نص السؤال
المصدر: شبهات المشككين في الإسلام
الجواب التفصيلي
اتهام الزهري بالكذب وعدم الأمانة في الحديث (*)
مضمون الشبهة:
يتهم بعض المغرضين الإمام الزهري بعدم الأمانة، والكذب في الحديث، ويزعمون أن علاقته بالأمويين كانت سببا في ذلك، ومن مظاهر هذه العلاقة: تحركه في حاشية السلطان، وحجه مع الحجاج المعروف بالظلم والطغيان، وتربيته لأولاد هشام بن عبد الملك. مستدلين بذلك على مداهنته للخلفاء والأمراء.
هادفين من وراء ذلك إلى الطعن في عدالة الإمام الزهري.
وجها إبطال الشبهة:
1) لقد أجمع العلماء والمحدثون على عدالة الزهري، وتوثيقه، وورعه، فضلا عن كونه عالم الأمة ومحدثها في زمانه، والذي جمعت السنة على يديه.
2) إن صلة الزهري بالأمويين صلة الناصح الأمين للحكام، وعليه فلا غضاضة من وجوده في حاشيتهم، أو تربيته لأولادهم؛ لأنهم الخلفاء، فكيف يتهم بموالاتهم، وقد أنكر عليهم في بعض المواقف؟!
التفصيل:
أولا. عدالة الزهري وورعه وعلمه ينفيان هذه الشبهة:
إن المتأمل في كتب علماء الجرح والتعديل، وما كتبه أصحاب التراجم وكتب الرجال، يتبين له دون أدنى ريبة أن العلماء جميعا قد اتفقوا على توثيق الإمام الزهري، وإتقانه وعدالته وصدقه، ويمكننا تفصيل هذه الحقيقة بذكر بعض ما أورده هؤلاء العلماء في ذلك:
قال ابن سعد: "كان الزهري ثقة، كثير العلم والحديث والرواية، فقيها جامعا"([1]).
وقال النسائي: "أحسن أسانيد تروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة: الزهري عن علي بن الحسن عن أبيه عن جده، والزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه، وذكر الطريقين الآخرين" ([2]).
وقال الإمام أحمد: "الزهري أحسن الناس حديثا، وأجود الناس إسنادا "([3]).
وقال ابن أبي حاتم: "سئل أبو زرعة: أي الإسناد أصح؟ فقال: أربعة: أولها الزهري عن سالم عن أبيه"([4]).
قال عنه ابن حبان في كتاب "الثقات": "كان من أحفظ أهل زمانه، وأحسنهم سياقا لمتون الأخبار، وكان فقيها فاضلا، روى عنه الناس"([5]).
وترجم له الإمام الذهبي في "تذكرة الحفاظ" تحت عنوان: "الزهري أعلم الحفاظ"([6])، كما قال عنه في بداية ترجمته له في "سير أعلام النبلاء" بعد أن ذكر نسبه: "الإمام العلم، حافظ زمانه أبو بكر القرشي الزهري نزيل الشام"([7]).
كما ترجم له الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "تهذيب التهذيب" تحت عنوان: "الفقيه أبو بكر الحافظ المدني أحد الأئمة الأعلام، وعالم الحجاز والشام" ([8]).
· طلبه العلم وحرصه على التعلم ينفي عنه التهمة بمداهنة أحد من الحكام:
قال أحمد بن عبد الله العجلي: "أدرك (الزهري) من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وعبد الرحمن بن أزهر، ومحمود بن الربيع الأنصاري، وروى عن عبد الله بن عمر نحوا من ثلاثة أحاديث، وروى عن السائب بن يزيد"([9]).
وقال أبو بكر بن منجويه: "رأى عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أحفظ أهل زمانه، وأحسنهم سياقا لمتون الأخبار، وكان فقيها فاضلا"([10]).
وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: "جالست سعيد بن المسيب ثمان سنين تمس ركبتي ركبته"([11])، وقال إبراهيم بن سعد عن أبيه: "ما سبقنا ابن شهاب بشيء من العلم، إلا أنه كان يشد ثوبه عند صدره، ويسأل عما يريد، وكنا تمنعنا الحداثة"([12])، وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه: "كنت أطوف أنا وابن شهاب، ومع ابن شهاب الألواح والصحف، قال: وكنا نضحك به"، وفي رواية قال: "كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس"([13]).
وقال إبراهيم بن سعد عن محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: "كان ابن شهاب يختلف إلى الأعرج، وكان الأعرج يكتب المصاحف، فيسأله عن الحديث، ثم يأخذ قطعة ورق فيكتب فيها، ثم يتحفظه، فإذا حفظ الحديث مزق الرقعة"([14]).
وقال معمر عن صالح بن كيسان: "كنت أطلب العلم أنا والزهري، فكنا نكتب السنن. قال: فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: تعال نكتب ما جاء عن الصحابة. قال: فكتب ولم أكتب، فأنجح وضيعت" ([15]).
وقال أحمد بن سنان القطان عن عبد الرحمن بن مهدي: سمعت مالك بن أنس يقول: حدث الزهري يوما بحديث، فلما قام قمت فأخذت بعنان دابته فاستفهمته. قال: تستفهمني؟ ما استفهمت عالما قط، ولا رددت شيئا على عالم قط.
وقال عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري: ما استعدت حديثا قط، ولا شككت في حديث، إلا حديثا واحدا، فسألت صاحبي، فإذا هو كما حفظت.
وقال عبد الملك بن الماجشون عن إبراهيم بن سعد: قلت لأبي: ما فاقكم الزهري؟ قال: كان يأتي المجالس من صدورها، ولا يأتيها من خلفها، ولا يبقي في المجلس شابا إلا ساءله، ولا كهلا إلا ساءله، ولا فتى إلا ساءله،ثم يأتي الدار من دور الأنصار فلا يبقي فيها شابا إلا ساءله، ولا كهلا إلا ساءله، ولا عجوزا إلا ساءلها، ولا كهلة إلا ساءلها، حتى يحاول ربات الحجال([16]).
