نص السؤال

جاءت رواياتٌ تدُلُّ أن القرآنَ الكريمَ أُخِذَ عن عددٍ قليلٍ مِن الصحابةِ لا يتجاوَزُ أصابعَ اليد؛ وهذا يُبطِلُ دعوى تواتُرِه. كما في «الصحيحَيْن»، عن أنسِ بنِ مالكٍ، قال: «جمَعَ القرآنَ على عهدِ النبيِّ ^ أربعةٌ، كلُّهم مِن الأنصارِ: أُبَيُّ بنُ كعبٍ، ومعاذُ بنُ جبَلٍ، وزيدُ بنُ ثابتٍ، وأبو زيدٍ».

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

هل ثبَتَ أن القرآنَ متواتِرٌ؟

كم عدَدُ الصحابةِ الذين نقَلوا القرآن؟

الجواب التفصيلي

إن عددَ حفَظةِ القرآنِ مِن الصحابةِ الذين ورَدَ ذِكرُهم في الرواياتِ الصحيحةِ، يفُوقُ العددَ الذي يزعُمُهُ أصحابُ هذه الدعوى؛ وذلك يتبيَّنُ مِن وجوهٍ، منها:

أوَّلًا: ثبَتَتْ أسماءٌ مِن الصحابةِ حَفِظوا القرآنَ أكثرَ مِن الأسماءِ المذكورة:

فمثلًا: ثبَتَ في «صحيحِ البخاريِّ» (3808): أن النبيَّ ﷺ قال:

«خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - فَبَدَأَ بِهِ - وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ».

فلو قرَأْنا الرواياتِ التي استنَدوا إليها، لوجَدْناها لم تذكُرِ اسمَيْنِ مِن أسماءِ الصحابةِ الواردةِ في هذا الحديثِ الصحيح.

ولو بحَثْنا أكثرَ، لوجَدْنا أن أسماءَ حفَظةِ القرآنِ مِن الصحابةِ أكثرُ مما يزعُمون؛ فهناك أكثرُ مِن عشرينَ اسمًا في أحاديثَ أخرى نُصَّ على أسمائِهم بحفظِ القرآن، فضلًا عمَّن لم نقفْ عليه في هذا البحثِ، أو أنهم حَفِظوا ولم يُنقَلْ، أو حَفِظوا بعضَ القرآنِ الكريمِ، وحَفِظَ الآخَرون باقيَهُ، وهو أيضًا ثبَتَ بالتواتُر.

ثانيًا: أن الرواياتِ التي تحصُرُ عددَ حفَظةِ القرآنِ بعددٍ محدَّدٍ مِن الصحابةِ تُفهَمُ بمجموعِ الأدلَّة:

وعليه: فيُمكِنُ فهمُها على عدَّةِ معانٍ، دَلَّ السياقُ على بعضِها، كما يُمكِنُ فهمُ النصوصِ الأخرى بها:

  • أن يكونَ المقصودُ التمثيلَ، لا الحصرَ، وهو أسلوبٌ عربيٌّ معروفٌ، أو حسَبَ ظرفِ السياقِ المذكورِ في الكلام.
  • أن يكونَ المقصودُ ذِكرَ المتقدِّمين منهم.
  • أن يكونَ المقصودُ مَن جمَعَ القرآنَ مكتوبًا لنفسِه.
  • أن يكونَ المقصودُ مَن جمَعَهُ على الوجوهِ والأحرُفِ المختلِفة؛ وهذا غيرُ بعيدٍ؛ لأنه لا يجبُ على سائرِهم، ولا على أولئك النفَرِ أيضًا أن يَجمَعوا القرآنَ على جميعِ حروفِهِ ووجوهِهِ السبعة؛ كما قال ابنُ بطَّالٍ رحمه الله. 

