نص السؤال
المؤلف: مجموعة مؤلفي بيان الإسلام
المصدر: موسوعة بيان الإسلام
الجواب التفصيلي
إنكار نسخ القرآن للشرائع السابقة (*)
مضمون الشبهة:
ينكر بعض المغالطين نسخ القرآن - بوصفه أساس الشريعة الإسلامية - للشرائع السماوية السابقة، مستدلين على ذلك بما ورد في التوراة من أن موسى قال كما يزعمون: "هذه شريعة مؤبدة ما دامت السماوات والأرض"، وكذلك ما جاء في الإنجيل من كلام عيسى "السماوات والأرض تزولان، وكلامي لا يزول". ويرمون من وراء إنكارهم هذا إلى نفي صفة العالمية عن الشريعة الإسلامية ونفي كونها خاتمة ناسخة للشرائع السابقة.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن فيما أصاب التوراة والإنجيل من التحريف والتصحيف وعدم نقلهما بالتواتر، ما يجعلنا لا نسلم بالأدلة التي استدلوا بها.
2) إن الفهم الصحيح للكلام الذي نسب للمسيح من خلال سياقه في الإنجيل، لا يتنافى مع مبدأ النسخ، بل هو تأكيد لوقوع تنبؤاته وتأييد لكلامه.
3) التوراة والإنجيل بشرا بالرسالة الخاتمة وأمرا باتباعها، وفي هذا خير شاهد على نسخ القرآن لهما وهيمنته عليهما، وإلا لكان الأمر فيه كما كان فيما قبله من الإنجيل مع التوراة مثلا.
التفصيل:
أولا. عدم نقل التوراة والإنجيل بالتواتر، يجعلنا لا نسلم بالأدلة التي استدلوا بها:
لم يعد للتوراة الصحيحة التي أنزلها الله على موسى وجود؛ إذ أصابها من التحريف والتبديل والتزييف ما يرفع عنها قدسية النص الإلهي، وينقلها إلى دائرة التأليف البشرية، التي تصطبغ بصبغة العقل البشري الناقص، مما يجعلها أقرب إلى آراء فلسفية أو نظرة أو رؤية فكرية للسلوك البشري والحكم عليه.
وقد تضافرت الأدلة التي تثبت ذلك التحريف، ومن تلك الأدلة:
• أن نسخة التوراة التي بأيدي السامريين تزيد ألف سنة تقريبا على ما جاء في نسخة العنانيين، وأن نسخة النصارى تزيد ألف وثلاثمائة سنة.
• ما جاء في بعض الكتب اليهودية أن نوحا أدرك جميع آبائه إلى آدم، وأنه أدرك من عمر آدم مائتي سنة، وجاء في بعض الكتب الأخرى أنه - عليه السلام - أدرك من عمر إبراهيم ثماني وخمسين سنة،وكل هذا باطل تاريخيا.
• أن نسخ التوراة التي بأيديهم تحكي عن الله وعن أنبيائه وملائكته أمورا ينكرها العقل، ويمجها الطبع، ويتأذى بها السمع، مما يستحيل معه أن يكون هذا الكتاب صادرا عن نفس بشرية مؤمنة طاهرة، فضلا عن أن ينسب إلى ولي، فضلا عن أن تنسب إلى نبي، فضلا عن أن ينسب إلى الله رب العالمين.
• أن الله ندم على إرسال الطوفان إلى العالم، وأنه بكى حتى رمدت عيناه، وأن يعقوب صارعه، جل الله عن ذلك كله.
• أن لوطا - عليه السلام - شرب الخمر حتى ثمل وزنى بابنتيه!
• أن هارون - عليه السلام - هو الذي اتخذ العجل لبني إسرائيل ودعاهم إلى عبادته من دون الله... إلخ [1].
• ومن الأدلة الدامغة على كذب دعوى تواتر التوراة، ما ثبت بالتواتر عند المؤرخين، بل عند اليهود أنفسهم، أنهم - أي اليهود - وهم حملة التوراة - قد ارتدوا عن الدين مرات كثيرة، وعبدوا الأصنام، وقتلوا الأنبياء شر تقتيل، ولا ريب أن هذه مطاعن شنيعة جارحة، لا تبقي لأي واحد منهم أي نصيب من عدالة أو ثقة، ولا تدع لهذه النسخ التي زعموا أنها التوراة أدنى شيء من المصداقية أو الصحة، ما داموا هم رواتها وحفاظها، وما دامت لم تعرف إلا عن طريقهم وبروايتهم.
إن التواتر الذي خلعوه على التوراة لم يسلم لهم أيضا؛ لأنها لو كانت متواترة، لحاجوا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعارضوا دعواه عموم رسالته بقول التوراة، التي يؤمن بها ولا يجحدها، بل يجهر أنه جاء مصدقا لها، ويدعو المسلمين إلى الإيمان بها.
ولو كانت التوراة غير محرفة لصح ذلك، ولكن شيئا من هذا لم يحدث، بل حدث عكسه وهو أن كثيرا من أحبار اليهود وعلمائهم - كعبد الله بن سلام وأضرابه - قد ألقوا القياد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤمنين، ودانوا لشريعته مسلمين، واعترفوا بأنه الرسول الذي بشرت به التوراة والإنجيل [2].
أما الأناجيل الأربعة المعروفة لدى النصارى: إنجيل متى، وإنجيل يوحنا، وإنجيل لوقا، وإنجيل مرقس، وهناك إنجيل آخر يسمى (إنجيل برنابا) لا تعترف به الكنيسة اليوم، وهو أقرب الأناجيل إلى الحق والصواب - كل هذه الأناجيل من المقطوع أنها ليست الإنجيل الرباني الذي أنزله الله على عبده ورسوله (عيسى ابن مريم)، فهذه أناجيل دخلها التحريف والتبديل، كما نص القرآن الكريم، وبين هذه الأناجيل اختلاف واضح، ثم إن الله - عز وجل - أنزل إنجيلا واحدا، فكيف أصبحت أربعة أناجيل.