· مكانته العلمية:
إن الحديث عن مكانة الإمام الزهري في العلم، وثناء العلماء على علمه يحتاج إلى مصنف كامل أو يزيد، ولكننا نكتفي بأبرز ما قاله الأئمة والعلماء عن مكانته العلمية، وأمانته ودقته في رواية الحديث؛ حتى يتبين كذب قولهم وتهافت دعواهم، يقول ابن سعد:
أخبرت عن سفيان بن عيينة، قال: قال عمرو بن دينار: "ما رأيت أحدا أبصر بحديث من الزهري". وقال عبد الرحمن بن مهدي عن وهيب قال: "سمعت أيوب يقول: ما رأيت أحدا أعلم من الزهري، فقال صخر بن جويرية: ولا الحسن؟ قال: ما رأيت أحدا أعلم من الزهري"([17]).
ويروي ابن عساكر عن أحمد بن أبي الحواري قال: "حدثنا الوليد بن مسلم، قال: خرج الزهري من الخضراء، فجلس ذلك العمود من عند عبد الملك، فقال: يا أيها الناس إنا كنا قد منعناكم شيئا قد بذلناه لهؤلاء، فتعالوا حتى أحدثكم، قال: فسمعهم يقولون: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أهل الشام ما لي أرى أحاديثكم ليست لها أزمة ولا خطم؟! قال الوليد: فتمسك أصحابنا بالأسانيد من يومئذ"([18]).
وعن عبد الرزاق أنه سمع معمرا يقول: "كنا نرى أنا قد أكثرنا عن الزهري، حتى قتل الوليد، فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من خزائنه، يقول: من علم الزهري"([19]).
وروى محمد بن الحسن بن زبالة، عن الدراوردي، قال: "أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب، وقال أبو سلمة المنقري: حدثنا ابن عيينة عن عمرو قال: جالست ابن عباس، وابن عمر، وجابرا، وابن الزبير، فلم أر واحدا أنسق للحديث من الزهري، وقال ابن عيينة: كانوا يرون يوم مات الزهري أنه ليس أحد أعلم بالسنة منه، وعن بقية، عن شعيب بن أبي حمزة: قيل لمكحول: من أعلم من لقيت؟ قال: ابن شهاب، قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب، قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب.. وقال معمر: كان الزهري في أصحابه كالحكم بن عتيبة في أصحابه، وقال موسى بن إسماعيل: شهدت وهيبا وبشر بن المفضل وغيرهما ذكروا الزهري، فلم يجدوا أحدا يقيسونه به، إلا الشعبي، وقال علي بن المديني: أفتى أربعة: الحكم، وحماد، وقتادة، والزهري، والزهري عندي أفقههم ([20])، وعن الليث عن جعفر بن ربيعة: قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أما أعلمهم بقضايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان، وأفقههم فقها، وأعلمهم بما مضى من أمر الناس، فسعيد بن المسيب، وأما أغزرهم حديثا فعروة، ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بحرا إلا فجرته، وأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب؛ فإنه جمع علمهم جميعا على علمه"([21]).
قال الإمام الذهبي في كتابه "تذكرة الحفاظ": روى أبو صالح عن الليث بن سعد قال: ما رأيت عالما قط أجمع من الزهري، يحدث في الترغيب فتقول: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن العرب والأنساب قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة فكذلك. وقال الليث أيضا: قال الزهري: ما صبر أحد على العلم صبري، ولا نشره أحد نشري.
وقال عمر بن عبد العزيز: "لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية من الزهري، وقال أيوب السختياني: ما رأيت أعلم منه"([22]).
وعن عبد الرزاق: "سمعت عبيد الله بن عمر، يقول: أردت أطلب العلم، فجعلت آتي مشايخ آل عمر، فأقول: ما سمعت من سالم؟ فكلما أتيت رجلا منهم، قال: عليك بابن شهاب، فإنه كان يلزمه، قال: وابن شهاب يومئذ كان بالشام، وعن عنبسة، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: قال لي سعيد بن المسيب: ما مات من ترك مثلك([23]).
وعن سلام بن أبي مطيع، عن أيوب السختياني، قال: "لو كنت كاتبا عن أحد لكتبت عن ابن شهاب، قلت: قد أخذ عنه أيوب قليلا".
يقول الذهبي: "وكان الزهري يوصف بالعبادة؛ فروى معن بن عيسى، حدثني المنكدر بن محمد، قال: رأيت بين عيني الزهري أثر السجود".
وعن الليث عن معاوية بن صالح: "أن أبا جبلة حدثه، قال: كنت مع ابن شهاب في سفر، فصام يوم عاشوراء، فقيل له: لم تصوم وأنت تفطر في رمضان في السفر؟ قال: إن رمضان له عدة من أيام أخر، وإن عاشوراء يفوت"([24]).
وعن أبي يونس، سمعت مالكا يقول: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه، لقد أدركت في المسجد سبعين ممن يقول: قال فلان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال، لكان به أمينا، فما أخذت منهم شيئا، لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، ويقدم علينا الزهري، وهو شاب فنزدحم على بابه"([25]).
وعن أيوب بن سويد عن يونس عن الزهري: "قال لي القاسم: أراك تحرص على الطلب، أفلا أدلك على وعائه؟ قلت: بلى، قال: عليك بعمرة بنت عبد الرحمن؛ فإنها كانت في حجر عائشة، فأتيتها فوجدتها بحرا لا ينزف"([26]).
فهل يتهم من يقال فيه مثل هذه الأقوال بالكذب وعدم الأمانة في الحديث؟!
ثانيا. صلة الزهري بالأمويين:
إن مخالطة الزهري للسلاطين لا تقدح فيه، فكما كانت منه كانت من غير واحد ممن أجمع أهل العلم على عدالتهم وفضلهم ونبلهم، مثل الإمام علي بن موسى الرضا، والقاضي أبي يوسف - رحمهما الله، ومن لا يأتي عليه العد.
