نص السؤال

لماذا لا يكونُ القرآنُ مِن وضعِ البشَرِ، أو يكونُ مِن تأليفِ النبيِّ ﷺ نفسِهِ، وقد جاءت آيةٌ في القرآنِ تنُصُّ على ذلك:

{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}

[الحاقَّة: 40]

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

مصدرُ القرآنِ الكريم.

القرآنُ كلامُ الله.

الجواب التفصيلي

لا يُمكِنُ أن يكونَ مصدرُ القرآنِ الكريمِ مِن بشَرٍ؛ لعِدَّةِ أسبابٍ، أهمُّها:

أوَّلًا: كلمةُ «رسولٍ» في قولِهِ تعالى:

{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}

[الحاقَّة: 40]

تحتمِلُ: أن يكونَ المقصودُ بها جِبرِيلَ الأمينَ، أو رسولَنا الصادقَ الأمينَﷺ؛ والصوابُ: أن المرادَ هنا: محمَّدٌ ﷺ، كما أن المرادَ بقولِهِ تعالى:

{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}

[التكوير: 19- 21]

هو جِبرِيلُ عليه السلام.

وهذا جوابٌ عن شبهةِ معنى الآية، وليس عن شبهةِ أن القرآنَ لا يكونُ مصدرُهُ البشَر.

وفي كلِّ الأحوال: فإنه لا يَلزَمُ أن يكونَ المرادُ هو أن القرآنَ قولُ جِبرِيلَ، أو سيِّدِنا محمَّدٍ؛ عليهما الصلاةُ والسلام.

وإنما المقصودُ: أنه كلامُ اللهِ، أنزَلهُ وأجراهُ على لسانِ رسولِ اللهِ محمَّدٍ ﷺ، وكونُ النبيِّ ﷺ هو مَن يتلُوهُ، ويبلِّغُهُ للناسِ، بدِقَّةٍ كاملة، وأمانةٍ تامَّة؛ فإن ذلك سببُ نسبةِ القولِ إليه.

كما يُمكِنُ نسبةُ القولِ أيضًا إلى جِبرِيلَ عليه السلامُ؛ باعتبارِ كونِهِ نقَلهُ بأمانةٍ إلى النبيِّ ﷺ بدقَّةٍ كاملةٍ؛ كما في قولِهِ تعالى في سورةِ التكويرِ:

{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}

[التكوير: 19- 21].

ولهذا قال أهلُ العلمِ: «الكلامُ إنما يُنسَبُ حقيقةً إلى مَن قاله مبتدِئًا، لا مَن قاله مبلِّغًا مؤدِّيًا».

ولا بدَّ مِن التفريقِ بين شبهةِ فهمِ الآيات، وشبهةِ عدمِ إمكانِ أن يكونَ القرآنُ مصدرُهُ البشَرُ؛ لأن جوابَ الأوَّلِ غيرُ جوابِ الثاني.

ومع ذلك: فإن فهمَ الآيتَيْنِ مِن سورةِ التكويرِ وسورةِ الحاقَّةِ: يدُلُّ على أن القرآنَ ليس مِن كلامِ جِبرِيلَ عليه السلامُ، ولا مِن كلامِ محمَّدٍ ﷺ؛ لأنه أُضِيفَ إلى كلٍّ منهما؛ فلا يكونُ كلامَ أيٍّ منهما، بل هو كلامُ اللهِ ربِّ العالَمين.

ثانيًا: كان المشرِكون يَبحَثون عن أيِّ ثُغْرةٍ ولو صَغُرَتْ، ويتحيَّنون أيَّةَ فرصةٍ تَسمَحُ لهم بالنَّيْلِ مِن القرآنِ بأيَّةِ وسيلةٍ.

ولو وصَلَ إلى عِلمِهم حقًّا أن هذا القرآنَ مِن قولِ اليهودِ أو النصارى -: لَمَا سكَتوا، بل غايةُ ما وصَلوا إليه: أن قالوا بتشكيكٍ ومعانَدةٍ، لا بشَكٍّ أو عِلمٍ:

{إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}

[النحل: 103]

{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}

[الفرقان: 5]

وهم - في قرارةِ أنفُسِهم - يَعلَمون الفَجْوةَ الهائلةَ بين لَهْجةِ أهلِ الكتابِ في عصرِهم، وبين ألفاظِ وبلاغةِ القرآنِ العظيمِ الذي ألجَمَهم حتى وصَفوهُ بالسِّحْر.

