نص السؤال
هل تُفسِدُ الملائكةُ في الأرض؟
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
الملائكةُ معصومون من الوقوع في المعصية، قال الله تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، وقال تعالى: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27]. أما ما ورد في الآية الكريمة: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة:102].
فالكلامُ حولها من وجوه:
الوجه الأول:
كل المرويَّات حولَ معنى الآية فهي إما من الإسرائيليات أو من الروايات الضعيفة التي لا تقوم بها حجة، ويبقى النص على ظاهره. قال القرطبي في تفسيره عند كلامه على مرويَّات هذه القصة: «قلنا: هذا كلُّه ضعيفٌ... لا يصحُّ منه شيء». [«الجامعُ لأحكام القرآن» (2/52)].
الوجهُ الثاني:
ذكَر بعضُ المفسِّرين أن هاروتَ وماروتَ ليسا ملَكَيْن كَريمَيْن، على اختلاف في ذلك.
قال القرطبي: «قال ابن أَبْزَى: هما داودُ وسليمانُ.. وضعَّف هذا القولَ ابنُ العربيِّ. وقال الحسَنُ: هما عِلْجانِ كانا ببابِلَ ملَكَيْن». [«الجامعُ لأحكامِ القرآن» (2/52)] على أنها قد قُرِئت آيةً (وما أُنزِلَ على المَلِكين) بكسر اللام، لكنها قراءة شاذة.
وقال ابنُ جريرٍ الطبَريُّ: «وجهُ تقديمِهِ أن يقالَ: واتَّبَعوا ما تَتْلو الشياطينَنُ على مُلكِ سليمانَ [مِن السِّحْرِ]، وما أنزَلَ [اللهُ السِّحْرَ] على المَلَكَيْنِ، ولكنَّ الشياطينَ كفَروا يعلِّمون الناسَ السِّحْرَ ببابِلَ، هارُوتَ ومارُوتَ - فيكونُ معنيًّا بـ «المَلَكَيْنِ»: جِبرِيلُ ومِيكائيلُ؛ لأن سحَرةَ اليهودِ، فيما ذُكِرَ، كانت تزعُمُ أن اللهَ أنزَلَ السِّحْرَ على لسانِ جِبرِيلَ ومِيكائيلَ إلى سليمانَ بنِ داودَ؛ فأكذَبَها اللهُ بذلك، وأخبَرَ نبيَّهُ محمَّدًا ^ أن جِبرِيلَ ومِيكائيلَ لم يَنزِلا بسِحْرٍ قَطُّ، وبرَّأ سليمانَ مما نحَلوهُ مِن السِّحْرِ، فأخبَرَهم أن السِّحْرَ مِن عمَلِ الشياطينِ، وأنها تعلِّمُ الناسَ [ذلك] ببابِلَ، وأن اللذَيْنِ يعلِّمانِهم ذلك رجُلانِ، اسمُ أحدِهما: هارُوتُ، واسمُ الآخَرِ: مارُوتُ؛ فيكونُ «هارُوتُ ومارُوتُ»، على هذا التأويلِ، ترجمةً - أي: بدَلًا - على «الناسِ» ورَدًّا عليهم». [«تفسير الطبري» (2/420)].
الوجهُ الثالث:
أن (ما) في قولِهِ تعالى:
{وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ}
نافيةٌ، فيكونُ المعنى: «ولم يُنزَلْ على المَلَكَيْنِ ببابِلَ».
قال ابنُ جريرٍ الطبَريُّ: «عن ابنِ عبَّاسٍ قولُهُ: {وَما أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}؛ فإنه يقولُ: لم يُنزِلِ اللهُ السِّحْرَ، وعن الربيعِ بنِ أنسٍ: {وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ}، قال: ما أنزَلَ اللهُ عليهِما السِّحْرَ؛ فتأويلُ الآيةِ - على هذا المعنى: واتَّبَعوا الذي تتلو الشياطينُ على مُلْكِ سليمانَ مِن السِّحْر، وما كفَرَ سُليمانُ، ولا أنزَلَ اللهُ السِّحْرَ على المَلَكَيْنِ = ولكنَّ الشياطينَ كفَروا يعلِّمون الناسَ السِّحْرَ = «ببابِلَ هارُوتَ ومارُوتَ»؛ فيكونُ حينئذٍ قولُهُ: {بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}، مِن المؤخَّرِ الذي معناهُ التقديمُ. [«تفسيرُ الطبَريّ» «2/419)].
الوجهُ الرابعُ:
ليس في الآيةِ دليلٌ على أن الملائكةَ تُفسِدُ في الأرضِ، بل غايةُ ما فيها - على قولِ بعضِ المفسِّرين - أن اللهَ أهبَطَ ملَكَين كريمَيْن؛ هما هاروتُ وماروتُ، يُعلِّمان السِّحرَ مَن طلَبَ تعلُّمَه، ويحذِّرانه مغَبَّته، وأنه سبيلُ كُفرٍ، ابتلاءً للناس، وفتنةً، كما يَبتلي الله عبادَه بالشهوات، والشبهات. ليس إلا.
والمقصودُ: أن عِصْمةَ الملائكةِ ثابتةٌ محكَمةٌ، وما ورَدَ في الآيةِ مختلَفٌ في تفسيرِهِ وتأويلِه؛ فعلى المسلمِ التسليمُ بالثابتِ المحكَمِ الظاهِرِ، ويُرَدُّ عِلْمَ المختلَفِ فيه إلى اللهِ سبحانَهُ وتعالى.
المراجع :
- «حقيقةُ قصَّةِ هارُوتَ ومارُوت». https://cutt.us/stG9n
- «تفسيرُ القُرطُبيّ» (2/269 وما بعدها). https://ia802908.us.archive.or...