا يطعن هذا الاتهام في حديثه شيئا.
ثالثا. الدارقطني كان أمير المؤمنين في الحديث ولم يكن شيعيا، بل كان شديد الإنكار على الشيعة:
إن حفظ الإمام الدارقطني لديوان السيد الحميري الشيعي لا يعني تشيعه، وإيمانه بما فيه من العقائد الشيعية؛ وإنما كان حفظه له لحسن نظمه وجزالة لفظه، فقد قال الذهبي عن الحميري: "ونظمه في الذروة؛ ولذلك حفظ ديوانه أبو الحسن الدارقطني"([21]).
وذكر الخطيب البغدادي: أن حمزة بن طاهر الدقاق كان يقول: كان أبو الحسن الدارقطني يحفظ ديوان السيد الحميري في جملة ما يحفظ من الشعر، فنسب إلى التشيع لذلك([22]).
ولا ندري كيف يتهم من يحفظ قولا من الأقوال أو شعرا من الأشعار باعتقاد ما يحفظه؟ ولا شك أن كثيرا من العلماء فضلا عن عامة الناس يحفظون قصائد لشعراء نصارى وجاهليين وغيرها من القصائد التي تخالف العقيدة الإسلامية، أتراهم يعتقدون فيما يحفظون؟ أم أنهم بحفظهم لمثل هذه القصائد قد خرجوا من الملة السمحاء؟!
وقد أنكر كثير من العلماء اتهام الدارقطني بهذه التهمة، ونفوها نفيا أكيدا عنه، قال الأستاذ محمد بن خليفة الرباح: "وما أعلم سببا غير هذا السبب في اتهامه بالتشيع، وهو دليل واه لا ينبغي الاعتماد عليه عند الطعن في عقيدة إمام كالدارقطني، عرف بصفاء العقيدة ونقائها، ومن ذلك عقيدته تجاه الصحابة الكرام، فما عرف عنه غمز أو طعن في أحد منهم، بل هو على ما عليه أهل السنة والجماعة من حبهم، والترضي عنهم، وذكرهم بالجميل، ومن تفضيل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم"([23]).
وذكر الذهبي أن الدارقطني قال: "اختلف قوم من أهل بغداد، فقال قوم: عثمان أفضل، وقال قوم: علي أفضل، فتحاكموا إلي، فأمسكت، وقلت: الإمساك خير، ثم لم أر لديني السكوت، وقلت للذي استفتاني: ارجع إليهم، وقل لهم: أبو الحسن يقول: عثمان أفضل من علي باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا قول أهل السنة، وهو أول عقد يحل في الرفض"([24]).
فهل يعقل أن يقول هذا الكلام شيعي؟ فإنه اعتبر تقديم علي على عثمان فضلا عن عمر فضلا عن أبي بكر من الرفض، وهذا قد يعد تشددا من الدارقطني؛ ولهذا عقب الذهبي بعد روايته السابقة فقال: "قلت: ليس تفضيل علي - رضي الله عنه - برفض ولا هو ببدعة، بل قد ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين"([25]).
ولتعلم بعد الإمام الدارقطني عن التشيع، فانظر ما قاله عن السيد الحميري في "المؤتلف والمختلف" فقد قال عنه: "السيد الحميري كان غالبا يسب السلف في شعره، ويمدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب"([26]).
إن الدارقطني جرح الحميري هنا بسبه الصحابة وتشيعه لعلي، فهل يعقل أن يجرح من يتشيع ويكون هو شيعي؟!
لقد قال الذهبي عنه: "ما أبعده من التشيع"([27])، وقال الخطيب البغدادي: "وما أبعده منه"([28])، أي: التشيع.
وهل كتابه "فضائل الصحابة" إلا دليل على حبه لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحرصه على نشر مناقبهم، وبعده مما نسب إليه من تشيع؟
والناظر في أقواله في الجرح والتعديل يعلم من خلال كثير من التراجم أنه يجرح ببدعة التشيع، ويذكر ذلك على وجه الذم، مما يدل دلالة قاطعة على أن الرجل بريء براءة تامة مما نسب إليه([29]).