بل لو كان كذلك، لَتَحَدَّثَ بذلك الأحبارُ والرُّهْبانُ بالقَدْحِ في القرآن؛ حيثُ توفَّر عندهم الداعي لذلك؛ فقد حارَبوا النبيَّ ﷺ بما يَسْتطيعون، ووقَفوا مع المشرِكين في كثيرٍ مِن الأحداث، ولكنَّهم - مع ذلك - لم يتعرَّضوا لذلك الأمرِ مطلَقًا؛ لعِلمِهم بسخافةِ مِثلِ ذلك الزعم.

ثالثًا: لقد ذكَرَ القرآنُ الكريمُ أحداثًا وأمورًا غيبيَّةً ماضِيةً ومستقبليَّةً، مما لا يُمكِنُ أن يَعلَمَهُ بشَرٌ:

ومِن ذلك: ما وقَعَ في زمنِ النبيِّ ﷺ؛ كإخبارِهِ بأن الرُّومَ سينتصِرون على الفُرْسِ بعدَ فوزِ الفرسِ الكاسحِ والمتفوِّقِ على أعدائِهم مِن الرُّوم، والذي دَلَّ على تفوُّقِ الفرسِ الكبيرِ على الرومِ في حِينِها، إلا أن الآياتِ مع ذلك نزَلَتْ مؤكِّدةً أن الرومَ سينتصِرون في خلالِ سنواتٍ قليلةٍ.

وهذا ما حدَثَ بالفعلِ؛ فما الدافعُ لأن يعرِّضَ النبيُّ ﷺ دعوتَهُ لخطَرِ التكذيبِ لو لم يكن عنده الثقةُ التامَّةُ بالخبرِ الجازم؟! وهذا يُبطِلُ أيَّ احتمالٍ في أن يكونَ ذلك مِن إخبارِ البشَر.

ومِن جهةٍ أخرى: لو تأمَّلْنا في إخبارِ القرآنِ عن الماضي وبعضِ تفاصيلِهِ التي لا يَعلَمُ بعضَها إلا شريحةٌ خاصَّةٌ مِن الأحبارِ -: لرَأَيْنا غايةَ الإعجاز؛ فقد حاوَلَ علماءُ اليهودِ اختبارَ نبوَّتِهِ ﷺ أكثرَ مِن مرَّةٍ بسؤالِهِ عن بعضِ ما وقَعَ في الماضي ممَّا لا يكادُ يَعلَمُهُ إلا هم؛ فنزَلَتِ الآياتُ التي تُجيبُ عن أسئلتِهم بدقَّةٍ متناهيةٍ، وإضافاتٍ مذهِلةٍ، وسورةُ الكهفِ وغيرُها خيرُ شاهدٍ ومثالٍ على ذلك الأمر؛ فمِن أين لبشَرٍ أن يَعرِفَ كلَّ هذا لو لم يكنِ القرآنُ وحيًا مِن السماء؟!

رابعًا: ورَدَتْ آياتٌ كثيرةٌ تذكُرُ حقائقَ علميَّةً جاء العِلْمُ الحديثُ ليُثبِتَها بعد تقدُّمِ العِلمِ وآليَّاتِه؛ فمِن أين لبشَرٍ عاش في بيئةٍ صحراويَّةٍ أن يَعرِفَ تلك الحقائقَ؟! والكلامُ في ذلك مشهورٌ معلومٌ؛ وهذا مِن أقوى الأدلَّةِ على أن القرآنَ مِن كلامِ اللهِ تعالى.

خامسًا: نجدُ آياتٍ عديدةً تَحمِلُ عِتابًا مِن اللهِ تعالى لنبيِّهِ ﷺ في عدَّةِ مواقفَ، ولا يستقيمُ بالنظَرِ الدقيقِ لسياقِها أن تكونَ كلامًا يعاتِبُ فيه نفسَه.

سادسًا: لا يُوجَدُ أيُّ كتابٍ بشَريٍّ إلا ويَحمِلُ في طِيَّاتِهِ أخطاءً واختلافاتٍ، وجوانبَ نقصٍ عديدةً، وخُلُوُّ القرآنِ الكريمِ مِن كلِّ ذلك، وبلوغُهُ درَجةَ الكمالِ والإحكامِ التامِّ المُطلَقِ -: لهُو دليلٌ قويٌّ على أنه ليس مِن وضعِ البشَر؛ فكلامُ البشَرِ لا يُمكِنُ أبدًا أن يشابِهَ كلامَ الخالقِ في الكمال.

