نص السؤال

لماذا يُفتخَرُ بالتشريعِ الإسلاميِّ، وهناك اليومَ كثيرٌ مِن الأنظمةِ والتشريعاتِ التي نجَحَتْ في بُلْدانِها؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

لماذا تأخَّر المسلِمون، وتقدَّم غيرُهم؟ 

  هل الإسلامُ هو سببُ تخلُّفِ المسلِمين؟

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

يدَّعي بعضُ الناسِ: أنْ ليس للتشريعِ الإسلاميِّ أيَّةُ مَزِيَّةٍ على غيرِهِ مِن القوانينِ والنُّظُمِ؛ بدليلِ أن هنالك دُوَلًا استطاعت أن تَنجَحَ وتتقدَّمَ وتتطوَّرَ، وهي بعيدةٌ عن الإسلام.

كما يدَّعي آخَرون: أن سببَ تخلُّفِ المسلِمينَ وتراجُعِهمُ اليومَ: هو تمسُّكُهم بالإسلام، وأن الغربَ لما تخَلَّوْا عن الدِّينِ، وتحرَّروا منه، وصَلوا إلى ما وصَلوا إليه مِن التقدُّمِ الحضاريّ.

والإجابةُ عن هذه الشبهةِ مِن أوجُهٍ عدَّة:

الوجهُ الأوَّلُ: التشريعُ الإسلاميُّ هو المنهجُ الربَّانيُّ مِن الخالقِ سبحانه، الذي خلَقَ الإنسانَ، ويَعلَمُ ما يُصلِحُه، وما يُسعِدُ حياتَه؛ قال تعالى:

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}

[الملك: 14]؛

فلا سعادةَ، ولا رُقِيَّ للإنسانِ، ولا تقدُّمَ لحياتِهِ؛ إذا ابتعَدَ عن منهجِ وتشريعِ الخالقِ سبحانه.

مثالُ ذلك مِن حياتِنا اليوميَّةِ: عندما نقومُ بشراءِ جِهازٍ كَهرَبائيٍّ، ونُريدُ أن نستخدِمَهُ بطريقةٍ صحيحةٍ وسليمة؛ فإننا نَقرَأُ في كُتيِّبِ الإرشاداتِ (الكَتَالُوج)، الذي يأتي مع الجِهازِ، والذي يوضِّحُ مواصفاتِ الجِهازِ، وطريقةَ استعمالِه.

لأننا نُدرِكُ في قَرَارةِ أنفُسِنا أن كلَّ صانعٍ يَعلَمُ أسرارَ صَنعَتِه، وهو الخبيرُ الذي يُعْطينا التوجيهاتِ الصحيحةَ لاستخدامِ ذلك الشيءِ المصنوع.

فما بالُنا بالخالقِ العظيمِ سبحانه وتعالى، الذي خلَقَ الإنسانَ، وأوجَدهُ في هذه الحياةِ؛ فهو العليمُ بالأحكامِ والتشريعاتِ والنُّظُمِ التي تَجعَلُ حياةَ الإنسانِ تَسيرُ بشكلٍ أفضلَ.

فالتشريعُ الإسلاميُّ نظامٌ شاملٌ، وشريعةٌ إلهيَّةٌ عادلةٌ، منزَّلةٌ ممَّن خلَقَ الإنسانَ، ويَعلَمُ أحوالَهُ؛ فلا نهضةَ ولا سعادةَ حقيقيَّةً للبشَريَّةِ دون تعاليمِ الإسلامِ الحَنِيف، ولا تطوُّرَ شاملًا ومتكامِلًا بعيدًا عن توجيهاتِهِ الربَّانيَّة.

الوجهُ الثاني: نحن نتَّفِقُ أن عددًا مِن الدُّوَلِ في الغربِ والشرقِ، استطاعت التقدُّمَ في مجالاتٍ عدَّةٍ، مِن خلالِ ما وضَعتْهُ لنفسِها مِن نُظُمٍ وقوانينَ، ولكنَّ ذلك التقدُّمَ انحصَرَ في جوانبَ معيَّنةٍ غلَبَ عليها المادِّيَّةُ، وأصبَحَ مِقْياسُ التقدُّمِ وسعادةِ البشَرِ في ثقافةِ تلك المجتمَعاتِ يُقاسُ بمقدارِ ما يَملِكون مِن أشياءَ، وغلَبَ التركيزُ على الجوانبِ والاحتياجاتِ المادِّيَّةِ التي يحتاجُها الفردُ والمجتمَعُ، وتَمَّ إغفالُ جانبِ الدِّينِ وجانبُ الرُّوح؛ وهذا ما جعَلَ الإنسانَ الغربيَّ يَعيشُ في حالةٍ مِن الشقاءِ النفسيِّ، والخَوَاءِ الرُّوحيِّ، والفسادِ الأخلاقيِّ، والتفكُّكِ الأُسَريِّ.

يقولُ أحدُ مفكِّري الغربِ «أَلِكْسِيس كارِيل» في كتابِهِ: «الإنسانُ ذلك المجهول» (ص 37- 42): «إن الحضارةَ العصريَّةَ تجدُ نفسَها في موقِفٍ صعبٍ؛ لأنها لا تلائِمُنا؛ فقد أُنشِئَتْ دون أيَّةِ معرفةٍ بطبيعتِنا الحقيقيَّة؛ إذْ إنما تولَّدت مِن خيالاتِ الاكتشافاتِ العلميَّة، وشهَواتِ الناسِ وأوهامِهم، ونظريَّاتِهم ورغَباتِهم، وعلى الرغمِ مِن أنها أُنشِئَتْ بمجهوداتِنا إلا أنها غيرُ صالحةٍ بالنسبةِ لحَجْمِنا وشَكْلِنا ...

