نص السؤال
المصدر: شبهات المشككين في الإسلام
الجواب التفصيلي
الفهم الخاطئ لسجود إخوة يوسف له عليه السلام (*)
مضمون الشبهة:
يتوهم بعض الجاهلين أن يوسف - عليه السلام - أسجد أبويه وإخوته له، وكان السجود بوضع الجباه على الأرض، ويستدلون على ذلك
بقوله تعالى:
(ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا)
(يوسف: 100)
والسجود لا يكون إلا لله، وبذلك يكون يوسف - عليه السلام - قد أعطى نفسه حقا من حقوق الله تعالى. ويتساءلون: كيف يعطي نفسه - وهو نبي - حقا لا يكون إلا لله؟
وجه إبطال الشبهة:
سجود إخوة يوسف - عليه السلام - كان سجود تحية وتكريم له، أو سجود حمد وشكر لله على وجوده، وليس سجود عبادة، فذلك لا يكون إلا لله، وكان سجود الملائكة لآدم - عليه السلام - من هذا القبيل.
التفصيل:
الفهم الصحيح لسجود إخوة يوسف له:
إن الفهم الخاطئ لمعنى السجود في قوله تعالى: )ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا( (يوسف: 100) هو الذي دفع هؤلاء إلى توهم أن يوسف - عليه السلام - قد أعطى لنفسه حقا من حقوق الله وهو السجود له، وقد جهل هؤلاء أن السجود في اللغة له معان عدة غير العبادة، يمكننا أن نعرضها لنوضح لهم المعنى الصحيح لسجود إخوة يوسف - عليه السلام - وأبويه له، وهي كما ذكر د. محمد أبو النور الحديدي:
1. أن السجود إنما كان لله شكرا له من أجل لقائهم بيوسف - عليه السلام - وتكون اللام في قوله: )رأيتهم لي ساجدين (4)( (يوسف) للتعليل. نسبه الفخر الرازي إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - ويستدل على صحته بقول الله: )ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا( (يوسف: 100)؛ فهو مشعر بأنهم صعدوا على ذلك السرير ثم سجدوا ليوسف - عليه السلام - فلو أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قبل الصعود على السرير؛ لأن ذلك أدخل في التواضع.
ويرى الفخر الرازي: أن هذا القول أولى الأقوال بالقبول فيقول: وعندي أن هذا التأويل متعين؛ لأنه يستبعد من عقل يوسف - عليه السلام - ودينه أن يرضي بأن يسجد له أبوه مع سابقته في حقوق الولادة، والشيخوخة والعلم، والدين، وكمال النبوة[1].
2. أن السجود لله شكرا لنعمة وجود يوسف - عليه السلام - إلا أنهم جعلوا يوسف - عليه السلام - كالقبلة، وتكون اللام بمعنى "إلى" واستدل عليه الفخر الرازي بالقرآن وبالشعر؛ أما القرآن
فقول الله تعالى:
(أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل)
(الإسراء: 78)
؛ أي عند دلوك الشمس، والصلاة لله لا لدلوك، فإذا جاز ذلك فإنه يجوز أن يقال: صليت للقبلة، مع أن الصلاة تكون لله تعالى لا للقبلة.
وأما الشعر فقول حسان:
ما كنت أعرف أن الأمر منصرف
عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتكم
وأعرف الناس بالقرآن والسنن
وعلى هذا فمعنى
(وخروا له سجدا)
(يوسف: 78)
جعلوه كالقبلة، ثم سجدوا لله شكرا لنعمه عليهم، واستحسن الفخر الرازي هذا التأويل، وقال: وهذا التأويل حسن.
3. أن السجود للآدمي كان عندهم جائزا، وكان تحية الملوك في زمنهم.
قال الزمخشري: إن السجدة كانت عندهم جارية مجرى التحية والتكرمة كالقيام، والمصافحة، وتقبيل اليد، ونحوه مما جرت عليه عادة الناس من أفعال شهدت في التعظيم والتوقير[2].
ثم جعل الله تحية هذه الأمة السلام الذي هو تحية أهل الجنة، نقل الآلوسي عن قتادة قوله: كان السجود تحية الملوك عندهم، وأعطى الله تعالى هذه الأمة السلام، تحية أهل الجنة كرامة منه تعالى عجلها لهم. ولم يذكر ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية غير هذا الرأي، وهو يشعر باختياره له وترجيحه على ما عداه، ويقول: كان هذا سائغا في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزا من لدن آدم - عليه السلام - إلى شريعة عيسى - عليه السلام ــ عليه السلام ـفحرم هذا في هذه الملة - أي الإسلام - وجعل السجود مختصا بجانب الرب عز وجل. ويستدل على هذا بحديثين:
الأول: أن معاذا - رضي الله عنه - قدم الشام، فوجدهم يسجدون لأساقفتهم، فلما رجع سجد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما هذا يا معاذ؟ فقال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال صلى الله عليه وسلم: "فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»[3].
