نص السؤال

دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الكونية، التي أثبتها العلم التجريبي

المؤلف: مجموعة مؤلفي بيان الإسلام

المصدر: موسوعة بيان الإسلام

الجواب التفصيلي

دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الكونية، التي أثبتها العلم التجريبي (*) 


مضمون الشبهة: 


يدعي بعض المغالطين أن هناك تعارضا بين القرآن والحقائق الكونية، ويستدلون على ذلك ببعض الحقائق والتساؤلات منها: 
•        أن الأرض ليست ثابتة بل متحركة، فكيف يقول القرآن إنها راسية وثابتة؟
•        أن القرآن جعل النجوم والكواكب في حجم الحجارة، ترمي بها الملائكة الشياطين، والعلم الحديث يثبت أن كل كوكب عالم متفرد في ذاته بمكوناته وضخامته. 
•        أن الأرض والسماء جرمان، وليس كل واحد منهما سبعة كما ورد في القرآن. 
•        ذكر المفسرون أن جبل "قاف" يحيط بالأرض كلها، وهذا خطأ؛ لأن العلم يبين أن أعلى قمة هي "إفرست". 
هادفين من وراء ذلك إلى التشكيك في الحقائق العلمية في القرآن بغية التشكيك فيه. 


وجوه إبطال الشبهة: 


1)  القرآن يذكر ثبات الأرض من الاضطراب، لا من الحركة، فهي متحركة بحركة متزنة لا اضطراب فيها. 
2)  النجوم والكواكب في حجم الحجارة للناظرين، لا بحسب الأصل، ولكن بحسب منظور الرؤية. 
3) الوحي قرر أن الله خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، وهذا يقين لا ريب فيه، وعلميا إذا كان العلم قد أثبت أن المجموعة الشمسية واحدة من مجموعات أخرى فلا يستبعد أن يكتشف الأراضي السبعة، والسماوات السبع. 
4)  هذا الحرف "قاف" في أول سورة "ق" هو من الحروف المقطعة وليس اسم جبل. 
5) شهادات بعض علماء الغرب والشرق المتخصصين في الدراسات الكونية، تؤكد سبق القرآن الكريم لكل العلوم والمعارف الكونية الحديثة، وتطابقها مع ما قرره. 


التفصيل: 


أولا. القرآن يذكر ثبات الأرض من الاضطراب، لا من الحركة؛ لأنها متحركة بحركة متزنة: 


في البداية يجب أن نشير إلى أنه لا بد أن تكون هذه المعلومات التجريبية وصلت مرحلة الحقيقة العلمية المستقرة المتفق عليها، فلا يجوز أن نجادل القرآن بنظريات تفسيرية لبعض ظواهر الكون، إذ إنه من الممكن أن تكون القضية العلمية عبارة عن تجارب لم تصل إلى حد الحقيقة الثابتة القطعية، مثل نظرية أن أصل الإنسان قرد، ثم مر بمراحل حتى وصل إلى هذا المستوى، والتي تتعارض مع كون ابتداء خلق الناس من آدم الذي خلقه الله تعالى مرة واحدة من غير تدرج.

 
وكذلك إن زعموا أن في القرآن تناقضا فلا بد أن يكون هذا التناقض من كل وجه، بحيث لا يحتمل حمل اللفظ على معنى آخر، فإن دلالة القرآن الظنية المعنى مما يمكن حملها على عدة معان، ومن هذه المعاني معان لا تخالف العلم، مثل دعوى المناقض أن الأرض تدور حول الشمس، حسب زعمهم -

لقوله الله تعالى:

(وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا (17))

(الكهف)

، فنسب فعل الدوران للشمس، وهذا غير صحيح؛ فإن اللفظ ليس قاطعا في هذا المعنى، بل إنه ابتدأ بقول: (وترى الشمس)، أي أن هذا الأمر بالنسبة لرؤية الإنسان، وسياق الآية كما هو ظاهر ليس مقصودا في إثبات دوران الأرض حول الشمس أو العكس، فلا ينبغي تحميل النص ما لا يحتمل، فإذا كانت المسألة في حقيقة علمية ثابتة، وهي تعارض نصا قرآنيا من كل وجه، فهنا يحدث التناقض. 


وقد وضح لنا د. منصور محمد حسب النبي في كتاب المعارف الكونية بين العلم والقرآن، القسم الأول، مدى تطابق العلم الحديث مع آيات القرآن الكونية فقال: 
جاء في سورة لقمان:

(خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم (10))

(لقمان)

. قالوا فكيف يقول القرآن إنها راسية وثابتة؟ وهذا يدل على أنهم لم يفهموا المعنى الحقيقي لكلمة تميد [1]. 
فمعنى تميد أي: تضطرب وتتزلزل، ولا يراد بالميدان مجرد حركة متزنة، والمصدر الثلاثي (فعلان) يأتي لإفادة هذا المعنى، مثل ميدان وغليان وثوران وجولان... وهكذا، والآية تذكر أن الله ثبت الأرض حتى يستطيع البشر أن يستقروا عليها في نومهم، ويزرعوا ويرعوا ماشيتهم، ولو كانت مضطربة ما استطاع الناس أن يطمئنوا عليها وأن يعملوا هذه الأعمال. 
نحن ننام في الطائرة وفي القطار وفي السفينة، فإذا اضطرب واحد منها استيقظنا وشعرنا بالتعب، وقد نطلب من السائق أن يعمل شيئا يسكنها لتثبت، ولا يعني تثبيته أنه يقف ولا يتحرك، بل أن ينقطع اضطرابه، وسيذكر القوم بعد معترضين على القرآن أنه ذكر

