نص السؤال

لو لم يكن قد تَمَّ تحريفُ القرآن، لَمَا تداعى الصحابةُ لجمعِهِ وكتابتِهِ، واعتمادِ نُسْخةٍ منه.

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

جمعُ القرآن.

تدوينُ القرآن.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

لم يقَعْ تحريفٌ للقرآنِ الكريمِ قبل جمعِهِ، ولم يكن الداعي لجمعِهِ هو التحريفَ؛ وبيانُ ذلك مِن وجوهٍ:

الوجهُ الأوَّلُ: عمليَّةُ جمعِ القرآنِ في زمَنِ النبيِّ تَمَّتْ بطريقتَيْنِ، تؤازِرُ إحداهما الأخرى:

الطريقةُ الأُولى: كانت تلقِّيهِ سماعًا مِن رسولِ اللهِ :

وهذا الذي سبَقَ وأن تلقَّاهُ مِن جِبرِيلَ عليه السلامُ، ونتيجةً للذاكرةِ القويَّةِ التي كان يتمتَّعُ بها العرَبُ، حرَصَ الصحابةُ رِضْوانُ اللهِ عليهم على حِفْظِ القرآنِ بمراجَعتِهِ وتدارُسِهِ بينهم، وقراءتِهِ في صلاتِهم، وتعليمِهِ لغيرِهم.

الطريقةُ الثانيةُ: كانت عَبْرَ تدوينِ القرآنِ وكتابتِه:

سواءٌ بواسطةِ كَتَبةِ الوحيِ، أو غيرِهم مِن الصحابةِ الذين عَمِلوا بأوامرِ النبيِّ ﷺ بخصوصِ كتابةِ القرآن.

وبذلك اكتمَلتْ عمليَّةُ حِفْظِ القرآنِ مِن جميعِ جوانبِها؛ حفظًا وكتابةً، وتعلُّمًا وتعليمًا، في عهدِ النبيِّ ؛ بَيْدَ أنه آنَذَاكَ لم تَدْعُ الحاجةُ لجمعِ القرآنِ في مصحَفٍ واحدٍ؛ لوجودِ ما يَمنَعُ ذلك؛ مثلُ: نسخِ بعضِ الآيات، واستمرارِ نزولِ الوحيِ بالقرآنِ في حياتِهِ ﷺ.

فالاعتمادُ في جمعِ القرآنِ كان على الحفظِ والكتابة، وكان غرَضُهم مِن ذلك زيادةَ التوثيقِ والاطمئنان، وكان التواتُرُ حِينَها إنما هو في الحفظِ، لا في الكتابة.

الوجهُ الثاني: جمعُ القرآنِ بعد وفاةِ النبيِّ ، إنما حصَلَ دفعًا للتحريف، وليس بسببِ التحريف:

وخاصَّةً بعد استشهادِ الكثيرِ مِن حفَظةِ القرآنِ مِن الصحابةِ في موقعةِ اليَمَامةِ؛ فخَشِيَ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضيَ اللهُ عنه مِن حدوثِ تحريفٍ للقرآن؛ لذلك رأى - وبمَشُورةٍ مِن عُمَرَ رضيَ اللهُ عنه - أنه ما دام قد انتهى زمَنُ نزولِ القرآنِ بوفاةِ النبيِّ ﷺ؛ فلا مانعَ إذَنْ مِن جمعِهِ في كتابٍ واحدٍ، وكان في صُحُفٍ، وهدَفُهم مِن هذا: هو حفظُ القرآن؛ لئلا يقَعَ فيه تحريف، لا بسببِ أن وقَعَ فيه تحريفٌ - وحاشاهُ - كما في سؤالِ السائل.

وكانتْ هذه الصُّحُفُ عند أبي بكرٍ حياتَهُ، ثم لما تُوُفِّيَ أبو بكرٍ، بَقِيَتِ الصُّحُفُ عند عُمَرَ؛ لكونِهِ الخليفةَ بعد أبي بكرٍ، ولما تُوُفِّيَ عُمَرُ، أوصى بأن تُجعَلَ الصُّحُفُ عند حفصةَ رضي الله عنها؛ لأن عُمَرَ لم يستخلِفْ بعده، وجعَلَ الأمرَ شُورى؛ كما هو معلومٌ؛ وإنما كانت ذلك عند حفصةَ؛ لأنها كانت وصيَّةَ عُمَرَ، فاستمَرَّ ما كان عنده عندها.