لذلك قال عنه الخطيب البغدادي: "انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال، وأحوال الرواة، مع الصدق والأمانة والفقه والعدالة، وقبول الشهادة، وصحة الاعتقاد، وسلامة المذهب والاطلاع بعلوم سوى علم الحديث"([30]).
وتأمل قول الخطيب: "صحة الاعتقاد وسلامة المذهب"، فإن هذه شهادة أكبر رجال التاريخ ومعرفة الرجال في عصره.
إن ما سقناه هنا فيه كفاية لبيان أن اتهام الدارقطني بالتشيع هو اتهام باطل لا يثبت، وقد نفاه عنه العلماء جميعا قديما وحديثا؛ مما يؤكد بعده عن التشيع وبراءته منه.
قال عنه الطبري: كان الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث، وقال أبو بكر البرقاني: كان الدارقطني يملي علي العلل من حفظه([31]).
وقال عنه الذهبي: "كان من بحور العلم، ومن أئمة الدنيا، انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله، مع التقدم في القراءات وطرقها، وقوة المشاركة في الفقه، والاختلاف، والمغازي، وأيام الناس وغير ذلك"([32]).
وخلاصة القول: أن الدارقطني لم يكن متشيعا وإنما هو من أهل السنة والجماعة، لأنه لا دليل على تشيعه، وقد نفى العلماء الأثبات هذه التهمة عنه نفيا أكيدا، ويدل على ذلك أيضا تشنيعه كثيرا على المتشيعين وتجريحه لمن اعتنق هذا المذهب، وحفظه لديوان السيد الحميري هو من قبيل صقل ملكته اللغوية وإنماء ذوقه العربي؛ لما تميز به هذا الديوان من فصاحة وذوق رفيع، ولم يكن من قبيل اعتناقه مذهبه؛ لذلك لقب بأمير المؤمنين في الحديث.
رابعا. تصحيح السيوطي لحديث "رد الشمس لعلي" لا يدل على تشيعه؛ لتصحيح غيره له، وكتاب "ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى" للمحب الطبري وليس للسيوطي:
إن حديث أسماء بنت عميس عن رد الشمس لعلي حديث ضعيف، لكن تصحيح السيوطي لهذا الحديث لا يدل على تشيعه أبدا؛ فقد صححه عدد من العلماء غيره، ولم يشك أحد قط في عقيدتهم.
فقد أخرجه الطبراني عن أسماء بنت عميس قالت:«كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوحى إليه ورأسه في حجر علي رضي الله عنه، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إن عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس، قالت: أسماء: فرأيتها غربت، ورأيتها طلعت بعدما غربت»([33]).
وصححه الطحاوي، وقال معلقا على هذا الحديث وغيره: "وكل هذه الأحاديث من علامات النبوة، وإن أحمد بن صالح قال: لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء الذي رواه لنا عنه؛ لأنه من أجل علامات النبوة"([34]).
وكذلك ممن قال بصحة هذا الحديث القاضي عياض في كتابه "الشفا" فقال عنه: "رواته ثقات" ([35]).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الفتح" عن هذا الحديث: وروى الطبراني في "الكبير"، والحاكم، والبيهقي في "الدلائل" عن أسماء بنت عميس أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا لما نام على ركبة علي - رضي الله عنه - ففاتته صلاة العصر، فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت، وهذا أبلغ في المعجزة، وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده له في "الموضوعات"، وكذا ابن تيمية في كتاب "الرد على الروافض" في زعم وضعه([36]).
وما قصده ابن حجر في الإنكار على ابن الجوزي وابن تيمية أنه أنكر عليهما وصفه بأنه موضوع لا أنه ضعيف، فهو لم ينف عنه الضعف، لكن نفى عنه الوضع.