(وكل في فلك يسبحون (40))

(يس)

، وكل (كلمة تشمل الشمس وتوابعها من القمر والأرض والكواكب الأخرى، فالقرآن إذن يقرر حركة كل هذه الكواكب). 
وبهذا فالأرض ليست ساكنة، بل تتحرك عدة حركات متداخلة؛ لأن الكون كله لا يعرف السكون،

وصدق الله تعالى:

(كل يجري إلى أجل مسمى)

(لقمان: 29)  [2].


ثانيا. النجوم والكواكب في حجم الحجارة للناظرين، لا بحسب الأصل، ولكن بحسب منظور الرؤية: 

جاء في القرآن:

(ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير (5))

(الملك)

، وجاء أيضا:

(ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين (16) وحفظناها من كل شيطان رجيم (17) إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين (18))

(الحجر)

، وقال رجال المجلس الكنسي: إن القرآن جعل النجوم والكواكب في حجم الحجارة، ترمي بها الملائكة الشياطين، والعلم الحديث يثبت أن كل كوكب عالم ضخم. 
والذي في الآية أن هناك أجساما نارية تصيب الشياطين، ولم يذكر أن الشيطان يسقط عليه نجم أو أن الملائكة ترميه به، والعلم الحديث، ورواد الفضاء يتحدثون عن النيازك التي ترى في الفضاء الواسع مذنبات مضيئة، ومنها الناري الذي ينطفئ ويتفتت في سيره، وبعضها يصل إلى الأرض، وهي تشبه المقذوفات البركانية، والذين درسوا جغرافية فلكية يعرفون هذا، فهذه المقذوفات قطع تنفصل من الكواكب وتتحرك في الفضاء، خصوصا إذا كان النجم أو الكوكب قريبا من الأرض، والله تعالى يصيب بها من يشاء ويحفظ بها من يشاء، وقد تكون قطعا باردة ولكنها مضيئة كالقمر. أما سماع نوابغ العصر أصحاب تيموثاوس أن الذين نزلوا على سطح القمر رأوا هناك جهات ساكنة نارها، وأخرى ملتهبة؟ وأنهم رأوا الأرض مشعة كما نرى نحن القمر؟ وأن الفضاء مليء بقطع نارية سابحة، ومنها ما يصل إلى الأرض؟ فهذه أشياء لا أصل لها من الصحة في الاكتشافات العلمية الحديثة. 


ثالثا. أخبر الله أنه خلق سبع سماوات، ومن الأرض مثلهن، وأكد الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الإخبار: 


وإذا كان العلم الحديث قد أثبت أن المجموعة الشمسية التي يتعلق بها عالمنا هذا ليست إلا واحدة من مجموعات أخرى لا يعلمها إلا الله، فلا يستبعد أن يتوصل العلم الحديث إلى الأراضين السبع والسماوات السبع، وإن كنا لسنا في حاجة إلى إثبات العلم الحديث بعد ما جاء الوحي في القرآن والسنة يقرر عدد السماوات والأرض؛ ذلك ل

أنه جاء في القرآن:

(الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما (12))

(الطلاق)،

وجاء:

(والله جعل لكم الأرض بساطا (19))

(نوح)،

وجاء:

(يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون (21) الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون (22))

(البقرة)،

وجاء هذا ومثله في آيات أخرى، وخطؤه في نظر رجال المجلس أن الأرض كوكب واحد وليست سبعة، وكذلك السماء! 
والآية الأولى جاءت في ختام سورة الطلاق، وهي تلفت الأنظار إلى قدرة الله تعالى البالغة:

(الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما (12))

(الطلاق). 


آية عجيبة رهيبة تبين ضآلة الإنسان في هذا الكون العظيم، ويقف غير واحد من الكتاب مذهولا أمام التعبير، وأمام مدلوله، وأمام هذا الإعجاز القرآني. 
ما هذه السماوات؟ وما هذه الأرضون؟ كل ينظر من زاوية خاصة، وكل يجد في الآية ما يبهره. 
قد تكون السماء التي توصل علمنا إليها بكل ما فيها من كواكب ونجوم وأفلاك إحدى سماوات سبع، والكرة الأرضية التي نعيش عليها هي أيضا كذلك! إن علم الفلك الحديث يؤيد هذا، ويذكر أن المجموعة الشمسية التي يتعلق بها عالمنا هذا ليست إلا واحدة من مجموعات أخرى لا يعلمها إلا الله الذي خلقها. 
وفي آية سورة الطلاق نلاحظ أن لفظ سماوات أتى دون ذكر كلمة طباقا كوصف قرآني لها، وبهذا يجب علينا أن نصرف النظر عن وجود طبقات سبع داخل أرضنا كما تخيل بعض المفسرين لهذه الآية مجازا دون وجه حق، فالآية تشير صراحة إلى حقيقة وجود عدد من الأرضين بنفس عدد السماوات السبع، ويؤيد ذلك أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما يلي: 

•       «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين»

[3]. 

