نص السؤال
المصدر: شبهات المشككين في الإسلام
الجواب التفصيلي
ادعاء أن نبي الله أيوب - عليه السلام - كان غضوبا(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المتوهمين أن أيوب - عليه السلام - كان غضوبا، وغضبه أدى به إلى الحلف على زوجته بأن يضربها مائة جلدة، ويستدلون
بقوله عز وجل:
(وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب)
(ص:44)
ويتساءلون: كيف يغضب أيوب - عليه السلام - على زوجته التي رعته وسهرت على تمريضه ومعالجته مدة طويلة، وهو البار الصبور الذي صبر على ضياع أولاده، وعبيده، ومواشيه؟!!
وجها إبطال الشبهة:
1) الآية المذكورة لم تثبت لأيوب - عليه السلام - غضبا شخصيا، بقدر ما أثبتت له غضبا لأجل الدين، فهو لم يقسم على ضربها إلا بعد أن علم أن الشيطان خادعها، وساومها على سلامة اعتقادها، وهذا لا يعني أنه لم يحفظ جميل زوجته.
2) أيوب - عليه السلام - لم يوصف في القرآن بالغضب، ولكنه وصف بالصبر وأنه أواب؛ فقد كان مؤمنا بالله عابدا تقيا صابرا؛ ولذلك خفف الله عليه البر بقسمه.
التفصيل:
أولا. الآية لم تثبت لأيوب غضبا شخصيا، بقدر ما أثبتت له غضبا لأجل الدين:
إن القرآن علم أتباعه أن يوقروا المرسلين جميعهم، ونهاهم عن أن يفرقوا بين أحد من رسل الله، واعتبر التفريق بينهم كفرا حقيقيا،
فقال عز وجل:
(إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا (150) أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا)
(النساء:151)
وجعل من صفات عباده المؤمنين أنهم
يقولون:
(لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)
(البقرة:258)
فالقرآن أدب أصحابه على الإيمان بجميع الرسل وعدم التفريق بينهم.
في ضوء ما سبق يجب أن نفهم سياق قوله تعالى في حق
سيدنا أيوب عليه السلام:
(وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث)
(ص: 44).
فالآيات لم تثبت لأيوب غضبا شخصيا، بقدر ما أثبتت له غضبا لأجل الدين، وانتهاك حرمات الله، وقد كانت هذه صفة مدح وصف بها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت أنه ما كان يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله عز وجل.
إن الذي حدث أن أيوب - عليه السلام - حلف في مرضه أن يضرب امرأته مائه جلدة؛ وقد قيل في سبب ذلك عدة أقوال، منها:
·ما حكاه ابن عباس - رضي الله عنهما - أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب، فقال أداويه على أنه إذا برئ قال: أنت شفيتني، لا أريد جزاء سواه، قالت: نعم، فحلف ليضربنها، وقال: ويحك ذلك الشيطان.
·ما حكاه سعيد بن المسيب - رحمه الله - أنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه من الخبز، فخاف خيانتها، فحلف ليضربنها.
·ما حكاه يحيى بن سلام وغيره أن الشيطان أغواها، أن تحمل أيوب - عليه السلام - على أن يذبح سخلة ([1]) تقربا إليه وأنه يبرأ، فذكرت ذلك له فحلف ليضربنها - إن عوفي - مائة([2]).
"ثم إن أيوب - عليه السلام - أصبح متحيرا في يمينه الذي حلفه وتوعد به، فأتاه جبريل - عليه السلام - وقال له: يا أيوب، خذ مائة عود من أعواد سنابل القمح، واجمعها حزمة واضرب بها رحمة ضربة واحدة خفيفة لطيفة، فتخلص من اليمين، ففعل ذلك أيوب وخلص من يمينه، وذلك
قول الله تعالى:
(وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث)
(ص: 44)
وذلك لأن الله تعالى رحمها بسبب صبرها على بلاء زوجها، فخفف عنها؛ لأنها كانت تتكسب عليه([3])وتعمل للناس من أجله"([4]).