يقول الشيخ النجار في كتابه "قصص الأنبياء": " فأين يوجد اليوم إنجيل المسيح الذي ذكره القرآن الكريم؟ إن الإنجيل الذي أتى به المسيح وبشر به لا يوجد الآن، وإنما توجد قصص ألفها التلاميذ وغير التلاميذ، لم تسلم من المسخ والتحريف بالزيادة والحذف.
فالمسيح ابن مريم جاء إلى أصحابه بكتاب هو الإنجيل، ولكن الناس على مر الزمان تركوا ذلك الإنجيل، وترتب على ذلك ضياعه واستمساكهم بكتب ألف بعضها تلاميذ المسيح، وبعضها ألفها تلاميذ تلاميذه أو من بعدهم؛ وقد كثرت الأناجيل كثرة فاحشة حتى أربت على المائة.
ومعلوم أن الكنيسة رفضت ما يخالف رغبتها وأقرت الأناجيل الأربعة المعروفة اليوم على ما هي عليه من انقطاع السند، وعدم العلم التام بالمؤلف الحقيقي أو المترجم ومبلغ أمانته على الدين وحرصه على الصدق، وعلى ما بينها من الاختلاف الحقيقي المفضي إلى أن أحد الأقوال صادق، وما عداه يكون كاذبا" [3].
ثانيا. كلام موسى وعيسى - عليهما السلام - في سياقه - إن صح - لا ينفي نسخ شريعتهما بالإسلام:
إن لفظ التأبيد الذي اعتمد عليه فيما نقلوه من قول سيدنا موسى عليه السلام: هذه شريعة مؤبدة ما دامت السموات والأرض ", لا يصلح حجة لهم؛ لأنه يستعمل كثيرا عند اليهود معدولا به عن حقيقته.
ومن ذلك ما جاء في البقرة التي أقروا بذبحها: "هذه سنة لكم أبدا" وما جاء في القربان "قربوا كل يوم خروفين دائما"، مع أن هذين الحكمين منسوخان باعتراف اليهود أنفسهم على رغم التصريح فيهما بما يفيد التأبيد كما ترى.
كما أن نسخ الحكم المؤبد جائز على الصحيح، فلتكن هذه العبارة التي اعتمدوا عليها منسوخة أيضا، وشبهة التناقض تندفع بأن التأبيد مشروط بعدم النسخ، فإذا ورد الناسخ انتفى ذلك التأبيد، وتبين أنه كان مجرد تأبيد لفظي للابتلاء والاختبار [4].
أما ما اعتمدوا عليه من قول سيدنا عيسى عليه السلام: "السموات والأرض تزولان وكلامي لا يزول"؛ فإن المراد به تأييد تنبؤاته وتأكيد أنها ستقع لا محالة، وبيان ذلك أن المسيح كان قد حدث حوارييه بأمور مستقبلية، وبعد أن انتهى من حديثه أتى بهذه الجملة التي تشبثوا بها: "السماوات والأرض تزولان..." وليس لها علاقة بالنسخ، لا نفيا ولا إثباتا. هكذا شرحها المفسرون للإنجيل منهم، وقالوا: إن فهم هذه الكلمة على عمومها، لا يتفق وتصريح المسيح بأحكام تم تصريحه بما يخالفها، ومن ذلك أنه قال كما جاء عند "متى" "إلى طريق أمم لا تمضوا، ومن مدينة السامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة"، وهذا اعتراف من المسيح بخصوص رسالته [5].
ذلك، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الله - سبحانه وتعالى - لم يتكفل بحفظ تلك الكتب السماوية التي سبقت نزول القرآن، وإنما وكل حفظها إلى علماء تلك الديانات ابتلاء لهم، وهو يعلم سبحانه أنهم سيحرفونها ويبدلونها، ويكتمون ما فيها من الحق، ويعلم أن رسالة أولئك الرسل قصيرة بزمنهم وبقومهم، وأن الرسالة الشاملة هي رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولهذا انتهت تلك الكتب بانتهاء رسالات الرسل الذين أنزلت عليهم،
(إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء)
(المائدة:44)،
وفي هذه الآية أخبر الله - سبحانه وتعالى - أن الأحبار والرهبان استحفظوا كتاب الله يعني استودعوه وطلب منهم حفظه، ولم يبين هنا هل امتثلوا الأمر في ذلك وحفظوه، أو لم يمتثلوا الأمر في ذلك وضيعوه؟ ولكنه بين في مواضع أخرى أنهم لم يمتثلوا الأمر ولم يحفظوا ما استحفظوا، بل حرفوه وبدلوه عمدا
كما قال سبحانه وتعالى:
(يحرفون الكلم عن مواضعه)
(النساء: 46).
أما القرآن فقد تكفل الله تعالى بحفظه، ولم يكل حفظه إلى خلقه كسابقه من الكتب مع توفيق الله لهذه الأمة للعناية الشديدة به،
كما قال سبحانه وتعالى:
(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9))
(الحجر)،
والقرآن الكريم هو خاتم الكتب السماوية وآخرها نزولا، والمهيمن عليها، فما أثبته القرآن مما ورد فيها فهو الثابت، لثبوته في القرآن، وما نفاه القرآن مما ورد فيها، فلا عبرة إلا لنفيه في القرآن، فهو الحجة، ولا حجة في سواه بعد نزوله؛ لأن كل الكتب السابقة قد حرفت وبدلت، وما بقي فيها ثابتا، فهو خاضع لحكم القرآن الذي نسخ ما سبقه من الكتب، ولا غرو في ذلك، فهو الكتاب الخاتم، وقد يكون فيها شيء من الحق، ولكن أصحابها كتموه، حسدا منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذه الأمة،
كما قال سبحانه وتعالى:
(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون (48) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون (49))
(المائدة).
