نص السؤال

مصدرُ القرآنِ لم يكن وحيًا مِن اللهِ تعالى، بل هو مقتبَسٌ مِن الكتُبِ السابقة

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

مصدرُ القرآنِ الكريم.

القرآنُ كلامُ الله.

الكتُبُ السابقة

الجواب التفصيلي

يجبُ معرفةُ معنى «الاقتباسِ» قبلَ أن نحكُمَ بوقوعِهِ في القرآنِ الكريم، ولإزالةِ مضمونِ هذا الإشكالِ يَكْفي أن نذكُرَ الوجوهَ الثلاثةَ التالية:

الوجهُ الأوَّلُ: الاقتباسُ هو: «نقلُ فِكْرةٍ معيَّنةٍ، بشكلٍ كاملٍ أو جُزْئيٍّ؛ بحيثُ لا يَزيدُ المقتبِسُ شيئًا»، وفي حالةِ إضافةِ المقتبِسِ أو تعديلِهِ للأفكارِ التي ينقُلُها، أو تصحيحِهِ لها، فإن ذلك يَنْفي عن فعلِهِ صفةَ الاقتباس.

والمتأمِّلُ في آياتِ القرآنِ يجدُ أن تعريفَ الاقتباسِ لا ينطبِقُ أبدًا عليها.

فلا يَصِحُّ أن يُطلَقَ وصفُ الاقتباسِ على القرآنِ؛ لمجرَّدِ اتِّفاقِهِ مع الكُتُبِ السابقةِ في نقلِ أحداثِ ومُجرَيَاتِ قصَّةٍ مَّا، مع أننا لا نجدُ القرآنَ يذكُرُها كما ورَدتْ في العهدِ القديمِ وكأنه يَنسَخُها نسخًا، بل إن القرآنَ قد صحَّح وعدَّل وأضافَ الكثيرَ مِن الأحكامِ والوقائعِ ما جعَلهُ مختلِفًا ومتميِّزًا عن غيرِهِ مِن الكُتُبِ السماويَّة.

الوجهُ الثاني: أن تشابُهَ جوهرِ القَصَصِ القرآنيِّ مع جوهرِ ما جاء في الكتُبِ السماويَّةِ السابقةِ، أمرٌ لا نكيرَ فيه؛ وهذا مِن تصديقِ القرآنِ لِمَا سبَقَ مِن الكتُبِ:

{مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}

[البقرة: 97]

وهو مِن دلائلِ نبوَّةِ سيِّدِنا محمَّدٍ ﷺ، وأنه مكمِّلٌ للأنبياءِ مِن قبلِهِ، ومصدِّقٌ لهم، وسائرٌ على طريقتِهم.

فأصلُ المشابَهةِ هذه مصدِّقةٌ للقرآن، وليست طعنًا فيه، ومع هذا: فهناك فروقٌ بين القرآنِ الكريمِ والكُتُبِ السابقةِ تتبيَّنُ مِن الوجهِ التالي:

الوجهُ الثالثُ: أن التبايُنَ الواضحَ بين القرآنِ الكريمِ والكُتُبِ السابقةِ - سواءٌ مِن ناحيةِ الأسلوبِ، أو المضمونِ - يَنْفي الدعوى الواردةَ في السؤال:

فمثلًا: أسلوبُ القَصَصِ في القرآنِ الكريمِ يتميَّزُ عن غيرِهِ مِن كُتُبِ العهدِ القديمِ؛ سواءٌ في الشكلِ، أو المضمونِ، وأيُّ إنسانٍ يطَّلِعُ على تلك القِصصِ يُدرِكُ بسهولةٍ: أن هناك بَوْنًا شاسعًا في القصصِ بين كلَيْهِما.

وهنا سنذكُرُ نُبْذةً يسيرةً عن تلك الفروقِ والاختلافات:

أوَّلًا: مِن حيثُ الاختلافُ في الأسلوب:

إن القرآنَ الكريمَ بلَغَ الذِّرْوةَ في البيانِ والإحكام، وأعجَزَ العرَبَ الذين كان البيانُ في عهدِهم مِحْوَرَ اهتمامِهم وتنافُسِهم، ولم يَقْدِروا أن يَجِدوا فيه عيبًا.

وأما العهدُ القديمُ، فلم يحدُثْ فيه تَحَدٍّ ولا إعجازٌ، وكثيرٌ مِن قِصصِهِ فيها رَكَاكةٌ أو إسفافٌ - وكلُّ ضعفٍ، فهو بسببِ ما أُدخِلَ فيه مِن التحريفِ أو الترجَمةِ - وبكلِّ حالٍ فلا يُمكِنُ مقارَنتُهُ إطلاقًا بكلامِ اللهِ تعالى المحكَمِ في القرآنِ الكريم.