وأما الإعانة على المظالم فهي دعوى على الزهري غير صحيحة، وقد ذكر العلماء - رحمهم الله - ما يجوز من مخالطة الظلمة، وفرقوا بين المداراة والمداهنة، قال القاضي عياض في شرح مسلم: المداهنة بما كان من أمر الدين، مثل أن يفتيه بغير حق، والمداراة ما كان من أمر الدنيا.
ومن وجوه الحجج الدالة على جواز المخالطة، إذا لم يكن معها معصية ظاهرة، ما يلي:
الأول: الحديث الصحيح والنص الصريح، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - في أئمة الجور:
«... فمن غشي أبوابهم، فصدقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، ولا يرد على الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش ولم يصدقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد علي الحوض»
([27]).
ومن ذلك ما روى أبو داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
«المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك. إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدا»
([28]).
والمسألة لا تمكن إلا بضرب من المخالطة.
الثاني: قوله تعالى:
(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).
الممتحنة: [8].
وعموم هذه الآية وسبب نزولها يستلزم جواز المخالطة ونحوها.
الثالث: قصة يوسف - عليه السلام - ومخالطته لعزيز مصر، وقوله:
(اجعلني على خزائن الأرض)
يوسف: [55].
([29]).
لقد كان الإمام الزهري ورعا تقيا - كما بينا، ولم تكن علاقته بالأمويين علاقة مبنية على تسييس الدين وتوظيفه في خدمة السلاطين والخلفاء كما يزعمون؛ ولكنها كانت علاقة قائمة على النصح والإرشاد إلى ما فيه خير الأمة ومصلحتها.
لقد كان مع الخلفاء، يستفيد منه المسلمون جميعا على كل حال، فهو يغدو عليهم ويروح من حلقات العلم إلى مجالس العلماء، يروي حديثا، أو يبث فكرة، أو يبين حكما، أو يؤدب لهم ولدا، أو يذكرهم بما للأمة عليهم من حقوق، وما لله عليهم من واجبات.
وإليك بعض هذه المواقف التي تدل على تقواه، وشدته في الحق، فكان لا يخشى في الله لومة لائم: فعن يعقوب السدوسي، قال: حدثني الحلواني، حدثنا الشافعي، حدثنا عمي، قال: "دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك، فقال: يا سليمان، من الذي تولى كبره منهم - أي الإفك ـ؟ قال: عبد الله بن أبي بن سلول، قال: كذبت، هو علي، فدخل ابن شهاب، فسأله هشام، فقال: عبد الله بن أبي، قال: كذبت، هو علي، فقال: أنا أكذب لا أبا لك، فو الله لو نادى مناد من السماء: إن الله أحل الكذب ما كذبت، حدثني سعيد وعروة وعبيد وعلقمة بن وقاص، عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي، قال: فلم يزل القوم يغرون به، فقال له هشام: ارحل فوالله ما كان ينبغي لنا أن نحمل على مثلك"([30]).
وجاء في العقد الفريد: "دخل الزهري على الوليد بن عبد الملك، فقال له: ما حديث يحدثنا به أهل الشام، قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبدا رعيته كتب له الحسنات، ولم يكتب له السيئات. قال: باطل يا أمير المؤمنين! أنبي خليفة أكرم على الله أم خليفة غير نبي؟ قال: بل نبي خليفة، قال: فإن الله - عز وجل - يقول لنبيه داود: )يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب (26)( (ص)، فهذا وعيد يا أمير المؤمنين لنبي خليفة، فما ظنك بخليفة غير نبي؟ قال الوليد: إن الناس ليغووننا عن ديننا"([31]).
فانظر إلى ما جرى بين الوليد والزهري، ثم انظر، هل ترى موقف الزهري موقف عالم يخضع لتأثير البيت المالك ولا يخرج عن هواهم، ويستجيب لرغباتهم، أو هو موقف العالم الناصح؟! إنه يدفع عن خليفة المسلمين وقوعه تحت تأثير الرواة الكذابين، فلا يستمر في ظلم ولا يتمادى في باطل([32]). وانظر إليه يقول لخليفة المسلمين: "لا أبا لك!"، وهي كلمة لا يقولها رجل من العامة لآخر مثله في هيبته، وهذا دليل على أن صلته بالخليفة ليست صلة ضعيف بقوي، ولا مخدوع بخادع، بل صلة واثق بدينه، معتز بعلمه، يغضب إن كذب، ويثور إذا حرفت حقيقة من حقائق التاريخ المتصل بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل هذا الإمام يحابي أحدا على حساب دينه وتقواه، وهذا حاله؟!
ذهابه للقصر وتحركه في حاشية السلطان:
إن تردد العلماء على مجالس الخلفاء لا يطعن في أمانتهم ودينهم، و لا يجعلهم صرعى أهواء الخلفاء ونفوذهم، وقد سبق أن قدمنا أدلة على سمو الصلة التي كانت بين الزهري وخلفاء بني أمية، وأنها صلة العالم المعتز بعلمه ودينه ومكانته، العالم الذي لا يتردد عن مجابهة الخليفة في أي لحظة بالحق، حين يجد من واجب الحق أن يقف هذا الموقف، وقديما تردد الصحابة على معاوية، وتردد التابعون على الأمويين، وتردد أبو حنيفة على المنصور، وكان أبو يوسف من أشد الناس ملازمة لهارون الرشيد، ومع ذلك لم يطعن فيهم أحد، ولم ينزلهم أحد عن مرتبة العدالة لمخالطتهم السلاطين أو مجالستهم.