إن القرآن الكريم هو الصورةالأخيرة لكتاب الله صلى الله عليه وسلم وهو حقا صورة شاملة لحاجات البشر، وهو يقرر الأصول التي أوردها الله فيما سبق من كتب، ومن ثم فهو شامل ومسيطر على كل ما أراد الله - سبحانه وتعالى - للناس من تشريع وقيم.
فالله - سبحانه وتعالى - أرسل محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالإسلام، دين التوحيد والحق الخالد؛ ليعلو على كل الأديان والمعتقدات، بأن يحوي أحسن ما فيها، وأن يضيف إلى ذلك ما فيه الخير للإنسان في الدنيا والآخرة.
ومن أجل هذه شمل الإسلام من المبادئ مالم يرد مثله في مختلف الأديان، إذ قد تقدمت البشرية وأصبح ضروريا أن تعرف حكم الله فيما يعترضها من شئون، ولهذا حفل التفكير الإسلامي بأفانين من القول في كل مشكلات الحياة التي تحتاج لتوجيه السماء، كالنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، والعلاقات الدولية وغيرها [6].
"إن الإسلام الذي بلغه محمد - صلى الله عليه وسلم - وأخذ الناس به، هو الصورة الأخيرة للوحي الأعلى، وهو كذلك الصورة العامة التي تستغرق الأجناس كلها، وتتناول الأجيال التي تسكن الأرض حتى قيام الساعة.. النبوات السابقة كانت كلها محلية مؤقتة، أي محدودة الزمان والمكان، أما النبوة العامة الخالدة، فهي نبوة محمد وحده لا يشركه في ذلك نبي من السابقين" [7].
ثالثا. التوراة والإنجيل بشرا بالرسالة الخاتمة وأمرا باتباعها:
لا يستطيع أحد أن ينكر تبشير التوراة والإنجيل بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وقد تحدثنا عن صفاته، وقد وردت البشارات فيهما على الرغم من أن اليهود حذفوا وأزالوا كل معنى صريح يدل على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد جاء في التوراة عن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يتكلم إلا بالوحي، كما بنص التوراة: "أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به. ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه". (التثنية 18: 18، 19)، فهو - صلى الله عليه وسلم - لا يتكلم من نفسه، ولكن يتكلم بما يوحي إليه ربه.
ونفس الصفة يخبر بها عيسى عليه السلام: " وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية". (يوحنا، 16: 14).
فالذي يأتي بعد المسيح عيسى - عليه السلام - لا يتكلم من نفسه، وإنما كلامه يكون بالوحي (هكذا بين أيديهم)، وهي نفس بشارة التوراة "وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به". إنه رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يتكلم إلا بالوحي: (وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)) (النجم) [8].
وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، ولا يتكلم إلا بالوحي، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أنه خاتم الأنبياء والمرسلين؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: «أرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون» [9].
ولذا وجب تصديقه في ذلك، ووجب الإيمان بأن رسالته المهيمنة على جميع الرسالات السماوية قبلها. وقد أخبر القرآن بذلك إذ
قال سبحانه وتعالى:
(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله)
(المائدة: 48).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد نصراني من هذه الأمة ولا يهودي، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". وهذا دليل قاطع على هيمنة رسالته على ما سواها، وقد أخبر القرآن الكريم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل إلى الناس كافة؛
إذ قال تعالى:
(وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا (105))
(الإسراء).
وقال تعالى:
(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107))
(الأنبياء).
(قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)
(الأعراف: 158).
وإذا كانت رسالتا موسى وعيسى - عليهما السلام - وهما الديانتان الكبيرتان بعد الإسلام - محدودتين وخاصتين بأقوامهما، فإن غيرهما من الرسالات آكد في المحدودية وعدم العالمية.
وقد ولد موسى من أبوين إسرائيليين، وتربى في قصر فرعون، ونشأ بين المصريين، وفي هذا يقول سفر أعمال الرسل: "فتهذب موسى بكل حكمة المصريين، وكان مقتدرا في الأقوال والأعمال. ولما كملت له مدة أربعين سنة، خطر على باله أن يفتقد إخوته بني إسرائيل". (أعمال الرسل 7: 22، 23).
وحين ناداه الرب حين ذهب موسى إلى النار قال له الرب: "وقال الله أيضا لموسى: «هكذا تقول لبني إسرائيل: يهوه إله آبائكم، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكرى إلى دور فدور. اذهب واجمع شيوخ إسرائيل وقل لهم: الرب إله آبائكم، إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ظهر لي قائلا: إني قد افتقدتكم وما صنع بكم في مصر. فقلت أصعدكم من مذلة مصر إلى أرض الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين، إلى أرض تفيض لبنا وعسلا". (الخروج 3: 15ـ 17). وهكذا كانت رسالة موسى - عليه السلام - إلى بني إسرائيل وحدهم دون سواهم.
أما المسيح، فقد جاء رسولا إلى بني إسرائيل وحدهم دون سواهم، فلقد حدد المسيح لنفسه ولتلاميذه مجال عمله ودائرة التبشير التي ينبغي التجول فيها، فبين بكل وضوح أن رسالته تختص بالشعب الإسرائيلي فقط، فقال قولته المشهورة: "فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة". (متى 15: 24).
أما ما جاء في خاتمة إنجيل مرقس التي تتكلم عن ظهور المسيح (الأعداد من 9 - 20)، التي تشتمل على العدد 15؛ الذي يتكلم عن تبشير العالم بالإنجيل - فهي ليست من عمل مرقس كاتب ذلك الإنجيل، ولكنها إضافات أدخلت إليه حوالي عام 180م، أي بعد أن سطر مرقس إنجيله بنحو 120 عاما.
