نص السؤال
في الآيةِ:
{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}
[الأعلى: 6]
ولكنْ جاء في روايةٍ أن الرسولَ ﷺ سَمِعَ صحابيًّا يَقرَأُ آيةً ليلًا، فقال:
«يَرْحَمُهُ اللهُ؛ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا»؛
رواه البخاري (5042).
فهذا دليلٌ على نِسْيانِ الرسولِ ﷺ لبعضِ الآيات، ومِن ثَمَّ فإن القرآنَ الذي بين أيدينا يكونُ ناقصًا.
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
هل نقَصَ شيءٌ مِن القرآنِ بنِسْيانِ الرسولِ ﷺ؟
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
ليس الأمرُ على هذا التصوُّرِ؛ فلم يقَعِ النِّسْيانُ المطلَقُ مِن النبيِّ ﷺ؛ كما سيتَّضِحُ مِن الجواب.
فهناك عدَدٌ كثيرٌ مِن الصحابةِ حَفِظوا القرآنَ، وكتَبوهُ على عهدِ النبيِّ ﷺ، وظَلُّوا يَسمَعونه مِرارًا وتَكْرارًا مِن النبيِّ ﷺ في سائرِ المناسَباتِ، فلو حدَثَ نسيانٌ جُزْئيٌّ بعد أن تَمَّ البلاغُ التامُّ، فإن ذلك لا يؤثِّرُ؛ فقد تَمَّ حِفظُهُ سابقًا في الصدورِ والسطورِ، بحيثُ لو مات النبيُّ ﷺ بعد ذلك، فإن ذلك لا يؤثِّرُ، فضلًا عن النِّسْيان.
لقد استدَلَّ أصحابُ هذا السؤالِ:
- بالآيةِ الكريمةِ:
{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}
[الأعلى: 6].
- وكذلك بالحديثِ الذي ورَدَ فيه: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمِعَ قَارِئًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللهُ؛ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا»؛ رواه البخاري (5042).
ويجابُ عن ذلك بما يلي:
أوَّلًا: أنهم لا يَعلَمون أن النصوصَ دلَّت على أن النسيانَ مِن النبيِّ ﷺ منه جائزٌ، ومنه ممنوعٌ:
أما النسيانُ الجائزُ، فعلى قسمَيْن:
القسمُ الأوَّلُ: النِّسْيانُ في أمورِ الحياةِ العاديَّةِ التي ليس فيها أمرٌ بالتبليغ؛ فهذا جائز؛ لأن هذه هي طبيعةُ البشَرِ، واللهُ تعالى يقولُ:
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}
[الكهف: 110].
والقسمُ الثاني: النِّسْيانُ فيما هو مأمورٌ فيه بالبلاغِ؛ فهذا جائزٌ بشرطَيْن:
الشرطُ الأوَّلُ: أن يحدُثَ النِّسْيانُ منه بعد التبليغ.
والشرطُ الثاني: ألا يستمِرَّ ذلك النِّسْيانُ؛ بل يأتيَ بعده التذكُّرُ؛ فإما أن يتذكَّرَهُ النبيُّ ﷺ بنفسِه، أو يتذكَّرَهُ عن طريقِ غيرِه.
وأما النسيانُ الممنوعُ، فهو ما لم تتحقَّقْ فيه هذه الشروط.
فقد تعهَّد اللهُ سبحانه بحفظِ القرآنِ الكريمِ؛ قال تعالى:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
[الحجر: 9]
وقد حَفِظَ الرسولُ ﷺ القرآنَ، وتلقَّاه منه الصحابةُ، وحَفِظوهُ، وكتَبوهُ في الوثائقِ التي استكتَبَها الرسولُ ﷺ، ويستحيلُ أن يغيِّرَ الرسولُ ﷺ شيئًا مِن القرآنِ إلا بأمرٍ مِن اللهِ سبحانه؛ كالأمرِ بالنسخِ على سبيلِ المثال.