•   «ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة»

[4]. 

•       «اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن»

[5]. 


وكل هذه الأحاديث النبوية تؤكد أن لكل أرض سماء تعلوها، وأن هناك ارتباطا بينهما، فلا سماء بدون أرض ولا أرض بدون سماء، كما يتضح أيضا من بديعيات

قوله تعالى:

(وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين (44))

(هود)،

وبهذا فالأرض والسماء متلازمان، فإذا كان هناك سبع سماوات، فلا بد أن يكون هناك سبع أرضين [6]. 


رابعا. "قاف" حرف من الحروف المقطعة التي بدأت بها أوائل السور، ولا يعلم المقصود منه إلا الله: 


إن ما روي عن بعض المفسرين أن "ق" جبل يحيط بالأرض فإنه رأي مرجوح وليس عليه أكثر المفسرين، والراجح أن "ق" حرف من الحروف المقطعة التي لا يعلم المراد به إلا الله تعالى، ويؤيد هذا ما ذهب إليه الإمام الطاهر ابن عاشور عند تفسيره لهذه الآية فيقول: إن القول فيه - أي: في الحرف "ق" - نظير القول في أمثاله من الحروف المقطعة الواقعة في أوائل السور، فهو حرف من حروف التهجي، وقد سموه في المصحف بصورة حرف القاف التي يتهجى بها في الكتب، وأجمعوا على أن النطق بها باسم الحرف المعروف... وقد أجمع من يعتد به من القراء على النطق به ساكن الآخر، سكون هجاء في الوصل والوقف، ووقع في رواية بعض القصاصين المكذوبة عن ابن عباس أن المراد بقوله: ق: اسم جبل عظيم محيط بالأرض... وهذا مما ينبغي ترفع العلماء عن الاشتغال بذكره. ومن العجيب أن تفرض هذه الأوهام في تفسير هذا الحرف من القرآن، ألم يكفهم أنه مكتوب على صورة حروف التهجي مثل: آلم وآلمص؟! ولو أريد الجبل الموهوم لكتب " قاف" ثلاثة حروف مثل: عين: اسم الجارحة، وغينش: مصدر غان عليه، فلا يصح أن يدل على هذه الأسماء بحروف التهجي كما لا يخفى [7]. 


خامسا. شهادات علماء الغرب بسبق القرآن للدراسات الكونية الحديثة وتطابقها معه: 


إن المنصفين من أهل الملل الأخرى شهدوا بأن القرآن لا يتعارض مع العلم أبدا. يقول إبراهيم خليل: يرتبط هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعجاز أبد الدهر بما يخبرنا به المسيح  في قوله عنه: "ويخبركم بأمور آتية". وهذا الإعجاز هو القرآن الكريم، معجزة الرسول الباقية ما بقي الزمان، فالقرآن الكريم يسبق العلم الحديث في كل مناحيه؛ من طب وفلك وجغرافيا وجيولوجيا وقانون واجتماع وتاريخ… ففي أيامنا هذه استطاع العلم أن يرى ما سبق إليه القرآن بالبيان والتعريف"، وقال: أعتقد يقينا أني لو كنت إنسانا وجوديا لا يؤمن برسالة من الرسالات السماوية، وجاءني نفر من الناس، وحدثني بما سبق به القرآن العلم الحديث في كل مناحيه؛ لآمنت برب العزة والجبروت خالق السماوات والأرض، ولن أشرك به أحدا". 


وقال بوتر: عندما أكملت قراءة القرآن الكريم، غمرني شعور بأن هذا هو الحق، الذي يشتمل على الإجابات الشافية حول مسائل الخلق وغيرها، وأنه يقدم لنا الأحداث بطريقة منطقية، نجدها متناقضة مع بعضها في غيره من الكتب الدينية، أما القرآن فيتحدث عنها في نسق رائع، وأسلوب قاطع لا يدع مجالا للشك بأن هذه هي الحقيقة، وأن هذا الكلام هو من عند الله لا محالة". وقال بوتر أيضا: كيف استطاع محمد الرجل الأمي الذي نشأ في بيئة جاهلية، أن يعرف معجزات الكون التي وصفها القرآن الكريم، والتي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها؟ لا بد إذن أن يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل". 


وقال حتى: "إن أسلوب القرآن مختلف عن غيره، ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن يقلد، وهذا في أساسه هو إعجاز القرآن.. فمن جميع المعجزات كان القرآن هو المعجزة الكبرى". ولقد ألف د. مراد هوفمان - سفير ألمانيا السابق بالرباط - كتاب "الإسلام كبديل" [8]، وفيه شهادات كثيرة على إعجاز القرآن وصدقه وصدق النبي وكمال التشريع. 
ومن الذين تخصصوا في هذا المجال، وكان من أشد الناس عداوة للقرآن والرسول د. موريس بوكاي، وكان كلما جاءه مريض مسلم يحتاج إلى العلاج الجراحي، فإنه إذا أتم علاجه يقول له: ماذا تقول في القرآن، هل هو من عند الله أنزله على محمد، أم من كلام محمد نسبه إلى الله افتراء عليه؟ فإذا أجاب المريض بأنه من الله، وأن محمدا صادق، قال: أنا أعتقد أنه ليس من عند الله وأن محمدا ليس بصادق. 