وبالنسبة لما جاء في خاتمة إنجيل متى (28: 19) من حديث التبشير بالإنجيل بين جميع الأمم، فإن العلماء يطعنون فيها لأسباب يذكر منها العالم الألماني ادولف هرنك: "لم يرد إلا في الأطوار المتأخرة من التعاليم المسيحية ما يتكلم عن المسيح وهو يلقي مواعظ ويعطي تعليمات بعد أن أقيم من الأموات، وأن بولس لا يعلم شيئا عن هذا".
وبالنسبة لما جاء في خاتمة إنجيل لوقا عن تبشير جميع الأمم، فإن القارئ يستطيع الحكم على مصداقية الفقرة التي تشتمل على ذلك بمجرد قراءتها، فهي تنسب للمسيح قوله: "كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم، مبتدأ من أورشليم". (لوقا 24: 46، 47).
ومن المعلوم - حسب روايات الأناجيل الثلاثة - متى ومرقس ولوقا - أن المصلوب علق على الصليب يوم الجمعة، ووجدت المقبرة خالية فجر الأحد. وبالحساب البسيط يتبين أنه لم يدفن "في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" حسب النبوءة التي أوردها متى في 12: 40، وإنما كانت مدة الدفن - حسب قول الأناجيل - يوما واحدا وليلتين على أحسن الفروض، وبذلك تكون مصداقية الحديث عن تبشير جميع الأمم بالإنجيل، مساوية تماما لمصداقية الحديث عن القيامة في اليوم الثالث، وهو شيء لا يتفق وأبسط الحسابات، ولهذا لا توجد مصداقية لهذه الأقوال وما شابهها [10].
وضح من كلامهم إذن، أن موسى وعيسى - عليهما السلام - قد دعوا إلى اتباع الفارقليط، وإذا كانا قد دعوا إلى اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فهذا دليل على أن دعوته ورسالته مهيمنة على جميع ما قبلها من الشرائع كما أنه وضح بالدليل محدودية رسالتيهما وعدم عالميتهما، ومن ثم فغيرهما بذلك أولى، ولذا فرسالة محمد خاتمة ومهيمنة على ما قبلها، ومن ثم فهي ناسخة لما قبلها جميعا.
الخلاصة:
• القرآن نسخ التوراة والإنجيل، فمن آمن بما فيه، فهو مؤمن، ومن لم يؤمن بما فيه، فلا خلاق له:
(إن الدين عند الله الإسلام)
(آل عمران: 19).
• وأما ما ادعاه الخراصون من أن شريعة موسى - عليه السلام - شريعة مؤبدة، وأن كلام عيسى - عليه السلام - لا يزول حتى تزول السموات والأرض، فهذا كلام لا يثبت؛ وذلك لأن التوراة والإنجيل لا أصل لهما اليوم، وكل ما بين أيدينا منهما من وضع البشر.
• إن القرآن يكذب ما ادعوه؛ إذ يقول:
(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه)
(المائدة: 48).
فهل نصدق القرآن كلام الله المنقول إلينا بالتواتر، أم نصدق هذه الكلمات التي من كلام البشر، وفيها بشاعات تنفي كونها عن ولي فضلا عن كونها عن نبي، فضلا عن كونها عن الله رب العالمين.
• إن ما استدل به المدعون من عبارات - إذا سلمنا جدلا بصحتها - لا ينفي نسخ القرآن ورسالته للشرائع السابقة عليه؛ وذلك لأن لفظ التأبيد الذي اعتمد عليه اليهود لا يصلح حجة لهم؛ لأنه يستعمل عندهم كثيرا معدولا به عن حقيقته. وأما كلام النصارى الذي اعتمدوا عليه، فإنه يدل على تأكيد عيسى لوقوع تنبؤاته ووقوعها لا محالة.
• ثبت بكلام من التوراة والإنجيل تبشيرهما بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمرهما باتباعه، وهذا دليل قوي على هيمنة رسالة الإسلام على جميع الرسالات السابقة عليها.
• محدودية الديانتين السماويتين - اليهودية والنصرانية - وذلك من خلال نصوصهما - يدل على أن غيرهما أولى بالمحدودية وخصوصيتهما بقومهما، ومحليتهما؛ وذلك لأنهما الديانتان الكبريان بعد الإسلام، فإذا كانتا محدودتين فغيرهما أولى بذلك.
• إذا ثبتت البشارة بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في التوراة والإنجيل، وجاء فيهما وصفه بأنه لا يتكلم من عند نفسه، ولا يتحدث إلا بالوحي، إذا كان كذلك وقد أكده القرآن:
(وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4))
(النجم)،
فإن هذا يقتضي تصديقه فيما قال، ولقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: وبعث كل رسول إلى قومه خاصة، وبعثت للناس كافة، وهذا دليل قاطع على هيمنة رسالته على ما سواها؛ لذا وجب تصديقه في ذلك؛ لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
المراجع
- (*) مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م. البرهان على سلامة القرآن من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، د. أحمد بن منصور آل سبالك. مركز البحث العلمي للدراسات وإحياء التراث الإسلامي، مصر، ط1، 1427هـ/ 2006م. [1]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م، ج2، ص161،160.
- [2]. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص35 بتصرف يسير.
- [3]. النبوة والأنبياء، محمد علي الصابوني، دار الصابوني للنشر، مكة المكرمة، 1390هـ، ص205، 206.
- [4]. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص135 بتصرف.
- [5]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م، ج2، ص162.
- [6]. الإسلام، د. أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط6، 1982م، ص107.
- [7]. مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م، ص9.
- [8]. وإنك لعلى خلق عظيم، صفي الرحمن المباركفوري، شركة كندة للإعلام والنشر، القاهرة، ط1، 1427هـ، ج1، ص327.
- [9]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب منه (1195).
- [10]. الإسلام والأديان الأخرى: نقاط الاتفاق والاختلاف، أحمد عبد الوهاب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1419هـ/ 1998م، ص 78: 81 بتصرف.