ثانيًا: النِّسْيانُ الواردُ في الحديثِ، الذي يستدِلُّ به أصحابُ هذه الدعوى، لا يَقدَحُ في صحَّةِ دِقَّةِ جمعِ القرآنِ ونَسْخِه؛ إذْ إن هذا النِّسْيانَ ليس داخلًا في النِّسْيانِ الممنوع، وإنما هو داخلٌ في النِّسْيانِ الجائز، ومع تحقُّقِ الشروطِ التي أجمَعَ عليها علماءُ الأُمَّة.
فهو نِسْيانٌ طارئٌ يحدُثُ لجميعِ البشَر، وسَرْعانَ ما يزولُ، وليس نِسْيانَ تبليغٍ، ولا يترتَّبُ عليه ضياعُ أو فقدُ شيءٍ مِن آياتِ القرآن.
وتذكيرُ الصحابيِّ للرسولِ ﷺ هو أكبرُ دليلٍ على ذلك؛ فالصحابيُّ ما حَفِظَ تلك الآياتِ إلا مِن رسولِ اللهِ ﷺ.
ثالثًا: النِّسْيانُ الواردُ في الآيةِ الكريمةِ، ذكَرَ فيه جمهورُ المفسِّرين: أنَّ «لا» الواردةَ في قولِهِ تعالى:
{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى}
[الأعلى: 6-7]
أنها: «لا» النافيةُ، والتي تنفي وقوعَ النِّسْيانِ إطلاقًا مِن قِبَلِ رسولِ اللهِ ﷺ، وليست «لا» الناهيةَ؛ كما جاء في السؤال.
وأيُّ عارفٍ بقواعدِ العربيَّةِ يُدرِكُ - ولا ريبَ - أن «لا» الناهيةَ تَجزِمُ الفعلَ بعدها، والمعتلُّ يُجزَمُ بحذفِ حرفِ العِلَّة؛ وهذا ما لا نَجِدُهُ في الفعلِ: {تَنْسَى}.
ومِن ذلك يتبيَّنُ أن قولَهم هذا يدُلُّ على خطأِ قراءتِهم للنصوص؛ ومِن ثَمَّ سوءِ الفهمِ لمدلولِها.
رابعًا: الراجحُ أن الاستثناءَ المذكورَ في الآيةِ في قولِهِ تعالى: {إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ}:
إنما هو استثناءٌ صوريٌّ، وليس حقيقيًّا؛ والمرادُ منه: إعلامُ المخاطَبين بالقرآنِ: أن عدَمَ نِسْيانِ الرسولِ ﷺ للقرآنِ إنما هو مِن فضلِ اللهِ سبحانه، وإحسانِهِ لهذه الأمَّة، وأنه لو شاء سبحانه أن يُنسِيَ الرسولَ ﷺ منه شيئًا، لتحقَّقتْ مشيئتُهُ، ولن يرُدَّها أحدٌ.
فإن قيل: «إن بعضَ المفسِّرين اعتبَروا أن الاستثناءَ هنا حقيقيٌّ، وأن اللهَ تعالى يُنسِي نبيَّهُ ما شاء»:
نقولُ: إنه ينبغي أن يُفهَمَ ذلك على أحدِ أمرَيْن:
الأوَّلُ: أن المقصودَ به نَسْخُ الآيات؛ وذلك يستدعي نِسْيانَ الآياتِ التي نُسِخَتْ تلاوتُها بعد حفظِها. والثاني: أن المقصودَ به النِّسْيانُ المؤقَّتُ الذي يزولُ بمجرَّدِ أن يذكِّرَهُ أحدُهم بتقييضٍ مِن اللهِ سبحانه وتعالى.
مختصر الجواب
مختصَرُ الإجابة:
نِسْيانُ الرسولِ ﷺ لبعضِ آياتِ القرآنِ لا يَقدَحُ في أصلِ جمعِ القرآنِ وحِفْظِه، ولا يتعارَضُ مع القرآنِ الكريم؛ لأنه نسيانٌ جزئيٌّ ناتجٌ عن الطبيعةِ البشريَّة، وإنما وقَعَ منه بعد أن تَمَّ البلاغُ التامُّ لهذه الآياتِ، وحِفظِها وكتابتِها مِن قِبَلِ الصحابة؛ وذلك لا يؤثِّرُ؛ فقد تَمَّ حِفظُها سابقًا في الصدورِ والسطورِ، بحيثُ لو مات النبيُّ ﷺ بعد ذلك، فإن ذلك لا يؤثِّرُ، فضلًا عن النِّسْيان.
