نص السؤال
إن الإلحادَ الجديدَ يقدِّمُ عددًا مِن الأسئلةِ التي يجادِلُ بها لنفيِ وجودِ الإلهِ؛ مِن ذلك السؤالُ عن الله؛ مَن خلَقَه؟ فما الجَوابُ في هذه الحالة؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
وجودُ الله، والموقفُ مِن الإلحادِ الجديد.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
يُمكِنُ إزالةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن خلالِ النِّقاطِ التالية:
أوَّلًا: إذا كنَّا نقولُ: إن اللهَ قد خلَقَ الكونَ، فقد يَطرَأُ أن نَسْألَ: مَن خلَقَ اللهَ؟ ومَن خلَقَ خالقَ اللهِ؟ وهكذا إلى ما لا نهايةَ:
والطريقةُ الوحيدةُ عند الملاحدةِ للخروجِ مِن رجوعٍ لا نِهائيٍّ: هي إنكارُ وجودِ الله.
هذا السؤالُ بالتحديدِ يُظهِرُ أن السائلَ لدَيْهِ إلهٌ مخلوقٌ في عقلِه، ومما يُثيرُ الدهشةَ: أن يسمِّيَ أحدُهم - وهو رائدُ الإلحادِ الجديدِ (رِيتْشَارْد دُوكِينْز) - كتابَهُ «وَهْمَ الإلهِ»؛ فالعنوانُ المُفيدُ أكثرَ قد يكونُ: «وَهْمَ الإلهِ المخلوقِ»:
يقولُ (جون لِينْكِس) في مناقَشتِهِ لـ (دُويكِنْز)، بعد اقتراحِهِ هذا العنوانَ: «وقد يُختزَلُ الكتابُ إلى كتيِّبٍ، لكنَّ المَبيعاتِ قد تُعاني قليلًا».
ثانيًا: قولُ المَلاحِدةِ: «إذا كان لكلِّ موجودٍ مُوجِدٌ، ولكلِّ مخلوقٍ خالقٌ، فمَن خلَقَ اللهَ؟»:
فالجوابُ مِن وجهَيْن:
الوجهُ الأوَّلُ: أن إيرادَ هذا السؤالِ خطأٌ بيِّنٌ؛ ذلك أن قدرةَ اللهِ جلَّ جلالُهُ تتعلَّقُ بالممكِناتِ لا المستحيلاتِ، وأن يخلُقَ اللهُ إلهًا مِن المستحيلاتِ بلا شكٍّ؛ فلا تتعلَّقُ به القدرةُ؛ ذلك أن هذا الإلهَ الذي سيخلُقُهُ اللهُ سبحانه سيكونُ مخلوقًا، وإذا كان مخلوقًا، فبالضرورةِ لن يكونَ خالقًا؛ وبالتالي لا يصلُحُ أن يكونَ إلهًا.
الوجهُ الثاني: أننا لو قلنا بصحَّةِ السؤالِ، لأفضى ذلك إلى التسلسُلِ في العِلل؛ وهو محالٌ عقلًا.
وبيانُهُ: أننا إذا أجَبْنا على سؤالِ: مَن خلَقَ اللهَ؟ بالقولِ: «إنه خالقٌ آخَرُ»، فسوف يَرِدُ نفسُ السؤالِ على الخالِقِ الآخَرِ، فيُقالُ: مَن خلَقَ الخالقَ الآخَرَ؟ وهكذا دَوَالَيْكَ إلى ما لا نهايةَ، وفي المحصِّلةِ سنكونُ قد ارتكَبْنا محالَيْنِ عقليَّيْنِ: الأوَّلُ: نفيُ الخالق، والثاني: القولُ بتسلسُلِ عِلَلٍ لا نهايةَ لها.
فاللهُ سبحانه وتعالى كان قبل الكونِ، وهو مستقِلٌّ عنه؛ فالكونُ ليس انبعاثًا عن اللهِ، بل خلَقهُ اللهُ بعد العدَمِ، وليس الكونُ موجودًا مِن نفسِه.