وبقي على ذلك زمانا حتى جاءه الملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية الراحل، يقول بوكاي: فعالجته جراحيا حتى شفي، فألقيت عليه نفس السؤال، فقال لي: هل قرأت القرآن؟ فقلت: نعم مرارا وتأملته، فقال لي: بلغته أم بترجمة؟ فقلت: بالترجمة، فقال: إذن أنت تقلد المترجم، والمقلد لا علم له؛ إذ لم يطلع على الحقيقة، لكنه أخبر بشيء فصدقته، والمترجم ليس معصوما من الخطأ والتحريف عمدا، فعاهدني أن تتعلم اللغة العربية وتقرأ القرآن بها، وأنا أرجو أن يتبدل اعتقادك الخاطئ هذا. قال: فتعجبت من جوابه، ووضعت يدي في يده وعاهدته على ألا أتكلم في القرآن حتى أتعلم العربية، وذهبت من يومي إلى الجامعة الكبرى بباريس، وتعلمت اللغة العربية في سنتين، وأنا آخذ يوميا درسا حتى يوم عطلتي، ثم قرأت القرآن بإمعان، ووجدته الكتاب الوحيد الذي يضطر المثقف بالعلوم العصرية أن يؤمن بأنه من الله، لا يزيد حرفا ولا ينقص، وأما التوراة والأناجيل الأربعة ففيها كذب كثير لا يستطيع عالم عصري أن يصدقها [9]. 


وكانت ثمرة هذه الدراسة العميقة للقرآن تأليف كتابه المشهور "التوراة والإنجيل والقرآن بمقياس العلم الحديث"، ومما قاله بوكاي في هذا الكتاب: "لقد قمت أولا بدراسة القرآن الكريم، وذلك دون أي فكر مسبق، وبموضوعية تامة بحثا عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث، وكنت أعرف - قبل هذه الدراسة وعن طريق الترجمات - أن القرآن يذكر أنواعا كثيرة من الظواهر الطبيعية، لكن معرفتي كانت وجيزة، وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث". 


الخلاصة: 


•   لقد تقرر لدى الناس جميعا - إلا من كابر عن الاعتراف بالحق - أن القرآن الكريم وحي من عند الله تعالى الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإذا كان كذلك فكل حقيقة علمية مصدرها الوحي المعصوم سواء أثبتها العلم الحديث أو لم يتوصل إلى إثباتها، فنحن نؤمن أن ما جاء في القرآن هو الحق، فالقرآن أثبت أن الأرض وسائر الكواكب متحركة بحركة ثابتة مقدرة مضبوطة ليس فيها اضطراب، ولو اضطربت لدمرت الدنيا، وحسبك في ذلك عمليات المد والجزر، وهذا ليس اضطرابا، وإنما إرادة إلهية بقدر معين. 
•   وأما النجوم فإذا كانت في حجم الحجارة، فإن ذلك بحسب النظر الإنساني القاصر إلا أن هذه النجوم والكواكب عالم كبير وضخم لا يعلم حقيقته إلا الله. 
•   ولقد قرر الوحي أن الله تعالى خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، وإذا لم يتوصل العلم الحديث إلى كنه السماوات والأرض، وحدود كل واحد منهما بالتحديد، فإنما هذا من قصور في العلم الإنساني، ولعله يكتشف ذلك فيما بعد، خاصة وأنه قرر أن المجموعة الشمسية التي يتعلق بها عالمنا واحدة من بين مجموعات كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى. 
•   القرآن الكريم لم يقرر أن "ق" اسم جبل، وإلا لذكر ذلك صراحة إما في القرآن أو أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر عن اسم جبل أحد، ولكن "ق" هذا من الحروف المقطعة التي لا يعلم المراد منها إلا الله تعالى، فهذا مما استأثر الله تعالى بعلمه. 
•   شهد بعض علماء الغرب الذين تخصصوا في الدراسات الكونية، أن الحقائق الكونية الحديثة تتطابق مع جاء في القرآن الكريم، وأن القرآن سبق كل هذه الاكتشافات العلمية بآلاف السنيين، وهذا يدل على أن القرآن الكريم ليس كلام بشر، ولكنه كلام الله عز وجل. 

المراجع

  1. (*) هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي، موقع إسلاميات www.islameyat.com [1]. تميد: تتحرك.
  2. المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور محمد حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1418هـ/ 1998م، ص266 وما بعدها.
  3. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين (3023)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغضب الأرض (4222).
  4. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب البر والإحسان، باب ما جاء في الطاعات وثوابها (361)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (109).
  5.  صحيح: أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب الدعاء عند رؤية القرية التي يريد دخولها (8827)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب المسافر (2709)، وصححه الألباني في الكلم الطيب (179).
  6.  المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور محمد حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1418هـ/ 1998م، ص242، 243.
  7. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس، د. ت، مج12، ج26، ص275، 276 بتصرف.
  8. من منشورات مكتبة العبيكان، الرياض، ط3، 2001م.
  9. مقال في مجلة "السمو"، العدد الثاني، نوفمبر 2001م، د. وليد الطبطبائي بعنوان "الملك فيصل يدعو الجراح العالمي موريس بوكاي للإسلام"، وذكر في المقدمة أن هذه القصة موجودة في كتاب "نوادر التاريخ" لصالح محمد الزمام. 


