نص السؤال

هل يَقدَحُ في النبوَّةِ ما يُرْوى مِن طريقةِ قتلِ النبيِّ ^ لبني قُرَيظةَ؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

هل صحيحٌ أن يهودَ بني قُرَيظةَ قُتِلوا بوحشيَّةٍ؟ 

الجواب التفصيلي

حقيقةُ هذه الشبهةِ: الطعنُ في نبوَّةِ محمَّدٍ ^ مِن جهةِ النصارى والمستشرِقين، والجوابُ عنها يحتاجُ إلى كشفِ ملابَساتِ تنفيذِ النبيِّ ^ لحُكمِ سعدِ بنِ معاذٍ رضيَ اللهُ عنه في يهودِ بني قُرَيظةَ،

 وهو:

«أَنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ»؛

كما عند البخاري (3043، 4122)، ومسلم (1769).

فبعد أن طال الحصارُ على بني قُرَيظةَ، وفَشِلتْ كلُّ محاوَلاتِهم مِن أجلِ إنقاذِ أنفُسِهم مِن الموتِ المحقَّقِ على يدِ المسلِمين، بعد تحالُفِهم مع الأحزابِ التي حارَبتِ المسلِمين في غزوةِ الخَندَقِ،

 حينها عمَدتِ الأوسُ - قومُ سعدِ بنِ معاذٍ - إلى التوسُّطِ عند النبيِّ ^ حتى يعفُوَ عن بني قُرَيظةَ ويترُكَهم، أو يخفِّفَ العقابَ عنهم، فرفَضَ النبيُّ ^ جميعَ الوسائطِ لأجلِ ذلك،

 وقال للأوسِ: «أَلَا تَرْضَوْنَ بِأَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟!»، يعني: سعدَ بنَ معاذٍ، فقَبِلَ الأوسُ ذلك، والغريبُ: أن بني قُرَيظةَ أنفُسَهم قَبِلوا بتحكيمِ سعدِ بنِ معاذٍ رضيَ اللهُ عنه،

 ولعلَّهم اعتقَدوا أن ما كان بينهم وبين سعدٍ قبل الإسلامِ مِن الوَلاءِ، سيَشفَعُ لهم عنده، فيخفِّفُ في الحُكمِ عنهم.

والمقصودُ: أن الرسولَ ^ وكَلَ أمرَهم لسعدِ بنِ معاذٍ، فحكَمَ فيهم، وقد رَضُوا بذلك على أمَلِ تخفيفِ الحُكمِ مِن قِبَلِ سعدِ بنِ معاذ.

ونقولُ: إنك إذا نظَرْتَ في هذه الحادثةِ نظَرًا منصِفًا، أدرَكْتَ شيئًا مِن أوجُهِ اتِّصافِ النبيِّ ^ بكونِهِ نبيَّ الرحمةِ؛ فهو الذي أرسَلهُ اللهُ رحمةً للعالَمين، فرَحِمَ به أهلَ الأرضِ كُلَّهم مؤمِنَهم وكافِرَهم:

أما المؤمِنون: فنالوا النصيبَ الأوفَرَ مِن الرحمة.

وأما الكُفَّارُ: فأهلُ الكتابِ منهم عاشوا في ظِلِّه، وتحت حبلِهِ وعهدِه.

وأما مَن قتَلهُ منهم؛ كهؤلاءِ اليهودِ: فإنه عجَّل به إلى النار، وأراحه مِن الحياةِ الطويلةِ التي لا يزدادُ بها إلا شدَّةَ العذابِ في الآخِرة.

ولْننتقِلِ الآنَ إلى النقضِ التفصيليِّ لِمَا جرى في تلك الحادثة:

1) بنو قُرَيظةَ خانوا النبيَّ ^، وسيرةُ النبيِّ ^ في المهادَنِ: إذا ظهَرَ منه ما يدُلُّ على خيانةٍ أن يُنبَذَ إليه العهدُ:

ولذلك أصلٌ في كتابِ اللهِ تعالى؛ حيثُ قال:

{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء}

[الأنفال: 58].