فأيوب - عليه السلام - ـ إذن - لم يغضب ويقسم أنه سيضرب زوجته التي صبرت على البلاء معه طويلا إلا بعد أن علم أن الشيطان خادعها، وساومها على سلامة اعتقادها في الله - عز وجل - حتى جعلها تظن أن شفاء زوجها فيما ينصحها به، مما يؤثر على سلامة اعتقادها، وهذا ما لم يرضه أيوب - عليه السلام ـمنها؛ فحلف أن يضربها لتسلم لها نفسها ويقينها، وتعلم أن الشفاء من ربها، لا دخل لبشر فيه ولا لغير البشر.
إن نبي الله أيوب - عليه السلام - لم يغضب لنفسه، وإنما غضب لله، والغضب لله ليس عيبا يلصق بالغاضب، وليت من يلمز([5]) القرآن بأنه ألصق الغضب بسيدنا أيوب - عليه السلام - يعرف كيف يحفظ القرآن أعراض الأنبياء وسيرهم؟ وترانا يقتلنا الحزن ونحن نسمع أنهم يلصقون بأنبيائهم قتل الرجال ليتزوجوا نساءهم، وينسبون إليهم أفحش ما ينسب إلى الناس من زنا المحارم، وغير ذلك من الأوصاف التي لا تليق بآحاد الناس، فما بالنا بأفضل خلق الله!
فهل هذا من الأدب مع المصطفين الأخيار؟ وهل من يقتنع بهذا العار يزعم أنه يحفظ عرض أحد؟ كيف وقد نالوا من الأنبياء؟!
ثانيا. نبي الله أيوب - عليه السلام - لم يوصف في القرآن بالغضب، ولكنه وصف بالصبر:
لم يوصف أيوب - عليه السلام - في القرآن بالغضب، ولكنه وصف بالصبر، وأنه أواب، وأنه نعم العبد، فقد كان - عليه السلام -: امرأ حسن الخلق، مؤمنا بالله عابدا تقيا صابرا، راضي النفس طيب الفؤاد، عطوفا على الفقراء، رحيما بالمساكين يكفل الأرامل والأيتام ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل، فأثنى الله عليه بقوله: )نعم العبد إنه أواب (44)( (ص)، وكان دائما يسبح لله بقوله: "سبحانك ربي صاحب الملكوت"، فكانت الملائكة تردد تسبيحه في السماء، فحسده إبليس وسلط عليه في ماله وأولاده وبدنه، فصبر أيوب صبرا جميلا، فخسئت الشياطين وانتصر الصبر مع الإيمان بالله"([6]).
وقصة ابتلاء أيوب - عليه السلام - وصبره ذائعة مشهورة، وهي تضرب مثلا للابتلاء والصبر، ولكنها مشوبة بإسرائيليات تطغى عليها، "والحد المأمون في هذه القصة كما أشار صاحب الظلال أن أيوب - عليه السلام - كان كما جاء في القرآن عبدا صالحا أوابا، وقد ابتلاه الله فصبر صبرا جميلا".
ويبدو أن ابتلاءه كان بذهاب المال والأهل والصحة جميعا، ولكنه ظل على صلته بربه، وثقته به، ورضاه بما قسم له.
وكان الشيطان يوسوس لخلصائه([7]) القلائل الذين بقوا على وفائهم له - ومنهم زوجته - بأن الله لو كان يحب أيوب - عليه السلام - ما ابتلاه، وكانوا يحدثونه بهذا، فيؤذيه في نفسه أشد ما يؤذيه الضر والبلاء، فلما حدثته امرأته ببعض هذه الوسوسة، حلف لئن شفاه الله ليضربنها عددا حدده قيل: مائة.
وعندئذ توجه إلى ربه بالشكوى مما يلقى من إيذاء الشيطان، ومداخله إلى نفوس خلصائه، ووقع هذا الإيذاء في نفسه
فقال:
(واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب)
(ص:41)
فلما عرف ربه منه صدقه وصبره، ونفوره من محاولات الشيطان، وتأذيه بها، أدركه برحمته، وأنهى ابتلاءه، ورد عليه عافيته، إذ أمره أن يضرب الأرض بقدمه، فتتفجر عين باردة يغتسل منها ويشرب، فيشفى ويبرأ،
فقال سبحانه وتعالى:
(اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب)
(ص:42)
وأما قسمه ليضربن زوجه، فرحمة من الله به وبزوجه التي قامت على رعايته، وصبرت على بلائه وبلائها به، أمره الله أن يأخذ مجموعة من العيدان بالعدد الذي حدده، فيضربها به ضربة واحدة، تجزئ عن يمينه، فلا يحنث فيه فقال: )وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب (44)( (ص)، هذا التيسير وذلك الإنعام كانا جزاء على ما علمه الله من عبده أيوب - عليه السلام - من الصبر على البلاء، وحسن الطاعة والالتجاء إليه سبحانه([8])؛
حيث وصفه تعالى فقال:
(إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب)
(ص:44)
فالمولى - عز وجل - يكافئ عباده المخلصين وما يتناسب مع إخلاصهم وصبرهم؛ لتكون لنا العظة والعبرة، ومن ثم فلا تعلق هنا لصاحب الشبهة بما ذكره في تلك القصة، فليس هناك انتقاص من قدر النبي - عليه السلام - وليس هناك غضب، ولا تنفيس لثورته وحدته.