والفرقُ بين الصُّحُفِ والمصحفِ: أن الصُّحُفَ: الأوراقُ المجرَّدةُ التي جُمِعَ فيها القرآنُ في عهدِ أبي بكرٍ، وكانت سُوَرًا مفرَّقةً؛ كلُّ سورةٍ مرتَّبةٌ بآياتِها على حِدَةٍ، لكنْ لم يُرتَّبْ بعضُها إثرَ بعضٍ، فلما نُسِخَتْ في عهدِ عثمانَ، ورُتِّبَ بعضُها إثرَ بعضٍ، صارت مُصحَفًا؛ كما ذكَرَ الحافظُ في «الفتح» (9/ 18).

الوجهُ الثالثُ: أن جَمْعَ القرآنِ في عهدِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه، كان توحيدًا لمصاحفِ المسلِمين، ولجمعِهم على مُصحَفٍ إمامٍ؛ خوفًا مِن الفتنةِ بين المسلِمين:

فقد كان هذا الجمعُ العثمانيُّ بعد اتِّساعِ رُقْعةِ بلادِ الإسلامِ، ابتداءً مِن عهدِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنه، واستمرارِ ذلك في عهدِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه، وتفرُّقِ الصحابةِ في أرجاءِ البلادِ الإسلاميَّةِ يعلِّمون الناسَ القرآنَ؛ فكان أهلُ البصرةِ يَقْرَؤون بقراءةِ أبي موسى الأشعريِّ، وأهلُ الكوفةِ يَقْرَؤون بقراءةِ ابنِ مسعودٍ، وأهلُ الشامِ بقراءةٍ أخرى،،، وهكذا.

وبعد غزوِ أَرمِينيَّةَ وأَذْرَبِيجانَ، حدَثَ أن التقى أهلُ الشامِ مع أهلِ الكوفةِ، وكُلُّ فريقٍ يَقرَأُ القرآنَ قراءةً مختلِفةً عن الآخَرِ؛ فحصَلَ الخلافُ، واشتَدَّ الجدالُ، وكادت تَنشَبُ فتنةٌ عظيمةٌ بين المسلِمين، وهذا كان سببَ قرارِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه، بتوحيدِ المسلِمينَ على مصحفٍ واحد.

فلمَّا اختلَفَ أهلُ العراقِ مع غيرِهم في القراءةِ، طلَبَ عثمانُ الصُّحُفَ مِن حفصةَ، ورتَّب سُوَرَها بعضَها إثرَ بعضٍ، فصارت مصحفًا، ونسَخَ منه عدَّةَ نُسَخٍ، ووزَّعها على الأمصارِ، وجمَعَ الناسَ على ذلك المصحفِ، ووافَقهُ على هذا الفعلِ كلُّ الصحابة؛ فقد روَى ابنُ أبي داودَ في «كتابِ المصاحفِ» (ص 97)، بإسنادٍ صحيحٍ - كما قاله الحافظُ في «الفتح» (9/18) - عن عليٍّ، قال: «لَا تَقُولُوا فِي عُثْمَانَ إِلَّا خَيْرًا؛ فَوَاللهِ، مَا فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنَّا ... قَالَ: أَرَى أَنْ نَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ؛ فَلَا تَكُونُ فُرْقَةٌ، وَلَا اخْتِلَافٌ، قُلْنَا: فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ»؛ فهذا إقرارٌ مِن عليٍّ لعثمانَ، وللمصحفِ الذي نسَخهُ مِن عندِ حفصةَ.

والمتأمِّلُ لكلِّ هذه الأحداثِ، يجدُ أن جمعَ القرآنِ لم يحدُثْ إلا خشيةَ وقوعِ أيِّ فتنةٍ متعلِّقةٍ بالتنازُعِ الذي لم يقَعْ، فضلًا عن التحريفِ الذي هو أشَدُّ؛ وهذا يؤكِّدُ أن الجمعَ كان قبل ذلك.

كما أن الصحابةَ رضيَ اللهُ عنهم، كانوا متوافِرين في وقتِ جمعِ القرآن، وكان عامَّةُ الصحابةِ موجودِين، وعامَّةُ الكَتَبةِ كذلك؛ فأيُّ تحريفٍ وقَعَ حتى يُجمَعَ؟! فالجمعُ الأوَّلُ حصَلَ كتابةً في عهدِ الخليفةِ الأوَّلِ بعد وفاةِ الرسولِ ﷺ مباشَرةً.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (14).

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

حول دعوى أن الصحابةَ إنما تَدَاعَوْا لجمعِ القرآنِ وكتابتِهِ واعتمادِ نسخةٍ منه؛ بسببِ أنه قد حُرِّفَ، وإلا لما احتاجوا لذلك.