فالتبايُنُ الشديدُ في أسلوبِ القرآنِ عن أسلوبِ العهدِ الجديدِ مِن حيثُ اللغةُ، والبعدُ عمَّا وقَعَ في العهدِ القديمِ مِن عباراتٍ فيها إساءةُ أدَبٍ مع اللهِ تعالى، ومع رُسُلِهِ -: يَكْفي في بيانِ التفاوُتِ بين الكتابَيْن.

ثانيًا: مِن حيثُ الاختلافُ الكبيرُ في المضمون:

كذلك يختلِفُ المضمونُ في القرآنِ مِن قضايا ومعتقَداتٍ وأفكارٍ عن تلك التي في العهدِ القديم، ويُمكِنُ أن نَعرِضَ مثالًا لتوضيحِ ذلك، وهو: الاختلافُ في وصفِ الذاتِ الإلهيَّةِ، والأنبياء:

ففي العهدِ القديمِ: نجدُ كثيرًا مِن العباراتِ المسيئةِ التي فيها التطاوُلُ على الأنبياء، وذِكرُهم بأخبارٍ لا تَلِيقُ بهم، بل فيها تطاوُلٌ على الذاتِ الإلهيَّةِ، وتصلُ إلى حدِّ نسبةِ الأفعالِ المسيئةِ إلى الله، ووصفِهِ تعالى بما لا يَلِيقُ به.

بينما نجدُ في القرآنِ: وَصْفَ اللهِ تعالى بما يليقُ به مِن كمالٍ في الصفاتِ والأفعال، وكذلك وَصْفَ أنبيائِهِ بما يليقُ بهم مِن عصمةٍ وتبجيلٍ.

والأمثلةُ على هذا كثيرةٌ، وهذا ليس مجالَ حَصْرِها، وهذا الخلافُ الجَوهَريُّ يبيِّنُ أنه لا يُمكِنُ أن يتأتَّى مِن ناقلٍ يقتبِسُ مِن غيرِه.

وأما بالنسبةِ للقِصصِ وتشابُهِها إجمالًا، فالوقائعُ التي حدَثتْ في تاريخِ الأنبياءِ والبشَريَّةِ، هي أحداثٌ واحدةٌ، وإنما تختلِفُ الرواياتُ والتوجيهاتُ لتلك الأحداث، كما يختلِفُ توصيفُ تلك الأحداث. ولم يترُكِ القرآنُ الكريمُ تفنيدَ ما يدَّعيهِ أهلُ الكتابِ مِن أخبارٍ، بل كان يرُدُّ عليهم، ويصوِّبُ ما بدَّلوا فيه وحرَّفوه؛ ومِن ذلك قولُهُ تعالى:

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}

[النساء: 171].

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

حول مصدرِ القرآنِ وعَلَاقتِهِ بالكُتُبِ السابقةِ؛ مِن حيثُ المضمونُ والأسلوب.

مختصَرُ الإجابة:

1- الاقتباسُ هو: «نقلُ فِكْرةٍ معيَّنةٍ، بشكلٍ كاملٍ أو جُزْئيٍّ؛ بحيثُ لا يَزيدُ المقتبِسُ شيئًا»، وفي حالةِ إضافةِ المقتبِسِ أو تعديلِهِ للأفكارِ التي ينقُلُها، أو تصحيحِهِ لها، فإن ذلك يَنْفي عن فعلِهِ صفةَ الاقتباس؛ ومعنى الاقتباسِ هذا لا يُمكِنُ أن ينطبِقَ بأيِّ حالٍ مِن الأحوالِ على القرآنِ الكريم.

2- القرآنُ الكريمُ مختلِفٌ ومتميِّزٌ عن الكُتُبِ السابقةِ في المضمونِ والأسلوب؛ وهذا يَنْفي الدعوى الواردةَ في السؤال؛ فأسلوبُ القَصَصِ في القرآنِ يتميَّزُ عن غيرِهِ مِن كُتُبِ العهدِ القديمِ، وأيُّ إنسانٍ يطَّلِعُ على تلك القِصصِ يُدرِكُ بسهولةٍ: أن هناك بَوْنًا شاسعًا في القصصِ بين كلَيْهِما، ومِن أمثلةِ ذلك:

مِن حيثُ الأسلوبُ، نجدُ القرآنَ الكريمَ بلَغَ الذِّرْوةَ في البيانِ والإحكام، وأعجَزَ العرَبَ أن يأتوا بمثلِه، أو أن يَجِدوا فيه عيبًا، وأما العهدُ القديمُ، فلم يحدُثْ فيه تَحَدٍّ ولا إعجازٌ، وكثيرٌ مِن قِصصِهِ فيها رَكَاكةٌ أو إسفافٌ؛ بسببِ ما أُدخِلَ فيه مِن التحريفِ أو الترجَمة، وكذلك نجدُ التبايُنَ الشديدَ في أسلوبِهما مِن حيثُ اللغةُ، والبعدُ عمَّا وقَعَ في العهدِ القديمِ مِن عباراتٍ فيها إساءةُ أدَبٍ مع اللهِ تعالى، ومع رُسُلِه.

ومِن حيثُ التمايُزُ الكبيرُ في المضمون، فإن المضمونَ في القرآنِ مِن قضايا ومعتقَداتٍ وأفكارٍ يختلِفُ عن تلك التي في العهدِ القديم، ومِن أمثلةِ ذلك: الاختلافُ في وصفِ الذاتِ الإلهيَّةِ، والأنبياء؛ ففي العهدِ القديمِ: عباراتٌ مسيئةٌ فيها التطاوُلُ على الأنبياءِ وذِكرُهم بأخبارٍ لا تَلِيقُ بهم، بل فيها تطاوُلٌ على الذاتِ الإلهيَّةِ، إلى حدِّ نسبةِ الأفعالِ المسيئةِ إلى الله، ووصفِهِ تعالى بما لا يَلِيقُ به، بينما القرآنُ: وصَفَ اللهَ تعالى بما يليقُ به مِن كمالٍ في الصفاتِ والأفعال، وكذلك وصَفَ أنبياءَهُ بما يليقُ بهم مِن عصمةٍ وتبجيلٍ. وأما تشابُهُ القِصصِ بين جميعِ الكتُبِ، فالوقائعُ التي حدَثتْ في تاريخِ الأنبياءِ والبشَريَّةِ، هي أحداثٌ واحدةٌ، وإنما تختلِفُ الرواياتُ والتوجيهاتُ لتلك الأحداث، كما يختلِفُ توصيفُ تلك الأحداث، وأيضًا: فإن القرآنَ الكريمَ لم يترُكْ تفنيدَ ما يدَّعيهِ أهلُ الكتابِ مِن أخبارٍ، بل كان يرُدُّ عليهم، ويصوِّبُ ما بدَّلوا فيه وحرَّفوه.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

حول مصدرِ القرآنِ وعَلَاقتِهِ بالكُتُبِ السابقةِ؛ مِن حيثُ المضمونُ والأسلوب.

مختصَرُ الإجابة:

1- الاقتباسُ هو: «نقلُ فِكْرةٍ معيَّنةٍ، بشكلٍ كاملٍ أو جُزْئيٍّ؛ بحيثُ لا يَزيدُ المقتبِسُ شيئًا»، وفي حالةِ إضافةِ المقتبِسِ أو تعديلِهِ للأفكارِ التي ينقُلُها، أو تصحيحِهِ لها، فإن ذلك يَنْفي عن فعلِهِ صفةَ الاقتباس؛ ومعنى الاقتباسِ هذا لا يُمكِنُ أن ينطبِقَ بأيِّ حالٍ مِن الأحوالِ على القرآنِ الكريم.

2- القرآنُ الكريمُ مختلِفٌ ومتميِّزٌ عن الكُتُبِ السابقةِ في المضمونِ والأسلوب؛ وهذا يَنْفي الدعوى الواردةَ في السؤال؛ فأسلوبُ القَصَصِ في القرآنِ يتميَّزُ عن غيرِهِ مِن كُتُبِ العهدِ القديمِ، وأيُّ إنسانٍ يطَّلِعُ على تلك القِصصِ يُدرِكُ بسهولةٍ: أن هناك بَوْنًا شاسعًا في القصصِ بين كلَيْهِما، ومِن أمثلةِ ذلك:

مِن حيثُ الأسلوبُ، نجدُ القرآنَ الكريمَ بلَغَ الذِّرْوةَ في البيانِ والإحكام، وأعجَزَ العرَبَ أن يأتوا بمثلِه، أو أن يَجِدوا فيه عيبًا، وأما العهدُ القديمُ، فلم يحدُثْ فيه تَحَدٍّ ولا إعجازٌ، وكثيرٌ مِن قِصصِهِ فيها رَكَاكةٌ أو إسفافٌ؛ بسببِ ما أُدخِلَ فيه مِن التحريفِ أو الترجَمة، وكذلك نجدُ التبايُنَ الشديدَ في أسلوبِهما مِن حيثُ اللغةُ، والبعدُ عمَّا وقَعَ في العهدِ القديمِ مِن عباراتٍ فيها إساءةُ أدَبٍ مع اللهِ تعالى، ومع رُسُلِه.