وأما استدلالُ أصحابِ السؤالِ بقولِهِ تعالى:
{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ}
[الأعلى: 6]
فإن «لا» في الآيةِ نافيةٌ، لا ناهيةٌ، وهي تَنْفي وقوعَ النِّسْيانِ إطلاقًا مِن قِبَلِ رسولِ اللهِ ﷺ؛ كما أن
الراجحَ في الاستثناءِ: أنه استثناءٌ صوريٌّ، لا حقيقيٌّ؛ والمرادُ منه: إعلامُ المخاطَبين بالقرآنِ: أن عدَمَ نِسْيانِ الرسولِ ﷺ للقرآنِ إنما هو مِن فضلِ اللهِ سبحانه، وإحسانِهِ لهذه الأمَّة، ولو قُدِّرَ أنه استثناءٌ حقيقيٌّ، وأن اللهَ تعالى يُنسِي نبيَّهُ ما شاءَ على الحقيقة؛ كما قال بذلك بعضُ المفسِّرين -: فالمقصودُ به، إما نَسْخُ الآيات؛ وذلك يستدعي نِسْيانَ الآياتِ التي نُسِخَتْ تلاوتُها بعد حفظِها، أو المرادُ: النِّسْيانُ المؤقَّتُ الذي يزولُ بمجرَّدِ أن يذكِّرَهُ أحدُهم بتقييضٍ مِن اللهِ تعالى.
وأما النِّسْيانُ الواردُ في الحديثِ، فلا يَقدَحُ في صحَّةِ دِقَّةِ جمعِ القرآنِ ونَسْخِه؛ إذْ إن هذا النِّسْيانَ ليس داخلًا في النِّسْيانِ الممنوع، وإنما هو داخلٌ في النِّسْيانِ الجائز؛ فهو نِسْيانٌ طارئٌ سَرْعانَ ما يزولُ، وليس نِسْيانَ تبليغٍ، ولا يترتَّبُ عليه ضياعُ شيءٍ مِن آياتِ القرآن، والصحابيُّ ما حَفِظَ تلك الآياتِ إلا مِن رسولِ اللهِ ﷺ.
مختصر الجواب
مختصَرُ الإجابة:
نِسْيانُ الرسولِ ﷺ لبعضِ آياتِ القرآنِ لا يَقدَحُ في أصلِ جمعِ القرآنِ وحِفْظِه، ولا يتعارَضُ مع القرآنِ الكريم؛ لأنه نسيانٌ جزئيٌّ ناتجٌ عن الطبيعةِ البشريَّة، وإنما وقَعَ منه بعد أن تَمَّ البلاغُ التامُّ لهذه الآياتِ، وحِفظِها وكتابتِها مِن قِبَلِ الصحابة؛ وذلك لا يؤثِّرُ؛ فقد تَمَّ حِفظُها سابقًا في الصدورِ والسطورِ، بحيثُ لو مات النبيُّ ﷺ بعد ذلك، فإن ذلك لا يؤثِّرُ، فضلًا عن النِّسْيان.
وأما استدلالُ أصحابِ السؤالِ بقولِهِ تعالى:
{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ}
[الأعلى: 6]
فإن «لا» في الآيةِ نافيةٌ، لا ناهيةٌ، وهي تَنْفي وقوعَ النِّسْيانِ إطلاقًا مِن قِبَلِ رسولِ اللهِ ﷺ؛ كما أن
الراجحَ في الاستثناءِ: أنه استثناءٌ صوريٌّ، لا حقيقيٌّ؛ والمرادُ منه: إعلامُ المخاطَبين بالقرآنِ: أن عدَمَ نِسْيانِ الرسولِ ﷺ للقرآنِ إنما هو مِن فضلِ اللهِ سبحانه، وإحسانِهِ لهذه الأمَّة، ولو قُدِّرَ أنه استثناءٌ حقيقيٌّ، وأن اللهَ تعالى يُنسِي نبيَّهُ ما شاءَ على الحقيقة؛ كما قال بذلك بعضُ المفسِّرين -: فالمقصودُ به، إما نَسْخُ الآيات؛ وذلك يستدعي نِسْيانَ الآياتِ التي نُسِخَتْ تلاوتُها بعد حفظِها، أو المرادُ: النِّسْيانُ المؤقَّتُ الذي يزولُ بمجرَّدِ أن يذكِّرَهُ أحدُهم بتقييضٍ مِن اللهِ تعالى.
