نص السؤال

الزعم أن بعض الأئمة أباحوا إتيان النساء في أدبارهن

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

الزعم أن بعض الأئمة أباحوا إتيان النساء في أدبارهن(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المغرضين أن من أئمة الإسلام ورواة الحديث من أباح إتيان النساء في أدبارهن. زاعمين أن مالك أفتى بجوازه، وكذلك الإمام الشافعي حيث قال: "ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحليله ولا تحريمه شيء، وأن القياس أنه حلال"، والنسائي فيما نسب إليه أنه قال: "لا يصح في الدبر شيء"، 

وروى عن ابن عباس أنه قال:

«اسق حرثك حيث شئت»

فلا ينبغي أن يتجاوز قوله.

رامين من وراء ذلك إلى الطعن في أئمة الإسلام وزعزعة ثقة المسلمين بهم.

وجوه إبطال الشبهة:

1) لقد أجمعت الأمة سلفا وخلفا بالأدلة النقلية والعقلية على حرمة إتيان النساء في أدبارهن، ولم يخالف في ذلك أحد.

2) لقد خلط أصحاب هذه الشبهة في القديم والحديث، وحاولوا إلصاق إباحة هذه التهمة بعلماء المسلمين، ولقد دفع العلماء عن أنفسهم هذه الشبهة، مكذبين من ألصق بهم الإباحة في هذه المسألة، موضحين حرمة هذا الفعل.

التفصيل:

أولا. إجماع الأمة على حرمة إتيان النساء في أدبارهن:

لقد حرمت الشريعة الإسلامية إتيان المرأة في دبرها،

لما روي

«أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إتيان النساء في أدبارهن، أو إتيان الرجل امرأته في دبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حلال"، فلما ولى الرجل دعاه، أو أمر به فدعي، فقال: كيف قلت؟ في أي الخربتين أو في أي الخرزتين، أو في أي الخصفتين، أمن دبرها في قبلها؟ فنعم. أم من دبرها في دبرها؟ فلا، إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن»

([1]).

والخربة: الثقبة.

ففي هذا تحريم واضح من النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الفعل، ولما نزلت آية

قوله تعالى:

(نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)

البقرة: [223].

وضح النبي - صلى الله عليه وسلم - المقصود قائلا

«أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة»

([2]).

وكان هذا أيضا ردا على عمر -رضي الله عنه- إذ جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:

يا رسول الله، هلكت! قال: وما أهلكك؟ قال: حولت رحلي الليلة، قال: فلم يرد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا

قال: فأوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية، وذكر الحديث.

وكذا ما حدث من أن أحد المهاجرين تزوج بأنصارية، وكان أهل قريش يشرحون([3]) النساء شرحا منكرا، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه، وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، حتى شري([4]) أمرهما، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم ـ؛

فأنزل الله عز وجل:

(فأتوا حرثكم أنى شئتم)

أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات؛ يعني ذلك موضع الولد([5]).

ومما يؤكد ذلك 

ما ورد في قوله سبحانه وتعالى:

(فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله)

البقرة: [222].

مع قوله:

(فأتوا حرثكم)

؛ بما يدل على أن في المأتي اختصاصا، وأنه مقصور على موضع الولد([6]).

ففي الآية والأحاديث السابقة نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث؛ أي كيف شئتم، من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة، فأما الإتيان في غير المأتي فمحرم، و"حرث" تشبيه؛ لأنهن مزدرع الذرية، فلفظ "الحرث" يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة؛ إذ هو المزدرع([7])، ولقد سمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إتيان المرأة في دبرها اللوطية الصغرى،

وأخبر صلى الله عليه وسلم:

«من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»

([8]).

ومن ثم فإن القول بأن الأئمة والرواة أباحوا إتيان النساء في أدبارهن قول مردود؛ إذ إنهم أعلم الأمة بالكتاب والسنة، لذا فإنهم قد أفتوا في ضوء هذه النصوص وغيرها بحرمة إتيان المرأة في دبرها، وذكر ابن القيم في كتابه "بدائع الفوائد" أنه من الكبائر، ويعزر فاعله، وقيل: يكفر كفارة إتيان الحائض، وللمرأة حق الفسخ به([9]).

وعن ابن عباس من طريق أخرى موقوفة رواها عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه، قال: «سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها، فقال: هذا يسألني عن الكفر»([10]).