ومِن حيثُ التمايُزُ الكبيرُ في المضمون، فإن المضمونَ في القرآنِ مِن قضايا ومعتقَداتٍ وأفكارٍ يختلِفُ عن تلك التي في العهدِ القديم، ومِن أمثلةِ ذلك: الاختلافُ في وصفِ الذاتِ الإلهيَّةِ، والأنبياء؛ ففي العهدِ القديمِ: عباراتٌ مسيئةٌ فيها التطاوُلُ على الأنبياءِ وذِكرُهم بأخبارٍ لا تَلِيقُ بهم، بل فيها تطاوُلٌ على الذاتِ الإلهيَّةِ، إلى حدِّ نسبةِ الأفعالِ المسيئةِ إلى الله، ووصفِهِ تعالى بما لا يَلِيقُ به، بينما القرآنُ: وصَفَ اللهَ تعالى بما يليقُ به مِن كمالٍ في الصفاتِ والأفعال، وكذلك وصَفَ أنبياءَهُ بما يليقُ بهم مِن عصمةٍ وتبجيلٍ. وأما تشابُهُ القِصصِ بين جميعِ الكتُبِ، فالوقائعُ التي حدَثتْ في تاريخِ الأنبياءِ والبشَريَّةِ، هي أحداثٌ واحدةٌ، وإنما تختلِفُ الرواياتُ والتوجيهاتُ لتلك الأحداث، كما يختلِفُ توصيفُ تلك الأحداث، وأيضًا: فإن القرآنَ الكريمَ لم يترُكْ تفنيدَ ما يدَّعيهِ أهلُ الكتابِ مِن أخبارٍ، بل كان يرُدُّ عليهم، ويصوِّبُ ما بدَّلوا فيه وحرَّفوه.

الجواب التفصيلي

يجبُ معرفةُ معنى «الاقتباسِ» قبلَ أن نحكُمَ بوقوعِهِ في القرآنِ الكريم، ولإزالةِ مضمونِ هذا الإشكالِ يَكْفي أن نذكُرَ الوجوهَ الثلاثةَ التالية:

الوجهُ الأوَّلُ: الاقتباسُ هو: «نقلُ فِكْرةٍ معيَّنةٍ، بشكلٍ كاملٍ أو جُزْئيٍّ؛ بحيثُ لا يَزيدُ المقتبِسُ شيئًا»، وفي حالةِ إضافةِ المقتبِسِ أو تعديلِهِ للأفكارِ التي ينقُلُها، أو تصحيحِهِ لها، فإن ذلك يَنْفي عن فعلِهِ صفةَ الاقتباس.

والمتأمِّلُ في آياتِ القرآنِ يجدُ أن تعريفَ الاقتباسِ لا ينطبِقُ أبدًا عليها.

فلا يَصِحُّ أن يُطلَقَ وصفُ الاقتباسِ على القرآنِ؛ لمجرَّدِ اتِّفاقِهِ مع الكُتُبِ السابقةِ في نقلِ أحداثِ ومُجرَيَاتِ قصَّةٍ مَّا، مع أننا لا نجدُ القرآنَ يذكُرُها كما ورَدتْ في العهدِ القديمِ وكأنه يَنسَخُها نسخًا، بل إن القرآنَ قد صحَّح وعدَّل وأضافَ الكثيرَ مِن الأحكامِ والوقائعِ ما جعَلهُ مختلِفًا ومتميِّزًا عن غيرِهِ مِن الكُتُبِ السماويَّة.

الوجهُ الثاني: أن تشابُهَ جوهرِ القَصَصِ القرآنيِّ مع جوهرِ ما جاء في الكتُبِ السماويَّةِ السابقةِ، أمرٌ لا نكيرَ فيه؛ وهذا مِن تصديقِ القرآنِ لِمَا سبَقَ مِن الكتُبِ:

{مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}

[البقرة: 97]

وهو مِن دلائلِ نبوَّةِ سيِّدِنا محمَّدٍ ﷺ، وأنه مكمِّلٌ للأنبياءِ مِن قبلِهِ، ومصدِّقٌ لهم، وسائرٌ على طريقتِهم.