حجه مع الحجاج:
لقد زعم المغرضون ليزيدوا التنفير من الزهري، والتدليل على قلة دينه - أنه حج مع الحجاج بن يوسف الثقفي، وهذا زعم باطل؛ فالزهري لم يكن مع الحجاج في حاشيته حين حج، وإنما كان مع عبد الله بن عمر حين اجتمع مع الحجاج، وإليك النص على حقيقته كما ورد في "تهذيب التهذيب" لابن حجر: "أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج: أن اقتد بابن عمر في المناسك، فأرسل إليه الحجاج يوم عرفة: إذا أردت أن تروح فآذنا، فراح هو وسالم وأنا معهما، قال ابن شهاب: وكنت صائما فلقيت من الحر شدة"([33])، فالزهري إنما كان مع عبد الله بن عمر حين اجتمعا بالحجاج في الحج، لا في معية الحجاج.
تربيته لأولاد هشام:
وقد زعم هؤلاء أن مما يطعن به في الزهري أن هشاما جعله مربيا لولي عهده، وهذا الزعم ينطوي على خطأ تاريخي واضح، فإن ولي عهد هشام كان هو ابن أخيه الوليد بن يزيد تنفيذا لوصية يزيد بن عبد الملك، وقد كان الوليد هذا ماجنا مستهترا، بينه وبين الزهري من العداوة والجفاء ما بين الأخيار والأشرار، وإنما كان الزهري مربيا لأولاد هشام، حين حج معه سنة ست ومائة، وعدا هذا خطأ تاريخي، فإننا لا ندري أي ريب يلحق بالزهري إذا ربى أولاد هشام؟ أليس ذلك خيرا من أن يتولى تهذيبهم الخلعاء والماجنون وأعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم، على أن التاريخ يحدثنا أن أولاد هشام كانت لهم غزوات موفقة في بلاد الروم، ولهم أياد بيضاء في نشر الإسلام في أصقاع كثيرة، أليس من الإنصاف أن نرجع شيئا من الفضل في ذلك إلى شيخهم الزهري، ولاسيما أن المؤرخين يذكرون عنه أنه كان جنديا جليلا، وأنه قدم الشام مرة يريد الغزو، وأنه كان يلبس زي الجنود([34]).
الخلاصة:
· إن عدالة الإمام الزهري متفق عليها بين العلماء؛ لذلك وجدناهم يفتتحون ترجمتهم له بقولهم: الإمام الثبت، الحافظ، الفقيه، وقولهم: أعلم الحفاظ، وهذا إن دل فإنما يدل على مدى حفظه وعلمه بالحديث وأهله.
· لقد كان الإمام الزهري أعلم أهل زمانه؛ وذلك لأنه أولى العلم عناية كبيرة منذ صغره، فاستحق أن يلقب بأنه أعلم أهل المدينة، وأنه أول من دون العلم وكتبه، لذلك وجدنا سعيد بن المسيب يقول: "ما مات من ترك مثلك".
· إن مخالطة الزهري للسلاطين لاتقدح في عدالته، فكما كانت منه كانت من غيره ممن شهد لهم بالعدالة، كأبي حنيفة، وأبي يوسف الذي لازم هارون الرشيد. كما أنه ثبت بالسنة الصحيحة أن مخالطة الأمراء، وإن كانوا ظالمين، جائزة، كما قال تعالى )لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8)( (الممتحنة)، وعموم هذه الآية وسبب نزولها يستلزم جواز المخالطة، كما أن يوسف - عليه السلام - قد خالط عزيز مصر، فلماذا يجرح الزهري بمخالطته للأمراء؟!
· لقد كانت صلة الإمام الزهري بالأمويين قوية تنبع من كونه ناصحا أمينا لهم، يذكرهم بالله، وبواجبهم تجاه من استخلفهم الله عليهم، لذلك وجدناه في بعض المواقف لا يتحرج من مخالفة رأيهم، وتوجيههم التوجيه الصحيح لما فيه مصلحة الدين.
· لم يخرج الزهري إلى الحج في حاشية الحجاج، ولكنه خرج مع عبد الله بن عمر الذي جعله عبد الملك إماما في الحج في هذا العام، فالزهري كان مع عبد الله حين اجتمعا بالحجاج في الحج، لا في معية الحجاج؛ لأنه ليس في حاجة إلى أن يتقرب إليه.
· لقد كان هدف الإمام الزهري في تربيته لأولاد هشام أن يكونوا صالحين؛ لأنهم سيصبحون يوما ما الخلفاء والأمراء، وقد شهد التاريخ بدورهم الكبير في نشر الإسلام وفتح بلاد الروم، وهذا إنما كان بفضل تربيتهم التربية الصحيحة على يد هذا الإمام المعلم.
المراجع:
(*) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م. الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، الوزير اليماني، دار المعرفة، بيروت، 1399هـ/1979م .
[1]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (7/439).
[2]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/339).
[3]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/338).
[4]. الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم،، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (2/26).
[5]. الثقات، ابن حبان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1393هـ/ 1973م، (5/349).
[6]. تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (1/108).
[7]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/326).
[8]. تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (9/395).
[9]. معرفة الثقات، أحمد بن عبد الله العجلي، تحقيق: د. عبد العليم عبد العظيم البستوي، مكتبة الدار، المدينة المنورة، ط1، 1405هـ/ 1985م، (2/253).
[10]. الثقات، ابن حبان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1393هـ/ 1973م، (5/349).
[11]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/315).
[12]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/317).
[13]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/318).
[14]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/320).
[15]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/320).
[16]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (26/ 434، 438).
[17] . الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (7/436).
[18] . تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/333).
[19] . الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (7/435).
[20]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/334: 336).
[21]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/361).
[22]. تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (1/109).
[23]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/337).
[24]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/341، 342).
[25]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/352).
[26]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/347).
[27]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: العيدين، باب: ما ذكر في فضل الصلاة، (3/191)، رقم (609). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (609).
[28]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الزكاة، باب: ما تجوز فيه المسالة، (5/33)، رقم (1636). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (1639).
[29]. الروض الباسم، الوزير اليماني، دار المعرفة، بيروت، 1399هـ/ 1979م، (2/48).
[30]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (5/371).
[31]. العقد الفريد، ابن عبد ربه، تحقيق: أحمد أمين وآخرين، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2004م، (1/71،70).
[32]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص201 بتصرف .
[33]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (9/399).