مختصَرُ الإجابة:

لم يقَعْ تحريفٌ للقرآنِ الكريمِ قبل جمعِهِ، ولم يكن الداعي لجمعِهِ هو التحريفَ؛ وبيانُ ذلك مِن وجوهٍ:

1- ثبَتَ جمعُ القرآنِ الكريمِ حفظًا وكتابةً على عهدِ النبيِّ ﷺ؛ وكان هذا الجمعُ مفرَّقًا، لا في مصحفٍ واحدٍ؛ فكان التواتُرُ حِينَها إنما هو في الحفظِ، لا في الكتابة.

2- بعد موتِ النبيِّ ﷺ، وبعد استشهادِ الكثيرِ مِن الصحابةِ مِن حُفَّاظِ القرآنِ في موقعةِ اليَمَامةِ، قرَّر أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ جمعَ القرآنِ خشيةَ تحريفِه؛ فجمَعهُ في صُحُفٍ، ولم يَجمَعْ عليه المسلِمين؛ فهذا هو الجمعُ الأوَّلُ، وكان التواتُرُ أيضًا في الحفظِ، لا في الكتابة.

3- الجمعُ الثاني الذي كان على عهدِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه، كان توحيدًا لمصاحفِ المسلِمين، ولجمعِهم على مُصحَفٍ إمامٍ؛ خوفًا مِن الفتنةِ بين المسلِمين، ومِن ذلك الوقتِ تواتَرَ نقلُ القرآنِ حفظًا وكتابةً.

وعلى ذلك: فجمعُ القرآنِ بعد وفاةِ النبيِّ ﷺ في عهدِ أبي بكرٍ، إنما حصَلَ دفعًا للتحريف، وليس بسببِ التحريف؛ وخاصَّةً بعد استشهادِ الكثيرِ مِن حفَظةِ القرآنِ مِن الصحابةِ في موقعةِ اليَمَامةِ، وكان في صُحُفٍ، لا في مُصحَفٍ. وأما جَمْعُهُ في عهدِ عثمانَ، فكان بعد اتِّساعِ رُقْعةِ بلادِ الإسلامِ، وتفرُّقِ الصحابةِ في أرجاءِ البلادِ الإسلاميَّةِ، وظهورِ اختلافِهم في قراءةِ القرآن؛ ولذلك جاء الجمعُ العثمانيُّ توحيدًا لمصاحفِ المسلِمين، ولجمعِهم على مُصحَفٍ إمامٍ؛ خوفًا مِن الفتنةِ بين المسلِمين؛ كما تقدَّم.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

حول دعوى أن الصحابةَ إنما تَدَاعَوْا لجمعِ القرآنِ وكتابتِهِ واعتمادِ نسخةٍ منه؛ بسببِ أنه قد حُرِّفَ، وإلا لما احتاجوا لذلك.

مختصَرُ الإجابة:

لم يقَعْ تحريفٌ للقرآنِ الكريمِ قبل جمعِهِ، ولم يكن الداعي لجمعِهِ هو التحريفَ؛ وبيانُ ذلك مِن وجوهٍ:

1- ثبَتَ جمعُ القرآنِ الكريمِ حفظًا وكتابةً على عهدِ النبيِّ ﷺ؛ وكان هذا الجمعُ مفرَّقًا، لا في مصحفٍ واحدٍ؛ فكان التواتُرُ حِينَها إنما هو في الحفظِ، لا في الكتابة.

2- بعد موتِ النبيِّ ﷺ، وبعد استشهادِ الكثيرِ مِن الصحابةِ مِن حُفَّاظِ القرآنِ في موقعةِ اليَمَامةِ، قرَّر أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ جمعَ القرآنِ خشيةَ تحريفِه؛ فجمَعهُ في صُحُفٍ، ولم يَجمَعْ عليه المسلِمين؛ فهذا هو الجمعُ الأوَّلُ، وكان التواتُرُ أيضًا في الحفظِ، لا في الكتابة.

3- الجمعُ الثاني الذي كان على عهدِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه، كان توحيدًا لمصاحفِ المسلِمين، ولجمعِهم على مُصحَفٍ إمامٍ؛ خوفًا مِن الفتنةِ بين المسلِمين، ومِن ذلك الوقتِ تواتَرَ نقلُ القرآنِ حفظًا وكتابةً.