الخلاصة:
· الآية تثبت أن غضب أيوب - عليه السلام - غضب لأجل الدين، وارتكاب المحرمات؛ فهو - عليه السلام - لم يغضب إلا بعد أن علم أن الشيطان خادع زوجته وساومها على سلامة اعتقادها في الله عز وجل.
· وصف القرآن أيوب - عليه السلام - بالصبر، وبأنه أواب وأنه نعم العبد، ولم يصفه بالغضب كما زعموا.
· أقسم أيوب - عليه السلام - ليضربن زوجه، ولكن برحمة من الله به وبزوجه التي قامت على رعايته وصبرت على بلائه وبلائها، خفف الله تعالى عليه البر بقسمه، فالمولى - عز وجل - يكافئ عباده المخلصين وما يتناسب مع إخلاصهم وصبرهم؛ لتكون لنا العظة والعبرة.
المراجع
- (*) موقع الكلمة. www.alklema.net [1]. السخلة: الذكر والأنثى من ولد الضأن والمعز ساعة يولد.
- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج15، ص212 بتصرف يسير.
- تتكسب عليه: تعمل وتنفق عليه.
- حياة وأخلاق الأنبياء، د. أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، دار اقرأ، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، ص160.
- يلمز: يعيب.
- حياة وأخلاق الأنبياء، د. أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، دار اقرأ، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، ص149.
- الخلصاء: المخلصين التابعين له.
- في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج5، ص3021، 3022.
الجواب التفصيلي
ادعاء أن نبي الله أيوب - عليه السلام - كان غضوبا(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المتوهمين أن أيوب - عليه السلام - كان غضوبا، وغضبه أدى به إلى الحلف على زوجته بأن يضربها مائة جلدة، ويستدلون
بقوله عز وجل:
(وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب)
(ص:44)
ويتساءلون: كيف يغضب أيوب - عليه السلام - على زوجته التي رعته وسهرت على تمريضه ومعالجته مدة طويلة، وهو البار الصبور الذي صبر على ضياع أولاده، وعبيده، ومواشيه؟!!
وجها إبطال الشبهة:
1) الآية المذكورة لم تثبت لأيوب - عليه السلام - غضبا شخصيا، بقدر ما أثبتت له غضبا لأجل الدين، فهو لم يقسم على ضربها إلا بعد أن علم أن الشيطان خادعها، وساومها على سلامة اعتقادها، وهذا لا يعني أنه لم يحفظ جميل زوجته.
2) أيوب - عليه السلام - لم يوصف في القرآن بالغضب، ولكنه وصف بالصبر وأنه أواب؛ فقد كان مؤمنا بالله عابدا تقيا صابرا؛ ولذلك خفف الله عليه البر بقسمه.
التفصيل:
أولا. الآية لم تثبت لأيوب غضبا شخصيا، بقدر ما أثبتت له غضبا لأجل الدين:
إن القرآن علم أتباعه أن يوقروا المرسلين جميعهم، ونهاهم عن أن يفرقوا بين أحد من رسل الله، واعتبر التفريق بينهم كفرا حقيقيا،
فقال عز وجل:
(إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا (150) أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا)
(النساء:151)
وجعل من صفات عباده المؤمنين أنهم
يقولون:
(لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)
(البقرة:258)
فالقرآن أدب أصحابه على الإيمان بجميع الرسل وعدم التفريق بينهم.
في ضوء ما سبق يجب أن نفهم سياق قوله تعالى في حق
سيدنا أيوب عليه السلام:
(وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث)
(ص: 44).