الجواب التفصيلي
إنكار نسخ القرآن للشرائع السابقة (*)
مضمون الشبهة:
ينكر بعض المغالطين نسخ القرآن - بوصفه أساس الشريعة الإسلامية - للشرائع السماوية السابقة، مستدلين على ذلك بما ورد في التوراة من أن موسى قال كما يزعمون: "هذه شريعة مؤبدة ما دامت السماوات والأرض"، وكذلك ما جاء في الإنجيل من كلام عيسى "السماوات والأرض تزولان، وكلامي لا يزول". ويرمون من وراء إنكارهم هذا إلى نفي صفة العالمية عن الشريعة الإسلامية ونفي كونها خاتمة ناسخة للشرائع السابقة.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن فيما أصاب التوراة والإنجيل من التحريف والتصحيف وعدم نقلهما بالتواتر، ما يجعلنا لا نسلم بالأدلة التي استدلوا بها.
2) إن الفهم الصحيح للكلام الذي نسب للمسيح من خلال سياقه في الإنجيل، لا يتنافى مع مبدأ النسخ، بل هو تأكيد لوقوع تنبؤاته وتأييد لكلامه.
3) التوراة والإنجيل بشرا بالرسالة الخاتمة وأمرا باتباعها، وفي هذا خير شاهد على نسخ القرآن لهما وهيمنته عليهما، وإلا لكان الأمر فيه كما كان فيما قبله من الإنجيل مع التوراة مثلا.
التفصيل:
أولا. عدم نقل التوراة والإنجيل بالتواتر، يجعلنا لا نسلم بالأدلة التي استدلوا بها:
لم يعد للتوراة الصحيحة التي أنزلها الله على موسى وجود؛ إذ أصابها من التحريف والتبديل والتزييف ما يرفع عنها قدسية النص الإلهي، وينقلها إلى دائرة التأليف البشرية، التي تصطبغ بصبغة العقل البشري الناقص، مما يجعلها أقرب إلى آراء فلسفية أو نظرة أو رؤية فكرية للسلوك البشري والحكم عليه.
وقد تضافرت الأدلة التي تثبت ذلك التحريف، ومن تلك الأدلة:
• أن نسخة التوراة التي بأيدي السامريين تزيد ألف سنة تقريبا على ما جاء في نسخة العنانيين، وأن نسخة النصارى تزيد ألف وثلاثمائة سنة.
• ما جاء في بعض الكتب اليهودية أن نوحا أدرك جميع آبائه إلى آدم، وأنه أدرك من عمر آدم مائتي سنة، وجاء في بعض الكتب الأخرى أنه - عليه السلام - أدرك من عمر إبراهيم ثماني وخمسين سنة،وكل هذا باطل تاريخيا.
• أن نسخ التوراة التي بأيديهم تحكي عن الله وعن أنبيائه وملائكته أمورا ينكرها العقل، ويمجها الطبع، ويتأذى بها السمع، مما يستحيل معه أن يكون هذا الكتاب صادرا عن نفس بشرية مؤمنة طاهرة، فضلا عن أن ينسب إلى ولي، فضلا عن أن تنسب إلى نبي، فضلا عن أن ينسب إلى الله رب العالمين.
• أن الله ندم على إرسال الطوفان إلى العالم، وأنه بكى حتى رمدت عيناه، وأن يعقوب صارعه، جل الله عن ذلك كله.
• أن لوطا - عليه السلام - شرب الخمر حتى ثمل وزنى بابنتيه!
• أن هارون - عليه السلام - هو الذي اتخذ العجل لبني إسرائيل ودعاهم إلى عبادته من دون الله... إلخ [1].
• ومن الأدلة الدامغة على كذب دعوى تواتر التوراة، ما ثبت بالتواتر عند المؤرخين، بل عند اليهود أنفسهم، أنهم - أي اليهود - وهم حملة التوراة - قد ارتدوا عن الدين مرات كثيرة، وعبدوا الأصنام، وقتلوا الأنبياء شر تقتيل، ولا ريب أن هذه مطاعن شنيعة جارحة، لا تبقي لأي واحد منهم أي نصيب من عدالة أو ثقة، ولا تدع لهذه النسخ التي زعموا أنها التوراة أدنى شيء من المصداقية أو الصحة، ما داموا هم رواتها وحفاظها، وما دامت لم تعرف إلا عن طريقهم وبروايتهم.
إن التواتر الذي خلعوه على التوراة لم يسلم لهم أيضا؛ لأنها لو كانت متواترة، لحاجوا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعارضوا دعواه عموم رسالته بقول التوراة، التي يؤمن بها ولا يجحدها، بل يجهر أنه جاء مصدقا لها، ويدعو المسلمين إلى الإيمان بها.
ولو كانت التوراة غير محرفة لصح ذلك، ولكن شيئا من هذا لم يحدث، بل حدث عكسه وهو أن كثيرا من أحبار اليهود وعلمائهم - كعبد الله بن سلام وأضرابه - قد ألقوا القياد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤمنين، ودانوا لشريعته مسلمين، واعترفوا بأنه الرسول الذي بشرت به التوراة والإنجيل [2].
أما الأناجيل الأربعة المعروفة لدى النصارى: إنجيل متى، وإنجيل يوحنا، وإنجيل لوقا، وإنجيل مرقس، وهناك إنجيل آخر يسمى (إنجيل برنابا) لا تعترف به الكنيسة اليوم، وهو أقرب الأناجيل إلى الحق والصواب - كل هذه الأناجيل من المقطوع أنها ليست الإنجيل الرباني الذي أنزله الله على عبده ورسوله (عيسى ابن مريم)، فهذه أناجيل دخلها التحريف والتبديل، كما نص القرآن الكريم، وبين هذه الأناجيل اختلاف واضح، ثم إن الله - عز وجل - أنزل إنجيلا واحدا، فكيف أصبحت أربعة أناجيل.