ثالثًا: مِن تناقُضِ المَلاحِدةِ: أن المادَّةَ غيرَ العاقلةِ الخالدةَ مقبولةٌ على نحوٍ كاملٍ، لكنْ ليست ذاتُ اللهِ خالدةً حسَبَ زعمِهم.
فالحَقيقةُ: أن سؤالَ المَلاحِدةِ: «مَن خلَقَ اللهَ؟»، نُجيبُ عنه بسؤالٍ آخَرَ، وهو: هل هناك أيُّ شيءٍ أزليّ؟ فالسؤالُ عمَّن خلَقَ الصانعَ، يُظهِرُ أنه قد يكونُ لدى السائلِ صعوبةُ مفهوميَّةٍ مع تخيُّلِ وجودِ شيءٍ أزليٍّ غيرِ مخلوقٍ، لكنْ إن كانت هذه الحالُ، فهو مذنِبٌ بعدمِ اتِّساقٍ إضافيٍّ خطيرٍ، قد يعتقِدُ أحدُهم بأن نظرتَهُ للعالَمِ قد أجبَرَتْهُ على الاعتقادِ - بالاشتراكِ مع قدماءِ اليونانِ - في أن المادَّةَ والطاقةَ وقوانينَ الطبيعةِ كانت دائمًا هناك، فهي أزليَّةٌ أبديَّةٌ، فإذا كانت هذه الحالُ، فهو يعتقِدُ بخلودِ شيءٍ مَّا، وهو كُلُّ شيءٍ في الكونِ مِن حَوْلِنا!
وكذلك الشيوعيُّون المادِّيُّون يَرَوْنَ أن المادَّةَ غيرَ العاقلةِ الخالدةَ مقبولةٌ على نحوٍ كاملٍ، لكنْ ليست ذاتُ اللهِ خالدةً؛ فالعقلُ لم يكن إلى جانِبِهم، وليس إلى جانبِ الإلحادِ الجديدِ كذلك.
تأمَّلْ تناقُضَ المَلاحِدةِ بسؤالِهم هذَيْنِ السؤالَيْنِ: هل الطاقةُ خالدةٌ، لا بدايةَ ولا نهايةَ لها؟ نعَمْ، لكنْ هل ذاتُ اللهِ جلَّ جلالُهُ المنزَّهةُ عن صفاتِ النقصِ، لا أوَّلَ لها، ولا نهايةَ لها؟ لا.
أين العقلُ في هذا؟
رابعًا: الإيمانُ، والعلمُ، والفلسفةُ، وسؤالُ: مَن خلَقَ اللهَ؟:
التقاليدُ العِبْريَّةُ القديمةُ الموروثةُ مِن قبلِ المسيحيَّةِ والإسلامِ مختلِفةٌ جِدًّا، وكما نَعلَمُ: فإنها قبل قرونٍ مِن الفلاسفةِ اليونانيِّين، وهي تدرِّسُ أن المادَّةَ ليست خالدةً، الكونُ له بدايةٌ، وهناك فقطْ إلهٌ خالدٌ واحدٌ، هو خالقُ كلِّ شيءٍ.
ولكنْ كما قال بعضُ الفلاسفةِ: «القليلُ مِن الفلسفةِ يُبعِدُ عن اللهِ، لكنَّ الكثيرَ منها يرُدُّ إلى اللهِ»، وقد اختَرْنا بعضَ مقولاتٍ لعظماءَ مِن الفلاسفةِ الذين نصُّوا على وجودِ اللهِ سبحانه، والإيمانِ به:
* يقولُ أفلاطُون: «إن العالَمَ آيةٌ في الجمالِ والنظام، ولا يُمكِنُ أن يكونَ هذا نتيجةَ عِلَلٍ اتِّفاقيَّة، بل هو صُنْعُ عاقلٍ، توخَّى الخيرَ، ورتَّب كلَّ شيءٍ عن قصدٍ وحكمةٍ».
* ويقولُ دِيكارْت: «إنِّي مع شعوري بنقصٍ في ذاتي، أُحِسُّ في الوقتِ نفسِهِ بوجودِ ذاتٍ كاملةٍ، وأراني مضطرًّا إلى اعتقادي؛ لأن الشعورَ قد غرَسَتْهُ في ذاتي تلك الذاتُ الكاملةُ المتحلِّيَةُ بجميعِ صفاتِ الكمالِ؛ وهي ذاتُ الله».