ومِن ثَمَّ: فإن النظامَ الهائلَ الذي أحرَزَتْهُ علومُ الجمادِ على علومِ الحياةِ، هو إحدى الكوارثِ التي عانت منها الإنسانيَّةُ؛ فالبيئةُ التي ولَّدَتْها عقولُنا واختراعاتُنا غيرُ صالحةٍ لقومِنا، وغيرُ صالحةٍ لهيئتِنا، إننا قومٌ تُعَساءُ؛ لأننا ننحطُّ أخلاقيًّا وعقليًّا ...

إن مدنيَّتَنا مثلُ المدنيَّاتِ التي سبَقَتْها، أوجَدَتْ أحوالًا معيَّنةً للحياةِ، مِن شأنِها أن تَجعَلَ الحياةَ نفسَها مستحيلةً؛ وذلك لأسبابٍ ما تزالُ غامضةً؛ إن القلَقَ والهمومَ التي يُعاني منها سكَّانُ المُدُنِ العصريَّةِ تتولَّدُ عن نُظُمِهم السياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ والاجتماعيَّة؛ إننا ضَحَايا تأخُّرِ علومِ الحياةِ عن علومِ الجماد».

أما التشريعُ الإسلاميُّ في سعيِهِ للارتقاءِ بالأفرادِ والمجتمَعاتِ، فإنه يقومُ على منهجٍ شاملٍ ومتكامِلٍ، يُراعي الجوانبَ الإيمانيَّةَ والرُّوحيَّةَ والمعنويَّةَ التي يحتاجُها الإنسانُ، ويحتاجُها المجتمَعُ؛ كما يُراعي الجوانبَ المادِّيَّةَ للمجتمَعِ؛ فهو النظامُ الأصلَحُ للبشَريَّةِ جمعاءَ؛ إذا تَمَّ تطبيقُهُ في حياةِ الناس.

الوجهُ الثالثُ: الامتثالُ والتطبيقُ للقوانينِ والأنظمةِ في المجتمَعاتِ الغربيَّةِ، يعتمِدُ - بشكلٍ كبيرٍ - على صَرامةِ القانونِ، والإجراءاتِ القويَّةِ التي تقومُ بها الأجهزةُ الأمنيَّةُ؛ مِن متابَعةٍ ومراقَبةٍ بالكاميراتِ والأجهزةِ الحديثة، وبمجرَّدِ حصولِ ضعفٍ أو خللٍ في تلك الإجراءاتِ أو الأجهزةِ، يتكشَّفُ زَيْفُ الحضارةِ الغربيَّة، وتجدُ الناسَ في حالةٍ مِن الفَوْضى، وتنتشِرُ السرقاتُ والنهبُ والقتلُ، وغيرُها مِن الجرائمِ والشرور، كما يحاوِلُ المجرِمون الاحتيالَ بشتَّى الطرُقِ على تلك الأنظمةِ حتى يمارِسوا الجريمةَ.

وتدُلُّ الإحصاءاتُ الكبيرةُ لانتشارِ معدَّلاتِ الجريمةِ في دُوَلِ العالَمِ، على انتشارِ الجريمةِ في الدُّوَلِ غيرِ الإسلاميَّةِ أكثرَ بكثيرٍ، مقارَنةً بالدولِ الإسلاميَّة؛ حيثُ تصدَّرت دُوَلٌ تُوصَفُ بالمتقدِّمةِ في مؤشِّرِ الجريمةِ العالَميِّ لسنةِ (2020م)، الذي تُصدِرُهُ قاعدةُ البياناتِ العالَميَّةِ «نامبيو numbeo»، وتَقيسُ معدَّلَ الجريمةِ بصورةٍ نصفِ سنَويَّةٍ لأكثرِ دولِ العالَم.

ويعتمِدُ مؤشِّرُ الجريمةِ على معاييرَ كثيرةٍ؛ كجرائمِ القتلِ والسرقة، والسَّطْوِ والاغتصاب، وتعاطي المخدِّراتِ، وغيرِها مِن الجرائمِ والشرور؛ حيثُ تصدَّرت دولةُ فِنْزْوِيلَّا الدولَ الأكثرَ جريمةً في العالَم، وكان ترتيبُ الوِلاياتِ المتَّحِدةِ الأمريكيَّةِ رَقْمَ: (50)، والسويدِ: (51)، وفرنسا: (52)، وبريطانيا: (64)، بينما كان ترتيبُ عددٍ مِن الدُّوَلِ الإسلاميَّةِ في مراتبَ متأخِّرةٍ مِن المؤشِّر؛ فكان ترتيبُ المملكةِ العربيَّةِ السعوديةِ رَقْمَ: (113)، وعُمَانَ: (129).

وهذا يؤكِّدُ أن تشريعاتِ ونُظُمَ وقوانينَ تلك الدولِ الموسومةِ بالمتقدِّمةِ والناجحةِ، لم تستطِعْ أن تَحمِيَ الإنسانَ وتُسعِدَه، وتَصعَدَ برُوحِهِ وترتقِيَ بحياتِه.

بينما دينُ الإسلامِ يتضمَّنُ مبادئَ وتوجيهاتٍ تنمِّي جانبَ الوازعِ الدينيِّ في نفوسِ أفرادِ المجتمَع، والذي يُعَدُّ واقيًا بإذنِ اللهِ تعالى مِن الانحرافِ والوقوعِ في الجريمة؛ حيثُ تُعَدُّ التقوى ومراقَبةُ اللهِ تعالى عاملًا رئيسًا في تحقيقِ الرقابةِ الذاتيَّةِ، التي تَمنَعُ أفرادَ المجتمَعِ المسلِمِ مِن الوقوعِ في الأخطاءِ والجرائمِ، والتسبُّبِ في المشكِلاتِ التي تضُرُّ المجتمَعَ؛ لأن المسلِمَ الحقَّ يراقِبُ اللهَ تعالى في جميعِ أحوالِه؛ فهو يستشعِرُ قولَ اللهِ تعالى:

{إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}

[النساء: 1]

، وما جاء مِن توجيهاتٍ مِن الرسولِ الكريمِ ﷺ القائلِ:

«اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»؛

رواه التِّرمِذيّ (1987).