[34]. انظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص 208، 209.
الجواب التفصيلي
اتهام الزهري بالكذب وعدم الأمانة في الحديث (*)
مضمون الشبهة:
يتهم بعض المغرضين الإمام الزهري بعدم الأمانة، والكذب في الحديث، ويزعمون أن علاقته بالأمويين كانت سببا في ذلك، ومن مظاهر هذه العلاقة: تحركه في حاشية السلطان، وحجه مع الحجاج المعروف بالظلم والطغيان، وتربيته لأولاد هشام بن عبد الملك. مستدلين بذلك على مداهنته للخلفاء والأمراء.
هادفين من وراء ذلك إلى الطعن في عدالة الإمام الزهري.
وجها إبطال الشبهة:
1) لقد أجمع العلماء والمحدثون على عدالة الزهري، وتوثيقه، وورعه، فضلا عن كونه عالم الأمة ومحدثها في زمانه، والذي جمعت السنة على يديه.
2) إن صلة الزهري بالأمويين صلة الناصح الأمين للحكام، وعليه فلا غضاضة من وجوده في حاشيتهم، أو تربيته لأولادهم؛ لأنهم الخلفاء، فكيف يتهم بموالاتهم، وقد أنكر عليهم في بعض المواقف؟!
التفصيل:
أولا. عدالة الزهري وورعه وعلمه ينفيان هذه الشبهة:
إن المتأمل في كتب علماء الجرح والتعديل، وما كتبه أصحاب التراجم وكتب الرجال، يتبين له دون أدنى ريبة أن العلماء جميعا قد اتفقوا على توثيق الإمام الزهري، وإتقانه وعدالته وصدقه، ويمكننا تفصيل هذه الحقيقة بذكر بعض ما أورده هؤلاء العلماء في ذلك:
قال ابن سعد: "كان الزهري ثقة، كثير العلم والحديث والرواية، فقيها جامعا"([1]).
وقال النسائي: "أحسن أسانيد تروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة: الزهري عن علي بن الحسن عن أبيه عن جده، والزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه، وذكر الطريقين الآخرين" ([2]).
وقال الإمام أحمد: "الزهري أحسن الناس حديثا، وأجود الناس إسنادا "([3]).
وقال ابن أبي حاتم: "سئل أبو زرعة: أي الإسناد أصح؟ فقال: أربعة: أولها الزهري عن سالم عن أبيه"([4]).
قال عنه ابن حبان في كتاب "الثقات": "كان من أحفظ أهل زمانه، وأحسنهم سياقا لمتون الأخبار، وكان فقيها فاضلا، روى عنه الناس"([5]).
وترجم له الإمام الذهبي في "تذكرة الحفاظ" تحت عنوان: "الزهري أعلم الحفاظ"([6])، كما قال عنه في بداية ترجمته له في "سير أعلام النبلاء" بعد أن ذكر نسبه: "الإمام العلم، حافظ زمانه أبو بكر القرشي الزهري نزيل الشام"([7]).
كما ترجم له الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "تهذيب التهذيب" تحت عنوان: "الفقيه أبو بكر الحافظ المدني أحد الأئمة الأعلام، وعالم الحجاز والشام" ([8]).
· طلبه العلم وحرصه على التعلم ينفي عنه التهمة بمداهنة أحد من الحكام:
قال أحمد بن عبد الله العجلي: "أدرك (الزهري) من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وعبد الرحمن بن أزهر، ومحمود بن الربيع الأنصاري، وروى عن عبد الله بن عمر نحوا من ثلاثة أحاديث، وروى عن السائب بن يزيد"([9]).
وقال أبو بكر بن منجويه: "رأى عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أحفظ أهل زمانه، وأحسنهم سياقا لمتون الأخبار، وكان فقيها فاضلا"([10]).
وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: "جالست سعيد بن المسيب ثمان سنين تمس ركبتي ركبته"([11])، وقال إبراهيم بن سعد عن أبيه: "ما سبقنا ابن شهاب بشيء من العلم، إلا أنه كان يشد ثوبه عند صدره، ويسأل عما يريد، وكنا تمنعنا الحداثة"([12])، وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه: "كنت أطوف أنا وابن شهاب، ومع ابن شهاب الألواح والصحف، قال: وكنا نضحك به"، وفي رواية قال: "كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس"([13]).
وقال إبراهيم بن سعد عن محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: "كان ابن شهاب يختلف إلى الأعرج، وكان الأعرج يكتب المصاحف، فيسأله عن الحديث، ثم يأخذ قطعة ورق فيكتب فيها، ثم يتحفظه، فإذا حفظ الحديث مزق الرقعة"([14]).
وقال معمر عن صالح بن كيسان: "كنت أطلب العلم أنا والزهري، فكنا نكتب السنن. قال: فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: تعال نكتب ما جاء عن الصحابة. قال: فكتب ولم أكتب، فأنجح وضيعت" ([15]).
وقال أحمد بن سنان القطان عن عبد الرحمن بن مهدي: سمعت مالك بن أنس يقول: حدث الزهري يوما بحديث، فلما قام قمت فأخذت بعنان دابته فاستفهمته. قال: تستفهمني؟ ما استفهمت عالما قط، ولا رددت شيئا على عالم قط.
وقال عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري: ما استعدت حديثا قط، ولا شككت في حديث، إلا حديثا واحدا، فسألت صاحبي، فإذا هو كما حفظت.
وقال عبد الملك بن الماجشون عن إبراهيم بن سعد: قلت لأبي: ما فاقكم الزهري؟ قال: كان يأتي المجالس من صدورها، ولا يأتيها من خلفها، ولا يبقي في المجلس شابا إلا ساءله، ولا كهلا إلا ساءله، ولا فتى إلا ساءله،ثم يأتي الدار من دور الأنصار فلا يبقي فيها شابا إلا ساءله، ولا كهلا إلا ساءله، ولا عجوزا إلا ساءلها، ولا كهلة إلا ساءلها، حتى يحاول ربات الحجال([16]).