* ويقولُ دِيكارْت أيضًا: «أنا موجودٌ؛ فمَن أوجَدَني؟ ومَن خلَقَني؟ إنني لم أخلُقْ نفسي؛ فلا بدَّ لي مِن خالقٍ، وهذا الخالقُ لا بدَّ أن يكونَ واجبَ الوجودِ، وغيرَ مفتقِرٍ إلى مَن يُوجِدُه، أو يَحفَظُ له وجودَه، ولا بدَّ أن يكونَ متَّصِفًا بكلِّ صفاتِ الجمالِ، وهذا الخالقُ هو اللهُ بارئُ كلِّ شيءٍ».
* ويقولُ أناكْساغُورَس، أحدُ فلاسفةِ اليونانِ الأوائلِ: «مِن المستحيلِ على قوَّةٍ عَمْياءَ أن تُبدِعَ هذا الجمالَ وهذا النظامَ، اللَّذَيْنِ يتجلَّيانِ في هذا العالَم؛ لأن القوَّةَ العمياءَ لا تُنتِجُ إلا الفَوْضى؛ فالذي يحرِّكُ المادَّةَ هو عقلٌ رشيدٌ، بصيرٌ حكيمٌ».
* ويقولُ باسْكال: «إن إدراكَنا لوجودِ اللهِ، هو مِن الإدراكاتِ الأوَّليَّة، التي لا تحتاجُ إلى جدَلِ البراهينِ العقليَّة؛ فإنه كان يُمكِنُ ألا أكونَ، لو كانت أمِّي ماتت قبل أن أُولَدَ حيًّا؛ فلستُ إذنْ كائنًا واجبَ الوجودِ، ولستُ دائمًا ولا نهائيًّا؛ فلا بدَّ مِن كائنٍ واجبِ الوجودِ، دائمٍ لا نهائيٍّ، يعتمِدُ عليه وجودي، وهو اللهُ الذي نُدرِكُ وجودَهُ إدراكًا أوَّليًّا، بدونِ أن نتورَّطَ في جدَلِ البراهينِ العقليَّة، ولكنْ على الذين لم يُقدَّرْ لهم هذا الإيمانُ القلبيُّ أن يَسْعَوْا للوصولِ إليه بعقولِهم ...».
وبهذه الثُّلَّةِ مِن أقوالِ هؤلاءِ الفلاسفةِ، وبما سبَقَ مِن أدلَّةٍ عقليَّةٍ جليَّةٍ، يتبيَّنُ أن الإيمانَ بوجودِ الخالقِ قضيَّةٌ ضروريَّةٌ بديهيَّةٌ، مركوزةٌ في النفسِ والعقلِ، لا يخالِطُها ريبٌ ولا شكٌّ، ولا تحتاجُ لبرهانٍ إلا لمَن فسَدتْ فطرتُه.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
صاحبُ هذا السؤالِ يريدُ معرفةَ الموقفِ مِن شبهةٍ إلحاديَّةٍ يُرادُ بها نفيُ وجودِ الخالقِ؛ وهي: الاعتراضُ على وجودِهِ بالسؤالِ عن خالقِه.
مختصَرُ الإجابة:
هذا السؤالُ ليس جديدًا، بل هو قديمٌ، يوسوِسُ به الشيطانُ بين فترةٍ وأخرى بلغةِ كلِّ عصر.
والأجوبةُ عنه كثيرةٌ ومتداوَلةٌ، وإن كان يحسُنُ في كلِّ عصرٍ أن تُصاغَ بما يناسِبُ ذلك.
إن إثباتَ وجودِ اللهِ تعالى مبنيٌّ على قواعدَ عقليَّةٍ وفطريَّةٍ وحسِّيَّةٍ كثيرة.