ولا يُفهَمُ أن الوازعَ يَكْفي لمنعِ الجريمةِ؛ فالعقوبةُ لا بدَّ منها، والوازعُ لا يُمكِنُ أن يتحقَّقَ في المجتمَعِ كلِّه؛ فلا بدَّ مِن وجودِ أشخاصٍ لا يرُدُّهم الوازعُ، فيحتاجون لعقوبةٍ، والشريعةُ الكاملةُ جاءت بهذا وهذا.

الوجهُ الرابعُ: الأمَّةُ الإسلاميَّةُ لمَّا كانت متمسِّكةً بدِينِها في صدرِ الإسلام، كان لها العِزَّةُ والتمكينُ، والقوَّةُ والتفوُّقُ في جميعِ نواحي الحياة، وأقام المسلِمون حضارةً عظيمةً ورائدةً، استفادت منها كافَّةُ الأُمَمِ في ذلك الزمَنِ وما بعده.

وشَهِدَتْ بلدانُ المسلِمين ازدهارًا حضاريًّا عظيمًا، وتنميةً متقدِّمةً على مستوى ذلك العصر، وأصبَحَتِ الدُّوَلُ الأُورُبِّيَّةُ تُرسِلُ البَعَثاتِ العلميَّةَ إلى الأندلُسِ وغيرِها مِن أقطارِ العالَمِ الإسلاميِّ؛ لاكتسابِ العلومِ والمعارفِ والخِبْرات.

وكلُّ ذلك يعودُ بدرَجةٍ كبيرةٍ إلى ما جاء به الإسلامُ مِن المبادئِ والقِيَمِ، والأخلاقِ والسلوكيَّاتِ، والأحكامِ الشرعيَّةِ، التي حثَّت عليها نصوصُ الكتابِ والسنَّةِ، والتي استنبَطَها علماءُ المسلِمين ووضَّحوها، وطبَّقها المسلِمون في حياتِهم.

يقولُ المؤرِّخُ الأمريكيُّ «دِيُورانْت»، في كتابِهِ «قِصَّةِ الحضارة» (13/133): «انتشَرتِ العقائدُ والعباداتُ الإسلاميَّة، وآمَنَ السكَّانُ بالدِّينِ الجديد، وأخلَصوا له واستمسَكوا بأصولِهِ إخلاصًا واستمساكًا أنساهم بعد وقتٍ قصيرٍ آلِهَتَهُمُ القُدَامى، واستحوَذَ الدينُ الإسلاميُّ على قلوبِ مئاتِ الشعوبِ في البلادِ الممتدَّةِ مِن الصِّينِ، وإندُونِيسْيا، والهِندِ، إلى فارسَ، والشامِ، وجزيرةِ العرَبِ، ومِصرَ، وإلى مَرَّاكُشَ، والأندلُسِ، وتملَّك خيالَهم، وسيطَرَ على أخلاقِهم، وصاغ حياتَهم، وبعَثَ فيهم آمالًا تخفِّفُ عنهم بؤسَ الحياةِ ومتاعبَها، وأَوْحى إليهِمُ العزَّةَ والأنَفةَ، حتى بلَغَ عددُ مَن يعتنِقونه ويعتزُّون به في هذه الأيامِ نحوَ ثلاثِ مئةٍ وخمسينَ مليونًا مِن الأنفُس، يوحِّدُ هذا الدينُ بينهم، ويؤلِّفُ قلوبَهم مهما يكن بينهم مِن الاختلافاتِ والفروقِ السياسيَّة».

الوجهُ الخامسُ: ما تَشهَدُهُ عددٌ مِن بلدانِ المسلِمين مِن تراجُعٍ وتخلُّفٍ في العصرِ الحاضرِ، يعودُ لعواملَ وأسبابٍ كثيرة:

ومِن أهمِّ تلك الأسبابِ: بُعْدُ المسلِمين عن دِينِ الإسلام، وعدمُ التمسُّكِ به، وعدمُ تطبيقِهِ في الكثيرِ مِن نواحي الحياةِ على مستوى الأفرادِ والمجتمَعات.

 ومِن الأسبابِ كذلك: عدمُ الأخذِ بأسبابِ الحياةِ التي حَثَّ عليها الإسلامُ، وأمَرَ بها؛ فحصَلَ إهمالٌ للتعليمِ والبحث، وإهمالٌ في الأخذِ بالنُّظُمِ الإداريَّةِ؛ كالتخطيطِ والتنظيمِ والجَوْدة، وضعفٌ في مجالِ التصنيعِ والتِّقْنيَةِ، وغيرِ ذلك.

فالمشكِلةُ ليست في الإسلامِ، وإنما في المسلِمين الذين تَخَلَّوْا عن دينِهم، ولم يأخُذوا بالأسبابِ التي تَجعَلُهم يتقدَّمون في سُلَّمِ الحياة.

