نص السؤال
المصدر: شبهات المشككين في الإسلام
الجواب التفصيلي
زعم اليهود أن سبب عدم إيمانهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو كون قلوبهم غلفا(*)
مضمون الشبهة:
زعم بعض اليهود أن سبب عدم إيمانهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به هو أن قلوبهم غلف، أي: مغطاة بأغطية تمنع أن يصل إليها شيء مما يدعوهم إليه من الإسلام،
يقول عز وجل:
(وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون)
(البقرة:88)
وجها إبطال الشبهة:
1) ما يدعيه اليهود هو مجرد عذر واه، يريد به اليهود التملص من الإيمان بدعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تبين لهم دلائل صدقه.
2) لقد خلق الله اليهود كسائر العقلاء الذين يستطيعون الاهتداء للحق بالتأمل والتبصر، ولكن إصرارهم على الكفر هو السبب الحقيقي في إعراضهم عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم.
التفصيل:
أولا. ما يدعيه اليهود هو مجرد عذر واه لا دليل عليه:
هذا تعلل واه من تعللات اليهود المتكررة، وأحد الدعاوى التي كان يدعيها اليهود في العصر النبوي، وهو قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: (قلوبنا غلف)، والغلف: جمع أغلف، وهو الذي جعل له غلاف، ومنه قيل للقلب الذي لا يعي ولا يفهم: قلب أغلف، كأنه حجب عن الفهم بالغلاف.
ومعنى قولهم: يا محمد، إننا لا نعقل قولك ولا نفهمه؛ لأن قلوبنا مغطاة بأغطية حسية مانعة من نفوذ ما جئت فيها، ومقصدهم من ذلك التهكم منه - صلى الله عليه وسلم - وقطع طمعه في إسلامهم حتى لا يعيد عليهم الدعوة بعد[1]، وهذا من عنادهم وجحودهم وما عرف من شنشنتهم وسوء اعتذارهم عن الإيمان بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - والاهتداء بكتابه بعد تقرير الدعوة، وإقامة الحجة وبيان المحجة، وهو كقول المشركين:
(قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب)
(فصلت: 5).
ثانيا. خلق الله اليهود كسائر العقلاء الذين يستطيعون الاهتداء للحق:
لقد رد الله - سبحانه وتعالى - عليهم بما يشعر بكذبهم وعنادهم،
فقال:
(وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون)
(البقرة:88)
وفي آية أخرى يقول سبحانه وتعالى:
(بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا)
(النساء:155)
وقوله:
(بل لعنهم الله بكفرهم)
(البقرة: ٨٨)
تسجيل عليهم وفضح لهم بأنهم صمموا على الكفر، والتمسك بدينهم من غير التفات لحجة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما صمموا على ذلك عاقبهم الله باللعن والإبعاد عن الرحمة والخير، فحرمهم التوفيق والتبصر في دلائل صدق الرسول، فاللعنة حصلت لهم عقابا على التصميم على الكفر وعلى الإعراض عن الحق، وفي ذلك رد لما أوهموه من أن قلوبهم خلقت بعيدة عن الفهم؛ لأن الله خلقهم كسائر العقلاء مستطيعين لإدراك الحق لو توجهوا إليه بالنظر وترك المكابرة[2].
إن ما وصفوا به قلوبهم من أنها غلف لا تفهم الحق بطبعها، ليس هو الحق الواقع، بل كان كفرهم الشديد وما له من الأثر القبيح في أخلاقهم وأعمالهم سببا في الطبع على قلوبهم، فأبعدهم الله - عز وجل - من رحمته بسبب جمودهم على ذلك الكفر التقليدي ولوازمه، وعدم نظرهم في شيء آخر نظر استدلال واعتبار، ولا يتأملون تأمل الإخلاص والاستبصار، والنظر والتأمل إنما هو من الأمور الممكنة التي ينالها كسبهم، ويصل إليها اختيارهم، ولكنهم لا يختارون إلا ما ألفوا وتعودوا.
هذا هو معنى اللعن، وقد ذكرت معه علته ليعلم أنه جرى على سنة الله - عز وجل - في الأسباب والمسببات، وأن الله لم يظلمهم بهذا، وإنما ظلموا أنفسهم بالكفر الذي يستتبع الكفر، والعصيان الذي يجر إلى التمادي في العصيان، كما هي السنة في أخلاق الإنسان؛ لهذا لم يؤمنوا إلا قليلا، وإنما العلة في الإيمان باعتبار ما يؤمن به من أصول الدين وأحكام الشريعة، والنسبة إلى اليقين في الإيمان، وتحكيمه في الفكر والوجدان.