ومنها: أشهَرُ قاعدةٍ عقليَّةٍ ضروريَّةٍ؛ وهي: «أن كلَّ حادثٍ لا بدَّ له مِن محدِثٍ»، وهي قاعدةٌ مركوزةٌ في الفِطَرِ والعقول؛ فمِن المعلومِ بالضرورةِ: أن الحادثَ بعد عدمِه، لا بدَّ له مِن محدِثٍ أحدَثهُ وأوجَدهُ؛ وهذه قضيَّةٌ ضروريَّةٌ معلومةٌ بالفطرةِ، حتى للصِّبْيان؛ فإن الصبيَّ لو ضرَبهُ ضاربٌ، وهو غافلٌ لا يُبصِرُهُ، لقال: «مَن ضرَبني؟»، فلو قيل له: «لم يَضرِبْكَ أحدٌ»، لم يَقبَلْ عقلُهُ أن تكونَ الضربةُ حدَثتْ مِن غيرِ محدِثٍ، بل يَعلَمُ أنه لا بدَّ للحادِثِ مِن محدِثٍ، فإذا قيل: «فلانٌ ضرَبكَ»، بكى؛ حتى يَضرِبَ ضاربَهُ، فكان في فطرتِهِ الإقرارُ بالصانعِ، والإقرارُ بالشرعِ الذي مَبْناهُ على العدل؛ وهذان رُكْنا الدِّينِ: التوحيدُ، والعدلُ؛ وهما فطريَّان.
فالقولُ بأن جنسَ المحدَثاتِ لا محدِثَ لها يُنافي هذه القاعدةَ العقليَّةَ الفطريَّةَ الضروريَّةَ.
والاعتراضُ بالسؤالِ عمَّن خلَقَ اللهَ: مبنيٌّ على تصوُّرٍ لوجودِ اللهِ مِن جنسِ وجودِ المحدَثاتِ، أي: أنه مسبوقٌ بالعدمِ، وهذا التصوُّرُ فاسدٌ، بل نحنُ نقولُ: إن اللهَ تعالى لا أوَّلَ له، ولا خالقَ له، بل هو الخالقُ للعالَمِ، ويمتنِعُ أن يكونَ له خالقٌ؛ لامتناعِ التسلسُلِ في العِلَلِ الفاعلةِ، وليس هو حادثًا، ولا مخلوقًا؛ حتى يُسْألَ عن محدِثِهِ، أو خالقِه.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
صاحبُ هذا السؤالِ يريدُ معرفةَ الموقفِ مِن شبهةٍ إلحاديَّةٍ يُرادُ بها نفيُ وجودِ الخالقِ؛ وهي: الاعتراضُ على وجودِهِ بالسؤالِ عن خالقِه.
مختصَرُ الإجابة:
هذا السؤالُ ليس جديدًا، بل هو قديمٌ، يوسوِسُ به الشيطانُ بين فترةٍ وأخرى بلغةِ كلِّ عصر.
والأجوبةُ عنه كثيرةٌ ومتداوَلةٌ، وإن كان يحسُنُ في كلِّ عصرٍ أن تُصاغَ بما يناسِبُ ذلك.
إن إثباتَ وجودِ اللهِ تعالى مبنيٌّ على قواعدَ عقليَّةٍ وفطريَّةٍ وحسِّيَّةٍ كثيرة.
ومنها: أشهَرُ قاعدةٍ عقليَّةٍ ضروريَّةٍ؛ وهي: «أن كلَّ حادثٍ لا بدَّ له مِن محدِثٍ»، وهي قاعدةٌ مركوزةٌ في الفِطَرِ والعقول؛ فمِن المعلومِ بالضرورةِ: أن الحادثَ بعد عدمِه، لا بدَّ له مِن محدِثٍ أحدَثهُ وأوجَدهُ؛ وهذه قضيَّةٌ ضروريَّةٌ معلومةٌ بالفطرةِ، حتى للصِّبْيان؛ فإن الصبيَّ لو ضرَبهُ ضاربٌ، وهو غافلٌ لا يُبصِرُهُ، لقال: «مَن ضرَبني؟»، فلو قيل له: «لم يَضرِبْكَ أحدٌ»، لم يَقبَلْ عقلُهُ أن تكونَ الضربةُ حدَثتْ مِن غيرِ محدِثٍ، بل يَعلَمُ أنه لا بدَّ للحادِثِ مِن محدِثٍ، فإذا قيل: «فلانٌ ضرَبكَ»، بكى؛ حتى يَضرِبَ ضاربَهُ، فكان في فطرتِهِ الإقرارُ بالصانعِ، والإقرارُ بالشرعِ الذي مَبْناهُ على العدل؛ وهذان رُكْنا الدِّينِ: التوحيدُ، والعدلُ؛ وهما فطريَّان.
