نص السؤال

توهم تناقض القرآن في مسألة نصرة الرسل

المؤلف: مجموعة مؤلفي بيان الإسلام

المصدر: موسوعة بيان الإسلام

الجواب التفصيلي

توهم تناقض القرآن في مسألة نصرة الرسل (*)


مضمون الشبهة: 


يتوهم بعض المشككين وجود تناقض بين

قوله تعالى:

(أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (87))

(البقرة)

، وبين قوله تعالى:

(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين (171) إنهم لهم المنصورون (172) وإن جندنا لهم الغالبون (173))

(الصافات)؛

حيث إن الموضع الأول يفيد أن بعض رسل بني إسرائيل قد قتلوا، وأن أعداءهم تمكنوا منهم وانتصروا عليهم، بينما الموضع الثاني يفيد أن رسل الله تعالى منصورون في الدنيا والآخرة. ويتساءلون: ألا يعد هذا التناقض دليلا على عدم مصداقيته؟!


وجه إبطال الشبهة: 


لا تعارض بين الآيات كما يدعي هؤلاء، ويمكن التوفيق بين الآيات بأحد الوجوه التالية: 
1) أن الرسل قسمان: قسم أمر بالجهاد، فهؤلاء نصرهم الله بالظفر على الأعداء، وقسم لم يؤمر بالجهاد وأمر بالصبر، وهؤلاء نصروا بالحجة الظاهرة. 
2)  أن الحكم بنصر الرسل هو الأغلب، فلا مانع من أن يكون فيهم من لا ينصر على عدوه. 
3) أن جميع الرسل منصورون، بعضهم يكون بالظفر على العدو، وبعضهم يكون بالانتقام لهم من أعدائهم الذين آذوهم أو قتلوهم. 


التفصيل: 


يمكن التوفيق بين الآيات بواحد من ثلاثة: 


الأول: أن الرسل قسمان: قسم أمر بجهاد أعدائهم، فهؤلاء نصرهم وغلبتهم عليهم يكون بالظفر على الأعداء وقهرهم، وقسم لم يؤمر بقتال أعدائهم، بل أمر بالصبر على أذاهم والكف عنهم، وهؤلاء نصرهم وغلبتهم في الدنيا يكون بالحجة الظاهرة والبرهان الساطع الذي يدحض باطل الكافرين، ومن هؤلاء من قتل؛ وذلك ليعظم أجرهم وتزداد مكانتهم رفعة عند ربهم. 
قال الزجاج: معنى غلبة الرسل على نوعين: من بعث منهم بالحرب، فهو الغالب في الحرب، ومن بعث بغير الحرب، فهو غالب في الحجة. 


الثاني: أن الحكم بنصر الرسل وغلبتهم على أعدائهم إنما هو للأكثر والمعظم، فلا مانع أن يكون فيهم من لا ينصر على عدوه، بل يصيبه الأذى أو يقتل؛ وذلك ابتلاء لهم يعظم به أجرهم، وترتفع به درجتهم عند ربهم. 


الثالث: أن جميع الرسل منصورون كما نطقت بذلك الآيات القرآنية، فبعضهم يكون بالظفر على العدو، وبعضهم يكون نصره بالانتقام ممن آذوهم، أو حاولوا قتلهم، أو قتلوهم بالفعل، ولو كان ذلك بعد موتهم. 


وقد أورد ابن جرير سؤالا عند تفسيره قوله تعالى: )إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) (غافر: 51) قال: قد علم أن بعض الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - قرب قبل قومه كيحيى وزكريا وشعيب، ومنهم من خرج من بين أظهرهم، إما مهاجرا كإبراهيم، وإما إلى السماء كعيسى، فأين النصرة في الدنيا؟!
ثم أجاب عن ذلك بجوابين: 


أحدهما: أن يكون الخبر خرج عاما والمراد به البعض. وهذا سائغ في اللغة. 
الثاني: أن يكون المراد بالنصر: الانتصار لهم ممن آذاهم، وسواء كان ذلك بحضرتهم، أو في غيبتهم، أو بعد موتهم، كما فعل بقتلة يحيى وزكريا وشعيب، فقد سلط الله عليهم من أهانهم وسفك دماءهم، وقد ذكر أن النمرود أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر. 