وقال العلامة الملا علي القاري في "شرح الشفا": وأما ما قال الدلجي تبعا لابن الجوزي، من أنه - موضوع -: لو قيل بصحة هذا الحديث، لم يفد ردها - وإن كان منقبة لعلي - وقوع صلاته أداء، لفواتها بالغروب: فمدفوع لقيام القرينة على الخصوصية، مع احتمال التأويل في القضية، بأن يقال: المراد بقولها: غربت أي من نظرها، أو كادت تغرب بجميع جرمها أو باعتبار بعض أجزائها، أو أن المراد بردها: حبسها وبقاؤها على حالها، وتطويل زمان سيرها ببطء تحركها، على عكس طي الأزمنة وبسطها، فهو سبحانه قادر على كل شيء شاءه"([37]).
هؤلاء كلهم قالوا بصحة هذا الحديث، ولم ينفرد السيوطي بذلك، وهذا شيء لا إشكال فيه، ولا طعن فيمن قال بالصحة أو بالضعف طالما أن الحديث مختلف فيه، مع أن الثابت الصحيح هو عدم صحة هذا الحديث.
هذا عن الدليل الأول على تشيع السيوطي، أما الدليل الثاني الذي زعموا اعتمادا عليه تشيع السيوطي، فهو تأليفه كتاب "ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى"، وهذا خطأ فادح وقع فيه هؤلاء المشككون؛ إذ إن هذا الكتاب هو لـ "محب الدين الطبري" وليس للسيوطي، وهذا ما أثبته محقق الكتاب في مقدمته لهذا الكتاب، وقال الطبري في بداية كتابه: "ووسمته بذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى من كتب ذوات أعداد على وجه الاختصار وحذف الأسانيد"([38]).
أما الإمام السيوطي فقد ألف كتاب "إحياء الميت بفضائل آل البيت"، وأورد فيه ستين حديثا في فضائل آل البيت.
وتأليف السيوطي في فضائل آل البيت لا يعد تشيعا، وإلا فكل من ألف في ذلك يصبح متشيعا، ولعل الذي دفع السيوطي إلى التأليف في مناقب آل البيت هو
قال تعالى:
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى
الشورى [23].
وعن طاوس قال: سئل عنها ابن عباس فقال: هي قربى آل محمد. فإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم، ويدل عليه وجوه:
الأول: قوله سبحانه وتعالى: )إلا المودة في القربى( (الشورى: ٢٣).
الثاني: لاشك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب فاطمة عليها السلام، قال صلى الله عليه وسلم: «إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها»([39]) وثبت بالنقل المتواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يحب عليا والحسن والحسين، وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة امتثالا
لقوله تعالى:
واتبعوه لعلكم تهتدون
الأعراف [158].
لقوله تعالى:
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله
آل عمران [31].
وقوله:
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
الأحزاب [21].
الثالث: أن الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة، وهو: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وهذا التعظيم لن يوجد في غير الآل([40]).
ومن هنا فإن السيوطي لم يكن شيعيا كما يزعمون، وتصحيحه لحديث رد الشمس لعلي لا يثبت ذلك؛ لأن غيره من الأئمة الذين سبقوه قد صححوا الحديث ولم يكن بدعا في ذلك، وأما الكتاب الذي استدلوا به على تشيعه فلا علاقة له به، وإنما هو لمحب الدين الطبري، فضلا عن أن المدح لآل البيت لا يدل على التشيع؛ لأن حبهم واجب على المسلمين أجمعين.
خامسا. إيراد الطبري أحاديث فضائل علي - رضي الله عنه - ليس دليلا على تشيعه، وقد دافع الطبري عن نفسه وأنكر تلك التهمة:
من المعروف أن الصحابة أجمعين قد فضلهم الله - عز وجل - على العالمين بعد الأنبياء والرسل، ولكل واحد منهم فضائل لا ينكرها إلا جاحد.
والصحابي الجليل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - له الكثير من الفضائل، بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير ما موضع.
كما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - فضائل غيره من الصحابة كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة والزبير، وعبيدة بن الجراح، وحذيفة بن اليمان وغيرهم كثير.
