نص السؤال
المصدر: شبهات المشككين في الإسلام
الجواب التفصيلي
دعوى أن الهدى في اتباع ما عليه اليهود والنصارى(*)
مضمون الشبهة:
ادعى اليهود والنصارى أنهم على حق؛ فقالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد، وقالت النصارى مثل ذلك،
قال تعالى:
(وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا)
(البقرة: ١٣٥).
وجه إبطال الشبهة:
دعوة اليهود والنصارى إلى اتباع ملة إبراهيم - عليه السلام - لإجماعهم على إمامته وهديه.
التفصيل:
دعوة اليهود والنصارى إلى اتباع ملة إبراهيم - عليه السلام - لإجماعهم على إمامته وهديه:
من المعلوم أن اليهود والنصارى كليهما مقر بنبوة إبراهيم الخليل عليه السلام؛ لذلك لما قالوا للمسلمين: كونوا يهودا أو نصارى تهتدوا وتدخلوا الجنة، كانت الإجابة عليهم من نفس الجانب الذي أقروا به فكأنه قيل لهم: بل تعالوا نتبع ملة إبراهيم التي أجمعنا نحن وأنتم على الشهادة لها بأنها دين الله - عز وجل - الذي ارتضاه واجتباه وأمر به، ونحن وأنتم مجمعون على أن إبراهيم - عليه السلام - كان إمام الهدى والمهتدين، وهذا من تلقين الله لنبيه البرهان الأقوى في المحاجة، قال الطبري - رحمه الله - احتج الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أبلغ حجة وأوجزها وأكملها، وعلمها محمدا نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: قل يا محمد للقائلين لك من اليهود والنصارى ولأصحابك
(كونوا هودا أو نصارى تهتدوا)
(البقرة: ١٣٥)
قل لهم: بل تعالوا نتبع ملة إبراهيم التي يجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه وأمر به، فإن دينه كان الحنيفية المسلمة، وندع سائر الملل التي نختلف فيها، فينكرها بعضنا ويقر بها بعضنا، فإن ذلك على اختلافه لا سبيل لنا على الاجتماع عليه، كما لنا السبيل إلى الاجتماع على ملة إبراهيم.
وقوله تعالى: (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا) بيان لعقيدة الفريقين في التفريق في الدين، والضمير في (وقالوا) لأهل الكتاب و (أو) للتوزيع أو التنويع، أي أن اليهود يدعون إلى اليهودية التي هم عليها ويحصرون الهداية فيها والنصارى يدعون إلى النصرانية التي هم عليها ويحصرون الهداية فيها - وهذا الأسلوب معهود في اللغة - ولو صدق أي واحد منهما لما كان إبراهيم مهتديا؛ لأنه لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، وكيف وهم متفقون على كونه إمام الهدى والمهتدين؛ لذلك قال تعالى ملقنا لنبيه البرهان الأقوى في محاجتهم:
(قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)
(البقرة: ١٣٥)
أي: بل نتبع أو اتبعوا ملة إبراهيم الذي لا نزاع في هداه ولا في هديه، فهي الملة الحنيفية القائمة على الجادة بلا انحراف ولا زيغ، العريقة في التوحيد والإخلاص بلا وثنية ولا شرك[1].
ثم خاطب الله المؤمنين وأمرهم أن يقولوا لليهود والنصارى القائلين: (كونوا هودا أو نصارى تهتدوا)،
فقال لهم:
(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (136) فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق)
(البقرة).
أمر الله النبي بأن يدعو إلى اتباع ملة إبراهيم، ثم أمر المؤمنين بمثل ذلك
فقال:
(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط)
(البقرة: ١٣٦)
أي: لا تكن دعوتكم إلى شيء خاص بكم يفصل بينكم وبين سائر أهل الأديان السماوية، بل انظروا إلى جهة الجمع والاتفاق، وادعوا إلى أصل الدين وروحه الذي لا خلاف فيه ولا نزاع، وهو التسليم بنبوة جميع الأنبياء والمرسلين[2].
وقوله تعالى:
(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)
(البقرة:136)
بدل من جملة (قل بل ملة) (البقرة: 135) لتفصيل كيفية هذه الملة بعد أن أجمل ذلك في قوله: (قل بل ملة إبراهيم حنيفا).