ثالثًا: ارتباطُ الصحابةِ ومعرفتُهم بالقرآنِ أمرٌ ثابتٌ، فحتى لو لم يَحفَظْهُ كلُّ واحدٍ منهم حرفًا حرفًا، فهو محفوظٌ بالنظَرِ إلى المجموع:

لقد تلقَّى النبيُّ ﷺ القرآنَ مِن جِبرِيلَ عليه السلامُ، وتلقَّى الكثيرُ مِن الصحابةِ العدولِ الأُمَناءِ القرآنَ مِن النبيِّ ﷺ شفاهةً؛ معتمِدينَ في حِفْظِهِ على قوَّةِ الذاكرة؛ فكان القرآنُ الكريمُ يحتلُّ المكانَ الأوَّلَ في قلوبِ الصحابة، وحياتُهم كلُّها في ليلِهم ونهارِهم ارتَبَطتْ بآياتِ القرآنِ رِباطًا وثيقًا.

وحِرصًا منهم على حِفظِهِ كانوا يتدارَسونه فيما بينهم، ويعلِّمُ بعضُهم بعضًا امتثالًا منهم لقولِ النبيِّ ^ في الحديثِ الواردِ في «صحيحِ البخاريِّ» (5027):

«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ».

وبالإضافةِ إلى حفظِهِ لهم في الصدورِ، فقد قاموا بتدوينِهِ وكتابتِهِ؛ وبذلك اجتمَعَ في حفظِ القرآنِ: الحِفظُ في الأذهانْ، والحِفظُ والتدوينُ بالبَنَانْ.

ومِن ثَمَّ يتبيَّنُ لنا: أن عددَ مَن حَفِظَ القرآنَ كاملًا كثيرٌ جدًّا، وأن ورودَ أسماءِ حفَّاظٍ معيَّنينَ في روايةٍ مَّا، لا يعني أبدًا أن البقيَّةَ لم يكونوا حُفَّاظًا للقرآنِ، أو لكثيرٍ منه.

ونذكُرُ هنا فائدةً تناسِبُ المقامَ؛ وهو قولُ زيدِ بنِ ثابتٍ رضيَ اللهُ عنه:

«فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالعُسُبِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ»؛

رواه البخاري (4679)

وهو يُفيدُ: أن طريقةَ جمعِ القرآنِ بعد ذلك كانت تعتمِدُ على أمرَيْن:

الأوَّلُ: ما كان محفوظًا في صدورِ الصحابةِ، رضوانُ اللهِ عليهم.

والثاني: ما كان مكتوبًا بين يدَيْ رسولِ اللهِ ﷺ. والاعتمادُ في جمعِ القرآنِ كان على الحفظِ والكتابةِ، وكان غرَضُهم مِن ذلك الاطمئنانَ وزيادةَ التوثيقِ، وأن ما كتَبوهُ إنما هو مِن عينِ ما كُتِبَ بين يدَيْ رسولِ اللهِ ﷺ، والتواتُرُ إنما هو في الحفظِ بالأذهانْ، لا في الكتابةِ بالبَنَانْ.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

يدورُ السؤالُ حول نقلِ الصحابةِ للقرآنِ الكريمِ، وهل تحقَّق وَفْقَ شروطِ التواتُر؛ لوجودِ مرويَّاتٍ حدَّدت أعدادًا محدودةً مِن الصحابةِ يُؤخَذُ عنهم القرآن؟

مختصَرُ الإجابة:

1- الرواياتُ التي تحصُرُ أخذَ القرآنِ أو حِفظَهُ بعددٍ محدَّدٍ مِن الصحابةِ، ليس فيها معنى الحصرِ الذي يرادُ نفيُ ما سواه؛ فهي تُفهَمُ بالرواياتِ الأخرى الصحيحةِ الدالَّةِ على أن عددَهم كثيرٌ.

وأما رواياتُ حصرِ حَفَظةِ القرآنِ بعددٍ محدَّدٍ، فلها وجوهٌ تُفهَمُ مِن السياقِ ومِن النصوصِ الأخرى؛ كأن يكونَ المقصودُ التمثيلَ لا الحصرَ، أو ذِكرَ المتقدِّمين مِن حَفَظةِ القرآنِ، أو ذِكرَ مَن جمَعَ القرآنَ مكتوبًا لنفسِهِ، أو مَن جمَعَهُ على الوجوهِ والأحرُفِ المختلِفة.