سابعًا: لقد تحدَّى اللهُ سبحانه وتعالى الإنسَ والجنَّ أجمَعين أن يأتوا بمِثلِ هذا القرآنِ الكريمِ؛ قال تعالى في سورةِ الإسراء:

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}

[الإسراء: 88]

وقد أعلَنَ ملوكُ الفصاحةِ مِن العرَبِ فشَلَهم وعَجْزَهم التامَّ عن الإتيانِ ولو بآيةٍ تُشبِهُ آياتِ القرآنِ، ولو ثبَتَ أن أحدَهم تمكَّن مِن ذلك، لانتشَرَ الخبرُ وذاع، ووصَلَ إلينا، بل لَقَضَى على القرآنِ في ذلك الزمان، ولكنَّ هذا لم يحدُثْ قطُّ، ولن يحدُثَ أبدًا.

فظهَرَ مما سبَقَ: أن الدلائلَ القويَّةَ الواضحةَ تدُلُّ كلَّ إنسانٍ مُنصِفٍ على الحقِّ، ولن يجدَ أمامَهُ سوى الإقرارِ والاعترافِ: بأن هذا القرآنَ كلامُ ربِّ العالَمين، لا كلامُ غيرِه.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

حول مصدرِ القرآنِ، وادِّعاءِ بعضِ المشكِّكينَ: أنه يُمكِنُ أن يكونَ مصدرُ القرآنِ بشَرًا.

مختصَرُ الإجابة:

- عقلاءُ المشرِكين - مِن أهلِ الكتابِ ومِن غيرِهم - يَعلَمون أن اليهودَ أو النصارى - وهم أهلُ كتابٍ كذلك - لا يُمكِنُ أن يكونوا مصدرًا للقرآنِ الكريم؛ فقد كانوا أحرَصَ الناسِ على معارَضتِه.

- وجودُ الإعجازِ التاريخيِّ والتشريعيِّ، والبلاغيِّ والعِلْميِّ، وغيرِ ذلك مِن الأمورِ التي لا يُمكِنُ أن يأتِيَ بها بشَرٌ في ذلك الزمانِ -: ينقُضُ هذا الادِّعاءَ.

- ورودُ عِتابٍ للنبيِّ ﷺ في بعضِ الآياتِ -: يخالِفُ هذه الدعوى.

- عدمُ وجودِ أيِّ اختلافٍ أو خطأٍ في القرآنِ الكريمِ، مع عجزِ العالَمين عن الإتيانِ ولو بسورةٍ مِن مِثلِهِ -: يدُلُّ على أنه لا يُمكِنُ أن يأتِيَ مِن عندِ بشَرٍ.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

حول مصدرِ القرآنِ، وادِّعاءِ بعضِ المشكِّكينَ: أنه يُمكِنُ أن يكونَ مصدرُ القرآنِ بشَرًا.

مختصَرُ الإجابة:

- عقلاءُ المشرِكين - مِن أهلِ الكتابِ ومِن غيرِهم - يَعلَمون أن اليهودَ أو النصارى - وهم أهلُ كتابٍ كذلك - لا يُمكِنُ أن يكونوا مصدرًا للقرآنِ الكريم؛ فقد كانوا أحرَصَ الناسِ على معارَضتِه.

- وجودُ الإعجازِ التاريخيِّ والتشريعيِّ، والبلاغيِّ والعِلْميِّ، وغيرِ ذلك مِن الأمورِ التي لا يُمكِنُ أن يأتِيَ بها بشَرٌ في ذلك الزمانِ -: ينقُضُ هذا الادِّعاءَ.

- ورودُ عِتابٍ للنبيِّ ﷺ في بعضِ الآياتِ -: يخالِفُ هذه الدعوى.

- عدمُ وجودِ أيِّ اختلافٍ أو خطأٍ في القرآنِ الكريمِ، مع عجزِ العالَمين عن الإتيانِ ولو بسورةٍ مِن مِثلِهِ -: يدُلُّ على أنه لا يُمكِنُ أن يأتِيَ مِن عندِ بشَرٍ.

الجواب التفصيلي

لا يُمكِنُ أن يكونَ مصدرُ القرآنِ الكريمِ مِن بشَرٍ؛ لعِدَّةِ أسبابٍ، أهمُّها:

أوَّلًا: كلمةُ «رسولٍ» في قولِهِ تعالى:

{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}

[الحاقَّة: 40]

تحتمِلُ: أن يكونَ المقصودُ بها جِبرِيلَ الأمينَ، أو رسولَنا الصادقَ الأمينَﷺ؛ والصوابُ: أن المرادَ هنا: محمَّدٌ ﷺ، كما أن المرادَ بقولِهِ تعالى:

{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}

[التكوير: 19- 21]

هو جِبرِيلُ عليه السلام.