· مكانته العلمية:
إن الحديث عن مكانة الإمام الزهري في العلم، وثناء العلماء على علمه يحتاج إلى مصنف كامل أو يزيد، ولكننا نكتفي بأبرز ما قاله الأئمة والعلماء عن مكانته العلمية، وأمانته ودقته في رواية الحديث؛ حتى يتبين كذب قولهم وتهافت دعواهم، يقول ابن سعد:
أخبرت عن سفيان بن عيينة، قال: قال عمرو بن دينار: "ما رأيت أحدا أبصر بحديث من الزهري". وقال عبد الرحمن بن مهدي عن وهيب قال: "سمعت أيوب يقول: ما رأيت أحدا أعلم من الزهري، فقال صخر بن جويرية: ولا الحسن؟ قال: ما رأيت أحدا أعلم من الزهري"([17]).
ويروي ابن عساكر عن أحمد بن أبي الحواري قال: "حدثنا الوليد بن مسلم، قال: خرج الزهري من الخضراء، فجلس ذلك العمود من عند عبد الملك، فقال: يا أيها الناس إنا كنا قد منعناكم شيئا قد بذلناه لهؤلاء، فتعالوا حتى أحدثكم، قال: فسمعهم يقولون: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أهل الشام ما لي أرى أحاديثكم ليست لها أزمة ولا خطم؟! قال الوليد: فتمسك أصحابنا بالأسانيد من يومئذ"([18]).
وعن عبد الرزاق أنه سمع معمرا يقول: "كنا نرى أنا قد أكثرنا عن الزهري، حتى قتل الوليد، فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من خزائنه، يقول: من علم الزهري"([19]).
وروى محمد بن الحسن بن زبالة، عن الدراوردي، قال: "أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب، وقال أبو سلمة المنقري: حدثنا ابن عيينة عن عمرو قال: جالست ابن عباس، وابن عمر، وجابرا، وابن الزبير، فلم أر واحدا أنسق للحديث من الزهري، وقال ابن عيينة: كانوا يرون يوم مات الزهري أنه ليس أحد أعلم بالسنة منه، وعن بقية، عن شعيب بن أبي حمزة: قيل لمكحول: من أعلم من لقيت؟ قال: ابن شهاب، قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب، قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب.. وقال معمر: كان الزهري في أصحابه كالحكم بن عتيبة في أصحابه، وقال موسى بن إسماعيل: شهدت وهيبا وبشر بن المفضل وغيرهما ذكروا الزهري، فلم يجدوا أحدا يقيسونه به، إلا الشعبي، وقال علي بن المديني: أفتى أربعة: الحكم، وحماد، وقتادة، والزهري، والزهري عندي أفقههم ([20])، وعن الليث عن جعفر بن ربيعة: قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أما أعلمهم بقضايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان، وأفقههم فقها، وأعلمهم بما مضى من أمر الناس، فسعيد بن المسيب، وأما أغزرهم حديثا فعروة، ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بحرا إلا فجرته، وأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب؛ فإنه جمع علمهم جميعا على علمه"([21]).
قال الإمام الذهبي في كتابه "تذكرة الحفاظ": روى أبو صالح عن الليث بن سعد قال: ما رأيت عالما قط أجمع من الزهري، يحدث في الترغيب فتقول: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن العرب والأنساب قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة فكذلك. وقال الليث أيضا: قال الزهري: ما صبر أحد على العلم صبري، ولا نشره أحد نشري.
وقال عمر بن عبد العزيز: "لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية من الزهري، وقال أيوب السختياني: ما رأيت أعلم منه"([22]).
وعن عبد الرزاق: "سمعت عبيد الله بن عمر، يقول: أردت أطلب العلم، فجعلت آتي مشايخ آل عمر، فأقول: ما سمعت من سالم؟ فكلما أتيت رجلا منهم، قال: عليك بابن شهاب، فإنه كان يلزمه، قال: وابن شهاب يومئذ كان بالشام، وعن عنبسة، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: قال لي سعيد بن المسيب: ما مات من ترك مثلك([23]).
وعن سلام بن أبي مطيع، عن أيوب السختياني، قال: "لو كنت كاتبا عن أحد لكتبت عن ابن شهاب، قلت: قد أخذ عنه أيوب قليلا".
يقول الذهبي: "وكان الزهري يوصف بالعبادة؛ فروى معن بن عيسى، حدثني المنكدر بن محمد، قال: رأيت بين عيني الزهري أثر السجود".
وعن الليث عن معاوية بن صالح: "أن أبا جبلة حدثه، قال: كنت مع ابن شهاب في سفر، فصام يوم عاشوراء، فقيل له: لم تصوم وأنت تفطر في رمضان في السفر؟ قال: إن رمضان له عدة من أيام أخر، وإن عاشوراء يفوت"([24]).
وعن أبي يونس، سمعت مالكا يقول: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه، لقد أدركت في المسجد سبعين ممن يقول: قال فلان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال، لكان به أمينا، فما أخذت منهم شيئا، لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، ويقدم علينا الزهري، وهو شاب فنزدحم على بابه"([25]).
وعن أيوب بن سويد عن يونس عن الزهري: "قال لي القاسم: أراك تحرص على الطلب، أفلا أدلك على وعائه؟ قلت: بلى، قال: عليك بعمرة بنت عبد الرحمن؛ فإنها كانت في حجر عائشة، فأتيتها فوجدتها بحرا لا ينزف"([26]).
فهل يتهم من يقال فيه مثل هذه الأقوال بالكذب وعدم الأمانة في الحديث؟!
ثانيا. صلة الزهري بالأمويين:
إن مخالطة الزهري للسلاطين لا تقدح فيه، فكما كانت منه كانت من غير واحد ممن أجمع أهل العلم على عدالتهم وفضلهم ونبلهم، مثل الإمام علي بن موسى الرضا، والقاضي أبي يوسف - رحمهما الله، ومن لا يأتي عليه العد.