فالقولُ بأن جنسَ المحدَثاتِ لا محدِثَ لها يُنافي هذه القاعدةَ العقليَّةَ الفطريَّةَ الضروريَّةَ.
والاعتراضُ بالسؤالِ عمَّن خلَقَ اللهَ: مبنيٌّ على تصوُّرٍ لوجودِ اللهِ مِن جنسِ وجودِ المحدَثاتِ، أي: أنه مسبوقٌ بالعدمِ، وهذا التصوُّرُ فاسدٌ، بل نحنُ نقولُ: إن اللهَ تعالى لا أوَّلَ له، ولا خالقَ له، بل هو الخالقُ للعالَمِ، ويمتنِعُ أن يكونَ له خالقٌ؛ لامتناعِ التسلسُلِ في العِلَلِ الفاعلةِ، وليس هو حادثًا، ولا مخلوقًا؛ حتى يُسْألَ عن محدِثِهِ، أو خالقِه.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
يُمكِنُ إزالةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن خلالِ النِّقاطِ التالية:
أوَّلًا: إذا كنَّا نقولُ: إن اللهَ قد خلَقَ الكونَ، فقد يَطرَأُ أن نَسْألَ: مَن خلَقَ اللهَ؟ ومَن خلَقَ خالقَ اللهِ؟ وهكذا إلى ما لا نهايةَ:
والطريقةُ الوحيدةُ عند الملاحدةِ للخروجِ مِن رجوعٍ لا نِهائيٍّ: هي إنكارُ وجودِ الله.
هذا السؤالُ بالتحديدِ يُظهِرُ أن السائلَ لدَيْهِ إلهٌ مخلوقٌ في عقلِه، ومما يُثيرُ الدهشةَ: أن يسمِّيَ أحدُهم - وهو رائدُ الإلحادِ الجديدِ (رِيتْشَارْد دُوكِينْز) - كتابَهُ «وَهْمَ الإلهِ»؛ فالعنوانُ المُفيدُ أكثرَ قد يكونُ: «وَهْمَ الإلهِ المخلوقِ»:
يقولُ (جون لِينْكِس) في مناقَشتِهِ لـ (دُويكِنْز)، بعد اقتراحِهِ هذا العنوانَ: «وقد يُختزَلُ الكتابُ إلى كتيِّبٍ، لكنَّ المَبيعاتِ قد تُعاني قليلًا».
ثانيًا: قولُ المَلاحِدةِ: «إذا كان لكلِّ موجودٍ مُوجِدٌ، ولكلِّ مخلوقٍ خالقٌ، فمَن خلَقَ اللهَ؟»:
فالجوابُ مِن وجهَيْن:
الوجهُ الأوَّلُ: أن إيرادَ هذا السؤالِ خطأٌ بيِّنٌ؛ ذلك أن قدرةَ اللهِ جلَّ جلالُهُ تتعلَّقُ بالممكِناتِ لا المستحيلاتِ، وأن يخلُقَ اللهُ إلهًا مِن المستحيلاتِ بلا شكٍّ؛ فلا تتعلَّقُ به القدرةُ؛ ذلك أن هذا الإلهَ الذي سيخلُقُهُ اللهُ سبحانه سيكونُ مخلوقًا، وإذا كان مخلوقًا، فبالضرورةِ لن يكونَ خالقًا؛ وبالتالي لا يصلُحُ أن يكونَ إلهًا.
الوجهُ الثاني: أننا لو قلنا بصحَّةِ السؤالِ، لأفضى ذلك إلى التسلسُلِ في العِلل؛ وهو محالٌ عقلًا.