وهذا جوابٌ عن شبهةِ معنى الآية، وليس عن شبهةِ أن القرآنَ لا يكونُ مصدرُهُ البشَر.

وفي كلِّ الأحوال: فإنه لا يَلزَمُ أن يكونَ المرادُ هو أن القرآنَ قولُ جِبرِيلَ، أو سيِّدِنا محمَّدٍ؛ عليهما الصلاةُ والسلام.

وإنما المقصودُ: أنه كلامُ اللهِ، أنزَلهُ وأجراهُ على لسانِ رسولِ اللهِ محمَّدٍ ﷺ، وكونُ النبيِّ ﷺ هو مَن يتلُوهُ، ويبلِّغُهُ للناسِ، بدِقَّةٍ كاملة، وأمانةٍ تامَّة؛ فإن ذلك سببُ نسبةِ القولِ إليه.

كما يُمكِنُ نسبةُ القولِ أيضًا إلى جِبرِيلَ عليه السلامُ؛ باعتبارِ كونِهِ نقَلهُ بأمانةٍ إلى النبيِّ ﷺ بدقَّةٍ كاملةٍ؛ كما في قولِهِ تعالى في سورةِ التكويرِ:

{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}

[التكوير: 19- 21].

ولهذا قال أهلُ العلمِ: «الكلامُ إنما يُنسَبُ حقيقةً إلى مَن قاله مبتدِئًا، لا مَن قاله مبلِّغًا مؤدِّيًا».

ولا بدَّ مِن التفريقِ بين شبهةِ فهمِ الآيات، وشبهةِ عدمِ إمكانِ أن يكونَ القرآنُ مصدرُهُ البشَرُ؛ لأن جوابَ الأوَّلِ غيرُ جوابِ الثاني.

ومع ذلك: فإن فهمَ الآيتَيْنِ مِن سورةِ التكويرِ وسورةِ الحاقَّةِ: يدُلُّ على أن القرآنَ ليس مِن كلامِ جِبرِيلَ عليه السلامُ، ولا مِن كلامِ محمَّدٍ ﷺ؛ لأنه أُضِيفَ إلى كلٍّ منهما؛ فلا يكونُ كلامَ أيٍّ منهما، بل هو كلامُ اللهِ ربِّ العالَمين.

ثانيًا: كان المشرِكون يَبحَثون عن أيِّ ثُغْرةٍ ولو صَغُرَتْ، ويتحيَّنون أيَّةَ فرصةٍ تَسمَحُ لهم بالنَّيْلِ مِن القرآنِ بأيَّةِ وسيلةٍ.

ولو وصَلَ إلى عِلمِهم حقًّا أن هذا القرآنَ مِن قولِ اليهودِ أو النصارى -: لَمَا سكَتوا، بل غايةُ ما وصَلوا إليه: أن قالوا بتشكيكٍ ومعانَدةٍ، لا بشَكٍّ أو عِلمٍ:

{إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}

[النحل: 103]

{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}

[الفرقان: 5]

وهم - في قرارةِ أنفُسِهم - يَعلَمون الفَجْوةَ الهائلةَ بين لَهْجةِ أهلِ الكتابِ في عصرِهم، وبين ألفاظِ وبلاغةِ القرآنِ العظيمِ الذي ألجَمَهم حتى وصَفوهُ بالسِّحْر.

بل لو كان كذلك، لَتَحَدَّثَ بذلك الأحبارُ والرُّهْبانُ بالقَدْحِ في القرآن؛ حيثُ توفَّر عندهم الداعي لذلك؛ فقد حارَبوا النبيَّ ﷺ بما يَسْتطيعون، ووقَفوا مع المشرِكين في كثيرٍ مِن الأحداث، ولكنَّهم - مع ذلك - لم يتعرَّضوا لذلك الأمرِ مطلَقًا؛ لعِلمِهم بسخافةِ مِثلِ ذلك الزعم.

ثالثًا: لقد ذكَرَ القرآنُ الكريمُ أحداثًا وأمورًا غيبيَّةً ماضِيةً ومستقبليَّةً، مما لا يُمكِنُ أن يَعلَمَهُ بشَرٌ:

ومِن ذلك: ما وقَعَ في زمنِ النبيِّ ﷺ؛ كإخبارِهِ بأن الرُّومَ سينتصِرون على الفُرْسِ بعدَ فوزِ الفرسِ الكاسحِ والمتفوِّقِ على أعدائِهم مِن الرُّوم، والذي دَلَّ على تفوُّقِ الفرسِ الكبيرِ على الرومِ في حِينِها، إلا أن الآياتِ مع ذلك نزَلَتْ مؤكِّدةً أن الرومَ سينتصِرون في خلالِ سنواتٍ قليلةٍ.