وليس من المعقول أن من ألف في سيرة أحد من هؤلاء يرمى بالتشيع له، فهذا مما لا يقبل عقلا ولا شرعا.
إن ما فعله ابن جرير الطبري في جمعه لطرق حديث "غدير خم" لا يعدو أن يكون بيانا لصحة حديث صحيح ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد صححه غيره، وهذا ليس إلا إقرارا منه بفضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وجدير بالذكر أن حديث "غدير خم" هو أصل الخلاف بين الشيعة والسنة؛ إذ يرى الشيعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أثناء عودته من حجة الوداع وهو في طريقه إلى المدينة، وصل إلى أرض تسمى (خم) وهي المنطقة التي تتشعب منها الطرق إلى المدينة والعراق ومصر واليمن، فنزل عليه جبريل - عليه السلام - بأن الله - عز وجل - يأمره أن يقيم علي بن أبي طالب إماما على الناس، وخليفة من بعده، ووصيا له، وحصر الأئمة في اثني عشر إماما، كلهم معصومون، ولا يجوز عليهم الخطأ، وكل منهم ينص ويعلن على الإمام الذي يليه.
ولكن الحديث الصحيح الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ورد في فضل علي بن أبي طالب، ولم ترد فيه إشارة إلى التنصيص على الإمامة من قريب أو بعيد، وهذا الذي أثبت صحته ابن جرير الطبري - رحمه الله، وقد أورد الإمام مسلم هذا الحديث في صحيحه، وجاء فيه:
...ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.
([41])
وكذلك أورده الإمام أحمد في مسنده عن زيد بن أرقم، قال:
...اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.
([42])
وعليه، فتصحيح الإمام ابن جرير الطبري لحديث "غدير خم" لا يصمه بالتشيع من قريب أو بعيد؛ إذ الحديث الصحيح لا ينص على الإمامة التي يدعونها.
ومما يشهد ببطلان ادعائهم بتشع الطبري أنه قد ذكر عقيدته صريحة في كتابه "صريح السنة"؛ فقال - رحمه الله: "أفضل أصحابه - صلى الله عليه وسلم - الصديق أبو بكر، ثم الفاروق عمر، ثم ذو النورين عثمان بن عفان، ثم أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب رضي الله عنهم"([43]).
قال محمد بن علي بن سهل بن الإمام - صاحب محمد بن جرير: "سمعت محمد بن جرير وهو يكلم ابن صالح الأعلم، وجرى ذكر علي رضي الله عنه، ثم قال محمد بن جرير: من قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى، أيش هو؟ قال: مبتدع، فقال ابن جرير إنكارا عليه: مبتدع مبتدع! هذا يقتل"([44]).
فهل بعد كلامه هذا يمكن أن يتهم بالتشيع؟ إن هذا ما لا يقبله عاقل!
وأما قول الحافظ أحمد بن علي السليماني بأن ابن جرير الطبري كان يضع للروافض، فقد رد عليه الإمام الذهبي - رحمه الله - قائلا: "وهذا رجم بالظن الكاذب؛ بل ابن جرير من كبار أئمة الإسلام المعتمدين، وما ندعي عصمته من الخطأ، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى، فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أن يتأنى فيه، ولا سيما في مثل إمام كبير".
ويعقب الذهبي بعد ذلك قائلا: "فلعل السليماني أراد الآتي"، وقصد الذهبي "بالآتي" هنا: من ترجم له بعد محمد بن جرير الطبري، وهو محمد بن جرير بن رستم أبو جعفر الطبري، وهو رافضي له تواليف منها كتاب "الرواة عن أهل البيت"([45]).
ومن العجيب حقا أن هذا الرافضي يتشابه مع ابن جرير الطبري، الإمام المجتهد، في الاسم واسم الأب، والكنية والنسبة، بل وسنة الوفاة، فكلاهما مات سنة 310هـ.