وعلى ذلك: فجمعُ القرآنِ بعد وفاةِ النبيِّ ﷺ في عهدِ أبي بكرٍ، إنما حصَلَ دفعًا للتحريف، وليس بسببِ التحريف؛ وخاصَّةً بعد استشهادِ الكثيرِ مِن حفَظةِ القرآنِ مِن الصحابةِ في موقعةِ اليَمَامةِ، وكان في صُحُفٍ، لا في مُصحَفٍ. وأما جَمْعُهُ في عهدِ عثمانَ، فكان بعد اتِّساعِ رُقْعةِ بلادِ الإسلامِ، وتفرُّقِ الصحابةِ في أرجاءِ البلادِ الإسلاميَّةِ، وظهورِ اختلافِهم في قراءةِ القرآن؛ ولذلك جاء الجمعُ العثمانيُّ توحيدًا لمصاحفِ المسلِمين، ولجمعِهم على مُصحَفٍ إمامٍ؛ خوفًا مِن الفتنةِ بين المسلِمين؛ كما تقدَّم.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

لم يقَعْ تحريفٌ للقرآنِ الكريمِ قبل جمعِهِ، ولم يكن الداعي لجمعِهِ هو التحريفَ؛ وبيانُ ذلك مِن وجوهٍ:

الوجهُ الأوَّلُ: عمليَّةُ جمعِ القرآنِ في زمَنِ النبيِّ تَمَّتْ بطريقتَيْنِ، تؤازِرُ إحداهما الأخرى:

الطريقةُ الأُولى: كانت تلقِّيهِ سماعًا مِن رسولِ اللهِ :

وهذا الذي سبَقَ وأن تلقَّاهُ مِن جِبرِيلَ عليه السلامُ، ونتيجةً للذاكرةِ القويَّةِ التي كان يتمتَّعُ بها العرَبُ، حرَصَ الصحابةُ رِضْوانُ اللهِ عليهم على حِفْظِ القرآنِ بمراجَعتِهِ وتدارُسِهِ بينهم، وقراءتِهِ في صلاتِهم، وتعليمِهِ لغيرِهم.

الطريقةُ الثانيةُ: كانت عَبْرَ تدوينِ القرآنِ وكتابتِه:

سواءٌ بواسطةِ كَتَبةِ الوحيِ، أو غيرِهم مِن الصحابةِ الذين عَمِلوا بأوامرِ النبيِّ ﷺ بخصوصِ كتابةِ القرآن.

وبذلك اكتمَلتْ عمليَّةُ حِفْظِ القرآنِ مِن جميعِ جوانبِها؛ حفظًا وكتابةً، وتعلُّمًا وتعليمًا، في عهدِ النبيِّ ؛ بَيْدَ أنه آنَذَاكَ لم تَدْعُ الحاجةُ لجمعِ القرآنِ في مصحَفٍ واحدٍ؛ لوجودِ ما يَمنَعُ ذلك؛ مثلُ: نسخِ بعضِ الآيات، واستمرارِ نزولِ الوحيِ بالقرآنِ في حياتِهِ ﷺ.

فالاعتمادُ في جمعِ القرآنِ كان على الحفظِ والكتابة، وكان غرَضُهم مِن ذلك زيادةَ التوثيقِ والاطمئنان، وكان التواتُرُ حِينَها إنما هو في الحفظِ، لا في الكتابة.

الوجهُ الثاني: جمعُ القرآنِ بعد وفاةِ النبيِّ ، إنما حصَلَ دفعًا للتحريف، وليس بسببِ التحريف:

وخاصَّةً بعد استشهادِ الكثيرِ مِن حفَظةِ القرآنِ مِن الصحابةِ في موقعةِ اليَمَامةِ؛ فخَشِيَ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضيَ اللهُ عنه مِن حدوثِ تحريفٍ للقرآن؛ لذلك رأى - وبمَشُورةٍ مِن عُمَرَ رضيَ اللهُ عنه - أنه ما دام قد انتهى زمَنُ نزولِ القرآنِ بوفاةِ النبيِّ ﷺ؛ فلا مانعَ إذَنْ مِن جمعِهِ في كتابٍ واحدٍ، وكان في صُحُفٍ، وهدَفُهم مِن هذا: هو حفظُ القرآن؛ لئلا يقَعَ فيه تحريف، لا بسببِ أن وقَعَ فيه تحريفٌ - وحاشاهُ - كما في سؤالِ السائل.

وكانتْ هذه الصُّحُفُ عند أبي بكرٍ حياتَهُ، ثم لما تُوُفِّيَ أبو بكرٍ، بَقِيَتِ الصُّحُفُ عند عُمَرَ؛ لكونِهِ الخليفةَ بعد أبي بكرٍ، ولما تُوُفِّيَ عُمَرُ، أوصى بأن تُجعَلَ الصُّحُفُ عند حفصةَ رضي الله عنها؛ لأن عُمَرَ لم يستخلِفْ بعده، وجعَلَ الأمرَ شُورى؛ كما هو معلومٌ؛ وإنما كانت ذلك عند حفصةَ؛ لأنها كانت وصيَّةَ عُمَرَ، فاستمَرَّ ما كان عنده عندها.