وهذا ما حدَثَ بالفعلِ؛ فما الدافعُ لأن يعرِّضَ النبيُّ ﷺ دعوتَهُ لخطَرِ التكذيبِ لو لم يكن عنده الثقةُ التامَّةُ بالخبرِ الجازم؟! وهذا يُبطِلُ أيَّ احتمالٍ في أن يكونَ ذلك مِن إخبارِ البشَر.

ومِن جهةٍ أخرى: لو تأمَّلْنا في إخبارِ القرآنِ عن الماضي وبعضِ تفاصيلِهِ التي لا يَعلَمُ بعضَها إلا شريحةٌ خاصَّةٌ مِن الأحبارِ -: لرَأَيْنا غايةَ الإعجاز؛ فقد حاوَلَ علماءُ اليهودِ اختبارَ نبوَّتِهِ ﷺ أكثرَ مِن مرَّةٍ بسؤالِهِ عن بعضِ ما وقَعَ في الماضي ممَّا لا يكادُ يَعلَمُهُ إلا هم؛ فنزَلَتِ الآياتُ التي تُجيبُ عن أسئلتِهم بدقَّةٍ متناهيةٍ، وإضافاتٍ مذهِلةٍ، وسورةُ الكهفِ وغيرُها خيرُ شاهدٍ ومثالٍ على ذلك الأمر؛ فمِن أين لبشَرٍ أن يَعرِفَ كلَّ هذا لو لم يكنِ القرآنُ وحيًا مِن السماء؟!

رابعًا: ورَدَتْ آياتٌ كثيرةٌ تذكُرُ حقائقَ علميَّةً جاء العِلْمُ الحديثُ ليُثبِتَها بعد تقدُّمِ العِلمِ وآليَّاتِه؛ فمِن أين لبشَرٍ عاش في بيئةٍ صحراويَّةٍ أن يَعرِفَ تلك الحقائقَ؟! والكلامُ في ذلك مشهورٌ معلومٌ؛ وهذا مِن أقوى الأدلَّةِ على أن القرآنَ مِن كلامِ اللهِ تعالى.

خامسًا: نجدُ آياتٍ عديدةً تَحمِلُ عِتابًا مِن اللهِ تعالى لنبيِّهِ ﷺ في عدَّةِ مواقفَ، ولا يستقيمُ بالنظَرِ الدقيقِ لسياقِها أن تكونَ كلامًا يعاتِبُ فيه نفسَه.

سادسًا: لا يُوجَدُ أيُّ كتابٍ بشَريٍّ إلا ويَحمِلُ في طِيَّاتِهِ أخطاءً واختلافاتٍ، وجوانبَ نقصٍ عديدةً، وخُلُوُّ القرآنِ الكريمِ مِن كلِّ ذلك، وبلوغُهُ درَجةَ الكمالِ والإحكامِ التامِّ المُطلَقِ -: لهُو دليلٌ قويٌّ على أنه ليس مِن وضعِ البشَر؛ فكلامُ البشَرِ لا يُمكِنُ أبدًا أن يشابِهَ كلامَ الخالقِ في الكمال.

سابعًا: لقد تحدَّى اللهُ سبحانه وتعالى الإنسَ والجنَّ أجمَعين أن يأتوا بمِثلِ هذا القرآنِ الكريمِ؛ قال تعالى في سورةِ الإسراء:

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}

[الإسراء: 88]

وقد أعلَنَ ملوكُ الفصاحةِ مِن العرَبِ فشَلَهم وعَجْزَهم التامَّ عن الإتيانِ ولو بآيةٍ تُشبِهُ آياتِ القرآنِ، ولو ثبَتَ أن أحدَهم تمكَّن مِن ذلك، لانتشَرَ الخبرُ وذاع، ووصَلَ إلينا، بل لَقَضَى على القرآنِ في ذلك الزمان، ولكنَّ هذا لم يحدُثْ قطُّ، ولن يحدُثَ أبدًا.

فظهَرَ مما سبَقَ: أن الدلائلَ القويَّةَ الواضحةَ تدُلُّ كلَّ إنسانٍ مُنصِفٍ على الحقِّ، ولن يجدَ أمامَهُ سوى الإقرارِ والاعترافِ: بأن هذا القرآنَ كلامُ ربِّ العالَمين، لا كلامُ غيرِه.