2- واقعُ الصحابةِ في حرصِهم الشديدِ على حفظِ كتابِ اللهِ سبحانه في الصدورِ والسطور، واهتمامِهم به، وتنافُسِهم فيه، ونقلِ بعضِهم عن بعضٍ، بل ارتبَطتْ حياتُهم كلُّها في ليلِهم ونهارِهم بآياتِ القرآنِ رِباطًا وثيقًا -: يُبطِلُ هذه الدعوى.


مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

يدورُ السؤالُ حول نقلِ الصحابةِ للقرآنِ الكريمِ، وهل تحقَّق وَفْقَ شروطِ التواتُر؛ لوجودِ مرويَّاتٍ حدَّدت أعدادًا محدودةً مِن الصحابةِ يُؤخَذُ عنهم القرآن؟

مختصَرُ الإجابة:

1- الرواياتُ التي تحصُرُ أخذَ القرآنِ أو حِفظَهُ بعددٍ محدَّدٍ مِن الصحابةِ، ليس فيها معنى الحصرِ الذي يرادُ نفيُ ما سواه؛ فهي تُفهَمُ بالرواياتِ الأخرى الصحيحةِ الدالَّةِ على أن عددَهم كثيرٌ.

وأما رواياتُ حصرِ حَفَظةِ القرآنِ بعددٍ محدَّدٍ، فلها وجوهٌ تُفهَمُ مِن السياقِ ومِن النصوصِ الأخرى؛ كأن يكونَ المقصودُ التمثيلَ لا الحصرَ، أو ذِكرَ المتقدِّمين مِن حَفَظةِ القرآنِ، أو ذِكرَ مَن جمَعَ القرآنَ مكتوبًا لنفسِهِ، أو مَن جمَعَهُ على الوجوهِ والأحرُفِ المختلِفة.

2- واقعُ الصحابةِ في حرصِهم الشديدِ على حفظِ كتابِ اللهِ سبحانه في الصدورِ والسطور، واهتمامِهم به، وتنافُسِهم فيه، ونقلِ بعضِهم عن بعضٍ، بل ارتبَطتْ حياتُهم كلُّها في ليلِهم ونهارِهم بآياتِ القرآنِ رِباطًا وثيقًا -: يُبطِلُ هذه الدعوى.


الجواب التفصيلي

إن عددَ حفَظةِ القرآنِ مِن الصحابةِ الذين ورَدَ ذِكرُهم في الرواياتِ الصحيحةِ، يفُوقُ العددَ الذي يزعُمُهُ أصحابُ هذه الدعوى؛ وذلك يتبيَّنُ مِن وجوهٍ، منها:

أوَّلًا: ثبَتَتْ أسماءٌ مِن الصحابةِ حَفِظوا القرآنَ أكثرَ مِن الأسماءِ المذكورة:

فمثلًا: ثبَتَ في «صحيحِ البخاريِّ» (3808): أن النبيَّ ﷺ قال:

«خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - فَبَدَأَ بِهِ - وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ».

فلو قرَأْنا الرواياتِ التي استنَدوا إليها، لوجَدْناها لم تذكُرِ اسمَيْنِ مِن أسماءِ الصحابةِ الواردةِ في هذا الحديثِ الصحيح.

ولو بحَثْنا أكثرَ، لوجَدْنا أن أسماءَ حفَظةِ القرآنِ مِن الصحابةِ أكثرُ مما يزعُمون؛ فهناك أكثرُ مِن عشرينَ اسمًا في أحاديثَ أخرى نُصَّ على أسمائِهم بحفظِ القرآن، فضلًا عمَّن لم نقفْ عليه في هذا البحثِ، أو أنهم حَفِظوا ولم يُنقَلْ، أو حَفِظوا بعضَ القرآنِ الكريمِ، وحَفِظَ الآخَرون باقيَهُ، وهو أيضًا ثبَتَ بالتواتُر.