وبيانُهُ: أننا إذا أجَبْنا على سؤالِ: مَن خلَقَ اللهَ؟ بالقولِ: «إنه خالقٌ آخَرُ»، فسوف يَرِدُ نفسُ السؤالِ على الخالِقِ الآخَرِ، فيُقالُ: مَن خلَقَ الخالقَ الآخَرَ؟ وهكذا دَوَالَيْكَ إلى ما لا نهايةَ، وفي المحصِّلةِ سنكونُ قد ارتكَبْنا محالَيْنِ عقليَّيْنِ: الأوَّلُ: نفيُ الخالق، والثاني: القولُ بتسلسُلِ عِلَلٍ لا نهايةَ لها.
فاللهُ سبحانه وتعالى كان قبل الكونِ، وهو مستقِلٌّ عنه؛ فالكونُ ليس انبعاثًا عن اللهِ، بل خلَقهُ اللهُ بعد العدَمِ، وليس الكونُ موجودًا مِن نفسِه.
ثالثًا: مِن تناقُضِ المَلاحِدةِ: أن المادَّةَ غيرَ العاقلةِ الخالدةَ مقبولةٌ على نحوٍ كاملٍ، لكنْ ليست ذاتُ اللهِ خالدةً حسَبَ زعمِهم.
فالحَقيقةُ: أن سؤالَ المَلاحِدةِ: «مَن خلَقَ اللهَ؟»، نُجيبُ عنه بسؤالٍ آخَرَ، وهو: هل هناك أيُّ شيءٍ أزليّ؟ فالسؤالُ عمَّن خلَقَ الصانعَ، يُظهِرُ أنه قد يكونُ لدى السائلِ صعوبةُ مفهوميَّةٍ مع تخيُّلِ وجودِ شيءٍ أزليٍّ غيرِ مخلوقٍ، لكنْ إن كانت هذه الحالُ، فهو مذنِبٌ بعدمِ اتِّساقٍ إضافيٍّ خطيرٍ، قد يعتقِدُ أحدُهم بأن نظرتَهُ للعالَمِ قد أجبَرَتْهُ على الاعتقادِ - بالاشتراكِ مع قدماءِ اليونانِ - في أن المادَّةَ والطاقةَ وقوانينَ الطبيعةِ كانت دائمًا هناك، فهي أزليَّةٌ أبديَّةٌ، فإذا كانت هذه الحالُ، فهو يعتقِدُ بخلودِ شيءٍ مَّا، وهو كُلُّ شيءٍ في الكونِ مِن حَوْلِنا!
وكذلك الشيوعيُّون المادِّيُّون يَرَوْنَ أن المادَّةَ غيرَ العاقلةِ الخالدةَ مقبولةٌ على نحوٍ كاملٍ، لكنْ ليست ذاتُ اللهِ خالدةً؛ فالعقلُ لم يكن إلى جانِبِهم، وليس إلى جانبِ الإلحادِ الجديدِ كذلك.
تأمَّلْ تناقُضَ المَلاحِدةِ بسؤالِهم هذَيْنِ السؤالَيْنِ: هل الطاقةُ خالدةٌ، لا بدايةَ ولا نهايةَ لها؟ نعَمْ، لكنْ هل ذاتُ اللهِ جلَّ جلالُهُ المنزَّهةُ عن صفاتِ النقصِ، لا أوَّلَ لها، ولا نهايةَ لها؟ لا.
أين العقلُ في هذا؟
رابعًا: الإيمانُ، والعلمُ، والفلسفةُ، وسؤالُ: مَن خلَقَ اللهَ؟:
التقاليدُ العِبْريَّةُ القديمةُ الموروثةُ مِن قبلِ المسيحيَّةِ والإسلامِ مختلِفةٌ جِدًّا، وكما نَعلَمُ: فإنها قبل قرونٍ مِن الفلاسفةِ اليونانيِّين، وهي تدرِّسُ أن المادَّةَ ليست خالدةً، الكونُ له بدايةٌ، وهناك فقطْ إلهٌ خالدٌ واحدٌ، هو خالقُ كلِّ شيءٍ.