والأمر بالقول أمر بما يتضمنه؛ إذ لا اعتداد بالقول إلا لأنه يطابق الاعتقاد، إذ النسبة إنما وضعت للصدق لا للكذب، والمقصود من الأمر بهذا القول الإعلان به والدعوة إليه، لما يشتمل عليه من الفضيلة الظاهرة بحصول فضيلة سائر الأديان لأهل هذه الملة، ولما فيه من الإنصاف وسلامة الطوية؛ ليرغب في ذلك الراغبون ويكمد عند سماعه المعاندون، وليكون هذا كالاحتراس بعد قوله: (بل ملة إبراهيم حنيفا)، أي: نحن لا نطعن في شريعة موسى وشريعة عيسى وما أوتي النبيئون ولا نكذبهم، ولكنا مسلمون لله بدين الإسلام الذي بقي على أساس ملة إبراهيم، وكان تفصيلا لها وكمالا لمراد الله منها حين أراد الله إكمالها، فكانت الشرائع التي جاءت بعد إبراهيم كمنعرجات الطريق، سلك بالأمم فيها لمصالح ناسبت أحوالهم وعصورهم بعد إبراهيم، كما يسلك بمن أتعبه المسير طريق منعرج ليهدأ من ركز السيارة في المحجة، فيحط رحله وينام، ثم يرجع به بعد حين إلى الجادة، ومن مناسبات هذا المعنى أن ابتديء بقوله: (آمنا بالله وما أنزل)، واختتم بقوله: (ونحن له مسلمون)، ووسط ذكر ما أنزل على النبيئين بين ذلك.
وجمع الضمير ليشمل النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، فهم مأمورون بأن يقولوا ذلك، وجعله بدلا يدل على أن المراد من الأمر في قوله: (قل بل ملة) النبي وأمته.
وأفرد الضمير في الكلامين اللذين للنبيء فيهما مزيد اختصاص بمباشرة الرد على اليهود والنصارى؛ لأنه مبعوث لإرشادهم وزجرهم وذلك في قوله: (بل ملة إبراهيم) إلخ، وقوله الآتي: (قل أتحاجوننا في الله) (البقرة: 138)، وجمع الضمير في الكلام الذي للأمة فيه مزيد اختصاص بمضمون المأمور به في سياق التعليم أعنى قوله: (قولوا آمنا بالله) [3]،
وقوله تعالى:
(فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق)
(البقرة: ١٣٧)
أي: فإن صدق اليهود والنصارى بالله، وما أنزل إليكم، وما أنزل إلى إبراهيم وهؤلاء الأنبياء - عليهم السلام - فقد وفقوا ورشدوا ولزموا طريق الحق واهتدوا.
الخلاصة:
·الهدى في ملة إبراهيم - عليه السلام - حنيفا لا في اليهودية ولا النصرانية ولا وثنية العرب، ولا اهتداء إلا باتباع ملة إبراهيم - عليه السلام - التي جاء بها الإسلام، فأبطل ما كان قبله من الأديان.
·لو كان اليهود والنصارى حقا يريدون الهدى لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه على ملة إبراهيم - عليه السلام - التي يدعون الإيمان بها.
المراجع
- (*) الآية التي وردت فيها الشبهة: (البقرة/ 135). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (البقرة/ 135: 138).
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج1، ص480.
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ص482.
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج1، ج1، ص738.
الجواب التفصيلي
دعوى أن الهدى في اتباع ما عليه اليهود والنصارى(*)
مضمون الشبهة:
ادعى اليهود والنصارى أنهم على حق؛ فقالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد، وقالت النصارى مثل ذلك،
قال تعالى:
(وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا)
(البقرة: ١٣٥).
وجه إبطال الشبهة:
دعوة اليهود والنصارى إلى اتباع ملة إبراهيم - عليه السلام - لإجماعهم على إمامته وهديه.
التفصيل:
دعوة اليهود والنصارى إلى اتباع ملة إبراهيم - عليه السلام - لإجماعهم على إمامته وهديه:
من المعلوم أن اليهود والنصارى كليهما مقر بنبوة إبراهيم الخليل عليه السلام؛ لذلك لما قالوا للمسلمين: كونوا يهودا أو نصارى تهتدوا وتدخلوا الجنة، كانت الإجابة عليهم من نفس الجانب الذي أقروا به فكأنه قيل لهم: بل تعالوا نتبع ملة إبراهيم التي أجمعنا نحن وأنتم على الشهادة لها بأنها دين الله - عز وجل - الذي ارتضاه واجتباه وأمر به، ونحن وأنتم مجمعون على أن إبراهيم - عليه السلام - كان إمام الهدى والمهتدين، وهذا من تلقين الله لنبيه البرهان الأقوى في المحاجة، قال الطبري - رحمه الله - احتج الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أبلغ حجة وأوجزها وأكملها، وعلمها محمدا نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: قل يا محمد للقائلين لك من اليهود والنصارى ولأصحابك
(كونوا هودا أو نصارى تهتدوا)
(البقرة: ١٣٥)
قل لهم: بل تعالوا نتبع ملة إبراهيم التي يجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه وأمر به، فإن دينه كان الحنيفية المسلمة، وندع سائر الملل التي نختلف فيها، فينكرها بعضنا ويقر بها بعضنا، فإن ذلك على اختلافه لا سبيل لنا على الاجتماع عليه، كما لنا السبيل إلى الاجتماع على ملة إبراهيم.