وأما الذين راموا صلب المسيح - عليه السلام - من اليهود، فسلط الله تعالى عليهم الروم فأذلوهم وأهانوهم وأظهرهم الله تعالى عليهم، وقبل يوم القيامة سينزل عيسى ابن مريم - عليه السلام - إماما عادلا وحكما مقسطا، فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام، وهذه نصرة عظيمة، وهذه سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه، أنه ينصر عباده المؤمنين ويقر أعينهم ممن آذاهم. 


قال السدي: لم يبعث الله تعالى رسولا قط إلى قوم فيقتلونه، أو قوما من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلون، فيذهب بذلك القرن حتى يبعث الله تبارك وتعالى لهم من ينصرهم، فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا. 
قال: فكان الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم منصورون فيها. 
وهكذا نصر الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على من خالفه وكذبه وعاداه، فجعل كلمته هي العليا، ودينه هو الظاهر على سائر الأديان.. ثم لا يزال هذا الدين قائما منصورا ظاهرا إلى قيام الساعة،

ولهذا قال تعالى:

(إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا)

(غافر: 51)

، أي: يوم القيامة تكون النصرة أعظم وأكبر وأجل [1].


الخلاصة: 


لا تعارض بين الآيات التي استدل بها هؤلاء المتوهمون على زعمهم، ويمكن التوفيق بينها بواحد من هذه الوجوه: 
•   الرسل قسمان: قسم أمروا بجهاد أعدائهم، فهؤلاء نصرهم الله، وقسم لم يؤمروا بقتال أعدائهم، بل أمروا بالصبر على أذاهم، وهؤلاء يكون نصرهم في الدنيا بالحجة الظاهرة التي تدحض الكافرين. 
•   أن الحكم بنصر الرسل هو الأغلب، فلا مانع أن يكون فيهم من لا ينصر على عدوه؛ وذلك ابتلاء لهم يعظم به أجرهم. 
•   أن جميع الرسل منصورون كما نطقت بذلك الآيات القرآنية، وبعضهم يكون بالظفر على العدو، وبعضهم يكون نصره بالانتقام ممن آذوهم، أو حاولوا قتلهم، أو قتلوهم بالفعل. 

المراجع

  1. (*) البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م. [1]. البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص196: 198.


الجواب التفصيلي

توهم تناقض القرآن في مسألة نصرة الرسل (*)


مضمون الشبهة: 


يتوهم بعض المشككين وجود تناقض بين

قوله تعالى:

(أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (87))

(البقرة)

، وبين قوله تعالى:

(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين (171) إنهم لهم المنصورون (172) وإن جندنا لهم الغالبون (173))

(الصافات)؛

حيث إن الموضع الأول يفيد أن بعض رسل بني إسرائيل قد قتلوا، وأن أعداءهم تمكنوا منهم وانتصروا عليهم، بينما الموضع الثاني يفيد أن رسل الله تعالى منصورون في الدنيا والآخرة. ويتساءلون: ألا يعد هذا التناقض دليلا على عدم مصداقيته؟!


وجه إبطال الشبهة: 


لا تعارض بين الآيات كما يدعي هؤلاء، ويمكن التوفيق بين الآيات بأحد الوجوه التالية: 
1) أن الرسل قسمان: قسم أمر بالجهاد، فهؤلاء نصرهم الله بالظفر على الأعداء، وقسم لم يؤمر بالجهاد وأمر بالصبر، وهؤلاء نصروا بالحجة الظاهرة. 
2)  أن الحكم بنصر الرسل هو الأغلب، فلا مانع من أن يكون فيهم من لا ينصر على عدوه. 
3) أن جميع الرسل منصورون، بعضهم يكون بالظفر على العدو، وبعضهم يكون بالانتقام لهم من أعدائهم الذين آذوهم أو قتلوهم. 


التفصيل: 


يمكن التوفيق بين الآيات بواحد من ثلاثة: 


الأول: أن الرسل قسمان: قسم أمر بجهاد أعدائهم، فهؤلاء نصرهم وغلبتهم عليهم يكون بالظفر على الأعداء وقهرهم، وقسم لم يؤمر بقتال أعدائهم، بل أمر بالصبر على أذاهم والكف عنهم، وهؤلاء نصرهم وغلبتهم في الدنيا يكون بالحجة الظاهرة والبرهان الساطع الذي يدحض باطل الكافرين، ومن هؤلاء من قتل؛ وذلك ليعظم أجرهم وتزداد مكانتهم رفعة عند ربهم. 
قال الزجاج: معنى غلبة الرسل على نوعين: من بعث منهم بالحرب، فهو الغالب في الحرب، ومن بعث بغير الحرب، فهو غالب في الحجة. 