يقول الشيخ النجار في كتابه "قصص الأنبياء": " فأين يوجد اليوم إنجيل المسيح الذي ذكره القرآن الكريم؟ إن الإنجيل الذي أتى به المسيح وبشر به لا يوجد الآن، وإنما توجد قصص ألفها التلاميذ وغير التلاميذ، لم تسلم من المسخ والتحريف بالزيادة والحذف.
فالمسيح ابن مريم جاء إلى أصحابه بكتاب هو الإنجيل، ولكن الناس على مر الزمان تركوا ذلك الإنجيل، وترتب على ذلك ضياعه واستمساكهم بكتب ألف بعضها تلاميذ المسيح، وبعضها ألفها تلاميذ تلاميذه أو من بعدهم؛ وقد كثرت الأناجيل كثرة فاحشة حتى أربت على المائة.
ومعلوم أن الكنيسة رفضت ما يخالف رغبتها وأقرت الأناجيل الأربعة المعروفة اليوم على ما هي عليه من انقطاع السند، وعدم العلم التام بالمؤلف الحقيقي أو المترجم ومبلغ أمانته على الدين وحرصه على الصدق، وعلى ما بينها من الاختلاف الحقيقي المفضي إلى أن أحد الأقوال صادق، وما عداه يكون كاذبا" [3].
ثانيا. كلام موسى وعيسى - عليهما السلام - في سياقه - إن صح - لا ينفي نسخ شريعتهما بالإسلام:
إن لفظ التأبيد الذي اعتمد عليه فيما نقلوه من قول سيدنا موسى عليه السلام: هذه شريعة مؤبدة ما دامت السموات والأرض ", لا يصلح حجة لهم؛ لأنه يستعمل كثيرا عند اليهود معدولا به عن حقيقته.
ومن ذلك ما جاء في البقرة التي أقروا بذبحها: "هذه سنة لكم أبدا" وما جاء في القربان "قربوا كل يوم خروفين دائما"، مع أن هذين الحكمين منسوخان باعتراف اليهود أنفسهم على رغم التصريح فيهما بما يفيد التأبيد كما ترى.
كما أن نسخ الحكم المؤبد جائز على الصحيح، فلتكن هذه العبارة التي اعتمدوا عليها منسوخة أيضا، وشبهة التناقض تندفع بأن التأبيد مشروط بعدم النسخ، فإذا ورد الناسخ انتفى ذلك التأبيد، وتبين أنه كان مجرد تأبيد لفظي للابتلاء والاختبار [4].
أما ما اعتمدوا عليه من قول سيدنا عيسى عليه السلام: "السموات والأرض تزولان وكلامي لا يزول"؛ فإن المراد به تأييد تنبؤاته وتأكيد أنها ستقع لا محالة، وبيان ذلك أن المسيح كان قد حدث حوارييه بأمور مستقبلية، وبعد أن انتهى من حديثه أتى بهذه الجملة التي تشبثوا بها: "السماوات والأرض تزولان..." وليس لها علاقة بالنسخ، لا نفيا ولا إثباتا. هكذا شرحها المفسرون للإنجيل منهم، وقالوا: إن فهم هذه الكلمة على عمومها، لا يتفق وتصريح المسيح بأحكام تم تصريحه بما يخالفها، ومن ذلك أنه قال كما جاء عند "متى" "إلى طريق أمم لا تمضوا، ومن مدينة السامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة"، وهذا اعتراف من المسيح بخصوص رسالته [5].
ذلك، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الله - سبحانه وتعالى - لم يتكفل بحفظ تلك الكتب السماوية التي سبقت نزول القرآن، وإنما وكل حفظها إلى علماء تلك الديانات ابتلاء لهم، وهو يعلم سبحانه أنهم سيحرفونها ويبدلونها، ويكتمون ما فيها من الحق، ويعلم أن رسالة أولئك الرسل قصيرة بزمنهم وبقومهم، وأن الرسالة الشاملة هي رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولهذا انتهت تلك الكتب بانتهاء رسالات الرسل الذين أنزلت عليهم،
(إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء)
(المائدة:44)،
وفي هذه الآية أخبر الله - سبحانه وتعالى - أن الأحبار والرهبان استحفظوا كتاب الله يعني استودعوه وطلب منهم حفظه، ولم يبين هنا هل امتثلوا الأمر في ذلك وحفظوه، أو لم يمتثلوا الأمر في ذلك وضيعوه؟ ولكنه بين في مواضع أخرى أنهم لم يمتثلوا الأمر ولم يحفظوا ما استحفظوا، بل حرفوه وبدلوه عمدا
كما قال سبحانه وتعالى:
(يحرفون الكلم عن مواضعه)
(النساء: 46).
أما القرآن فقد تكفل الله تعالى بحفظه، ولم يكل حفظه إلى خلقه كسابقه من الكتب مع توفيق الله لهذه الأمة للعناية الشديدة به،
كما قال سبحانه وتعالى:
(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9))
(الحجر)،
والقرآن الكريم هو خاتم الكتب السماوية وآخرها نزولا، والمهيمن عليها، فما أثبته القرآن مما ورد فيها فهو الثابت، لثبوته في القرآن، وما نفاه القرآن مما ورد فيها، فلا عبرة إلا لنفيه في القرآن، فهو الحجة، ولا حجة في سواه بعد نزوله؛ لأن كل الكتب السابقة قد حرفت وبدلت، وما بقي فيها ثابتا، فهو خاضع لحكم القرآن الذي نسخ ما سبقه من الكتب، ولا غرو في ذلك، فهو الكتاب الخاتم، وقد يكون فيها شيء من الحق، ولكن أصحابها كتموه، حسدا منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذه الأمة،
كما قال سبحانه وتعالى:
(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون (48) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون (49))
(المائدة).