فالآيات لم تثبت لأيوب غضبا شخصيا، بقدر ما أثبتت له غضبا لأجل الدين، وانتهاك حرمات الله، وقد كانت هذه صفة مدح وصف بها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت أنه ما كان يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله عز وجل.
إن الذي حدث أن أيوب - عليه السلام - حلف في مرضه أن يضرب امرأته مائه جلدة؛ وقد قيل في سبب ذلك عدة أقوال، منها:
·ما حكاه ابن عباس - رضي الله عنهما - أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب، فقال أداويه على أنه إذا برئ قال: أنت شفيتني، لا أريد جزاء سواه، قالت: نعم، فحلف ليضربنها، وقال: ويحك ذلك الشيطان.
·ما حكاه سعيد بن المسيب - رحمه الله - أنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه من الخبز، فخاف خيانتها، فحلف ليضربنها.
·ما حكاه يحيى بن سلام وغيره أن الشيطان أغواها، أن تحمل أيوب - عليه السلام - على أن يذبح سخلة ([1]) تقربا إليه وأنه يبرأ، فذكرت ذلك له فحلف ليضربنها - إن عوفي - مائة([2]).
"ثم إن أيوب - عليه السلام - أصبح متحيرا في يمينه الذي حلفه وتوعد به، فأتاه جبريل - عليه السلام - وقال له: يا أيوب، خذ مائة عود من أعواد سنابل القمح، واجمعها حزمة واضرب بها رحمة ضربة واحدة خفيفة لطيفة، فتخلص من اليمين، ففعل ذلك أيوب وخلص من يمينه، وذلك
قول الله تعالى:
(وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث)
(ص: 44)
وذلك لأن الله تعالى رحمها بسبب صبرها على بلاء زوجها، فخفف عنها؛ لأنها كانت تتكسب عليه([3])وتعمل للناس من أجله"([4]).
فأيوب - عليه السلام - ـ إذن - لم يغضب ويقسم أنه سيضرب زوجته التي صبرت على البلاء معه طويلا إلا بعد أن علم أن الشيطان خادعها، وساومها على سلامة اعتقادها في الله - عز وجل - حتى جعلها تظن أن شفاء زوجها فيما ينصحها به، مما يؤثر على سلامة اعتقادها، وهذا ما لم يرضه أيوب - عليه السلام ـمنها؛ فحلف أن يضربها لتسلم لها نفسها ويقينها، وتعلم أن الشفاء من ربها، لا دخل لبشر فيه ولا لغير البشر.
إن نبي الله أيوب - عليه السلام - لم يغضب لنفسه، وإنما غضب لله، والغضب لله ليس عيبا يلصق بالغاضب، وليت من يلمز([5]) القرآن بأنه ألصق الغضب بسيدنا أيوب - عليه السلام - يعرف كيف يحفظ القرآن أعراض الأنبياء وسيرهم؟ وترانا يقتلنا الحزن ونحن نسمع أنهم يلصقون بأنبيائهم قتل الرجال ليتزوجوا نساءهم، وينسبون إليهم أفحش ما ينسب إلى الناس من زنا المحارم، وغير ذلك من الأوصاف التي لا تليق بآحاد الناس، فما بالنا بأفضل خلق الله!
فهل هذا من الأدب مع المصطفين الأخيار؟ وهل من يقتنع بهذا العار يزعم أنه يحفظ عرض أحد؟ كيف وقد نالوا من الأنبياء؟!
ثانيا. نبي الله أيوب - عليه السلام - لم يوصف في القرآن بالغضب، ولكنه وصف بالصبر:
لم يوصف أيوب - عليه السلام - في القرآن بالغضب، ولكنه وصف بالصبر، وأنه أواب، وأنه نعم العبد، فقد كان - عليه السلام -: امرأ حسن الخلق، مؤمنا بالله عابدا تقيا صابرا، راضي النفس طيب الفؤاد، عطوفا على الفقراء، رحيما بالمساكين يكفل الأرامل والأيتام ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل، فأثنى الله عليه بقوله: )نعم العبد إنه أواب (44)( (ص)، وكان دائما يسبح لله بقوله: "سبحانك ربي صاحب الملكوت"، فكانت الملائكة تردد تسبيحه في السماء، فحسده إبليس وسلط عليه في ماله وأولاده وبدنه، فصبر أيوب صبرا جميلا، فخسئت الشياطين وانتصر الصبر مع الإيمان بالله"([6]).