والفرقُ بين الصُّحُفِ والمصحفِ: أن الصُّحُفَ: الأوراقُ المجرَّدةُ التي جُمِعَ فيها القرآنُ في عهدِ أبي بكرٍ، وكانت سُوَرًا مفرَّقةً؛ كلُّ سورةٍ مرتَّبةٌ بآياتِها على حِدَةٍ، لكنْ لم يُرتَّبْ بعضُها إثرَ بعضٍ، فلما نُسِخَتْ في عهدِ عثمانَ، ورُتِّبَ بعضُها إثرَ بعضٍ، صارت مُصحَفًا؛ كما ذكَرَ الحافظُ في «الفتح» (9/ 18).

الوجهُ الثالثُ: أن جَمْعَ القرآنِ في عهدِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه، كان توحيدًا لمصاحفِ المسلِمين، ولجمعِهم على مُصحَفٍ إمامٍ؛ خوفًا مِن الفتنةِ بين المسلِمين:

فقد كان هذا الجمعُ العثمانيُّ بعد اتِّساعِ رُقْعةِ بلادِ الإسلامِ، ابتداءً مِن عهدِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنه، واستمرارِ ذلك في عهدِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه، وتفرُّقِ الصحابةِ في أرجاءِ البلادِ الإسلاميَّةِ يعلِّمون الناسَ القرآنَ؛ فكان أهلُ البصرةِ يَقْرَؤون بقراءةِ أبي موسى الأشعريِّ، وأهلُ الكوفةِ يَقْرَؤون بقراءةِ ابنِ مسعودٍ، وأهلُ الشامِ بقراءةٍ أخرى،،، وهكذا.

وبعد غزوِ أَرمِينيَّةَ وأَذْرَبِيجانَ، حدَثَ أن التقى أهلُ الشامِ مع أهلِ الكوفةِ، وكُلُّ فريقٍ يَقرَأُ القرآنَ قراءةً مختلِفةً عن الآخَرِ؛ فحصَلَ الخلافُ، واشتَدَّ الجدالُ، وكادت تَنشَبُ فتنةٌ عظيمةٌ بين المسلِمين، وهذا كان سببَ قرارِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه، بتوحيدِ المسلِمينَ على مصحفٍ واحد.

فلمَّا اختلَفَ أهلُ العراقِ مع غيرِهم في القراءةِ، طلَبَ عثمانُ الصُّحُفَ مِن حفصةَ، ورتَّب سُوَرَها بعضَها إثرَ بعضٍ، فصارت مصحفًا، ونسَخَ منه عدَّةَ نُسَخٍ، ووزَّعها على الأمصارِ، وجمَعَ الناسَ على ذلك المصحفِ، ووافَقهُ على هذا الفعلِ كلُّ الصحابة؛ فقد روَى ابنُ أبي داودَ في «كتابِ المصاحفِ» (ص 97)، بإسنادٍ صحيحٍ - كما قاله الحافظُ في «الفتح» (9/18) - عن عليٍّ، قال: «لَا تَقُولُوا فِي عُثْمَانَ إِلَّا خَيْرًا؛ فَوَاللهِ، مَا فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنَّا ... قَالَ: أَرَى أَنْ نَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ؛ فَلَا تَكُونُ فُرْقَةٌ، وَلَا اخْتِلَافٌ، قُلْنَا: فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ»؛ فهذا إقرارٌ مِن عليٍّ لعثمانَ، وللمصحفِ الذي نسَخهُ مِن عندِ حفصةَ.

والمتأمِّلُ لكلِّ هذه الأحداثِ، يجدُ أن جمعَ القرآنِ لم يحدُثْ إلا خشيةَ وقوعِ أيِّ فتنةٍ متعلِّقةٍ بالتنازُعِ الذي لم يقَعْ، فضلًا عن التحريفِ الذي هو أشَدُّ؛ وهذا يؤكِّدُ أن الجمعَ كان قبل ذلك.

كما أن الصحابةَ رضيَ اللهُ عنهم، كانوا متوافِرين في وقتِ جمعِ القرآن، وكان عامَّةُ الصحابةِ موجودِين، وعامَّةُ الكَتَبةِ كذلك؛ فأيُّ تحريفٍ وقَعَ حتى يُجمَعَ؟! فالجمعُ الأوَّلُ حصَلَ كتابةً في عهدِ الخليفةِ الأوَّلِ بعد وفاةِ الرسولِ ﷺ مباشَرةً.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (14).