وأما الإعانة على المظالم فهي دعوى على الزهري غير صحيحة، وقد ذكر العلماء - رحمهم الله - ما يجوز من مخالطة الظلمة، وفرقوا بين المداراة والمداهنة، قال القاضي عياض في شرح مسلم: المداهنة بما كان من أمر الدين، مثل أن يفتيه بغير حق، والمداراة ما كان من أمر الدنيا.
ومن وجوه الحجج الدالة على جواز المخالطة، إذا لم يكن معها معصية ظاهرة، ما يلي:
الأول: الحديث الصحيح والنص الصريح، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - في أئمة الجور:
«... فمن غشي أبوابهم، فصدقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، ولا يرد على الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش ولم يصدقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد علي الحوض»
([27]).
ومن ذلك ما روى أبو داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
«المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك. إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدا»
([28]).
والمسألة لا تمكن إلا بضرب من المخالطة.
الثاني: قوله تعالى:
(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).
الممتحنة: [8].
وعموم هذه الآية وسبب نزولها يستلزم جواز المخالطة ونحوها.
الثالث: قصة يوسف - عليه السلام - ومخالطته لعزيز مصر، وقوله:
(اجعلني على خزائن الأرض)
يوسف: [55].
([29]).
لقد كان الإمام الزهري ورعا تقيا - كما بينا، ولم تكن علاقته بالأمويين علاقة مبنية على تسييس الدين وتوظيفه في خدمة السلاطين والخلفاء كما يزعمون؛ ولكنها كانت علاقة قائمة على النصح والإرشاد إلى ما فيه خير الأمة ومصلحتها.
لقد كان مع الخلفاء، يستفيد منه المسلمون جميعا على كل حال، فهو يغدو عليهم ويروح من حلقات العلم إلى مجالس العلماء، يروي حديثا، أو يبث فكرة، أو يبين حكما، أو يؤدب لهم ولدا، أو يذكرهم بما للأمة عليهم من حقوق، وما لله عليهم من واجبات.
وإليك بعض هذه المواقف التي تدل على تقواه، وشدته في الحق، فكان لا يخشى في الله لومة لائم: فعن يعقوب السدوسي، قال: حدثني الحلواني، حدثنا الشافعي، حدثنا عمي، قال: "دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك، فقال: يا سليمان، من الذي تولى كبره منهم - أي الإفك ـ؟ قال: عبد الله بن أبي بن سلول، قال: كذبت، هو علي، فدخل ابن شهاب، فسأله هشام، فقال: عبد الله بن أبي، قال: كذبت، هو علي، فقال: أنا أكذب لا أبا لك، فو الله لو نادى مناد من السماء: إن الله أحل الكذب ما كذبت، حدثني سعيد وعروة وعبيد وعلقمة بن وقاص، عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي، قال: فلم يزل القوم يغرون به، فقال له هشام: ارحل فوالله ما كان ينبغي لنا أن نحمل على مثلك"([30]).
وجاء في العقد الفريد: "دخل الزهري على الوليد بن عبد الملك، فقال له: ما حديث يحدثنا به أهل الشام، قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبدا رعيته كتب له الحسنات، ولم يكتب له السيئات. قال: باطل يا أمير المؤمنين! أنبي خليفة أكرم على الله أم خليفة غير نبي؟ قال: بل نبي خليفة، قال: فإن الله - عز وجل - يقول لنبيه داود: )يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب (26)( (ص)، فهذا وعيد يا أمير المؤمنين لنبي خليفة، فما ظنك بخليفة غير نبي؟ قال الوليد: إن الناس ليغووننا عن ديننا"([31]).
فانظر إلى ما جرى بين الوليد والزهري، ثم انظر، هل ترى موقف الزهري موقف عالم يخضع لتأثير البيت المالك ولا يخرج عن هواهم، ويستجيب لرغباتهم، أو هو موقف العالم الناصح؟! إنه يدفع عن خليفة المسلمين وقوعه تحت تأثير الرواة الكذابين، فلا يستمر في ظلم ولا يتمادى في باطل([32]). وانظر إليه يقول لخليفة المسلمين: "لا أبا لك!"، وهي كلمة لا يقولها رجل من العامة لآخر مثله في هيبته، وهذا دليل على أن صلته بالخليفة ليست صلة ضعيف بقوي، ولا مخدوع بخادع، بل صلة واثق بدينه، معتز بعلمه، يغضب إن كذب، ويثور إذا حرفت حقيقة من حقائق التاريخ المتصل بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل هذا الإمام يحابي أحدا على حساب دينه وتقواه، وهذا حاله؟!
ذهابه للقصر وتحركه في حاشية السلطان:
إن تردد العلماء على مجالس الخلفاء لا يطعن في أمانتهم ودينهم، و لا يجعلهم صرعى أهواء الخلفاء ونفوذهم، وقد سبق أن قدمنا أدلة على سمو الصلة التي كانت بين الزهري وخلفاء بني أمية، وأنها صلة العالم المعتز بعلمه ودينه ومكانته، العالم الذي لا يتردد عن مجابهة الخليفة في أي لحظة بالحق، حين يجد من واجب الحق أن يقف هذا الموقف، وقديما تردد الصحابة على معاوية، وتردد التابعون على الأمويين، وتردد أبو حنيفة على المنصور، وكان أبو يوسف من أشد الناس ملازمة لهارون الرشيد، ومع ذلك لم يطعن فيهم أحد، ولم ينزلهم أحد عن مرتبة العدالة لمخالطتهم السلاطين أو مجالستهم.
حجه مع الحجاج:
لقد زعم المغرضون ليزيدوا التنفير من الزهري، والتدليل على قلة دينه - أنه حج مع الحجاج بن يوسف الثقفي، وهذا زعم باطل؛ فالزهري لم يكن مع الحجاج في حاشيته حين حج، وإنما كان مع عبد الله بن عمر حين اجتمع مع الحجاج، وإليك النص على حقيقته كما ورد في "تهذيب التهذيب" لابن حجر: "أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج: أن اقتد بابن عمر في المناسك، فأرسل إليه الحجاج يوم عرفة: إذا أردت أن تروح فآذنا، فراح هو وسالم وأنا معهما، قال ابن شهاب: وكنت صائما فلقيت من الحر شدة"([33])، فالزهري إنما كان مع عبد الله بن عمر حين اجتمعا بالحجاج في الحج، لا في معية الحجاج.