كما أن نجاحَ بعضِ النُّظُمِ المعاصِرةِ في دُنْياها أمرٌ طبيعيٌّ، وليس في الشرعِ ما يَنْفي هذا؛ فمَن أقام الدنيا على العدلِ، وبذَلَ أسبابَ القوَّةِ، تحصَّلتْ له ولو كان بعيدًا عن الله؛ لأن النجاحَ في الآخِرةِ ليس مرتبِطًا بالنجاحِ في الدنيا؛ فمَن يترُكُ التشريعَ الإسلاميَّ، لا نقولُ عنه: «إن دنياهُ ستضيعُ»؛ إذا أخَذَ بأسبابِ الدنيا، حتى يُعترَضَ بأن مِن النُّظُمِ مَن أحسَنَتْ قيامَ دنياها، لكنَّ مَن يترُكُ التشريعَ الإسلاميَّ، سيَخسَرُ آخرتَهُ حتمًا، كما سيَخسَرُ ما في الاحتكامِ إلى الدِّينِ مِن قِيَمٍ وأخلاقٍ، ومنظوماتٍ تشريعيَّةٍ فاضلةٍ، وكمالٍ دنيويّ.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

السائلُ يَرَى أنه ليس هنالك أيَّةُ مَزِيَّةٍ للتشريعِ الإسلاميِّ؛ بدليلِ أن هنالك دُوَلًا استطاعت أن تَنجَحَ وتتقدَّمَ وتتطوَّرَ، وهي بعيدةٌ عن الإسلام.

 كما أن هذه الشبهةَ يُورِدُها مَن يشكِّكُ في الإسلام، ويَرَى أنه سببُ تراجُعِ وتخلُّفِ المسلِمين، وأن على المسلِمين أن يأخُذوا بأفكارِ الغرب، إذا أرادوا اللَّحَاقَ بهم في التطوُّرِ والتقدُّم.

مختصَرُ الإجابة:

التشريعُ الإسلاميُّ هو المنهجُ الربَّانيُّ مِن الخالقِ سبحانه، الذي خلَقَ الإنسانَ، ويَعلَمُ ما يُصلِحُه، وما يُسعِدُه، وما الذي يَجعَلُ حياتَهُ تَسيرُ بشكلٍ أفضلَ؛ فلا نهضةَ ولا سعادةَ حقيقيَّةً للبشَريَّةِ دون تعاليمِ الإسلامِ الحَنِيف.

والأمَّةُ الإسلاميَّةُ لمَّا كانت متمسِّكةً بدِينِها في صدرِ الإسلامِ، كان لها العِزَّةُ والتمكينُ، والقوَّةُ والتفوُّقُ في جميعِ نواحي الحياة، وأقام المسلِمون حضارةً عظيمةً ورائدةً، استفادت منها كافَّةُ الأُمَمِ في ذلك الزمَنِ وما بعده.

صحيحٌ أن هنالك عددًا مِن الدُّوَلِ في الغربِ والشرقِ في العصرِ الحاضرِ، استطاعت التقدُّمَ في مجالاتٍ عدَّةٍ، مِن خلالِ ما وضَعتْهُ لنفسِها مِن نُظُمٍ وقوانينَ، ولكنْ غلَبَ على ذلك التقدُّمِ: الجانبُ المادِّيُّ، وتَمَّ إغفالُ جانبِ الدِّينِ وجانبُ الرُّوح؛ وهذا ما جعَلَ الإنسانَ الغربيَّ يَعيشُ في حالةٍ مِن الشقاءِ النفسيِّ، والخَوَاءِ الرُّوحيِّ، والفسادِ الأخلاقيِّ، والتفكُّكِ الأُسَريِّ، وانتشارِ وارتفاعِ معدَّلاتِ الجريمة؛ كجرائمِ القتلِ والسرقة، والسطوِ والاغتصاب، وتعاطي المخدِّراتِ، وغيرِها مِن الجرائمِ والشرور؛ فلم تستطِعْ تلك النُّظُمُ والقوانينُ أن تَحمِيَ الإنسانَ وتُسعِدَه، وتَصعَدَ برُوحِه، وترتقِيَ بحياتِه.

ثم غالبُ ما كان سببَ نجاحِهم الدُّنيَويِّ: هو مشروعٌ ومأمورٌ به في شريعةِ الإسلامِ بأحسنِ نظام، وما كان سببَ ضياعِهم، فهو منهيٌّ عنه في شريعةِ الإسلامِ بأحسنِ نظام.

ولذلك فإن ما تَشهَدُهُ عددٌ مِن بلدانِ المسلِمين مِن تراجُعٍ وتخلُّفٍ في العصرِ الحاضرِ، يعودُ لأسبابٍ كثيرة، ومِن أهمِّها: بُعْدُ المسلِمين عن دِينِ الإسلام، وعدمُ التمسُّكِ به، وعدمُ تطبيقِهِ في الكثيرِ مِن نواحي الحياةِ على مستوى الأفرادِ والمجتمَعات، وكذلك: عدمُ الأخذِ بأسبابِ الحياةِ التي حَثَّ عليها الإسلامُ، وأمَرَ بها؛ فحصَلَ إهمالٌ للتعليمِ والبحث، وإهمالٌ في الأخذِ بالنُّظُمِ الإداريَّةِ؛ كالتخطيطِ والتنظيمِ والجَوْدة، وضعفٌ في مجالِ التصنيعِ والتِّقْنيَةِ، وغيرِ ذلك؛ فالمشكِلةُ ليست في الإسلامِ، وإنما في المسلِمين الذين تَخَلَّوْا عن دينِهم، ولم يأخُذوا بالأسبابِ التي تَجعَلُهم يتقدَّمون في سُلَّمِ الحياة.

خاتمة الجواب

الإسلامُ - بما تضمَّنه مِن عقيدةٍ وشريعة، ومبادئَ وأخلاقٍ - هو المنهجُ والتشريعُ الوحيدُ الذي يَضمَنُ للبشَريَّةِ جميعًا السعادةَ والتقدُّمَ والازدهارَ، في كافَّةِ مجالاتِ الحياة؛ فهو التشريعُ الحقُّ مِن الإلهِ الخالقِ سبحانه.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (209)، (262).