الجواب التفصيلي

دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الكونية، التي أثبتها العلم التجريبي (*) 


مضمون الشبهة: 


يدعي بعض المغالطين أن هناك تعارضا بين القرآن والحقائق الكونية، ويستدلون على ذلك ببعض الحقائق والتساؤلات منها: 
•        أن الأرض ليست ثابتة بل متحركة، فكيف يقول القرآن إنها راسية وثابتة؟
•        أن القرآن جعل النجوم والكواكب في حجم الحجارة، ترمي بها الملائكة الشياطين، والعلم الحديث يثبت أن كل كوكب عالم متفرد في ذاته بمكوناته وضخامته. 
•        أن الأرض والسماء جرمان، وليس كل واحد منهما سبعة كما ورد في القرآن. 
•        ذكر المفسرون أن جبل "قاف" يحيط بالأرض كلها، وهذا خطأ؛ لأن العلم يبين أن أعلى قمة هي "إفرست". 
هادفين من وراء ذلك إلى التشكيك في الحقائق العلمية في القرآن بغية التشكيك فيه. 


وجوه إبطال الشبهة: 


1)  القرآن يذكر ثبات الأرض من الاضطراب، لا من الحركة، فهي متحركة بحركة متزنة لا اضطراب فيها. 
2)  النجوم والكواكب في حجم الحجارة للناظرين، لا بحسب الأصل، ولكن بحسب منظور الرؤية. 
3) الوحي قرر أن الله خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، وهذا يقين لا ريب فيه، وعلميا إذا كان العلم قد أثبت أن المجموعة الشمسية واحدة من مجموعات أخرى فلا يستبعد أن يكتشف الأراضي السبعة، والسماوات السبع. 
4)  هذا الحرف "قاف" في أول سورة "ق" هو من الحروف المقطعة وليس اسم جبل. 
5) شهادات بعض علماء الغرب والشرق المتخصصين في الدراسات الكونية، تؤكد سبق القرآن الكريم لكل العلوم والمعارف الكونية الحديثة، وتطابقها مع ما قرره. 


التفصيل: 


أولا. القرآن يذكر ثبات الأرض من الاضطراب، لا من الحركة؛ لأنها متحركة بحركة متزنة: 


في البداية يجب أن نشير إلى أنه لا بد أن تكون هذه المعلومات التجريبية وصلت مرحلة الحقيقة العلمية المستقرة المتفق عليها، فلا يجوز أن نجادل القرآن بنظريات تفسيرية لبعض ظواهر الكون، إذ إنه من الممكن أن تكون القضية العلمية عبارة عن تجارب لم تصل إلى حد الحقيقة الثابتة القطعية، مثل نظرية أن أصل الإنسان قرد، ثم مر بمراحل حتى وصل إلى هذا المستوى، والتي تتعارض مع كون ابتداء خلق الناس من آدم الذي خلقه الله تعالى مرة واحدة من غير تدرج.

 
وكذلك إن زعموا أن في القرآن تناقضا فلا بد أن يكون هذا التناقض من كل وجه، بحيث لا يحتمل حمل اللفظ على معنى آخر، فإن دلالة القرآن الظنية المعنى مما يمكن حملها على عدة معان، ومن هذه المعاني معان لا تخالف العلم، مثل دعوى المناقض أن الأرض تدور حول الشمس، حسب زعمهم -

لقوله الله تعالى:

(وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا (17))

(الكهف)

، فنسب فعل الدوران للشمس، وهذا غير صحيح؛ فإن اللفظ ليس قاطعا في هذا المعنى، بل إنه ابتدأ بقول: (وترى الشمس)، أي أن هذا الأمر بالنسبة لرؤية الإنسان، وسياق الآية كما هو ظاهر ليس مقصودا في إثبات دوران الأرض حول الشمس أو العكس، فلا ينبغي تحميل النص ما لا يحتمل، فإذا كانت المسألة في حقيقة علمية ثابتة، وهي تعارض نصا قرآنيا من كل وجه، فهنا يحدث التناقض. 


وقد وضح لنا د. منصور محمد حسب النبي في كتاب المعارف الكونية بين العلم والقرآن، القسم الأول، مدى تطابق العلم الحديث مع آيات القرآن الكونية فقال: 
جاء في سورة لقمان:

(خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم (10))

(لقمان)

. قالوا فكيف يقول القرآن إنها راسية وثابتة؟ وهذا يدل على أنهم لم يفهموا المعنى الحقيقي لكلمة تميد [1]. 
فمعنى تميد أي: تضطرب وتتزلزل، ولا يراد بالميدان مجرد حركة متزنة، والمصدر الثلاثي (فعلان) يأتي لإفادة هذا المعنى، مثل ميدان وغليان وثوران وجولان... وهكذا، والآية تذكر أن الله ثبت الأرض حتى يستطيع البشر أن يستقروا عليها في نومهم، ويزرعوا ويرعوا ماشيتهم، ولو كانت مضطربة ما استطاع الناس أن يطمئنوا عليها وأن يعملوا هذه الأعمال. 
نحن ننام في الطائرة وفي القطار وفي السفينة، فإذا اضطرب واحد منها استيقظنا وشعرنا بالتعب، وقد نطلب من السائق أن يعمل شيئا يسكنها لتثبت، ولا يعني تثبيته أنه يقف ولا يتحرك، بل أن ينقطع اضطرابه، وسيذكر القوم بعد معترضين على القرآن أنه ذكر

(وكل في فلك يسبحون (40))

(يس)

، وكل (كلمة تشمل الشمس وتوابعها من القمر والأرض والكواكب الأخرى، فالقرآن إذن يقرر حركة كل هذه الكواكب). 
وبهذا فالأرض ليست ساكنة، بل تتحرك عدة حركات متداخلة؛ لأن الكون كله لا يعرف السكون،

وصدق الله تعالى:

(كل يجري إلى أجل مسمى)

(لقمان: 29)  [2].