وقوله تعالى: (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا) بيان لعقيدة الفريقين في التفريق في الدين، والضمير في (وقالوا) لأهل الكتاب و (أو) للتوزيع أو التنويع، أي أن اليهود يدعون إلى اليهودية التي هم عليها ويحصرون الهداية فيها والنصارى يدعون إلى النصرانية التي هم عليها ويحصرون الهداية فيها - وهذا الأسلوب معهود في اللغة - ولو صدق أي واحد منهما لما كان إبراهيم مهتديا؛ لأنه لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، وكيف وهم متفقون على كونه إمام الهدى والمهتدين؛ لذلك قال تعالى ملقنا لنبيه البرهان الأقوى في محاجتهم:
(قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)
(البقرة: ١٣٥)
أي: بل نتبع أو اتبعوا ملة إبراهيم الذي لا نزاع في هداه ولا في هديه، فهي الملة الحنيفية القائمة على الجادة بلا انحراف ولا زيغ، العريقة في التوحيد والإخلاص بلا وثنية ولا شرك[1].
ثم خاطب الله المؤمنين وأمرهم أن يقولوا لليهود والنصارى القائلين: (كونوا هودا أو نصارى تهتدوا)،
فقال لهم:
(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (136) فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق)
(البقرة).
أمر الله النبي بأن يدعو إلى اتباع ملة إبراهيم، ثم أمر المؤمنين بمثل ذلك
فقال:
(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط)
(البقرة: ١٣٦)
أي: لا تكن دعوتكم إلى شيء خاص بكم يفصل بينكم وبين سائر أهل الأديان السماوية، بل انظروا إلى جهة الجمع والاتفاق، وادعوا إلى أصل الدين وروحه الذي لا خلاف فيه ولا نزاع، وهو التسليم بنبوة جميع الأنبياء والمرسلين[2].
وقوله تعالى:
(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)
(البقرة:136)
بدل من جملة (قل بل ملة) (البقرة: 135) لتفصيل كيفية هذه الملة بعد أن أجمل ذلك في قوله: (قل بل ملة إبراهيم حنيفا).
والأمر بالقول أمر بما يتضمنه؛ إذ لا اعتداد بالقول إلا لأنه يطابق الاعتقاد، إذ النسبة إنما وضعت للصدق لا للكذب، والمقصود من الأمر بهذا القول الإعلان به والدعوة إليه، لما يشتمل عليه من الفضيلة الظاهرة بحصول فضيلة سائر الأديان لأهل هذه الملة، ولما فيه من الإنصاف وسلامة الطوية؛ ليرغب في ذلك الراغبون ويكمد عند سماعه المعاندون، وليكون هذا كالاحتراس بعد قوله: (بل ملة إبراهيم حنيفا)، أي: نحن لا نطعن في شريعة موسى وشريعة عيسى وما أوتي النبيئون ولا نكذبهم، ولكنا مسلمون لله بدين الإسلام الذي بقي على أساس ملة إبراهيم، وكان تفصيلا لها وكمالا لمراد الله منها حين أراد الله إكمالها، فكانت الشرائع التي جاءت بعد إبراهيم كمنعرجات الطريق، سلك بالأمم فيها لمصالح ناسبت أحوالهم وعصورهم بعد إبراهيم، كما يسلك بمن أتعبه المسير طريق منعرج ليهدأ من ركز السيارة في المحجة، فيحط رحله وينام، ثم يرجع به بعد حين إلى الجادة، ومن مناسبات هذا المعنى أن ابتديء بقوله: (آمنا بالله وما أنزل)، واختتم بقوله: (ونحن له مسلمون)، ووسط ذكر ما أنزل على النبيئين بين ذلك.
وجمع الضمير ليشمل النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، فهم مأمورون بأن يقولوا ذلك، وجعله بدلا يدل على أن المراد من الأمر في قوله: (قل بل ملة) النبي وأمته.
وأفرد الضمير في الكلامين اللذين للنبيء فيهما مزيد اختصاص بمباشرة الرد على اليهود والنصارى؛ لأنه مبعوث لإرشادهم وزجرهم وذلك في قوله: (بل ملة إبراهيم) إلخ، وقوله الآتي: (قل أتحاجوننا في الله) (البقرة: 138)، وجمع الضمير في الكلام الذي للأمة فيه مزيد اختصاص بمضمون المأمور به في سياق التعليم أعنى قوله: (قولوا آمنا بالله) [3]،
وقوله تعالى:
(فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق)
(البقرة: ١٣٧)
أي: فإن صدق اليهود والنصارى بالله، وما أنزل إليكم، وما أنزل إلى إبراهيم وهؤلاء الأنبياء - عليهم السلام - فقد وفقوا ورشدوا ولزموا طريق الحق واهتدوا.
الخلاصة:
·الهدى في ملة إبراهيم - عليه السلام - حنيفا لا في اليهودية ولا النصرانية ولا وثنية العرب، ولا اهتداء إلا باتباع ملة إبراهيم - عليه السلام - التي جاء بها الإسلام، فأبطل ما كان قبله من الأديان.
·لو كان اليهود والنصارى حقا يريدون الهدى لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه على ملة إبراهيم - عليه السلام - التي يدعون الإيمان بها.
المراجع
- (*) الآية التي وردت فيها الشبهة: (البقرة/ 135). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (البقرة/ 135: 138).
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج1، ص480.
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ص482.
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج1، ج1، ص738.