ثانيًا: أن الرواياتِ التي تحصُرُ عددَ حفَظةِ القرآنِ بعددٍ محدَّدٍ مِن الصحابةِ تُفهَمُ بمجموعِ الأدلَّة:

وعليه: فيُمكِنُ فهمُها على عدَّةِ معانٍ، دَلَّ السياقُ على بعضِها، كما يُمكِنُ فهمُ النصوصِ الأخرى بها:

  • أن يكونَ المقصودُ التمثيلَ، لا الحصرَ، وهو أسلوبٌ عربيٌّ معروفٌ، أو حسَبَ ظرفِ السياقِ المذكورِ في الكلام.
  • أن يكونَ المقصودُ ذِكرَ المتقدِّمين منهم.
  • أن يكونَ المقصودُ مَن جمَعَ القرآنَ مكتوبًا لنفسِه.
  • أن يكونَ المقصودُ مَن جمَعَهُ على الوجوهِ والأحرُفِ المختلِفة؛ وهذا غيرُ بعيدٍ؛ لأنه لا يجبُ على سائرِهم، ولا على أولئك النفَرِ أيضًا أن يَجمَعوا القرآنَ على جميعِ حروفِهِ ووجوهِهِ السبعة؛ كما قال ابنُ بطَّالٍ رحمه الله. 

ثالثًا: ارتباطُ الصحابةِ ومعرفتُهم بالقرآنِ أمرٌ ثابتٌ، فحتى لو لم يَحفَظْهُ كلُّ واحدٍ منهم حرفًا حرفًا، فهو محفوظٌ بالنظَرِ إلى المجموع:

لقد تلقَّى النبيُّ ﷺ القرآنَ مِن جِبرِيلَ عليه السلامُ، وتلقَّى الكثيرُ مِن الصحابةِ العدولِ الأُمَناءِ القرآنَ مِن النبيِّ ﷺ شفاهةً؛ معتمِدينَ في حِفْظِهِ على قوَّةِ الذاكرة؛ فكان القرآنُ الكريمُ يحتلُّ المكانَ الأوَّلَ في قلوبِ الصحابة، وحياتُهم كلُّها في ليلِهم ونهارِهم ارتَبَطتْ بآياتِ القرآنِ رِباطًا وثيقًا.

وحِرصًا منهم على حِفظِهِ كانوا يتدارَسونه فيما بينهم، ويعلِّمُ بعضُهم بعضًا امتثالًا منهم لقولِ النبيِّ ^ في الحديثِ الواردِ في «صحيحِ البخاريِّ» (5027):

«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ».

وبالإضافةِ إلى حفظِهِ لهم في الصدورِ، فقد قاموا بتدوينِهِ وكتابتِهِ؛ وبذلك اجتمَعَ في حفظِ القرآنِ: الحِفظُ في الأذهانْ، والحِفظُ والتدوينُ بالبَنَانْ.

ومِن ثَمَّ يتبيَّنُ لنا: أن عددَ مَن حَفِظَ القرآنَ كاملًا كثيرٌ جدًّا، وأن ورودَ أسماءِ حفَّاظٍ معيَّنينَ في روايةٍ مَّا، لا يعني أبدًا أن البقيَّةَ لم يكونوا حُفَّاظًا للقرآنِ، أو لكثيرٍ منه.

ونذكُرُ هنا فائدةً تناسِبُ المقامَ؛ وهو قولُ زيدِ بنِ ثابتٍ رضيَ اللهُ عنه:

«فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالعُسُبِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ»؛

رواه البخاري (4679)

وهو يُفيدُ: أن طريقةَ جمعِ القرآنِ بعد ذلك كانت تعتمِدُ على أمرَيْن:

الأوَّلُ: ما كان محفوظًا في صدورِ الصحابةِ، رضوانُ اللهِ عليهم.

والثاني: ما كان مكتوبًا بين يدَيْ رسولِ اللهِ ﷺ. والاعتمادُ في جمعِ القرآنِ كان على الحفظِ والكتابةِ، وكان غرَضُهم مِن ذلك الاطمئنانَ وزيادةَ التوثيقِ، وأن ما كتَبوهُ إنما هو مِن عينِ ما كُتِبَ بين يدَيْ رسولِ اللهِ ﷺ، والتواتُرُ إنما هو في الحفظِ بالأذهانْ، لا في الكتابةِ بالبَنَانْ.