ولقد كان اليهود يؤمنون بالشريعة في الجملة، وكما تعطيه ظواهر الألفاظ، ولكنهم لم يلبسوها مفصلة تفصيلا، ولم يفقهوا حكمها وأسرارها، فلم يكن لها سلطان على قلوبهم، ولم تكن هي المحركة لإرادتهم في أعمالهم، وإنما كان يحركها الهوى والشهوة، ويصدقها عامل اللذة، فالإيمان إنما كان عندهم قولا باللسان، ورسما يلوح في الخيال تكذبه الأعمال، وهذا هو الإيمان الذي لا قيمة له عند الله عز وجل، وقد يكون المقصود بقلة الإيمان هنا هو أنه لا يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به إلا قليل منهم؛ كعبد الله بن سلام وأصحابه، وفي هذا من دقة القرآن في الصدق وتحديد الحق ما لا يعهد في كلام الناس[3].
الخلاصة:
·إن ما يدعيه اليهود من أن على قلوبهم أغطية تمنعهم من الإيمان بدعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إنما هو مجرد زعم لا أساس له، يريدون بذلك قطع طمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في إسلامهم حتى لا يعيد عليهم الدعوة بعد.
·لقد بين الله - عز وجل - كذب اليهود وعنادهم، وبين أن السبب الحقيقي في إعراضهم عن دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يكن وجود أغطية على قلوبهم تمنع من وصول الحق إليها - كما يدعون -، وإنما هو إصرارهم على الكفر وإعراضهم عن الحق؛ لهذا عاقبهم الله باللعن والطرد من رحمته.
المراجع
- (*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (البقرة/ 88، النساء/ 155، فصلت/ 5). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (البقرة/ 88، النساء/ 155، فصلت/ 6).
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج1، ج1، ص599. التفسير الوسيط، د. محمد سيد طنطاوي، مطبعة الرسالة، القاهرة، ط3، 1987م، ج1، ص254.
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج1، ج1، ص600.
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج1، ص379، 380 بتصرف.
الجواب التفصيلي
زعم اليهود أن سبب عدم إيمانهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو كون قلوبهم غلفا(*)
مضمون الشبهة:
زعم بعض اليهود أن سبب عدم إيمانهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به هو أن قلوبهم غلف، أي: مغطاة بأغطية تمنع أن يصل إليها شيء مما يدعوهم إليه من الإسلام،
يقول عز وجل:
(وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون)
(البقرة:88)
وجها إبطال الشبهة:
1) ما يدعيه اليهود هو مجرد عذر واه، يريد به اليهود التملص من الإيمان بدعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تبين لهم دلائل صدقه.
2) لقد خلق الله اليهود كسائر العقلاء الذين يستطيعون الاهتداء للحق بالتأمل والتبصر، ولكن إصرارهم على الكفر هو السبب الحقيقي في إعراضهم عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم.
التفصيل:
أولا. ما يدعيه اليهود هو مجرد عذر واه لا دليل عليه:
هذا تعلل واه من تعللات اليهود المتكررة، وأحد الدعاوى التي كان يدعيها اليهود في العصر النبوي، وهو قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: (قلوبنا غلف)، والغلف: جمع أغلف، وهو الذي جعل له غلاف، ومنه قيل للقلب الذي لا يعي ولا يفهم: قلب أغلف، كأنه حجب عن الفهم بالغلاف.
ومعنى قولهم: يا محمد، إننا لا نعقل قولك ولا نفهمه؛ لأن قلوبنا مغطاة بأغطية حسية مانعة من نفوذ ما جئت فيها، ومقصدهم من ذلك التهكم منه - صلى الله عليه وسلم - وقطع طمعه في إسلامهم حتى لا يعيد عليهم الدعوة بعد[1]، وهذا من عنادهم وجحودهم وما عرف من شنشنتهم وسوء اعتذارهم عن الإيمان بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - والاهتداء بكتابه بعد تقرير الدعوة، وإقامة الحجة وبيان المحجة، وهو كقول المشركين:
(قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب)
(فصلت: 5).