ولقد ذكر العلماء أحاديث صحيحة حسان شهيرة رواها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنا عشر صحابيا بمتون مختلفة؛ كلها تؤيد تحريم إتيان النساء في الأدبار، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم.

وروي عن طاوس أنه قال: "كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن"، وقال ابن المنذر: "وإذا ثبت الشيء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استغنى به عما سواه"([11]).

وقد أخرج البيهقي في سننه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «قالت اليهود: إنما يكون الحول إذا أتى الرجل امرأته من خلفها،

فأنزل الله عز وجل:

(نساؤكم حرث لكم)

من بين يديها، ومن خلفها، غير ألا يأتيها إلا في المأتي» ([12]).

وروي عن جابر - رضي الله عنه - قال: «إن يهود كانت تقول: إذا أتيت المرأة من دبرها في قبلها، ثم حملت كان ولدها أحول. قال: فأنزلت:

(نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)

([13]).

وزاد في حديث النعمان عن الزهري: «إن شاء مجبية، وإن شاء غير مجبية، غير أن ذلك في صمام واحد» ([14]).

قال النووي في شرحه لأحاديث الباب: "قال العلماء: 

وقوله تعالى:

(فأتوا حرثكم أنى شئتم)

أي: موضع الزرع من المرأة، وهو قبلها الذي يزرع فيه المني لابتغاء الولد. ففيه إباحة وطئها في قبلها إن شاء من بين يديها، وإن شاء من ورائها، وإن شاء مكبوبة، وأما "الدبر" فليس بحرث ولا موضع زرع.

ومعنى قوله:

(أنى شئتم)

 أي: كيف شئتم، واتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها، حائضا كانت أو طاهرا؛ لأحاديث كثيرة مشهورة، 

كحديث:

«ملعون من أتي امرأة في دبرها»

([15]).

قال أصحابنا: "لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين، ولا غيرهم من الحيوان في حال من الأحوال"([16]).

فبهذا تتبين حرمة إتيان النساء في أدبارهن نقلا، وبالعقل أيضا تثبت الحرمة، فقد ذكر أبو عمر بن عبد البر أن العلماء لم يختلفوا في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد به، والفقهاء كلهم على ذلك؛ لأن المسيس هو المبتغي بالنكاح، وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء، ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج.

وقد قال أصحاب أبي حنيفة: إنه عندنا - أي من يأتي المرأة في دبرها - ولائط الذكر سواء في الحكم؛ ولأن القذر والأذى في موضع النجو([17]) أكثر من دم الحيض، فكان أشنع، وأما صمام البول فغير صمام الرحم. وقال ابن العربي في قبسه: قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه: الفرج أشبه شيء بخمسة وثلاثين، وأخرج يده عاقدا بها.

وقال: مسلك البول ما تحت الثلاثين، ومسلك الذكر والفرج ما اشتملت عليه الخمسة، وقد حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة، فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة([18]).

ثانيا. ما نسب إلى الأئمة والرواة من جواز إتيان النساء في أدبارهن كان مكذوبا عليهم:

لقد بات واضحا أن إتيان النساء في أدبارهن محرم شرعا، ومستهجن عقلا، ولا يظن عاقل أنه بعد كل هذه الأدلة النقلية والعقلية المؤكدة على تحريمه، أن يكون من علماء المسلمين - بل من الأئمة والرواة - من يخالف إجماع المسلمين في ذلك ليقول بإباحته.

ومن العجيب أن المتوهمين ذكروا علماء يقولون بحرمة هذه الفعلة، واشتهر عنهم ذلك، وكأنهم يحاولون إلصاق القول بالإباحة بهؤلاء العلماء رغما عنهم في القديم والحديث، حتى إن العلماء راحوا يكذبون هؤلاء القوم،

أما الإمام مالك - رحمه الله - فقد كان يحرم هذه الفعلة؛ حيث يروي معن بن عيسى عن مالك أن ذلك حرام. وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: حدثني إسماعيل بن حصن، حدثني إسرائيل بن روح: "سألت مالك بن أنس: ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ قال: ما أنتم إلا قوم عرب، هل يكون الحرث إلا موضع الزرع؟! لا تعدو الفرج، قلت: يا أبا عبد الله، إنهم يقولون: إنك تقول ذلك؟! قال: يكذبون علي يكذبون علي"، فهذا هو الثابت عنه رضي الله عنه، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة، وهو قول سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، وعكرمة وطاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، ومجاهد بن جبر، والحسن وغيرهم من السلف، أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار، ومنهم من يطلق على فاعله الكفر، وهو مذهب جمهور العلماء([19]).