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

السائلُ يَرَى أنه ليس هنالك أيَّةُ مَزِيَّةٍ للتشريعِ الإسلاميِّ؛ بدليلِ أن هنالك دُوَلًا استطاعت أن تَنجَحَ وتتقدَّمَ وتتطوَّرَ، وهي بعيدةٌ عن الإسلام.

 كما أن هذه الشبهةَ يُورِدُها مَن يشكِّكُ في الإسلام، ويَرَى أنه سببُ تراجُعِ وتخلُّفِ المسلِمين، وأن على المسلِمين أن يأخُذوا بأفكارِ الغرب، إذا أرادوا اللَّحَاقَ بهم في التطوُّرِ والتقدُّم.

مختصَرُ الإجابة:

التشريعُ الإسلاميُّ هو المنهجُ الربَّانيُّ مِن الخالقِ سبحانه، الذي خلَقَ الإنسانَ، ويَعلَمُ ما يُصلِحُه، وما يُسعِدُه، وما الذي يَجعَلُ حياتَهُ تَسيرُ بشكلٍ أفضلَ؛ فلا نهضةَ ولا سعادةَ حقيقيَّةً للبشَريَّةِ دون تعاليمِ الإسلامِ الحَنِيف.

والأمَّةُ الإسلاميَّةُ لمَّا كانت متمسِّكةً بدِينِها في صدرِ الإسلامِ، كان لها العِزَّةُ والتمكينُ، والقوَّةُ والتفوُّقُ في جميعِ نواحي الحياة، وأقام المسلِمون حضارةً عظيمةً ورائدةً، استفادت منها كافَّةُ الأُمَمِ في ذلك الزمَنِ وما بعده.

صحيحٌ أن هنالك عددًا مِن الدُّوَلِ في الغربِ والشرقِ في العصرِ الحاضرِ، استطاعت التقدُّمَ في مجالاتٍ عدَّةٍ، مِن خلالِ ما وضَعتْهُ لنفسِها مِن نُظُمٍ وقوانينَ، ولكنْ غلَبَ على ذلك التقدُّمِ: الجانبُ المادِّيُّ، وتَمَّ إغفالُ جانبِ الدِّينِ وجانبُ الرُّوح؛ وهذا ما جعَلَ الإنسانَ الغربيَّ يَعيشُ في حالةٍ مِن الشقاءِ النفسيِّ، والخَوَاءِ الرُّوحيِّ، والفسادِ الأخلاقيِّ، والتفكُّكِ الأُسَريِّ، وانتشارِ وارتفاعِ معدَّلاتِ الجريمة؛ كجرائمِ القتلِ والسرقة، والسطوِ والاغتصاب، وتعاطي المخدِّراتِ، وغيرِها مِن الجرائمِ والشرور؛ فلم تستطِعْ تلك النُّظُمُ والقوانينُ أن تَحمِيَ الإنسانَ وتُسعِدَه، وتَصعَدَ برُوحِه، وترتقِيَ بحياتِه.

ثم غالبُ ما كان سببَ نجاحِهم الدُّنيَويِّ: هو مشروعٌ ومأمورٌ به في شريعةِ الإسلامِ بأحسنِ نظام، وما كان سببَ ضياعِهم، فهو منهيٌّ عنه في شريعةِ الإسلامِ بأحسنِ نظام.

ولذلك فإن ما تَشهَدُهُ عددٌ مِن بلدانِ المسلِمين مِن تراجُعٍ وتخلُّفٍ في العصرِ الحاضرِ، يعودُ لأسبابٍ كثيرة، ومِن أهمِّها: بُعْدُ المسلِمين عن دِينِ الإسلام، وعدمُ التمسُّكِ به، وعدمُ تطبيقِهِ في الكثيرِ مِن نواحي الحياةِ على مستوى الأفرادِ والمجتمَعات، وكذلك: عدمُ الأخذِ بأسبابِ الحياةِ التي حَثَّ عليها الإسلامُ، وأمَرَ بها؛ فحصَلَ إهمالٌ للتعليمِ والبحث، وإهمالٌ في الأخذِ بالنُّظُمِ الإداريَّةِ؛ كالتخطيطِ والتنظيمِ والجَوْدة، وضعفٌ في مجالِ التصنيعِ والتِّقْنيَةِ، وغيرِ ذلك؛ فالمشكِلةُ ليست في الإسلامِ، وإنما في المسلِمين الذين تَخَلَّوْا عن دينِهم، ولم يأخُذوا بالأسبابِ التي تَجعَلُهم يتقدَّمون في سُلَّمِ الحياة.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

يدَّعي بعضُ الناسِ: أنْ ليس للتشريعِ الإسلاميِّ أيَّةُ مَزِيَّةٍ على غيرِهِ مِن القوانينِ والنُّظُمِ؛ بدليلِ أن هنالك دُوَلًا استطاعت أن تَنجَحَ وتتقدَّمَ وتتطوَّرَ، وهي بعيدةٌ عن الإسلام.

كما يدَّعي آخَرون: أن سببَ تخلُّفِ المسلِمينَ وتراجُعِهمُ اليومَ: هو تمسُّكُهم بالإسلام، وأن الغربَ لما تخَلَّوْا عن الدِّينِ، وتحرَّروا منه، وصَلوا إلى ما وصَلوا إليه مِن التقدُّمِ الحضاريّ.