وقد ثبَتَ أن بني قُرَيظةَ قاموا بنقضِ العهدِ مع النبيِّ ^، بعد أن طلَبَ منهم ذلك مشرِكو قُريشٍ، ومَنَّوْهُمُ الأمانيَّ.

 2) لا يُشترَطُ أن يصرِّحَ جميعُ المهادَنين بالخيانةِ حتى يستحِقُّوا ما يترتَّبُ على ذلك مِن نبذِ العهدِ إليهم، بل يكفي متابَعتُهم وعدمُ إظهارِهمُ المخالَفةَ لمَن خان منهم:

وذلك إذا كان فعلُ الخيانةِ ظاهرًا؛ لأن هذا يدُلُّ على إقرارِهم ورضاهُمْ:

قال أهلُ العلمِ: «إذا نقَضَ الذين عقَدوا الصلحَ عليهم، أو جماعةٌ منهم، فلم تخالِفْ تلك الجماعةُ الناقِضَ للصلحِ بقولٍ أو فعلٍ ظاهرٍ، أو اعتزالِ بلادِهم، ولم يقوموا أيضًا بإعلامِ الإمامِ: أنهم باقُون على صُلْحِهم معه -: فللإمامِ غَزْوُهم، وقتلُ مُقاتِلِيهم، وسَبْيُ ذَرَارِيهم، وغنيمةُ أموالِهم.

وهكذا فعَلَ النبيُّ ^ ببني قُرَيظةَ؛ عقَدَ عليهم صاحبُهم، فنقَضَ، ولم يفارِقوه، وليس كلُّهم اشترَكَ في المَعُونةِ على النبيِّ ^ وأصحابِه، ولكنْ كلُّهم لَزِمَ حِصنَهُ، فلم يفارِقِ الناقِضَ إلا نفَرٌ منهم.

وقصَّةُ بني قُرَيظةَ ليست شاذَّةً في سِيرةِ النبيِّ ^، بل لها نظيرٌ في العربِ، وفي أقاربِ النبيِّ ^؛ فإن خُزَاعةَ - وهم في عَقْدِ وحِلْفِ النبيِّ ^ - عدا عليهم بنو بكرٍ - وكان بنو بكرٍ في حِلْفِ وعَقْدِ قُريشٍ - فدخَلتْ خُزَاعةُ الحرَمَ، وقُريشٌ لم تحرِّكْ ساكنًا، بل أعان ثلاثةُ نفَرٍ مِن قُريشٍ بني بكرٍ على قتالِ خُزَاعةَ، وأمدُّوهم بالسلاح، وشَهِدوا قِتالَهم، فعَدَّ الرسولُ ذلك نقضًا للعهد؛ فغزا النبيُّ ^ قُريشًا عام الفتحِ بغدرِ ثلاثةِ نفَرٍ منهم، وتركِهم مَعُونةَ خُزَاعةَ، وإيوائِهم مَن قاتَلَها»؛ «مختصَرُ المُزَنيّ» (8/ 387 ضِمْنَ «الأمِّ» للشافعي)، و«الحاوي» للماوَرْدي (14/ 379).

3) النبيُّ ^ قتَلَ المقاتِلةَ مِن بني قُرَيظةَ، دون النساءِ والذَّرَاري:

وهذا نصُّ حُكْمِ سعدٍ:

«أَنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ»

؛ فلم يأمُرْ بقتلِ النساءِ ولا الذراري؛ كما يدَّعي أصحابُ هذه الشبهة.

وليس في حُكْمِ سعدٍ خروجٌ عن سِيرةِ النبيِّ ^ في حروبِهِ وغَزَواتِه.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

يريدُ صاحبُ السؤالِ أن يقولَ: إن الحُكمَ على بني قُرَيظةَ كان عنيفًا؛ وهو بذلك يَقدَحُ في النبيِّ ^، والإسلامِ عمومًا.