ثم إننا لا نستطيع أن نسلم بصدق الروايات التي نسبت إلى الإمام مالك في القول بإباحة هذه الفعلة؛ إذ إن في أسانيدها ضعفا شديدا.

ويذكر القرطبي في تفسيره أنه حكي عن مالك القول بالإباحة في كتاب له يسمى "كتاب السر"، وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب - وهم بلا شك أعلم - ومالك أجل من أن يكون له " كتاب سر"، ووقع هذا القول في العتبية. وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب " جماع النسوان وأحكام القرآن"... والصحيح في المسألة ما بيناه، وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا الاستحلال باطل وهم مبرءون من ذلك؛ لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث - كما أشرنا، 

لقوله سبحانه وتعالى:

(فأتوا حرثكم)

ولأن الحكمة في خلق الأزواج بث النسل، فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح([20]). ولذا فإن القول بأن مالكا قد أباح ذلك يعد ضربا من التعنت والجهل الفاضح بحقيقة الأمور.

وكذلك كان حال الشافعي - رحمه الله - فقد قال:

«أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع قال: أخبرني عبد الله بن علي بن السائب، عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح، عن خزيمة بن ثابت، أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إتيان النساء في أدبارهن، أو إتيان الرجل امرأته في دبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حلال. فلما ولى الرجل دعاه، أو أمر به فدعي، فقال: كيف قلت، في أي الخربتين أو في أي الخرزتين، أو في أي الخصفتين. أمن دبرها في قبلها؟ فنعم. أم من دبرها في دبرها؟ فلا. فإن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن»

([21]).

. فقيل للشافعي: فما تقول؟ فقال: عمي ثقة، وعبد الله بن علي ثقة، وقد أخبرني محمد بن الأنصاري المحدث بها أنه أثنى عليه خيرا، وخزيمة ممن لا يشك عالم في ثقته، فلست أرخص فيه، بل أنهى عنه.

قال ابن القيم معقبا على هذا الحديث: "ومن هنا نشأ الغلط عمن نقل عنه الإباحة من السلف والأئمة، فإنهم أباحوا أن يكون الدبر طريقا إلى الوطء في الفرج، فيطأ من الدبر لا في الدبر، فاشتبه على السامع "من" بـ "في" ولم يظن بينهما فرقا، فهذا الذي أباحه السلف والأئمة، فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه"([22]).

قال ابن الملقن في خلاصته للبدر عن هذا الحديث "رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح، وصححه الشافعي"([23])، فيا للعجب كيف يصحح الشافعي حديثا ينص على التحريم ثم يذهب هو ليخالف هذا النص من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول بالإباحة وهو من هو في العلم والحكمة والورع؟!

وقال الطحاوي: "حكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحليله ولا تحريمه شيء، والقياس أنه حلال، وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب عن أبي سعيد الصيرفي عن أبي العباس الأصم: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: فذكره، قال أبو نصر الصباغ: كان الربيع يحلف بالله الذي لا إله إلا هو: لقد كذب - يعني ابن عبد الحكم - على الشافعي في ذلك؛ لأن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه"([24]).

 وإن قيل: فكيف الحال في المناظرة التي وقعت بين الشافعي ومحمد بن الحسن في ذلك؟! وأن ابن الحسن احتج عليه بأن الحرث إنما يكون في الفرج، فقال له: فيكون ما سوى الفرج محرما، فالتزمه. فقال - أي الشافعي: أرأيت لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أفي ذلك حرث؟ قال: لا. قال: أفيحرم؟ قال: لا. قال: فكيف تحتج بما لا تقول به؟! قال الحاكم: لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم، وأما في الجديد فصرح بالتحريم. ويحتمل أن يكون ألزم محمدا بطريق المناظرة وإن كان لا يقول بذلك، وإنما انتصر لأصحابه المدنيين، والحجة عنده في التحريم غير المسلك الذي سلكه كلامه كما يشير إليه كلامه في "الأم"([25]).

فإن العالم في المناظرة يتقلد القول وهو لا يختاره، فيذكر أدلته إلى أن ينقطع خصمه، وذلك غير مستنكر في المناظرة.