وقصة ابتلاء أيوب - عليه السلام - وصبره ذائعة مشهورة، وهي تضرب مثلا للابتلاء والصبر، ولكنها مشوبة بإسرائيليات تطغى عليها، "والحد المأمون في هذه القصة كما أشار صاحب الظلال أن أيوب - عليه السلام - كان كما جاء في القرآن عبدا صالحا أوابا، وقد ابتلاه الله فصبر صبرا جميلا".
ويبدو أن ابتلاءه كان بذهاب المال والأهل والصحة جميعا، ولكنه ظل على صلته بربه، وثقته به، ورضاه بما قسم له.
وكان الشيطان يوسوس لخلصائه([7]) القلائل الذين بقوا على وفائهم له - ومنهم زوجته - بأن الله لو كان يحب أيوب - عليه السلام - ما ابتلاه، وكانوا يحدثونه بهذا، فيؤذيه في نفسه أشد ما يؤذيه الضر والبلاء، فلما حدثته امرأته ببعض هذه الوسوسة، حلف لئن شفاه الله ليضربنها عددا حدده قيل: مائة.
وعندئذ توجه إلى ربه بالشكوى مما يلقى من إيذاء الشيطان، ومداخله إلى نفوس خلصائه، ووقع هذا الإيذاء في نفسه
فقال:
(واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب)
(ص:41)
فلما عرف ربه منه صدقه وصبره، ونفوره من محاولات الشيطان، وتأذيه بها، أدركه برحمته، وأنهى ابتلاءه، ورد عليه عافيته، إذ أمره أن يضرب الأرض بقدمه، فتتفجر عين باردة يغتسل منها ويشرب، فيشفى ويبرأ،
فقال سبحانه وتعالى:
(اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب)
(ص:42)
وأما قسمه ليضربن زوجه، فرحمة من الله به وبزوجه التي قامت على رعايته، وصبرت على بلائه وبلائها به، أمره الله أن يأخذ مجموعة من العيدان بالعدد الذي حدده، فيضربها به ضربة واحدة، تجزئ عن يمينه، فلا يحنث فيه فقال: )وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب (44)( (ص)، هذا التيسير وذلك الإنعام كانا جزاء على ما علمه الله من عبده أيوب - عليه السلام - من الصبر على البلاء، وحسن الطاعة والالتجاء إليه سبحانه([8])؛
حيث وصفه تعالى فقال:
(إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب)
(ص:44)
فالمولى - عز وجل - يكافئ عباده المخلصين وما يتناسب مع إخلاصهم وصبرهم؛ لتكون لنا العظة والعبرة، ومن ثم فلا تعلق هنا لصاحب الشبهة بما ذكره في تلك القصة، فليس هناك انتقاص من قدر النبي - عليه السلام - وليس هناك غضب، ولا تنفيس لثورته وحدته.
الخلاصة:
· الآية تثبت أن غضب أيوب - عليه السلام - غضب لأجل الدين، وارتكاب المحرمات؛ فهو - عليه السلام - لم يغضب إلا بعد أن علم أن الشيطان خادع زوجته وساومها على سلامة اعتقادها في الله عز وجل.
· وصف القرآن أيوب - عليه السلام - بالصبر، وبأنه أواب وأنه نعم العبد، ولم يصفه بالغضب كما زعموا.
· أقسم أيوب - عليه السلام - ليضربن زوجه، ولكن برحمة من الله به وبزوجه التي قامت على رعايته وصبرت على بلائه وبلائها، خفف الله تعالى عليه البر بقسمه، فالمولى - عز وجل - يكافئ عباده المخلصين وما يتناسب مع إخلاصهم وصبرهم؛ لتكون لنا العظة والعبرة.
المراجع
- (*) موقع الكلمة. www.alklema.net [1]. السخلة: الذكر والأنثى من ولد الضأن والمعز ساعة يولد.
- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج15، ص212 بتصرف يسير.
- تتكسب عليه: تعمل وتنفق عليه.
- حياة وأخلاق الأنبياء، د. أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، دار اقرأ، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، ص160.
- يلمز: يعيب.
- حياة وأخلاق الأنبياء، د. أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، دار اقرأ، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، ص149.
- الخلصاء: المخلصين التابعين له.
- في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج5، ص3021، 3022.