يقول الحافظ ابن حجر: "ولو حلفت أن السليماني ما أراد إلا ذلك لبررت، والسليماني حافظ متقن، كان يدري ما يخرج من رأسه، فلا أعتقد أنه يطعن في مثل هذا الإمام بهذا الباطل، إنما نبز بالتشيع؛ لأنه صحح حديث "غديرخم"... ونبهت عليه لئلا يغتر به، فقد ترجم له أئمة النقل في عصره وبعده فلم يصفوه بذلك؛ وإنما ضره الاشتراك في اسمه واسم أبيه ونسبه وكنيته ومعاصرته وكثرة تصانيفه"([46]).
أما كتاب "بشارة المصطفى" فهو لمحمد بن علي بن محمد بن علي الطبري الشيعي الإمامي، ولقد وهم من نسبه إلى محمد بن جرير الطبري المفسر، فهذا الكتاب ليس من مؤلفات ابن جرير الطبري المفسر، ولم يذكره أحد من علماء البحث الببليوجرافي في مؤلفات ابن جرير أو ينسبه إليه.
يؤكد ذلك ما ذكره عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين؛ إذ قال: "محمد بن أبي القاسم بن محمد بن علي الأعلى العجمي الطبري الشيعي الإمامي، من آثاره: "بشارة المصطفى"([47]).
على أن ابن جرير الطبري كان يملك من العلم والورع ما ينأى به عن مثل هذه الاتهامات، ويثبت علو قدمه في الحديث، واعتماده إماما عظيما من أئمة السنة.
قال عنه الذهبي في السير: "كان ثقة، صادقا، حافظا، رأسا في التفسير، إماما في الفقه والإجماع والاختلاف، علامة في التاريخ وأيام الناس، عارفا بالقراءات وباللغة، وغير ذلك"([48]).
وعن تصنيفه في الحديث النبوي يقول الذهبي: "وابتدأ بتصنيف كتاب: "تهذيب الآثار" وهو من عجائب كتبه، ابتداء بما أسنده الصديق مما صح عنده سنده، وتكلم على كل حديث منه بعلله وطرقه ثم فقهه، واختلاف العلماء وحججهم، وما فيه من المعاني والغريب، والرد على الملحدين، فتم منه مسند العشرة وأهل البيت والموالي، وبعض مسند ابن عباس، فمات قبل تمامه". وقلت - والقول للذهبي: "هذا لو تم لكان يجيء في مائة مجلد"([49]).
وقال عنه الخطيب البغدادي: "كان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك، وكتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله، وكتاب سماه "تهذيب الآثار" لم أر سواه في معناه إلا أنه لم يتمه، وله في أصول الفقة وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه"([50]).
وبذلك فإن الإمام الطبري لم يكن شيعيا، وكل ما ذكره من أحاديث في فضائل آل البيت ليست سوى أقوال صحيحة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وليست من وضعه هو، وقد شدد النكير على من تشيع وقال برفض إمامة أبي بكر وعمر، بل وجوز قتله. وله قدم راسخة في علم الحديث إلى جانب العلوم الأخرى.
سادسا. أقوال ابن حزم في فضل علي وذم الأمويين تنفي عنه أي اتهام بالنصب([51]):
لقد استند الطاعنون في اتهامهم لابن حزم بالنصب بما ذكره صاحب "الذخيرة" عن ابن حيان قال: "وكان مما يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية، ماضيهم وباقيهم بالمشرق والأندلس، واعتقاده لصحة إمامتهم، وانحرافه عمن سواهم من قريش، حتى نسب إلى النصب لغيرهم"([52]).
ولا دليل في ذلك على اتهام ابن حزم بالنصب؛ إذ إن غاية الأمر أن ابن حيان ذكر أنه نسب النصب إلى ابن حزم، دون أن يذكر من نسبه إليه أو حجة هذا الناسب في ذلك.