إن القرآن الكريم هو الصورةالأخيرة لكتاب الله صلى الله عليه وسلم وهو حقا صورة شاملة لحاجات البشر، وهو يقرر الأصول التي أوردها الله فيما سبق من كتب، ومن ثم فهو شامل ومسيطر على كل ما أراد الله - سبحانه وتعالى - للناس من تشريع وقيم.
فالله - سبحانه وتعالى - أرسل محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالإسلام، دين التوحيد والحق الخالد؛ ليعلو على كل الأديان والمعتقدات، بأن يحوي أحسن ما فيها، وأن يضيف إلى ذلك ما فيه الخير للإنسان في الدنيا والآخرة.
ومن أجل هذه شمل الإسلام من المبادئ مالم يرد مثله في مختلف الأديان، إذ قد تقدمت البشرية وأصبح ضروريا أن تعرف حكم الله فيما يعترضها من شئون، ولهذا حفل التفكير الإسلامي بأفانين من القول في كل مشكلات الحياة التي تحتاج لتوجيه السماء، كالنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، والعلاقات الدولية وغيرها [6].
"إن الإسلام الذي بلغه محمد - صلى الله عليه وسلم - وأخذ الناس به، هو الصورة الأخيرة للوحي الأعلى، وهو كذلك الصورة العامة التي تستغرق الأجناس كلها، وتتناول الأجيال التي تسكن الأرض حتى قيام الساعة.. النبوات السابقة كانت كلها محلية مؤقتة، أي محدودة الزمان والمكان، أما النبوة العامة الخالدة، فهي نبوة محمد وحده لا يشركه في ذلك نبي من السابقين" [7].
ثالثا. التوراة والإنجيل بشرا بالرسالة الخاتمة وأمرا باتباعها:
لا يستطيع أحد أن ينكر تبشير التوراة والإنجيل بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وقد تحدثنا عن صفاته، وقد وردت البشارات فيهما على الرغم من أن اليهود حذفوا وأزالوا كل معنى صريح يدل على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد جاء في التوراة عن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يتكلم إلا بالوحي، كما بنص التوراة: "أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به. ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه". (التثنية 18: 18، 19)، فهو - صلى الله عليه وسلم - لا يتكلم من نفسه، ولكن يتكلم بما يوحي إليه ربه.
ونفس الصفة يخبر بها عيسى عليه السلام: " وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية". (يوحنا، 16: 14).
فالذي يأتي بعد المسيح عيسى - عليه السلام - لا يتكلم من نفسه، وإنما كلامه يكون بالوحي (هكذا بين أيديهم)، وهي نفس بشارة التوراة "وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به". إنه رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يتكلم إلا بالوحي: (وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)) (النجم) [8].
وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، ولا يتكلم إلا بالوحي، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أنه خاتم الأنبياء والمرسلين؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: «أرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون» [9].
ولذا وجب تصديقه في ذلك، ووجب الإيمان بأن رسالته المهيمنة على جميع الرسالات السماوية قبلها. وقد أخبر القرآن بذلك إذ
قال سبحانه وتعالى:
(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله)
(المائدة: 48).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد نصراني من هذه الأمة ولا يهودي، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". وهذا دليل قاطع على هيمنة رسالته على ما سواها، وقد أخبر القرآن الكريم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل إلى الناس كافة؛
إذ قال تعالى:
(وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا (105))
(الإسراء).
وقال تعالى:
(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107))
(الأنبياء).
(قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)
(الأعراف: 158).
وإذا كانت رسالتا موسى وعيسى - عليهما السلام - وهما الديانتان الكبيرتان بعد الإسلام - محدودتين وخاصتين بأقوامهما، فإن غيرهما من الرسالات آكد في المحدودية وعدم العالمية.
وقد ولد موسى من أبوين إسرائيليين، وتربى في قصر فرعون، ونشأ بين المصريين، وفي هذا يقول سفر أعمال الرسل: "فتهذب موسى بكل حكمة المصريين، وكان مقتدرا في الأقوال والأعمال. ولما كملت له مدة أربعين سنة، خطر على باله أن يفتقد إخوته بني إسرائيل". (أعمال الرسل 7: 22، 23).
وحين ناداه الرب حين ذهب موسى إلى النار قال له الرب: "وقال الله أيضا لموسى: «هكذا تقول لبني إسرائيل: يهوه إله آبائكم، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكرى إلى دور فدور. اذهب واجمع شيوخ إسرائيل وقل لهم: الرب إله آبائكم، إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ظهر لي قائلا: إني قد افتقدتكم وما صنع بكم في مصر. فقلت أصعدكم من مذلة مصر إلى أرض الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين، إلى أرض تفيض لبنا وعسلا". (الخروج 3: 15ـ 17). وهكذا كانت رسالة موسى - عليه السلام - إلى بني إسرائيل وحدهم دون سواهم.
أما المسيح، فقد جاء رسولا إلى بني إسرائيل وحدهم دون سواهم، فلقد حدد المسيح لنفسه ولتلاميذه مجال عمله ودائرة التبشير التي ينبغي التجول فيها، فبين بكل وضوح أن رسالته تختص بالشعب الإسرائيلي فقط، فقال قولته المشهورة: "فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة". (متى 15: 24).
أما ما جاء في خاتمة إنجيل مرقس التي تتكلم عن ظهور المسيح (الأعداد من 9 - 20)، التي تشتمل على العدد 15؛ الذي يتكلم عن تبشير العالم بالإنجيل - فهي ليست من عمل مرقس كاتب ذلك الإنجيل، ولكنها إضافات أدخلت إليه حوالي عام 180م، أي بعد أن سطر مرقس إنجيله بنحو 120 عاما.