والإجابةُ عن هذه الشبهةِ مِن أوجُهٍ عدَّة:

الوجهُ الأوَّلُ: التشريعُ الإسلاميُّ هو المنهجُ الربَّانيُّ مِن الخالقِ سبحانه، الذي خلَقَ الإنسانَ، ويَعلَمُ ما يُصلِحُه، وما يُسعِدُ حياتَه؛ قال تعالى:

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}

[الملك: 14]؛

فلا سعادةَ، ولا رُقِيَّ للإنسانِ، ولا تقدُّمَ لحياتِهِ؛ إذا ابتعَدَ عن منهجِ وتشريعِ الخالقِ سبحانه.

مثالُ ذلك مِن حياتِنا اليوميَّةِ: عندما نقومُ بشراءِ جِهازٍ كَهرَبائيٍّ، ونُريدُ أن نستخدِمَهُ بطريقةٍ صحيحةٍ وسليمة؛ فإننا نَقرَأُ في كُتيِّبِ الإرشاداتِ (الكَتَالُوج)، الذي يأتي مع الجِهازِ، والذي يوضِّحُ مواصفاتِ الجِهازِ، وطريقةَ استعمالِه.

لأننا نُدرِكُ في قَرَارةِ أنفُسِنا أن كلَّ صانعٍ يَعلَمُ أسرارَ صَنعَتِه، وهو الخبيرُ الذي يُعْطينا التوجيهاتِ الصحيحةَ لاستخدامِ ذلك الشيءِ المصنوع.

فما بالُنا بالخالقِ العظيمِ سبحانه وتعالى، الذي خلَقَ الإنسانَ، وأوجَدهُ في هذه الحياةِ؛ فهو العليمُ بالأحكامِ والتشريعاتِ والنُّظُمِ التي تَجعَلُ حياةَ الإنسانِ تَسيرُ بشكلٍ أفضلَ.

فالتشريعُ الإسلاميُّ نظامٌ شاملٌ، وشريعةٌ إلهيَّةٌ عادلةٌ، منزَّلةٌ ممَّن خلَقَ الإنسانَ، ويَعلَمُ أحوالَهُ؛ فلا نهضةَ ولا سعادةَ حقيقيَّةً للبشَريَّةِ دون تعاليمِ الإسلامِ الحَنِيف، ولا تطوُّرَ شاملًا ومتكامِلًا بعيدًا عن توجيهاتِهِ الربَّانيَّة.

الوجهُ الثاني: نحن نتَّفِقُ أن عددًا مِن الدُّوَلِ في الغربِ والشرقِ، استطاعت التقدُّمَ في مجالاتٍ عدَّةٍ، مِن خلالِ ما وضَعتْهُ لنفسِها مِن نُظُمٍ وقوانينَ، ولكنَّ ذلك التقدُّمَ انحصَرَ في جوانبَ معيَّنةٍ غلَبَ عليها المادِّيَّةُ، وأصبَحَ مِقْياسُ التقدُّمِ وسعادةِ البشَرِ في ثقافةِ تلك المجتمَعاتِ يُقاسُ بمقدارِ ما يَملِكون مِن أشياءَ، وغلَبَ التركيزُ على الجوانبِ والاحتياجاتِ المادِّيَّةِ التي يحتاجُها الفردُ والمجتمَعُ، وتَمَّ إغفالُ جانبِ الدِّينِ وجانبُ الرُّوح؛ وهذا ما جعَلَ الإنسانَ الغربيَّ يَعيشُ في حالةٍ مِن الشقاءِ النفسيِّ، والخَوَاءِ الرُّوحيِّ، والفسادِ الأخلاقيِّ، والتفكُّكِ الأُسَريِّ.

يقولُ أحدُ مفكِّري الغربِ «أَلِكْسِيس كارِيل» في كتابِهِ: «الإنسانُ ذلك المجهول» (ص 37- 42): «إن الحضارةَ العصريَّةَ تجدُ نفسَها في موقِفٍ صعبٍ؛ لأنها لا تلائِمُنا؛ فقد أُنشِئَتْ دون أيَّةِ معرفةٍ بطبيعتِنا الحقيقيَّة؛ إذْ إنما تولَّدت مِن خيالاتِ الاكتشافاتِ العلميَّة، وشهَواتِ الناسِ وأوهامِهم، ونظريَّاتِهم ورغَباتِهم، وعلى الرغمِ مِن أنها أُنشِئَتْ بمجهوداتِنا إلا أنها غيرُ صالحةٍ بالنسبةِ لحَجْمِنا وشَكْلِنا ...

ومِن ثَمَّ: فإن النظامَ الهائلَ الذي أحرَزَتْهُ علومُ الجمادِ على علومِ الحياةِ، هو إحدى الكوارثِ التي عانت منها الإنسانيَّةُ؛ فالبيئةُ التي ولَّدَتْها عقولُنا واختراعاتُنا غيرُ صالحةٍ لقومِنا، وغيرُ صالحةٍ لهيئتِنا، إننا قومٌ تُعَساءُ؛ لأننا ننحطُّ أخلاقيًّا وعقليًّا ...

إن مدنيَّتَنا مثلُ المدنيَّاتِ التي سبَقَتْها، أوجَدَتْ أحوالًا معيَّنةً للحياةِ، مِن شأنِها أن تَجعَلَ الحياةَ نفسَها مستحيلةً؛ وذلك لأسبابٍ ما تزالُ غامضةً؛ إن القلَقَ والهمومَ التي يُعاني منها سكَّانُ المُدُنِ العصريَّةِ تتولَّدُ عن نُظُمِهم السياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ والاجتماعيَّة؛ إننا ضَحَايا تأخُّرِ علومِ الحياةِ عن علومِ الجماد».