وأما النِّسْيانُ الواردُ في الحديثِ، فلا يَقدَحُ في صحَّةِ دِقَّةِ جمعِ القرآنِ ونَسْخِه؛ إذْ إن هذا النِّسْيانَ ليس داخلًا في النِّسْيانِ الممنوع، وإنما هو داخلٌ في النِّسْيانِ الجائز؛ فهو نِسْيانٌ طارئٌ سَرْعانَ ما يزولُ، وليس نِسْيانَ تبليغٍ، ولا يترتَّبُ عليه ضياعُ شيءٍ مِن آياتِ القرآن، والصحابيُّ ما حَفِظَ تلك الآياتِ إلا مِن رسولِ اللهِ ﷺ.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
ليس الأمرُ على هذا التصوُّرِ؛ فلم يقَعِ النِّسْيانُ المطلَقُ مِن النبيِّ ﷺ؛ كما سيتَّضِحُ مِن الجواب.
فهناك عدَدٌ كثيرٌ مِن الصحابةِ حَفِظوا القرآنَ، وكتَبوهُ على عهدِ النبيِّ ﷺ، وظَلُّوا يَسمَعونه مِرارًا وتَكْرارًا مِن النبيِّ ﷺ في سائرِ المناسَباتِ، فلو حدَثَ نسيانٌ جُزْئيٌّ بعد أن تَمَّ البلاغُ التامُّ، فإن ذلك لا يؤثِّرُ؛ فقد تَمَّ حِفظُهُ سابقًا في الصدورِ والسطورِ، بحيثُ لو مات النبيُّ ﷺ بعد ذلك، فإن ذلك لا يؤثِّرُ، فضلًا عن النِّسْيان.
لقد استدَلَّ أصحابُ هذا السؤالِ:
- بالآيةِ الكريمةِ:
{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}
[الأعلى: 6].
- وكذلك بالحديثِ الذي ورَدَ فيه: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمِعَ قَارِئًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللهُ؛ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا»؛ رواه البخاري (5042).
ويجابُ عن ذلك بما يلي:
أوَّلًا: أنهم لا يَعلَمون أن النصوصَ دلَّت على أن النسيانَ مِن النبيِّ ﷺ منه جائزٌ، ومنه ممنوعٌ:
أما النسيانُ الجائزُ، فعلى قسمَيْن:
القسمُ الأوَّلُ: النِّسْيانُ في أمورِ الحياةِ العاديَّةِ التي ليس فيها أمرٌ بالتبليغ؛ فهذا جائز؛ لأن هذه هي طبيعةُ البشَرِ، واللهُ تعالى يقولُ:
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}
[الكهف: 110].
والقسمُ الثاني: النِّسْيانُ فيما هو مأمورٌ فيه بالبلاغِ؛ فهذا جائزٌ بشرطَيْن:
الشرطُ الأوَّلُ: أن يحدُثَ النِّسْيانُ منه بعد التبليغ.
والشرطُ الثاني: ألا يستمِرَّ ذلك النِّسْيانُ؛ بل يأتيَ بعده التذكُّرُ؛ فإما أن يتذكَّرَهُ النبيُّ ﷺ بنفسِه، أو يتذكَّرَهُ عن طريقِ غيرِه.
وأما النسيانُ الممنوعُ، فهو ما لم تتحقَّقْ فيه هذه الشروط.