وبه أيضا يتأكد لدينا أن مذهب الشافعي في الأمر هو التحريم لا الإباحة كما يدعي المدعون.

وكذلك كان الحال مع الإمام النسائي - رحمة الله؛ فإنه يقول بحرمة إتيان النساء في أدبارهن، ولا خلاف في ذلك، وكيف يبيحه الإمام النسائي، 

قد روى في سننه حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

«ملعون من أتى امرأته في دبرها»

([26]).

وما استدل به النسائي على عدم تجاوز موضع الحرث فيما رواه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - إشارة منه أنه يذهب إلى ما ذهب إليه ابن عباس من التحريم؛ إذ يقول: «اسق حرثك من حيث نباته» ([27]). وفي هذا دليل - كما أشرنا من قبل - على عدم تجاوز موضع الحرث، وهو القبل([28]).

كما يروي النسائي قائلا: حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «إتيان النساء والرجال في أدبارهن كفر» ([29])، ثم رواه ابن بندار عن عبد الرحمن به قال: "من أتى امرأة في دبرها ملك كفره" هكذا، ورواه النسائي من طريق الثوري عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة موقوفا ([30]).

فهل تصح بعد ذلك دعوى أن الإمام النسائي - رحمه الله - أباح إتيان النساء في أدبارهن؟! كيف وهو يروي الروايات التي تحرمه، بل وتصف من فعل هذه الفعلة بالكفر؟!

ولقد روى النسائي قول ابن عباس - رضي الله عنه - في حرمة تلك الفعلة، وفيه«أن رجلا سأل ابن عباس عن إتيان المرأة في دبرها، فقال: تسألني عن الكفر!»([31]).

وبهذا كله تتضح براءة الإمام مالك والشافعي والنسائي - رحمهم الله - من هذا الاتهام الخطير؛ لذلك فإجماع الأمة على تحريم إتيان النساء في أدبارهن دون جدال.

الخلاصة:

·   لقد نصت الأدلة على حرمة إتيان النساء في أدبارهن؛ لقوله تعالى: )فأتوا حرثكم أنى شئتم( (البقرة: ٢٢٣) فوضح النبي - صلى الله عليه وسلم - المقصود قائلا: 

«أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة»

ولقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - إتيان المرأة في دبرها "اللوطية الصغرى".

·   لا شك أن هذا هو مذهب علماء الأمة؛ حيث أخذوا من هذه النصوص حرمة إتيان المرأة في دبرها، وللعلماء جميعا أقوال جامعة في حرمة هذه الفعلة، بيد أنه إذا ثبت الشيء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استغنى به عما سواه، وقد ثبت قوله بالتحريم - كما أشرنا - ثم جاءت أقوال العلماء التوضيحية تنفي عنهم ما اتهموا به.

·   إن حرمة هذا الفعل واضحة عقلا؛ إذ إن من يأتي المرأة في دبرها ولائط الذكر سواء في الحكم؛ لأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض، فكان أشنع، وقد حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة، فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة.

·   لقد حاول المغرضون في القديم والحديث إلصاق تهمة إباحة هذه الفعلة بعلماء المسلمين، وهم من ذلك براء، فها هو الإمام مالك - رحمه الله - يروي عنه معن بن عيسى حرمة هذه الفعلة، وحينما قيل له: "إنهم يقولون: إنك تقول ذلك - أي تقول بإباحة إتيان النساء في أدبارهن - قال: يكذبون علي، قالها مرتين".

·   لقد قال الشافعي - رحمه الله - أيضا بحرمة هذه الفعلة، وروى أحاديث وصححها في هذا الصدد؛ ومن ذلك ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تأتوا النساء في أدبارهن». قال ابن الملقن في خلاصته للبدر: رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح وصححه الشافعي، ولقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب من كتبه".

·   لقد أخطأ بعض الناس في فهمهم كلام الفقهاء والأئمة، كما أخطأ الصحابي في فهم كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما سأله فقال له: «حلال»، ثم لما علم أنه أخطأ الفهم عنه ناداه وأبان له تحريم الإتيان في الدبر، وجواز الإتيان من الدبر في مكان الحرث بقوله: «من الدبر في القبل، وأما من الدبر في الدبر، فلا»؛ لذا قال ابن القيم: إن هذا الغلط قد أوقع بعض الناس في عدم فهم مقصود الأئمة من أقوالهم.