ثانيا. خلق الله اليهود كسائر العقلاء الذين يستطيعون الاهتداء للحق:
لقد رد الله - سبحانه وتعالى - عليهم بما يشعر بكذبهم وعنادهم،
فقال:
(وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون)
(البقرة:88)
وفي آية أخرى يقول سبحانه وتعالى:
(بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا)
(النساء:155)
وقوله:
(بل لعنهم الله بكفرهم)
(البقرة: ٨٨)
تسجيل عليهم وفضح لهم بأنهم صمموا على الكفر، والتمسك بدينهم من غير التفات لحجة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما صمموا على ذلك عاقبهم الله باللعن والإبعاد عن الرحمة والخير، فحرمهم التوفيق والتبصر في دلائل صدق الرسول، فاللعنة حصلت لهم عقابا على التصميم على الكفر وعلى الإعراض عن الحق، وفي ذلك رد لما أوهموه من أن قلوبهم خلقت بعيدة عن الفهم؛ لأن الله خلقهم كسائر العقلاء مستطيعين لإدراك الحق لو توجهوا إليه بالنظر وترك المكابرة[2].
إن ما وصفوا به قلوبهم من أنها غلف لا تفهم الحق بطبعها، ليس هو الحق الواقع، بل كان كفرهم الشديد وما له من الأثر القبيح في أخلاقهم وأعمالهم سببا في الطبع على قلوبهم، فأبعدهم الله - عز وجل - من رحمته بسبب جمودهم على ذلك الكفر التقليدي ولوازمه، وعدم نظرهم في شيء آخر نظر استدلال واعتبار، ولا يتأملون تأمل الإخلاص والاستبصار، والنظر والتأمل إنما هو من الأمور الممكنة التي ينالها كسبهم، ويصل إليها اختيارهم، ولكنهم لا يختارون إلا ما ألفوا وتعودوا.
هذا هو معنى اللعن، وقد ذكرت معه علته ليعلم أنه جرى على سنة الله - عز وجل - في الأسباب والمسببات، وأن الله لم يظلمهم بهذا، وإنما ظلموا أنفسهم بالكفر الذي يستتبع الكفر، والعصيان الذي يجر إلى التمادي في العصيان، كما هي السنة في أخلاق الإنسان؛ لهذا لم يؤمنوا إلا قليلا، وإنما العلة في الإيمان باعتبار ما يؤمن به من أصول الدين وأحكام الشريعة، والنسبة إلى اليقين في الإيمان، وتحكيمه في الفكر والوجدان.
ولقد كان اليهود يؤمنون بالشريعة في الجملة، وكما تعطيه ظواهر الألفاظ، ولكنهم لم يلبسوها مفصلة تفصيلا، ولم يفقهوا حكمها وأسرارها، فلم يكن لها سلطان على قلوبهم، ولم تكن هي المحركة لإرادتهم في أعمالهم، وإنما كان يحركها الهوى والشهوة، ويصدقها عامل اللذة، فالإيمان إنما كان عندهم قولا باللسان، ورسما يلوح في الخيال تكذبه الأعمال، وهذا هو الإيمان الذي لا قيمة له عند الله عز وجل، وقد يكون المقصود بقلة الإيمان هنا هو أنه لا يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به إلا قليل منهم؛ كعبد الله بن سلام وأصحابه، وفي هذا من دقة القرآن في الصدق وتحديد الحق ما لا يعهد في كلام الناس[3].
الخلاصة:
·إن ما يدعيه اليهود من أن على قلوبهم أغطية تمنعهم من الإيمان بدعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إنما هو مجرد زعم لا أساس له، يريدون بذلك قطع طمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في إسلامهم حتى لا يعيد عليهم الدعوة بعد.
·لقد بين الله - عز وجل - كذب اليهود وعنادهم، وبين أن السبب الحقيقي في إعراضهم عن دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يكن وجود أغطية على قلوبهم تمنع من وصول الحق إليها - كما يدعون -، وإنما هو إصرارهم على الكفر وإعراضهم عن الحق؛ لهذا عاقبهم الله باللعن والطرد من رحمته.
المراجع
- (*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (البقرة/ 88، النساء/ 155، فصلت/ 5). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (البقرة/ 88، النساء/ 155، فصلت/ 6).
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج1، ج1، ص599. التفسير الوسيط، د. محمد سيد طنطاوي، مطبعة الرسالة، القاهرة، ط3، 1987م، ج1، ص254.
- التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج1، ج1، ص600.
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج1، ص379، 380 بتصرف.