كما أن ابن حيان لم يورد نصا من كلام ابن حزم يشهد عليه بهذه التهمة الخطيرة، وإنما استنبط المتهمون ذلك من دعوة ابن حزم للدولة الأموية بالأندلس، فظن أن هذا دليل نصب من ابن حزم، وهم في هذا واهمون؛ لأن معنى النصب عندهم هو: عدم الميل إلى علي - رضي الله عنه - وهذا تعريف باطل، لأن الميل إلى علي إذا أطلق فإنه يعني التشيع، فكأنهم يقولون: إنا ننتقد ابن حزم لأنه ليس شيعيا!! وهو ما لا يصح الاتهام به، أو أن الاتهام به منقبة وليس مذمة، أما النصب فهو: كل انحراف عن علي وأهل بيته، سواء بلعنه وتفسيقه، أو التقليل من فضائله، أو تضعيف الأحاديث الصحيحة الواردة في فضله، أو عدم تصويبه في حروبه، أو التشكيك في شرعية خلافته وبيعته، أو المبالغة في مدح خصومه([53])، فهل ثبت عن ابن حزم أنه فعل شيئا من هذا، أو أيد من قال به أو دعا إليه؟!
إن نظرة يسيرة في بعض كتب ابن حزم تجلي موقفه من الصحابة عامة ومن علي - رضي الله عنه - خاصة.
يقول ابن حزم: "ولا تجوز الخلافة إلا في الرجال العاقلين البالغين من قريش من ولد فهر بن مالك خاصة، ولا تحل الخلافة لامرأة، ولا لمن لم يبلغ الحلم، ولا لمجنون منهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان»([54])([55]).
فقد قرر ابن حزم فضل الصحابة جميعا، وبين أن محبتهم جميعا، وصفاء القلوب لجميعهم فرض على كل مسلم، وكل ما شجر بين الصحابة - رضي الله عنهم - فكل واحد منهم مجتهد مأجور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»([56]).
وهذا كلام ابن حزم - رحمه الله - وهو قاطع لشبهة كل من طعن فيه بالانحراف عن علي - رضي الله عنه - حيث قرر بوضوح فضل الصحابة جميعهم، وأن حبهم - ومن بينهم الإمام علي - رضي الله عنه - فرض على كل مسلم، وأن من أخطأ منهم فهو مأجور.
وقبلها نصر ما عليه أهل السنة والجماعة من أفضلية أبي بكر عليهم جميعا، ثم عمر، ثم توقف رحمه الله في عثمان وعلي أيهما أفضل؟ والذي عليه أهل السنة - كما سبق - أن عثمان أفضل من علي، رضي الله عنهما.
والطريف اللافت للنظر أن ابن حزم وهو المتهم بالنصب لم يفضل عثمان على علي - رضي الله عنهما - وإنما توقف في ذلك!
ولو كان ناصبيا كما يقول خصومه لبادر بتفضيل عثمان على علي دون تردد، بل بالغ في مدحه وذكر ما خص به دون علي، ولكنه - رحمه الله - لم يفعل ذلك؛ لأنه لا يصدر في آرائه عن هوى، وإنما عن دليل واقتناع قد يصيب فيه أو يخطئ.
· مدح ابن حزم لعلي رضي الله عنه:
ومما يشهد ببطلان هذه التهمة - أيضا - أن ابن حزم في مواضع كثيرة من كتبه يثني على علي - رضي الله عنه - ويذكر فضائله، بل ويصوبه في خلافه مع معاوية ولو كان ناصبيا لما فعل هذا كله، كما هو معلوم([57]).
ولنفتح كتاب "الفصل في الملل والأهواء والنحل" لابن حزم لنقرأ رأيه في الإمام علي، ونثبت ما أورده أثناء رده على الروافض الذين يعتقدون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نص على خلافة علي من بعده، فقال في ذلك: "ولا يجوز أن يظن بعلي - رضي الله عنه - أنه أمسك عن ذكر النص عليه خوف الموت، وهو الأسد شجاعة، قد عرض نفسه للموت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرات، ثم يوم الجمل وصفين، فما الذي جبنه بين هاتين الحالتين؟"([58]).