وبالنسبة لما جاء في خاتمة إنجيل متى (28: 19) من حديث التبشير بالإنجيل بين جميع الأمم، فإن العلماء يطعنون فيها لأسباب يذكر منها العالم الألماني ادولف هرنك: "لم يرد إلا في الأطوار المتأخرة من التعاليم المسيحية ما يتكلم عن المسيح وهو يلقي مواعظ ويعطي تعليمات بعد أن أقيم من الأموات، وأن بولس لا يعلم شيئا عن هذا".
وبالنسبة لما جاء في خاتمة إنجيل لوقا عن تبشير جميع الأمم، فإن القارئ يستطيع الحكم على مصداقية الفقرة التي تشتمل على ذلك بمجرد قراءتها، فهي تنسب للمسيح قوله: "كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم، مبتدأ من أورشليم". (لوقا 24: 46، 47).
ومن المعلوم - حسب روايات الأناجيل الثلاثة - متى ومرقس ولوقا - أن المصلوب علق على الصليب يوم الجمعة، ووجدت المقبرة خالية فجر الأحد. وبالحساب البسيط يتبين أنه لم يدفن "في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" حسب النبوءة التي أوردها متى في 12: 40، وإنما كانت مدة الدفن - حسب قول الأناجيل - يوما واحدا وليلتين على أحسن الفروض، وبذلك تكون مصداقية الحديث عن تبشير جميع الأمم بالإنجيل، مساوية تماما لمصداقية الحديث عن القيامة في اليوم الثالث، وهو شيء لا يتفق وأبسط الحسابات، ولهذا لا توجد مصداقية لهذه الأقوال وما شابهها [10].
وضح من كلامهم إذن، أن موسى وعيسى - عليهما السلام - قد دعوا إلى اتباع الفارقليط، وإذا كانا قد دعوا إلى اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فهذا دليل على أن دعوته ورسالته مهيمنة على جميع ما قبلها من الشرائع كما أنه وضح بالدليل محدودية رسالتيهما وعدم عالميتهما، ومن ثم فغيرهما بذلك أولى، ولذا فرسالة محمد خاتمة ومهيمنة على ما قبلها، ومن ثم فهي ناسخة لما قبلها جميعا.
الخلاصة:
• القرآن نسخ التوراة والإنجيل، فمن آمن بما فيه، فهو مؤمن، ومن لم يؤمن بما فيه، فلا خلاق له:
(إن الدين عند الله الإسلام)
(آل عمران: 19).
• وأما ما ادعاه الخراصون من أن شريعة موسى - عليه السلام - شريعة مؤبدة، وأن كلام عيسى - عليه السلام - لا يزول حتى تزول السموات والأرض، فهذا كلام لا يثبت؛ وذلك لأن التوراة والإنجيل لا أصل لهما اليوم، وكل ما بين أيدينا منهما من وضع البشر.
• إن القرآن يكذب ما ادعوه؛ إذ يقول:
(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه)
(المائدة: 48).
فهل نصدق القرآن كلام الله المنقول إلينا بالتواتر، أم نصدق هذه الكلمات التي من كلام البشر، وفيها بشاعات تنفي كونها عن ولي فضلا عن كونها عن نبي، فضلا عن كونها عن الله رب العالمين.
• إن ما استدل به المدعون من عبارات - إذا سلمنا جدلا بصحتها - لا ينفي نسخ القرآن ورسالته للشرائع السابقة عليه؛ وذلك لأن لفظ التأبيد الذي اعتمد عليه اليهود لا يصلح حجة لهم؛ لأنه يستعمل عندهم كثيرا معدولا به عن حقيقته. وأما كلام النصارى الذي اعتمدوا عليه، فإنه يدل على تأكيد عيسى لوقوع تنبؤاته ووقوعها لا محالة.
• ثبت بكلام من التوراة والإنجيل تبشيرهما بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمرهما باتباعه، وهذا دليل قوي على هيمنة رسالة الإسلام على جميع الرسالات السابقة عليها.
• محدودية الديانتين السماويتين - اليهودية والنصرانية - وذلك من خلال نصوصهما - يدل على أن غيرهما أولى بالمحدودية وخصوصيتهما بقومهما، ومحليتهما؛ وذلك لأنهما الديانتان الكبريان بعد الإسلام، فإذا كانتا محدودتين فغيرهما أولى بذلك.
• إذا ثبتت البشارة بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في التوراة والإنجيل، وجاء فيهما وصفه بأنه لا يتكلم من عند نفسه، ولا يتحدث إلا بالوحي، إذا كان كذلك وقد أكده القرآن:
(وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4))
(النجم)،
فإن هذا يقتضي تصديقه فيما قال، ولقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: وبعث كل رسول إلى قومه خاصة، وبعثت للناس كافة، وهذا دليل قاطع على هيمنة رسالته على ما سواها؛ لذا وجب تصديقه في ذلك؛ لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
المراجع
- (*) مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م. البرهان على سلامة القرآن من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، د. أحمد بن منصور آل سبالك. مركز البحث العلمي للدراسات وإحياء التراث الإسلامي، مصر، ط1، 1427هـ/ 2006م. [1]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م، ج2، ص161،160.
- [2]. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص35 بتصرف يسير.
- [3]. النبوة والأنبياء، محمد علي الصابوني، دار الصابوني للنشر، مكة المكرمة، 1390هـ، ص205، 206.
- [4]. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص135 بتصرف.
- [5]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م، ج2، ص162.
- [6]. الإسلام، د. أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط6، 1982م، ص107.
- [7]. مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م، ص9.
- [8]. وإنك لعلى خلق عظيم، صفي الرحمن المباركفوري، شركة كندة للإعلام والنشر، القاهرة، ط1، 1427هـ، ج1، ص327.
- [9]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب منه (1195).
- [10]. الإسلام والأديان الأخرى: نقاط الاتفاق والاختلاف، أحمد عبد الوهاب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1419هـ/ 1998م، ص 78: 81 بتصرف.