أما التشريعُ الإسلاميُّ في سعيِهِ للارتقاءِ بالأفرادِ والمجتمَعاتِ، فإنه يقومُ على منهجٍ شاملٍ ومتكامِلٍ، يُراعي الجوانبَ الإيمانيَّةَ والرُّوحيَّةَ والمعنويَّةَ التي يحتاجُها الإنسانُ، ويحتاجُها المجتمَعُ؛ كما يُراعي الجوانبَ المادِّيَّةَ للمجتمَعِ؛ فهو النظامُ الأصلَحُ للبشَريَّةِ جمعاءَ؛ إذا تَمَّ تطبيقُهُ في حياةِ الناس.

الوجهُ الثالثُ: الامتثالُ والتطبيقُ للقوانينِ والأنظمةِ في المجتمَعاتِ الغربيَّةِ، يعتمِدُ - بشكلٍ كبيرٍ - على صَرامةِ القانونِ، والإجراءاتِ القويَّةِ التي تقومُ بها الأجهزةُ الأمنيَّةُ؛ مِن متابَعةٍ ومراقَبةٍ بالكاميراتِ والأجهزةِ الحديثة، وبمجرَّدِ حصولِ ضعفٍ أو خللٍ في تلك الإجراءاتِ أو الأجهزةِ، يتكشَّفُ زَيْفُ الحضارةِ الغربيَّة، وتجدُ الناسَ في حالةٍ مِن الفَوْضى، وتنتشِرُ السرقاتُ والنهبُ والقتلُ، وغيرُها مِن الجرائمِ والشرور، كما يحاوِلُ المجرِمون الاحتيالَ بشتَّى الطرُقِ على تلك الأنظمةِ حتى يمارِسوا الجريمةَ.

وتدُلُّ الإحصاءاتُ الكبيرةُ لانتشارِ معدَّلاتِ الجريمةِ في دُوَلِ العالَمِ، على انتشارِ الجريمةِ في الدُّوَلِ غيرِ الإسلاميَّةِ أكثرَ بكثيرٍ، مقارَنةً بالدولِ الإسلاميَّة؛ حيثُ تصدَّرت دُوَلٌ تُوصَفُ بالمتقدِّمةِ في مؤشِّرِ الجريمةِ العالَميِّ لسنةِ (2020م)، الذي تُصدِرُهُ قاعدةُ البياناتِ العالَميَّةِ «نامبيو numbeo»، وتَقيسُ معدَّلَ الجريمةِ بصورةٍ نصفِ سنَويَّةٍ لأكثرِ دولِ العالَم.

ويعتمِدُ مؤشِّرُ الجريمةِ على معاييرَ كثيرةٍ؛ كجرائمِ القتلِ والسرقة، والسَّطْوِ والاغتصاب، وتعاطي المخدِّراتِ، وغيرِها مِن الجرائمِ والشرور؛ حيثُ تصدَّرت دولةُ فِنْزْوِيلَّا الدولَ الأكثرَ جريمةً في العالَم، وكان ترتيبُ الوِلاياتِ المتَّحِدةِ الأمريكيَّةِ رَقْمَ: (50)، والسويدِ: (51)، وفرنسا: (52)، وبريطانيا: (64)، بينما كان ترتيبُ عددٍ مِن الدُّوَلِ الإسلاميَّةِ في مراتبَ متأخِّرةٍ مِن المؤشِّر؛ فكان ترتيبُ المملكةِ العربيَّةِ السعوديةِ رَقْمَ: (113)، وعُمَانَ: (129).

وهذا يؤكِّدُ أن تشريعاتِ ونُظُمَ وقوانينَ تلك الدولِ الموسومةِ بالمتقدِّمةِ والناجحةِ، لم تستطِعْ أن تَحمِيَ الإنسانَ وتُسعِدَه، وتَصعَدَ برُوحِهِ وترتقِيَ بحياتِه.

بينما دينُ الإسلامِ يتضمَّنُ مبادئَ وتوجيهاتٍ تنمِّي جانبَ الوازعِ الدينيِّ في نفوسِ أفرادِ المجتمَع، والذي يُعَدُّ واقيًا بإذنِ اللهِ تعالى مِن الانحرافِ والوقوعِ في الجريمة؛ حيثُ تُعَدُّ التقوى ومراقَبةُ اللهِ تعالى عاملًا رئيسًا في تحقيقِ الرقابةِ الذاتيَّةِ، التي تَمنَعُ أفرادَ المجتمَعِ المسلِمِ مِن الوقوعِ في الأخطاءِ والجرائمِ، والتسبُّبِ في المشكِلاتِ التي تضُرُّ المجتمَعَ؛ لأن المسلِمَ الحقَّ يراقِبُ اللهَ تعالى في جميعِ أحوالِه؛ فهو يستشعِرُ قولَ اللهِ تعالى:

{إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}

[النساء: 1]

، وما جاء مِن توجيهاتٍ مِن الرسولِ الكريمِ ﷺ القائلِ:

«اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»؛

رواه التِّرمِذيّ (1987).

ولا يُفهَمُ أن الوازعَ يَكْفي لمنعِ الجريمةِ؛ فالعقوبةُ لا بدَّ منها، والوازعُ لا يُمكِنُ أن يتحقَّقَ في المجتمَعِ كلِّه؛ فلا بدَّ مِن وجودِ أشخاصٍ لا يرُدُّهم الوازعُ، فيحتاجون لعقوبةٍ، والشريعةُ الكاملةُ جاءت بهذا وهذا.

الوجهُ الرابعُ: الأمَّةُ الإسلاميَّةُ لمَّا كانت متمسِّكةً بدِينِها في صدرِ الإسلام، كان لها العِزَّةُ والتمكينُ، والقوَّةُ والتفوُّقُ في جميعِ نواحي الحياة، وأقام المسلِمون حضارةً عظيمةً ورائدةً، استفادت منها كافَّةُ الأُمَمِ في ذلك الزمَنِ وما بعده.