ثانيا. النجوم والكواكب في حجم الحجارة للناظرين، لا بحسب الأصل، ولكن بحسب منظور الرؤية: 

جاء في القرآن:

(ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير (5))

(الملك)

، وجاء أيضا:

(ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين (16) وحفظناها من كل شيطان رجيم (17) إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين (18))

(الحجر)

، وقال رجال المجلس الكنسي: إن القرآن جعل النجوم والكواكب في حجم الحجارة، ترمي بها الملائكة الشياطين، والعلم الحديث يثبت أن كل كوكب عالم ضخم. 
والذي في الآية أن هناك أجساما نارية تصيب الشياطين، ولم يذكر أن الشيطان يسقط عليه نجم أو أن الملائكة ترميه به، والعلم الحديث، ورواد الفضاء يتحدثون عن النيازك التي ترى في الفضاء الواسع مذنبات مضيئة، ومنها الناري الذي ينطفئ ويتفتت في سيره، وبعضها يصل إلى الأرض، وهي تشبه المقذوفات البركانية، والذين درسوا جغرافية فلكية يعرفون هذا، فهذه المقذوفات قطع تنفصل من الكواكب وتتحرك في الفضاء، خصوصا إذا كان النجم أو الكوكب قريبا من الأرض، والله تعالى يصيب بها من يشاء ويحفظ بها من يشاء، وقد تكون قطعا باردة ولكنها مضيئة كالقمر. أما سماع نوابغ العصر أصحاب تيموثاوس أن الذين نزلوا على سطح القمر رأوا هناك جهات ساكنة نارها، وأخرى ملتهبة؟ وأنهم رأوا الأرض مشعة كما نرى نحن القمر؟ وأن الفضاء مليء بقطع نارية سابحة، ومنها ما يصل إلى الأرض؟ فهذه أشياء لا أصل لها من الصحة في الاكتشافات العلمية الحديثة. 


ثالثا. أخبر الله أنه خلق سبع سماوات، ومن الأرض مثلهن، وأكد الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الإخبار: 


وإذا كان العلم الحديث قد أثبت أن المجموعة الشمسية التي يتعلق بها عالمنا هذا ليست إلا واحدة من مجموعات أخرى لا يعلمها إلا الله، فلا يستبعد أن يتوصل العلم الحديث إلى الأراضين السبع والسماوات السبع، وإن كنا لسنا في حاجة إلى إثبات العلم الحديث بعد ما جاء الوحي في القرآن والسنة يقرر عدد السماوات والأرض؛ ذلك ل

أنه جاء في القرآن:

(الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما (12))

(الطلاق)،

وجاء:

(والله جعل لكم الأرض بساطا (19))

(نوح)،

وجاء:

(يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون (21) الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون (22))

(البقرة)،

وجاء هذا ومثله في آيات أخرى، وخطؤه في نظر رجال المجلس أن الأرض كوكب واحد وليست سبعة، وكذلك السماء! 
والآية الأولى جاءت في ختام سورة الطلاق، وهي تلفت الأنظار إلى قدرة الله تعالى البالغة:

(الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما (12))

(الطلاق). 


آية عجيبة رهيبة تبين ضآلة الإنسان في هذا الكون العظيم، ويقف غير واحد من الكتاب مذهولا أمام التعبير، وأمام مدلوله، وأمام هذا الإعجاز القرآني. 
ما هذه السماوات؟ وما هذه الأرضون؟ كل ينظر من زاوية خاصة، وكل يجد في الآية ما يبهره. 
قد تكون السماء التي توصل علمنا إليها بكل ما فيها من كواكب ونجوم وأفلاك إحدى سماوات سبع، والكرة الأرضية التي نعيش عليها هي أيضا كذلك! إن علم الفلك الحديث يؤيد هذا، ويذكر أن المجموعة الشمسية التي يتعلق بها عالمنا هذا ليست إلا واحدة من مجموعات أخرى لا يعلمها إلا الله الذي خلقها. 
وفي آية سورة الطلاق نلاحظ أن لفظ سماوات أتى دون ذكر كلمة طباقا كوصف قرآني لها، وبهذا يجب علينا أن نصرف النظر عن وجود طبقات سبع داخل أرضنا كما تخيل بعض المفسرين لهذه الآية مجازا دون وجه حق، فالآية تشير صراحة إلى حقيقة وجود عدد من الأرضين بنفس عدد السماوات السبع، ويؤيد ذلك أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما يلي: 

•       «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين»

[3]. 

•   «ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة»

[4]. 