مختصَرُ الإجابة:

النبيُّ ^ قتَلَ مقاتِلةَ بني قُرَيظةَ، ولكنْ لا تُقبَلُ أيُّ أوصافٍ تاريخيَّةٍ مزيَّفةٍ لتلك القصَّة؛ كما لا يَصِحُّ الطعنُ في النبيِّ ^ بأيِّ تفاصيلَ تاريخيَّةٍ لم تثبُتْ، بل هي طعنٌ في اللهِ تعالى؛ 

إذ قد ثبَتَ بالأدلَّةِ القاطعةِ إرسالُ اللهِ تعالى له.

والنبيُّ ^ لم يقتُلْ منهم إلا مَن كان مهيَّأً للقتال، قادرًا عليه، دون النساءِ والأطفال؛ وهذا نصُّ حُكْمِ سعدٍ: «أَنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ»؛

فلم يأمُرْ بقتلِ النساءِ ولا الذراري؛ كما يدَّعي أصحابُ هذه الشبهة.

كما أن استحقاقَ بني قُرَيظةَ للحُكمِ الذي نالَهم، إنما جاء مِن جهةِ نقضِ جماعةٍ منهم العهدَ مع النبيِّ ^، وتعاضُدِهم جميعًا في ذلك؛ بمتابَعتِهم وعدمِ إظهارِهِمُ المخالَفةَ لمَن خان منهم.

خاتمة الجواب

العاقلُ يَبدَأُ في فهمِهِ بالأمورِ الكبارِ الثابتة؛ فقد ثبَتَ كمالُ اللهِ وعدلُهُ ورحمتُهُ وحكمتُه، وثبَتتِ النبوَّةُ للنبيِّ ^، وطاعتُهُ لربِّهِ بالبراهينِ القطعيَّة،

 وثبَتتْ رحمتُهُ ^ ورأفتُهُ وعدلُهُ وإحسانُهُ وعدَمُ ظلمِهِ لأحدٍ مِن إنسان، أو عنفٍ بحيوان، حتى في أدَقِّ الأمور.

وأما مسألةُ بني قُرَيظةَ، فمسألةٌ جزئيَّةٌ سبَقَ بيانُها، ومهما فُسِّرَتْ، فلا ينبغي أن تَقدَحَ في الأصولِ العظيمة.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

يريدُ صاحبُ السؤالِ أن يقولَ: إن الحُكمَ على بني قُرَيظةَ كان عنيفًا؛ وهو بذلك يَقدَحُ في النبيِّ ^، والإسلامِ عمومًا.

مختصَرُ الإجابة:

النبيُّ ^ قتَلَ مقاتِلةَ بني قُرَيظةَ، ولكنْ لا تُقبَلُ أيُّ أوصافٍ تاريخيَّةٍ مزيَّفةٍ لتلك القصَّة؛ كما لا يَصِحُّ الطعنُ في النبيِّ ^ بأيِّ تفاصيلَ تاريخيَّةٍ لم تثبُتْ، بل هي طعنٌ في اللهِ تعالى؛ 

إذ قد ثبَتَ بالأدلَّةِ القاطعةِ إرسالُ اللهِ تعالى له.

والنبيُّ ^ لم يقتُلْ منهم إلا مَن كان مهيَّأً للقتال، قادرًا عليه، دون النساءِ والأطفال؛ وهذا نصُّ حُكْمِ سعدٍ: «أَنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ»؛

فلم يأمُرْ بقتلِ النساءِ ولا الذراري؛ كما يدَّعي أصحابُ هذه الشبهة.

كما أن استحقاقَ بني قُرَيظةَ للحُكمِ الذي نالَهم، إنما جاء مِن جهةِ نقضِ جماعةٍ منهم العهدَ مع النبيِّ ^، وتعاضُدِهم جميعًا في ذلك؛ بمتابَعتِهم وعدمِ إظهارِهِمُ المخالَفةَ لمَن خان منهم.