الثاني: أن سلمان - رضي الله عنه - لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض طرق المدينة، وكان حديث عهد بالإسلام، فسجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تسجد لي يا سلمان واسجد للحي الذي لا يموت"[4][5]. وهذا الذي اختاره ابن كثير هو رأي الأكثر[6].
هذا وقد سجد الملائكة لآدم - عليه السلام - سجود تحية وتكريم، ولم يسجدوا له سجود عبادة؛ لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله - عز وجل - فإخوة يوسف سجدوا له تكريما وتحية، على أي معنى من معاني السجود، ومن ثم فلا إشكال، ولا سيما أن ذلك كان جائزا في الشرائع السابقة، ولم يحرم إلا في شريعة الإسلام؛ تحقيقا لمعنى مساواة الناس في العبودية.
الخلاصة:
· إن الفهم الخاطئ لمعنى سجود إخوة يوسف - عليه السلام - وأبويه له، هو الذي دفع بعضهم إلى أن يتوهم أن يوسف - عليه السلام - قد أعطى لنفسه حقا من حقوق الله، ولو أنعم هؤلاء النظر في معاني السجود في اللغة، لتجلت لهم الحقيقة كاملة.
· الحقيقة أن سجود إخوة يوسف - عليه السلام - له، لم يكن سجود عبادة، بل سجود شكر لله على جمعهم بيوسف - عليه السلام - أو هو سجود تحية وتكريم ليوسف - عليه السلام - وكان السجود للسادة والملوك جائزا في الشرائع السابقة وقد حرم في الإسلام.
المراجع
- (*)عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م.
- مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي، دار الفكر، بيروت، 1993م، ج5، ص171.
- الكشاف، الزمخشري، طبعة البابي الحلبي، القاهرة، د. ت، ج2، ص344.
- صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننها، كتاب النكاح، باب حق الزوج على المرأة (1853)، وابن حبان في صحيحه، كتاب النكاح، باب معاشرة الزوجين (4171)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1503).
- تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق: هاني الحاج، المكتبة التوفيقية، القاهرة، د. ت، ج4، ص286.
- أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، تفسير سورة الفرقان (14242).
- عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص334، 335.
الجواب التفصيلي
الفهم الخاطئ لسجود إخوة يوسف له عليه السلام (*)
مضمون الشبهة:
يتوهم بعض الجاهلين أن يوسف - عليه السلام - أسجد أبويه وإخوته له، وكان السجود بوضع الجباه على الأرض، ويستدلون على ذلك
بقوله تعالى:
(ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا)
(يوسف: 100)
والسجود لا يكون إلا لله، وبذلك يكون يوسف - عليه السلام - قد أعطى نفسه حقا من حقوق الله تعالى. ويتساءلون: كيف يعطي نفسه - وهو نبي - حقا لا يكون إلا لله؟
وجه إبطال الشبهة:
سجود إخوة يوسف - عليه السلام - كان سجود تحية وتكريم له، أو سجود حمد وشكر لله على وجوده، وليس سجود عبادة، فذلك لا يكون إلا لله، وكان سجود الملائكة لآدم - عليه السلام - من هذا القبيل.
التفصيل:
الفهم الصحيح لسجود إخوة يوسف له:
إن الفهم الخاطئ لمعنى السجود في قوله تعالى: )ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا( (يوسف: 100) هو الذي دفع هؤلاء إلى توهم أن يوسف - عليه السلام - قد أعطى لنفسه حقا من حقوق الله وهو السجود له، وقد جهل هؤلاء أن السجود في اللغة له معان عدة غير العبادة، يمكننا أن نعرضها لنوضح لهم المعنى الصحيح لسجود إخوة يوسف - عليه السلام - وأبويه له، وهي كما ذكر د. محمد أبو النور الحديدي:
1. أن السجود إنما كان لله شكرا له من أجل لقائهم بيوسف - عليه السلام - وتكون اللام في قوله: )رأيتهم لي ساجدين (4)( (يوسف) للتعليل. نسبه الفخر الرازي إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - ويستدل على صحته بقول الله: )ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا( (يوسف: 100)؛ فهو مشعر بأنهم صعدوا على ذلك السرير ثم سجدوا ليوسف - عليه السلام - فلو أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قبل الصعود على السرير؛ لأن ذلك أدخل في التواضع.
ويرى الفخر الرازي: أن هذا القول أولى الأقوال بالقبول فيقول: وعندي أن هذا التأويل متعين؛ لأنه يستبعد من عقل يوسف - عليه السلام - ودينه أن يرضي بأن يسجد له أبوه مع سابقته في حقوق الولادة، والشيخوخة والعلم، والدين، وكمال النبوة[1].