•       «اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن»

[5]. 


وكل هذه الأحاديث النبوية تؤكد أن لكل أرض سماء تعلوها، وأن هناك ارتباطا بينهما، فلا سماء بدون أرض ولا أرض بدون سماء، كما يتضح أيضا من بديعيات

قوله تعالى:

(وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين (44))

(هود)،

وبهذا فالأرض والسماء متلازمان، فإذا كان هناك سبع سماوات، فلا بد أن يكون هناك سبع أرضين [6]. 


رابعا. "قاف" حرف من الحروف المقطعة التي بدأت بها أوائل السور، ولا يعلم المقصود منه إلا الله: 


إن ما روي عن بعض المفسرين أن "ق" جبل يحيط بالأرض فإنه رأي مرجوح وليس عليه أكثر المفسرين، والراجح أن "ق" حرف من الحروف المقطعة التي لا يعلم المراد به إلا الله تعالى، ويؤيد هذا ما ذهب إليه الإمام الطاهر ابن عاشور عند تفسيره لهذه الآية فيقول: إن القول فيه - أي: في الحرف "ق" - نظير القول في أمثاله من الحروف المقطعة الواقعة في أوائل السور، فهو حرف من حروف التهجي، وقد سموه في المصحف بصورة حرف القاف التي يتهجى بها في الكتب، وأجمعوا على أن النطق بها باسم الحرف المعروف... وقد أجمع من يعتد به من القراء على النطق به ساكن الآخر، سكون هجاء في الوصل والوقف، ووقع في رواية بعض القصاصين المكذوبة عن ابن عباس أن المراد بقوله: ق: اسم جبل عظيم محيط بالأرض... وهذا مما ينبغي ترفع العلماء عن الاشتغال بذكره. ومن العجيب أن تفرض هذه الأوهام في تفسير هذا الحرف من القرآن، ألم يكفهم أنه مكتوب على صورة حروف التهجي مثل: آلم وآلمص؟! ولو أريد الجبل الموهوم لكتب " قاف" ثلاثة حروف مثل: عين: اسم الجارحة، وغينش: مصدر غان عليه، فلا يصح أن يدل على هذه الأسماء بحروف التهجي كما لا يخفى [7]. 


خامسا. شهادات علماء الغرب بسبق القرآن للدراسات الكونية الحديثة وتطابقها معه: 


إن المنصفين من أهل الملل الأخرى شهدوا بأن القرآن لا يتعارض مع العلم أبدا. يقول إبراهيم خليل: يرتبط هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعجاز أبد الدهر بما يخبرنا به المسيح  في قوله عنه: "ويخبركم بأمور آتية". وهذا الإعجاز هو القرآن الكريم، معجزة الرسول الباقية ما بقي الزمان، فالقرآن الكريم يسبق العلم الحديث في كل مناحيه؛ من طب وفلك وجغرافيا وجيولوجيا وقانون واجتماع وتاريخ… ففي أيامنا هذه استطاع العلم أن يرى ما سبق إليه القرآن بالبيان والتعريف"، وقال: أعتقد يقينا أني لو كنت إنسانا وجوديا لا يؤمن برسالة من الرسالات السماوية، وجاءني نفر من الناس، وحدثني بما سبق به القرآن العلم الحديث في كل مناحيه؛ لآمنت برب العزة والجبروت خالق السماوات والأرض، ولن أشرك به أحدا". 


وقال بوتر: عندما أكملت قراءة القرآن الكريم، غمرني شعور بأن هذا هو الحق، الذي يشتمل على الإجابات الشافية حول مسائل الخلق وغيرها، وأنه يقدم لنا الأحداث بطريقة منطقية، نجدها متناقضة مع بعضها في غيره من الكتب الدينية، أما القرآن فيتحدث عنها في نسق رائع، وأسلوب قاطع لا يدع مجالا للشك بأن هذه هي الحقيقة، وأن هذا الكلام هو من عند الله لا محالة". وقال بوتر أيضا: كيف استطاع محمد الرجل الأمي الذي نشأ في بيئة جاهلية، أن يعرف معجزات الكون التي وصفها القرآن الكريم، والتي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها؟ لا بد إذن أن يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل". 


وقال حتى: "إن أسلوب القرآن مختلف عن غيره، ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن يقلد، وهذا في أساسه هو إعجاز القرآن.. فمن جميع المعجزات كان القرآن هو المعجزة الكبرى". ولقد ألف د. مراد هوفمان - سفير ألمانيا السابق بالرباط - كتاب "الإسلام كبديل" [8]، وفيه شهادات كثيرة على إعجاز القرآن وصدقه وصدق النبي وكمال التشريع. 
ومن الذين تخصصوا في هذا المجال، وكان من أشد الناس عداوة للقرآن والرسول د. موريس بوكاي، وكان كلما جاءه مريض مسلم يحتاج إلى العلاج الجراحي، فإنه إذا أتم علاجه يقول له: ماذا تقول في القرآن، هل هو من عند الله أنزله على محمد، أم من كلام محمد نسبه إلى الله افتراء عليه؟ فإذا أجاب المريض بأنه من الله، وأن محمدا صادق، قال: أنا أعتقد أنه ليس من عند الله وأن محمدا ليس بصادق. 