الجواب التفصيلي

حقيقةُ هذه الشبهةِ: الطعنُ في نبوَّةِ محمَّدٍ ^ مِن جهةِ النصارى والمستشرِقين، والجوابُ عنها يحتاجُ إلى كشفِ ملابَساتِ تنفيذِ النبيِّ ^ لحُكمِ سعدِ بنِ معاذٍ رضيَ اللهُ عنه في يهودِ بني قُرَيظةَ،

 وهو:

«أَنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ»؛

كما عند البخاري (3043، 4122)، ومسلم (1769).

فبعد أن طال الحصارُ على بني قُرَيظةَ، وفَشِلتْ كلُّ محاوَلاتِهم مِن أجلِ إنقاذِ أنفُسِهم مِن الموتِ المحقَّقِ على يدِ المسلِمين، بعد تحالُفِهم مع الأحزابِ التي حارَبتِ المسلِمين في غزوةِ الخَندَقِ،

 حينها عمَدتِ الأوسُ - قومُ سعدِ بنِ معاذٍ - إلى التوسُّطِ عند النبيِّ ^ حتى يعفُوَ عن بني قُرَيظةَ ويترُكَهم، أو يخفِّفَ العقابَ عنهم، فرفَضَ النبيُّ ^ جميعَ الوسائطِ لأجلِ ذلك،

 وقال للأوسِ: «أَلَا تَرْضَوْنَ بِأَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟!»، يعني: سعدَ بنَ معاذٍ، فقَبِلَ الأوسُ ذلك، والغريبُ: أن بني قُرَيظةَ أنفُسَهم قَبِلوا بتحكيمِ سعدِ بنِ معاذٍ رضيَ اللهُ عنه،

 ولعلَّهم اعتقَدوا أن ما كان بينهم وبين سعدٍ قبل الإسلامِ مِن الوَلاءِ، سيَشفَعُ لهم عنده، فيخفِّفُ في الحُكمِ عنهم.

والمقصودُ: أن الرسولَ ^ وكَلَ أمرَهم لسعدِ بنِ معاذٍ، فحكَمَ فيهم، وقد رَضُوا بذلك على أمَلِ تخفيفِ الحُكمِ مِن قِبَلِ سعدِ بنِ معاذ.

ونقولُ: إنك إذا نظَرْتَ في هذه الحادثةِ نظَرًا منصِفًا، أدرَكْتَ شيئًا مِن أوجُهِ اتِّصافِ النبيِّ ^ بكونِهِ نبيَّ الرحمةِ؛ فهو الذي أرسَلهُ اللهُ رحمةً للعالَمين، فرَحِمَ به أهلَ الأرضِ كُلَّهم مؤمِنَهم وكافِرَهم:

أما المؤمِنون: فنالوا النصيبَ الأوفَرَ مِن الرحمة.

وأما الكُفَّارُ: فأهلُ الكتابِ منهم عاشوا في ظِلِّه، وتحت حبلِهِ وعهدِه.

وأما مَن قتَلهُ منهم؛ كهؤلاءِ اليهودِ: فإنه عجَّل به إلى النار، وأراحه مِن الحياةِ الطويلةِ التي لا يزدادُ بها إلا شدَّةَ العذابِ في الآخِرة.

ولْننتقِلِ الآنَ إلى النقضِ التفصيليِّ لِمَا جرى في تلك الحادثة:

1) بنو قُرَيظةَ خانوا النبيَّ ^، وسيرةُ النبيِّ ^ في المهادَنِ: إذا ظهَرَ منه ما يدُلُّ على خيانةٍ أن يُنبَذَ إليه العهدُ:

ولذلك أصلٌ في كتابِ اللهِ تعالى؛ حيثُ قال:

{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء}

[الأنفال: 58].

وقد ثبَتَ أن بني قُرَيظةَ قاموا بنقضِ العهدِ مع النبيِّ ^، بعد أن طلَبَ منهم ذلك مشرِكو قُريشٍ، ومَنَّوْهُمُ الأمانيَّ.