وقال أيضا: "فهو الإمام بحقه، وما ظهر منه قط إلى أن مات - رضي الله عنه - شيء يوجب نقض بيعته، وما ظهر منه قط إلا العدل والجد والبر والتقوى والخير...فعلي مصيب في الدعاء إلى نفسه وإلى الدخول تحت إمامته، وهذا برهان لا محيد عنه"([59]).
وقال أيضا: "إن من الجهل الفاضح أن يظن ظان أن عليا - رضي الله عنه - بلغ من التناقض في أحكامه، واتباع الهوى في دينه، والجهل أن يترك سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، وحسان بن ثابت، ورافع بن خديج، ومحمد بن مسلمة، وكعب بن مالك، وسائر الصحابة الذين لم يبايعوه، فلا يجبرهم عليها وهم معه في المدينة وغيرها"([60]).
ولما تحدث عن قتال علي ومعاوية دافع عن علي فقال: "لكن علي قاتله لامتناعه من إنفاذ أوامره في جميع أرض الشام، وهو الإمام الواجبة طاعته؛ فعلي المصيب في هذا"([61]).
وقال في بيان فضل علي وعثمان: "ولعلي أيضا حظ قوي في القراءة، ولعثمان أيضا حظ قوي في الفتيا والرواية، ولعلي مقامات عظيمة في الجهاد بنفسه، ولعثمان مثل ذلك بماله"([62]).
وقال نافيا عنه كل طعن: "ما حكم علي - رضي الله عنه - قط رجلا في دين الله، وحاشاه من ذلك، وإنما حكم كلام الله - عز وجل - كما افترض الله تعالى عليه"([63]).
هذا هو رأي ابن حزم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيه دلالة كافية على محبته له وتأييده لكل ما فعله، وليس فيه كراهيته له من قريب أو بعيد - كما ادعوا.
· ذم ابن حزم لبعض بني أمية:
ومن الأدلة التي تشهد بعدم ناصبية ابن حزم - رحمه الله - أنه كان يذم بعض بني أمية، وبعض ولاتهم ممن تلبس بظلم أو جور، دون خوف أو وجل أو مجاملة لبني أمية بالأندلس، والمعيار عنده الشرع: من التزمه مدحه، ومن خالفه ذمه، ومن ذلك قوله: "قد كان في عصر التابعين من هو أفسق الفاسقين كمسلم بن عقبة المري، وحبيش بن دكخة القيني، والحجاج بن يوسف الثقفي، وقتلة عثمان، وقتلة الزبير، وقتلة الحسين رضي الله عنهم، ولعن قتلتهم ومن بعثهم"([64]).
· دفاع ابن حزم عن نفسه:
وقد دافع ابن حزم عن نفسه قبل أن ندافع نحن عنه منذ زمن بعيد، فقال: "فإنا غير متهمين بحط أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - عن مرتبته، أو رفعه فوقها؛ لأننا لو انحرفنا عن علي - رضي الله عنه - ونعوذ بالله من ذلك - لذهبنا فيه مذهب الخوارج، وقد نزهنا الله - عز وجل - عن هذا الضلال في التعصب، ولو غلونا فيه لذهبنا فيه مذهب الشيعة، وقد أعاذنا الله تعالى من هذا الإفك في التعصب، فصار غيرنا من المنحرفين عنه أو الغالين فيه هم المتهمون فيه، إما له وإما عليه"([65]).
وهذا القول منه - رحمه الله - قاطع لكل شبهة يتعلق بها خصومه، حيث أبان اعتقاده في هذه المسألة بخصوصها؛ دفعا لما قد يلحقه من اتهامات كما قد صار، ولا حول ولا قوة إلا بالله([66]).
فهل بعد ذلك القول القاطع والاعتراف الصريح من ابن حزم نفسه يأتي من يتهمه بأنه كان ناصبيا معاديا لعلي رضي الله عنه؟! وكيف ذلك؟! وقد وجدناه - رحمه الله - قد أكثر من مدح علي - رضي الله عنه - في كتبه، وذكر محاسنه، وابن حزم - كما لا يخفى - ليس ممن يبطنون ما لا يظهرون، فهل يعقل بعد ذلك ما يقولون؟!