2. أن السجود لله شكرا لنعمة وجود يوسف - عليه السلام - إلا أنهم جعلوا يوسف - عليه السلام - كالقبلة، وتكون اللام بمعنى "إلى" واستدل عليه الفخر الرازي بالقرآن وبالشعر؛ أما القرآن
فقول الله تعالى:
(أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل)
(الإسراء: 78)
؛ أي عند دلوك الشمس، والصلاة لله لا لدلوك، فإذا جاز ذلك فإنه يجوز أن يقال: صليت للقبلة، مع أن الصلاة تكون لله تعالى لا للقبلة.
وأما الشعر فقول حسان:
ما كنت أعرف أن الأمر منصرف
عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتكم
وأعرف الناس بالقرآن والسنن
وعلى هذا فمعنى
(وخروا له سجدا)
(يوسف: 78)
جعلوه كالقبلة، ثم سجدوا لله شكرا لنعمه عليهم، واستحسن الفخر الرازي هذا التأويل، وقال: وهذا التأويل حسن.
3. أن السجود للآدمي كان عندهم جائزا، وكان تحية الملوك في زمنهم.
قال الزمخشري: إن السجدة كانت عندهم جارية مجرى التحية والتكرمة كالقيام، والمصافحة، وتقبيل اليد، ونحوه مما جرت عليه عادة الناس من أفعال شهدت في التعظيم والتوقير[2].
ثم جعل الله تحية هذه الأمة السلام الذي هو تحية أهل الجنة، نقل الآلوسي عن قتادة قوله: كان السجود تحية الملوك عندهم، وأعطى الله تعالى هذه الأمة السلام، تحية أهل الجنة كرامة منه تعالى عجلها لهم. ولم يذكر ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية غير هذا الرأي، وهو يشعر باختياره له وترجيحه على ما عداه، ويقول: كان هذا سائغا في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزا من لدن آدم - عليه السلام - إلى شريعة عيسى - عليه السلام ــ عليه السلام ـفحرم هذا في هذه الملة - أي الإسلام - وجعل السجود مختصا بجانب الرب عز وجل. ويستدل على هذا بحديثين:
الأول: أن معاذا - رضي الله عنه - قدم الشام، فوجدهم يسجدون لأساقفتهم، فلما رجع سجد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما هذا يا معاذ؟ فقال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال صلى الله عليه وسلم: "فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»[3].
الثاني: أن سلمان - رضي الله عنه - لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض طرق المدينة، وكان حديث عهد بالإسلام، فسجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تسجد لي يا سلمان واسجد للحي الذي لا يموت"[4][5]. وهذا الذي اختاره ابن كثير هو رأي الأكثر[6].
هذا وقد سجد الملائكة لآدم - عليه السلام - سجود تحية وتكريم، ولم يسجدوا له سجود عبادة؛ لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله - عز وجل - فإخوة يوسف سجدوا له تكريما وتحية، على أي معنى من معاني السجود، ومن ثم فلا إشكال، ولا سيما أن ذلك كان جائزا في الشرائع السابقة، ولم يحرم إلا في شريعة الإسلام؛ تحقيقا لمعنى مساواة الناس في العبودية.
الخلاصة:
· إن الفهم الخاطئ لمعنى سجود إخوة يوسف - عليه السلام - وأبويه له، هو الذي دفع بعضهم إلى أن يتوهم أن يوسف - عليه السلام - قد أعطى لنفسه حقا من حقوق الله، ولو أنعم هؤلاء النظر في معاني السجود في اللغة، لتجلت لهم الحقيقة كاملة.
· الحقيقة أن سجود إخوة يوسف - عليه السلام - له، لم يكن سجود عبادة، بل سجود شكر لله على جمعهم بيوسف - عليه السلام - أو هو سجود تحية وتكريم ليوسف - عليه السلام - وكان السجود للسادة والملوك جائزا في الشرائع السابقة وقد حرم في الإسلام.
المراجع
- (*)عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م.
- مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي، دار الفكر، بيروت، 1993م، ج5، ص171.
- الكشاف، الزمخشري، طبعة البابي الحلبي، القاهرة، د. ت، ج2، ص344.
- صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننها، كتاب النكاح، باب حق الزوج على المرأة (1853)، وابن حبان في صحيحه، كتاب النكاح، باب معاشرة الزوجين (4171)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1503).
- تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق: هاني الحاج، المكتبة التوفيقية، القاهرة، د. ت، ج4، ص286.
- أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، تفسير سورة الفرقان (14242).
- عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص334، 335.