 2) لا يُشترَطُ أن يصرِّحَ جميعُ المهادَنين بالخيانةِ حتى يستحِقُّوا ما يترتَّبُ على ذلك مِن نبذِ العهدِ إليهم، بل يكفي متابَعتُهم وعدمُ إظهارِهمُ المخالَفةَ لمَن خان منهم:

وذلك إذا كان فعلُ الخيانةِ ظاهرًا؛ لأن هذا يدُلُّ على إقرارِهم ورضاهُمْ:

قال أهلُ العلمِ: «إذا نقَضَ الذين عقَدوا الصلحَ عليهم، أو جماعةٌ منهم، فلم تخالِفْ تلك الجماعةُ الناقِضَ للصلحِ بقولٍ أو فعلٍ ظاهرٍ، أو اعتزالِ بلادِهم، ولم يقوموا أيضًا بإعلامِ الإمامِ: أنهم باقُون على صُلْحِهم معه -: فللإمامِ غَزْوُهم، وقتلُ مُقاتِلِيهم، وسَبْيُ ذَرَارِيهم، وغنيمةُ أموالِهم.

وهكذا فعَلَ النبيُّ ^ ببني قُرَيظةَ؛ عقَدَ عليهم صاحبُهم، فنقَضَ، ولم يفارِقوه، وليس كلُّهم اشترَكَ في المَعُونةِ على النبيِّ ^ وأصحابِه، ولكنْ كلُّهم لَزِمَ حِصنَهُ، فلم يفارِقِ الناقِضَ إلا نفَرٌ منهم.

وقصَّةُ بني قُرَيظةَ ليست شاذَّةً في سِيرةِ النبيِّ ^، بل لها نظيرٌ في العربِ، وفي أقاربِ النبيِّ ^؛ فإن خُزَاعةَ - وهم في عَقْدِ وحِلْفِ النبيِّ ^ - عدا عليهم بنو بكرٍ - وكان بنو بكرٍ في حِلْفِ وعَقْدِ قُريشٍ - فدخَلتْ خُزَاعةُ الحرَمَ، وقُريشٌ لم تحرِّكْ ساكنًا، بل أعان ثلاثةُ نفَرٍ مِن قُريشٍ بني بكرٍ على قتالِ خُزَاعةَ، وأمدُّوهم بالسلاح، وشَهِدوا قِتالَهم، فعَدَّ الرسولُ ذلك نقضًا للعهد؛ فغزا النبيُّ ^ قُريشًا عام الفتحِ بغدرِ ثلاثةِ نفَرٍ منهم، وتركِهم مَعُونةَ خُزَاعةَ، وإيوائِهم مَن قاتَلَها»؛ «مختصَرُ المُزَنيّ» (8/ 387 ضِمْنَ «الأمِّ» للشافعي)، و«الحاوي» للماوَرْدي (14/ 379).

3) النبيُّ ^ قتَلَ المقاتِلةَ مِن بني قُرَيظةَ، دون النساءِ والذَّرَاري:

وهذا نصُّ حُكْمِ سعدٍ:

«أَنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ»

؛ فلم يأمُرْ بقتلِ النساءِ ولا الذراري؛ كما يدَّعي أصحابُ هذه الشبهة.

وليس في حُكْمِ سعدٍ خروجٌ عن سِيرةِ النبيِّ ^ في حروبِهِ وغَزَواتِه.

خاتمة الجواب

العاقلُ يَبدَأُ في فهمِهِ بالأمورِ الكبارِ الثابتة؛ فقد ثبَتَ كمالُ اللهِ وعدلُهُ ورحمتُهُ وحكمتُه، وثبَتتِ النبوَّةُ للنبيِّ ^، وطاعتُهُ لربِّهِ بالبراهينِ القطعيَّة،

 وثبَتتْ رحمتُهُ ^ ورأفتُهُ وعدلُهُ وإحسانُهُ وعدَمُ ظلمِهِ لأحدٍ مِن إنسان، أو عنفٍ بحيوان، حتى في أدَقِّ الأمور.

وأما مسألةُ بني قُرَيظةَ، فمسألةٌ جزئيَّةٌ سبَقَ بيانُها، ومهما فُسِّرَتْ، فلا ينبغي أن تَقدَحَ في الأصولِ العظيمة.