تربيته لأولاد هشام:
وقد زعم هؤلاء أن مما يطعن به في الزهري أن هشاما جعله مربيا لولي عهده، وهذا الزعم ينطوي على خطأ تاريخي واضح، فإن ولي عهد هشام كان هو ابن أخيه الوليد بن يزيد تنفيذا لوصية يزيد بن عبد الملك، وقد كان الوليد هذا ماجنا مستهترا، بينه وبين الزهري من العداوة والجفاء ما بين الأخيار والأشرار، وإنما كان الزهري مربيا لأولاد هشام، حين حج معه سنة ست ومائة، وعدا هذا خطأ تاريخي، فإننا لا ندري أي ريب يلحق بالزهري إذا ربى أولاد هشام؟ أليس ذلك خيرا من أن يتولى تهذيبهم الخلعاء والماجنون وأعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم، على أن التاريخ يحدثنا أن أولاد هشام كانت لهم غزوات موفقة في بلاد الروم، ولهم أياد بيضاء في نشر الإسلام في أصقاع كثيرة، أليس من الإنصاف أن نرجع شيئا من الفضل في ذلك إلى شيخهم الزهري، ولاسيما أن المؤرخين يذكرون عنه أنه كان جنديا جليلا، وأنه قدم الشام مرة يريد الغزو، وأنه كان يلبس زي الجنود([34]).
الخلاصة:
· إن عدالة الإمام الزهري متفق عليها بين العلماء؛ لذلك وجدناهم يفتتحون ترجمتهم له بقولهم: الإمام الثبت، الحافظ، الفقيه، وقولهم: أعلم الحفاظ، وهذا إن دل فإنما يدل على مدى حفظه وعلمه بالحديث وأهله.
· لقد كان الإمام الزهري أعلم أهل زمانه؛ وذلك لأنه أولى العلم عناية كبيرة منذ صغره، فاستحق أن يلقب بأنه أعلم أهل المدينة، وأنه أول من دون العلم وكتبه، لذلك وجدنا سعيد بن المسيب يقول: "ما مات من ترك مثلك".
· إن مخالطة الزهري للسلاطين لاتقدح في عدالته، فكما كانت منه كانت من غيره ممن شهد لهم بالعدالة، كأبي حنيفة، وأبي يوسف الذي لازم هارون الرشيد. كما أنه ثبت بالسنة الصحيحة أن مخالطة الأمراء، وإن كانوا ظالمين، جائزة، كما قال تعالى )لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8)( (الممتحنة)، وعموم هذه الآية وسبب نزولها يستلزم جواز المخالطة، كما أن يوسف - عليه السلام - قد خالط عزيز مصر، فلماذا يجرح الزهري بمخالطته للأمراء؟!
· لقد كانت صلة الإمام الزهري بالأمويين قوية تنبع من كونه ناصحا أمينا لهم، يذكرهم بالله، وبواجبهم تجاه من استخلفهم الله عليهم، لذلك وجدناه في بعض المواقف لا يتحرج من مخالفة رأيهم، وتوجيههم التوجيه الصحيح لما فيه مصلحة الدين.
· لم يخرج الزهري إلى الحج في حاشية الحجاج، ولكنه خرج مع عبد الله بن عمر الذي جعله عبد الملك إماما في الحج في هذا العام، فالزهري كان مع عبد الله حين اجتمعا بالحجاج في الحج، لا في معية الحجاج؛ لأنه ليس في حاجة إلى أن يتقرب إليه.
· لقد كان هدف الإمام الزهري في تربيته لأولاد هشام أن يكونوا صالحين؛ لأنهم سيصبحون يوما ما الخلفاء والأمراء، وقد شهد التاريخ بدورهم الكبير في نشر الإسلام وفتح بلاد الروم، وهذا إنما كان بفضل تربيتهم التربية الصحيحة على يد هذا الإمام المعلم.
المراجع:
(*) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م. الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، الوزير اليماني، دار المعرفة، بيروت، 1399هـ/1979م .
[1]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (7/439).
[2]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/339).
[3]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/338).
[4]. الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم،، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (2/26).
[5]. الثقات، ابن حبان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1393هـ/ 1973م، (5/349).
[6]. تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (1/108).
[7]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/326).
[8]. تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (9/395).
[9]. معرفة الثقات، أحمد بن عبد الله العجلي، تحقيق: د. عبد العليم عبد العظيم البستوي، مكتبة الدار، المدينة المنورة، ط1، 1405هـ/ 1985م، (2/253).
[10]. الثقات، ابن حبان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1393هـ/ 1973م، (5/349).
[11]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/315).
[12]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/317).
[13]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/318).
[14]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/320).
[15]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/320).
[16]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (26/ 434، 438).
[17] . الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (7/436).
[18] . تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/333).
[19] . الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (7/435).
[20]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/334: 336).
[21]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/361).
[22]. تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (1/109).
[23]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/337).
[24]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/341، 342).
[25]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (55/352).
[26]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (5/347).
[27]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: العيدين، باب: ما ذكر في فضل الصلاة، (3/191)، رقم (609). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (609).
[28]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الزكاة، باب: ما تجوز فيه المسالة، (5/33)، رقم (1636). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (1639).
[29]. الروض الباسم، الوزير اليماني، دار المعرفة، بيروت، 1399هـ/ 1979م، (2/48).
[30]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (5/371).
[31]. العقد الفريد، ابن عبد ربه، تحقيق: أحمد أمين وآخرين، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2004م، (1/71،70).
[32]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص201 بتصرف .
[33]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (9/399).
[34]. انظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص 208، 209.