فأصلُ المشابَهةِ هذه مصدِّقةٌ للقرآن، وليست طعنًا فيه، ومع هذا: فهناك فروقٌ بين القرآنِ الكريمِ والكُتُبِ السابقةِ تتبيَّنُ مِن الوجهِ التالي:

الوجهُ الثالثُ: أن التبايُنَ الواضحَ بين القرآنِ الكريمِ والكُتُبِ السابقةِ - سواءٌ مِن ناحيةِ الأسلوبِ، أو المضمونِ - يَنْفي الدعوى الواردةَ في السؤال:

فمثلًا: أسلوبُ القَصَصِ في القرآنِ الكريمِ يتميَّزُ عن غيرِهِ مِن كُتُبِ العهدِ القديمِ؛ سواءٌ في الشكلِ، أو المضمونِ، وأيُّ إنسانٍ يطَّلِعُ على تلك القِصصِ يُدرِكُ بسهولةٍ: أن هناك بَوْنًا شاسعًا في القصصِ بين كلَيْهِما.

وهنا سنذكُرُ نُبْذةً يسيرةً عن تلك الفروقِ والاختلافات:

أوَّلًا: مِن حيثُ الاختلافُ في الأسلوب:

إن القرآنَ الكريمَ بلَغَ الذِّرْوةَ في البيانِ والإحكام، وأعجَزَ العرَبَ الذين كان البيانُ في عهدِهم مِحْوَرَ اهتمامِهم وتنافُسِهم، ولم يَقْدِروا أن يَجِدوا فيه عيبًا.

وأما العهدُ القديمُ، فلم يحدُثْ فيه تَحَدٍّ ولا إعجازٌ، وكثيرٌ مِن قِصصِهِ فيها رَكَاكةٌ أو إسفافٌ - وكلُّ ضعفٍ، فهو بسببِ ما أُدخِلَ فيه مِن التحريفِ أو الترجَمةِ - وبكلِّ حالٍ فلا يُمكِنُ مقارَنتُهُ إطلاقًا بكلامِ اللهِ تعالى المحكَمِ في القرآنِ الكريم.

فالتبايُنُ الشديدُ في أسلوبِ القرآنِ عن أسلوبِ العهدِ الجديدِ مِن حيثُ اللغةُ، والبعدُ عمَّا وقَعَ في العهدِ القديمِ مِن عباراتٍ فيها إساءةُ أدَبٍ مع اللهِ تعالى، ومع رُسُلِهِ -: يَكْفي في بيانِ التفاوُتِ بين الكتابَيْن.

ثانيًا: مِن حيثُ الاختلافُ الكبيرُ في المضمون:

كذلك يختلِفُ المضمونُ في القرآنِ مِن قضايا ومعتقَداتٍ وأفكارٍ عن تلك التي في العهدِ القديم، ويُمكِنُ أن نَعرِضَ مثالًا لتوضيحِ ذلك، وهو: الاختلافُ في وصفِ الذاتِ الإلهيَّةِ، والأنبياء:

ففي العهدِ القديمِ: نجدُ كثيرًا مِن العباراتِ المسيئةِ التي فيها التطاوُلُ على الأنبياء، وذِكرُهم بأخبارٍ لا تَلِيقُ بهم، بل فيها تطاوُلٌ على الذاتِ الإلهيَّةِ، وتصلُ إلى حدِّ نسبةِ الأفعالِ المسيئةِ إلى الله، ووصفِهِ تعالى بما لا يَلِيقُ به.

بينما نجدُ في القرآنِ: وَصْفَ اللهِ تعالى بما يليقُ به مِن كمالٍ في الصفاتِ والأفعال، وكذلك وَصْفَ أنبيائِهِ بما يليقُ بهم مِن عصمةٍ وتبجيلٍ.

والأمثلةُ على هذا كثيرةٌ، وهذا ليس مجالَ حَصْرِها، وهذا الخلافُ الجَوهَريُّ يبيِّنُ أنه لا يُمكِنُ أن يتأتَّى مِن ناقلٍ يقتبِسُ مِن غيرِه.

وأما بالنسبةِ للقِصصِ وتشابُهِها إجمالًا، فالوقائعُ التي حدَثتْ في تاريخِ الأنبياءِ والبشَريَّةِ، هي أحداثٌ واحدةٌ، وإنما تختلِفُ الرواياتُ والتوجيهاتُ لتلك الأحداث، كما يختلِفُ توصيفُ تلك الأحداث. ولم يترُكِ القرآنُ الكريمُ تفنيدَ ما يدَّعيهِ أهلُ الكتابِ مِن أخبارٍ، بل كان يرُدُّ عليهم، ويصوِّبُ ما بدَّلوا فيه وحرَّفوه؛ ومِن ذلك قولُهُ تعالى:

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}

[النساء: 171].