·   لقد روى النسائي - رحمه الله - قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ملعون من أتى امرأته في دبرها». فكيف يقال بعد ذلك: إنه يبيح إتيان النساء في أدبارهن؟! وقد روى أحاديث وآثارا تقرن هذه الفعلة بالكفر، كقول ابن عباس: «تسألني عن الكفر!» لرجل سأله عن إتيان المرأة في دبرها.

 المراجع:


(*) شبكة الملحدين العرب.

[1]. صحيح: أخرجه الشافعي في مسنده، كتاب: أحكام القرآن، (1/ 275)، رقم (1322). وصححه الألباني في إرواء الغليل عند تعليقه على الحديث رقم (2005).

[2]. حسن: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة البقرة، (8/259)، رقم (3164). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2980).

[3]. شرح الرجل جاريته: إذا وطئها نائمة على قفاها.

[4]. شري: أي عظم وتفاقم.

[5]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/1985م، (3/92).

[6]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/1985م، (3/94).

[7]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/1985م، (3/93).

[8]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه ( بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الطهارة، باب: كراهية إتيان الحائض، (1/355)، رقم (135). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (135).

[9]. بدائع الفوائد، ابن القيم، تحقيق: هشام عبد العزيز عطا وآخرين، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1416هـ/1996م، (4/908) بتصرف.

[10]. صحيح: أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب: الجامع للإمام معمر بن راشد، باب: إتيان المرأة في دبرها، (11/ 442)، رقم (20953). وصححه الألباني في كتابه: آداب الزفاف، المكتب الإسلامي، بيروت، 1409هـ، ص33.

[11]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/1985م، (3/96).

[12] . صحيح: أخرجه البيهقي في سننه، كتاب: النكاح، باب: إتيان النساء في أدبارهن، (7/195)، رقم (13881). وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم (2001).

[13] . صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب النكاح، باب: جواز جماع امرأته في قبلها من قدامها ومن ورائها...، (5/ 2231)، رقم (3473).

[14] . صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب النكاح، باب: جواز جماع امرأته في قبلها من قدامها ومن ورائها...، (5/2231)، رقم (3474).

[15]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: النكاح، باب: الرجل إذا جامع امرأته، (6/140)، رقم (2162). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (2162).

[16]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/2001م، (5/2232).

[17]. النجو: ما يخرج من البطن من ريح وغائط.

[18]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/1985م، (3/94) بتصرف.

[19]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/1980م، (1/265).

[20]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/1985م،(3/93، 94) بتصرف.

[21]. صحيح: أخرجه الشافعي في مسنده، كتاب: أحكام القرآن، (1/ 275)، رقم (1322). وصححه الألباني في إرواء الغليل عند تعليقه على الحديث رقم (2005).

[22]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم، تحقيق: شعيب الأنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1405هـ/ 1985م، (4/ 261).

[23]. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: أبي عاصم حسن بن عباس بن قطب، مؤسسة قرطبة، مصر، ط2، 1426هـ/ 2006م، هامش (3/374).

[24]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/1980م، (1/265).

[25]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (8/39) بتصرف.

[26]. حسن: أخرجه النسائي في السنن الكبري، كتاب: عشرة النساء، باب: ذكر اختلاف الناقلين لخبر أبي هريرة في ذلك، (5/ 323)، رقم (9015). وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (5889).

[27]. أخرجه النسائي في السنن الكبري، كتاب: عشرة النساء، باب: ذكر حديث ابن عباس فيه واختلاف ألفاظ الناقلين عليه، (5/ 321)، رقم (9003).

[28]. جناية الشيخ محمد الغزالي على الحديث وأهله، أشرف عبد المقصود بن عبد الرحيم، مكتبة الإمام البخاري، مصر، ط1، 1410هـ/ 1989م، هامش ص361 .

[29]. أخرجه النسائي في السنن الكبري، كتاب: عشرة النساء، باب: ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي هريرة في ذلك، (5/323)، رقم (9018).

[30]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/1980م،(1/361) .

[31] . صحيح: أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب: عشرة النساء، باب: ذكر حديث ابن عباس فيه واختلاف الناقلين عنه، (6/ 321)، رقم (900). وصححه الألباني في كتابه: آداب الزفاف، المكتب الإسلامي، بيروت، 1409هـ، ص33.