فقد تعهَّد اللهُ سبحانه بحفظِ القرآنِ الكريمِ؛ قال تعالى:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
[الحجر: 9]
وقد حَفِظَ الرسولُ ﷺ القرآنَ، وتلقَّاه منه الصحابةُ، وحَفِظوهُ، وكتَبوهُ في الوثائقِ التي استكتَبَها الرسولُ ﷺ، ويستحيلُ أن يغيِّرَ الرسولُ ﷺ شيئًا مِن القرآنِ إلا بأمرٍ مِن اللهِ سبحانه؛ كالأمرِ بالنسخِ على سبيلِ المثال.
ثانيًا: النِّسْيانُ الواردُ في الحديثِ، الذي يستدِلُّ به أصحابُ هذه الدعوى، لا يَقدَحُ في صحَّةِ دِقَّةِ جمعِ القرآنِ ونَسْخِه؛ إذْ إن هذا النِّسْيانَ ليس داخلًا في النِّسْيانِ الممنوع، وإنما هو داخلٌ في النِّسْيانِ الجائز، ومع تحقُّقِ الشروطِ التي أجمَعَ عليها علماءُ الأُمَّة.
فهو نِسْيانٌ طارئٌ يحدُثُ لجميعِ البشَر، وسَرْعانَ ما يزولُ، وليس نِسْيانَ تبليغٍ، ولا يترتَّبُ عليه ضياعُ أو فقدُ شيءٍ مِن آياتِ القرآن.
وتذكيرُ الصحابيِّ للرسولِ ﷺ هو أكبرُ دليلٍ على ذلك؛ فالصحابيُّ ما حَفِظَ تلك الآياتِ إلا مِن رسولِ اللهِ ﷺ.
ثالثًا: النِّسْيانُ الواردُ في الآيةِ الكريمةِ، ذكَرَ فيه جمهورُ المفسِّرين: أنَّ «لا» الواردةَ في قولِهِ تعالى:
{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى}
[الأعلى: 6-7]
أنها: «لا» النافيةُ، والتي تنفي وقوعَ النِّسْيانِ إطلاقًا مِن قِبَلِ رسولِ اللهِ ﷺ، وليست «لا» الناهيةَ؛ كما جاء في السؤال.
وأيُّ عارفٍ بقواعدِ العربيَّةِ يُدرِكُ - ولا ريبَ - أن «لا» الناهيةَ تَجزِمُ الفعلَ بعدها، والمعتلُّ يُجزَمُ بحذفِ حرفِ العِلَّة؛ وهذا ما لا نَجِدُهُ في الفعلِ: {تَنْسَى}.
ومِن ذلك يتبيَّنُ أن قولَهم هذا يدُلُّ على خطأِ قراءتِهم للنصوص؛ ومِن ثَمَّ سوءِ الفهمِ لمدلولِها.
رابعًا: الراجحُ أن الاستثناءَ المذكورَ في الآيةِ في قولِهِ تعالى: {إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ}:
إنما هو استثناءٌ صوريٌّ، وليس حقيقيًّا؛ والمرادُ منه: إعلامُ المخاطَبين بالقرآنِ: أن عدَمَ نِسْيانِ الرسولِ ﷺ للقرآنِ إنما هو مِن فضلِ اللهِ سبحانه، وإحسانِهِ لهذه الأمَّة، وأنه لو شاء سبحانه أن يُنسِيَ الرسولَ ﷺ منه شيئًا، لتحقَّقتْ مشيئتُهُ، ولن يرُدَّها أحدٌ.
فإن قيل: «إن بعضَ المفسِّرين اعتبَروا أن الاستثناءَ هنا حقيقيٌّ، وأن اللهَ تعالى يُنسِي نبيَّهُ ما شاء»:
نقولُ: إنه ينبغي أن يُفهَمَ ذلك على أحدِ أمرَيْن:
الأوَّلُ: أن المقصودَ به نَسْخُ الآيات؛ وذلك يستدعي نِسْيانَ الآياتِ التي نُسِخَتْ تلاوتُها بعد حفظِها. والثاني: أن المقصودَ به النِّسْيانُ المؤقَّتُ الذي يزولُ بمجرَّدِ أن يذكِّرَهُ أحدُهم بتقييضٍ مِن اللهِ سبحانه وتعالى.