وشَهِدَتْ بلدانُ المسلِمين ازدهارًا حضاريًّا عظيمًا، وتنميةً متقدِّمةً على مستوى ذلك العصر، وأصبَحَتِ الدُّوَلُ الأُورُبِّيَّةُ تُرسِلُ البَعَثاتِ العلميَّةَ إلى الأندلُسِ وغيرِها مِن أقطارِ العالَمِ الإسلاميِّ؛ لاكتسابِ العلومِ والمعارفِ والخِبْرات.

وكلُّ ذلك يعودُ بدرَجةٍ كبيرةٍ إلى ما جاء به الإسلامُ مِن المبادئِ والقِيَمِ، والأخلاقِ والسلوكيَّاتِ، والأحكامِ الشرعيَّةِ، التي حثَّت عليها نصوصُ الكتابِ والسنَّةِ، والتي استنبَطَها علماءُ المسلِمين ووضَّحوها، وطبَّقها المسلِمون في حياتِهم.

يقولُ المؤرِّخُ الأمريكيُّ «دِيُورانْت»، في كتابِهِ «قِصَّةِ الحضارة» (13/133): «انتشَرتِ العقائدُ والعباداتُ الإسلاميَّة، وآمَنَ السكَّانُ بالدِّينِ الجديد، وأخلَصوا له واستمسَكوا بأصولِهِ إخلاصًا واستمساكًا أنساهم بعد وقتٍ قصيرٍ آلِهَتَهُمُ القُدَامى، واستحوَذَ الدينُ الإسلاميُّ على قلوبِ مئاتِ الشعوبِ في البلادِ الممتدَّةِ مِن الصِّينِ، وإندُونِيسْيا، والهِندِ، إلى فارسَ، والشامِ، وجزيرةِ العرَبِ، ومِصرَ، وإلى مَرَّاكُشَ، والأندلُسِ، وتملَّك خيالَهم، وسيطَرَ على أخلاقِهم، وصاغ حياتَهم، وبعَثَ فيهم آمالًا تخفِّفُ عنهم بؤسَ الحياةِ ومتاعبَها، وأَوْحى إليهِمُ العزَّةَ والأنَفةَ، حتى بلَغَ عددُ مَن يعتنِقونه ويعتزُّون به في هذه الأيامِ نحوَ ثلاثِ مئةٍ وخمسينَ مليونًا مِن الأنفُس، يوحِّدُ هذا الدينُ بينهم، ويؤلِّفُ قلوبَهم مهما يكن بينهم مِن الاختلافاتِ والفروقِ السياسيَّة».

الوجهُ الخامسُ: ما تَشهَدُهُ عددٌ مِن بلدانِ المسلِمين مِن تراجُعٍ وتخلُّفٍ في العصرِ الحاضرِ، يعودُ لعواملَ وأسبابٍ كثيرة:

ومِن أهمِّ تلك الأسبابِ: بُعْدُ المسلِمين عن دِينِ الإسلام، وعدمُ التمسُّكِ به، وعدمُ تطبيقِهِ في الكثيرِ مِن نواحي الحياةِ على مستوى الأفرادِ والمجتمَعات.

 ومِن الأسبابِ كذلك: عدمُ الأخذِ بأسبابِ الحياةِ التي حَثَّ عليها الإسلامُ، وأمَرَ بها؛ فحصَلَ إهمالٌ للتعليمِ والبحث، وإهمالٌ في الأخذِ بالنُّظُمِ الإداريَّةِ؛ كالتخطيطِ والتنظيمِ والجَوْدة، وضعفٌ في مجالِ التصنيعِ والتِّقْنيَةِ، وغيرِ ذلك.

فالمشكِلةُ ليست في الإسلامِ، وإنما في المسلِمين الذين تَخَلَّوْا عن دينِهم، ولم يأخُذوا بالأسبابِ التي تَجعَلُهم يتقدَّمون في سُلَّمِ الحياة.

كما أن نجاحَ بعضِ النُّظُمِ المعاصِرةِ في دُنْياها أمرٌ طبيعيٌّ، وليس في الشرعِ ما يَنْفي هذا؛ فمَن أقام الدنيا على العدلِ، وبذَلَ أسبابَ القوَّةِ، تحصَّلتْ له ولو كان بعيدًا عن الله؛ لأن النجاحَ في الآخِرةِ ليس مرتبِطًا بالنجاحِ في الدنيا؛ فمَن يترُكُ التشريعَ الإسلاميَّ، لا نقولُ عنه: «إن دنياهُ ستضيعُ»؛ إذا أخَذَ بأسبابِ الدنيا، حتى يُعترَضَ بأن مِن النُّظُمِ مَن أحسَنَتْ قيامَ دنياها، لكنَّ مَن يترُكُ التشريعَ الإسلاميَّ، سيَخسَرُ آخرتَهُ حتمًا، كما سيَخسَرُ ما في الاحتكامِ إلى الدِّينِ مِن قِيَمٍ وأخلاقٍ، ومنظوماتٍ تشريعيَّةٍ فاضلةٍ، وكمالٍ دنيويّ.

خاتمة الجواب

الإسلامُ - بما تضمَّنه مِن عقيدةٍ وشريعة، ومبادئَ وأخلاقٍ - هو المنهجُ والتشريعُ الوحيدُ الذي يَضمَنُ للبشَريَّةِ جميعًا السعادةَ والتقدُّمَ والازدهارَ، في كافَّةِ مجالاتِ الحياة؛ فهو التشريعُ الحقُّ مِن الإلهِ الخالقِ سبحانه.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (209)، (262).