وبقي على ذلك زمانا حتى جاءه الملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية الراحل، يقول بوكاي: فعالجته جراحيا حتى شفي، فألقيت عليه نفس السؤال، فقال لي: هل قرأت القرآن؟ فقلت: نعم مرارا وتأملته، فقال لي: بلغته أم بترجمة؟ فقلت: بالترجمة، فقال: إذن أنت تقلد المترجم، والمقلد لا علم له؛ إذ لم يطلع على الحقيقة، لكنه أخبر بشيء فصدقته، والمترجم ليس معصوما من الخطأ والتحريف عمدا، فعاهدني أن تتعلم اللغة العربية وتقرأ القرآن بها، وأنا أرجو أن يتبدل اعتقادك الخاطئ هذا. قال: فتعجبت من جوابه، ووضعت يدي في يده وعاهدته على ألا أتكلم في القرآن حتى أتعلم العربية، وذهبت من يومي إلى الجامعة الكبرى بباريس، وتعلمت اللغة العربية في سنتين، وأنا آخذ يوميا درسا حتى يوم عطلتي، ثم قرأت القرآن بإمعان، ووجدته الكتاب الوحيد الذي يضطر المثقف بالعلوم العصرية أن يؤمن بأنه من الله، لا يزيد حرفا ولا ينقص، وأما التوراة والأناجيل الأربعة ففيها كذب كثير لا يستطيع عالم عصري أن يصدقها [9]. 


وكانت ثمرة هذه الدراسة العميقة للقرآن تأليف كتابه المشهور "التوراة والإنجيل والقرآن بمقياس العلم الحديث"، ومما قاله بوكاي في هذا الكتاب: "لقد قمت أولا بدراسة القرآن الكريم، وذلك دون أي فكر مسبق، وبموضوعية تامة بحثا عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث، وكنت أعرف - قبل هذه الدراسة وعن طريق الترجمات - أن القرآن يذكر أنواعا كثيرة من الظواهر الطبيعية، لكن معرفتي كانت وجيزة، وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث". 


الخلاصة: 


•   لقد تقرر لدى الناس جميعا - إلا من كابر عن الاعتراف بالحق - أن القرآن الكريم وحي من عند الله تعالى الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإذا كان كذلك فكل حقيقة علمية مصدرها الوحي المعصوم سواء أثبتها العلم الحديث أو لم يتوصل إلى إثباتها، فنحن نؤمن أن ما جاء في القرآن هو الحق، فالقرآن أثبت أن الأرض وسائر الكواكب متحركة بحركة ثابتة مقدرة مضبوطة ليس فيها اضطراب، ولو اضطربت لدمرت الدنيا، وحسبك في ذلك عمليات المد والجزر، وهذا ليس اضطرابا، وإنما إرادة إلهية بقدر معين. 
•   وأما النجوم فإذا كانت في حجم الحجارة، فإن ذلك بحسب النظر الإنساني القاصر إلا أن هذه النجوم والكواكب عالم كبير وضخم لا يعلم حقيقته إلا الله. 
•   ولقد قرر الوحي أن الله تعالى خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، وإذا لم يتوصل العلم الحديث إلى كنه السماوات والأرض، وحدود كل واحد منهما بالتحديد، فإنما هذا من قصور في العلم الإنساني، ولعله يكتشف ذلك فيما بعد، خاصة وأنه قرر أن المجموعة الشمسية التي يتعلق بها عالمنا واحدة من بين مجموعات كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى. 
•   القرآن الكريم لم يقرر أن "ق" اسم جبل، وإلا لذكر ذلك صراحة إما في القرآن أو أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر عن اسم جبل أحد، ولكن "ق" هذا من الحروف المقطعة التي لا يعلم المراد منها إلا الله تعالى، فهذا مما استأثر الله تعالى بعلمه. 
•   شهد بعض علماء الغرب الذين تخصصوا في الدراسات الكونية، أن الحقائق الكونية الحديثة تتطابق مع جاء في القرآن الكريم، وأن القرآن سبق كل هذه الاكتشافات العلمية بآلاف السنيين، وهذا يدل على أن القرآن الكريم ليس كلام بشر، ولكنه كلام الله عز وجل. 

المراجع

  1. (*) هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي، موقع إسلاميات www.islameyat.com [1]. تميد: تتحرك.
  2. المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور محمد حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1418هـ/ 1998م، ص266 وما بعدها.
  3. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين (3023)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغضب الأرض (4222).
  4. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب البر والإحسان، باب ما جاء في الطاعات وثوابها (361)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (109).
  5.  صحيح: أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب الدعاء عند رؤية القرية التي يريد دخولها (8827)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب المسافر (2709)، وصححه الألباني في الكلم الطيب (179).
  6.  المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور محمد حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1418هـ/ 1998م، ص242، 243.
  7. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس، د. ت، مج12، ج26، ص275، 276 بتصرف.
  8. من منشورات مكتبة العبيكان، الرياض، ط3، 2001م.
  9. مقال في مجلة "السمو"، العدد الثاني، نوفمبر 2001م، د. وليد الطبطبائي بعنوان "الملك فيصل يدعو الجراح العالمي موريس بوكاي للإسلام"، وذكر في المقدمة أن هذه القصة موجودة في كتاب "نوادر التاريخ" لصالح محمد الزمام.