ولكنْ كما قال بعضُ الفلاسفةِ: «القليلُ مِن الفلسفةِ يُبعِدُ عن اللهِ، لكنَّ الكثيرَ منها يرُدُّ إلى اللهِ»، وقد اختَرْنا بعضَ مقولاتٍ لعظماءَ مِن الفلاسفةِ الذين نصُّوا على وجودِ اللهِ سبحانه، والإيمانِ به:
* يقولُ أفلاطُون: «إن العالَمَ آيةٌ في الجمالِ والنظام، ولا يُمكِنُ أن يكونَ هذا نتيجةَ عِلَلٍ اتِّفاقيَّة، بل هو صُنْعُ عاقلٍ، توخَّى الخيرَ، ورتَّب كلَّ شيءٍ عن قصدٍ وحكمةٍ».
* ويقولُ دِيكارْت: «إنِّي مع شعوري بنقصٍ في ذاتي، أُحِسُّ في الوقتِ نفسِهِ بوجودِ ذاتٍ كاملةٍ، وأراني مضطرًّا إلى اعتقادي؛ لأن الشعورَ قد غرَسَتْهُ في ذاتي تلك الذاتُ الكاملةُ المتحلِّيَةُ بجميعِ صفاتِ الكمالِ؛ وهي ذاتُ الله».
* ويقولُ دِيكارْت أيضًا: «أنا موجودٌ؛ فمَن أوجَدَني؟ ومَن خلَقَني؟ إنني لم أخلُقْ نفسي؛ فلا بدَّ لي مِن خالقٍ، وهذا الخالقُ لا بدَّ أن يكونَ واجبَ الوجودِ، وغيرَ مفتقِرٍ إلى مَن يُوجِدُه، أو يَحفَظُ له وجودَه، ولا بدَّ أن يكونَ متَّصِفًا بكلِّ صفاتِ الجمالِ، وهذا الخالقُ هو اللهُ بارئُ كلِّ شيءٍ».
* ويقولُ أناكْساغُورَس، أحدُ فلاسفةِ اليونانِ الأوائلِ: «مِن المستحيلِ على قوَّةٍ عَمْياءَ أن تُبدِعَ هذا الجمالَ وهذا النظامَ، اللَّذَيْنِ يتجلَّيانِ في هذا العالَم؛ لأن القوَّةَ العمياءَ لا تُنتِجُ إلا الفَوْضى؛ فالذي يحرِّكُ المادَّةَ هو عقلٌ رشيدٌ، بصيرٌ حكيمٌ».
* ويقولُ باسْكال: «إن إدراكَنا لوجودِ اللهِ، هو مِن الإدراكاتِ الأوَّليَّة، التي لا تحتاجُ إلى جدَلِ البراهينِ العقليَّة؛ فإنه كان يُمكِنُ ألا أكونَ، لو كانت أمِّي ماتت قبل أن أُولَدَ حيًّا؛ فلستُ إذنْ كائنًا واجبَ الوجودِ، ولستُ دائمًا ولا نهائيًّا؛ فلا بدَّ مِن كائنٍ واجبِ الوجودِ، دائمٍ لا نهائيٍّ، يعتمِدُ عليه وجودي، وهو اللهُ الذي نُدرِكُ وجودَهُ إدراكًا أوَّليًّا، بدونِ أن نتورَّطَ في جدَلِ البراهينِ العقليَّة، ولكنْ على الذين لم يُقدَّرْ لهم هذا الإيمانُ القلبيُّ أن يَسْعَوْا للوصولِ إليه بعقولِهم ...».
وبهذه الثُّلَّةِ مِن أقوالِ هؤلاءِ الفلاسفةِ، وبما سبَقَ مِن أدلَّةٍ عقليَّةٍ جليَّةٍ، يتبيَّنُ أن الإيمانَ بوجودِ الخالقِ قضيَّةٌ ضروريَّةٌ بديهيَّةٌ، مركوزةٌ في النفسِ والعقلِ، لا يخالِطُها ريبٌ ولا شكٌّ، ولا تحتاجُ لبرهانٍ إلا لمَن فسَدتْ فطرتُه.