الثاني: أن الحكم بنصر الرسل وغلبتهم على أعدائهم إنما هو للأكثر والمعظم، فلا مانع أن يكون فيهم من لا ينصر على عدوه، بل يصيبه الأذى أو يقتل؛ وذلك ابتلاء لهم يعظم به أجرهم، وترتفع به درجتهم عند ربهم. 


الثالث: أن جميع الرسل منصورون كما نطقت بذلك الآيات القرآنية، فبعضهم يكون بالظفر على العدو، وبعضهم يكون نصره بالانتقام ممن آذوهم، أو حاولوا قتلهم، أو قتلوهم بالفعل، ولو كان ذلك بعد موتهم. 


وقد أورد ابن جرير سؤالا عند تفسيره قوله تعالى: )إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) (غافر: 51) قال: قد علم أن بعض الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - قرب قبل قومه كيحيى وزكريا وشعيب، ومنهم من خرج من بين أظهرهم، إما مهاجرا كإبراهيم، وإما إلى السماء كعيسى، فأين النصرة في الدنيا؟!
ثم أجاب عن ذلك بجوابين: 


أحدهما: أن يكون الخبر خرج عاما والمراد به البعض. وهذا سائغ في اللغة. 
الثاني: أن يكون المراد بالنصر: الانتصار لهم ممن آذاهم، وسواء كان ذلك بحضرتهم، أو في غيبتهم، أو بعد موتهم، كما فعل بقتلة يحيى وزكريا وشعيب، فقد سلط الله عليهم من أهانهم وسفك دماءهم، وقد ذكر أن النمرود أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر. 


وأما الذين راموا صلب المسيح - عليه السلام - من اليهود، فسلط الله تعالى عليهم الروم فأذلوهم وأهانوهم وأظهرهم الله تعالى عليهم، وقبل يوم القيامة سينزل عيسى ابن مريم - عليه السلام - إماما عادلا وحكما مقسطا، فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام، وهذه نصرة عظيمة، وهذه سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه، أنه ينصر عباده المؤمنين ويقر أعينهم ممن آذاهم. 


قال السدي: لم يبعث الله تعالى رسولا قط إلى قوم فيقتلونه، أو قوما من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلون، فيذهب بذلك القرن حتى يبعث الله تبارك وتعالى لهم من ينصرهم، فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا. 
قال: فكان الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم منصورون فيها. 
وهكذا نصر الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على من خالفه وكذبه وعاداه، فجعل كلمته هي العليا، ودينه هو الظاهر على سائر الأديان.. ثم لا يزال هذا الدين قائما منصورا ظاهرا إلى قيام الساعة،

ولهذا قال تعالى:

(إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا)

(غافر: 51)

، أي: يوم القيامة تكون النصرة أعظم وأكبر وأجل [1].


الخلاصة: 


لا تعارض بين الآيات التي استدل بها هؤلاء المتوهمون على زعمهم، ويمكن التوفيق بينها بواحد من هذه الوجوه: 
•   الرسل قسمان: قسم أمروا بجهاد أعدائهم، فهؤلاء نصرهم الله، وقسم لم يؤمروا بقتال أعدائهم، بل أمروا بالصبر على أذاهم، وهؤلاء يكون نصرهم في الدنيا بالحجة الظاهرة التي تدحض الكافرين. 
•   أن الحكم بنصر الرسل هو الأغلب، فلا مانع أن يكون فيهم من لا ينصر على عدوه؛ وذلك ابتلاء لهم يعظم به أجرهم. 
•   أن جميع الرسل منصورون كما نطقت بذلك الآيات القرآنية، وبعضهم يكون بالظفر على العدو، وبعضهم يكون نصره بالانتقام ممن آذوهم، أو حاولوا قتلهم، أو قتلوهم بالفعل. 

المراجع

  1. (*) البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م. [1]. البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص196: 198.