نص السؤال

أليست شرائعُ الإسلامِ صعبةً؛ بدليلِ عزوفِ كثيرٍ ممن يقتنِعُ بالإسلامِ عن الإسلام؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال


الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

هنالك مَن يدَّعي أن شرائعَ الإسلامِ صعبةٌ، وأن فيها مشقَّةً، ولا يستطيعُ الإنسانُ الداخلُ في الإسلامِ القيامَ بها.

والجوابُ على هذه الشبهةِ مِن عدَّةِ أوجُه:

الوجهُ الأوَّلُ: الإسلامُ هو دِينُ السماحةِ واليُسْرِ، بعَثَ اللهُ به نبيَّه محمَّدًا ﷺ إلى الناسِ كافَّةً في سائرِ الأرضِ؛ فمِن حكمةِ اللهِ تعالى: أنْ جعَلَ فيه مِن السماحةِ والتيسيرِ والمرونةِ ما يكونُ صالحًا لجميعِ البشَرِ في هذه الأرضِ، مِن أدناها إلى أقصاها، حتى يَضمَنَ مصالحَهم، وحتى يَشمَلَ ما يحتاجون إليه في مَعاشِهم ومَعادِهم، وحتى يُمكِنَهمُ القيامُ به، والسيرُ عليه؛ فقد اقتضَتْ حكمةُ اللهِ سبحانه أن يكونَ هذا الدينُ وشريعتُهُ سمحةً ميسَّرةً مناسِبةً لجميعِ الناسِ حتى يتمكَّنوا مِن أدائِها، والسيرِ عليها، والاستقامةِ عليها، والأخذِ بها في جميعِ الأحوال.

فالإسلامُ، وشريعتُهُ، وأحكامُهُ، ليس في أيٍّ منها حرَجٌ ولا مشقَّةٌ، ولا تكليفٌ بما لا يُطاقُ ولا يُستطاعُ مِن الأفعالِ؛

كما قال تعالى:

{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}

[الحج: 78]،

وقال تعالى:

{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

[البقرة: 286].

وفي الحديثِ عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ ﷺ، قال: 

«إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ؛ فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا»

؛ رواه البخاري (39).

الوجهُ الثاني: تميَّز الدينُ الإسلاميُّ - عن غيرِهِ مِن الأديانِ والعقائدِ - بوضوحِ العقيدةِ الإسلاميَّة، وسهولةِ الإيمانِ باللهِ تعالى؛ حيثُ أُمِرَ الناسُ بعبادةِ اللهِ وحده، وأنه الإلهُ الواحدُ الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكن له كُفُوًا أحدٌ، بيدِهِ مَلَكوتُ السمواتِ والأرضِ، لا معبودَ سواهُ، وأنه لا وساطةَ بين العبادِ وخالِقِهم، ولا شركاءَ معه؛ فليس في العقيدةِ الإسلاميَّةِ ألغازٌ لا يَعرِفُها إلا فئةٌ مِن الأحبارِ والرهبانِ، وليس فيها غموضٌ كما في العقائدِ الأخرى مِن تجزئةِ الواحدِ إلى ثلاثةٍ، وليس فيها استهانةٌ بالعقلِ الإنسانيِّ ليعبُدَ أحجارًا وأشخاصًا وحيواناتٍ؛ كما في البُوذيَّةِ وغيرِها، وإنما هي عقيدةٌ في غايةٍ مِن اليسرِ والسماحة.

الوجهُ الثالثُ: مِن يُسْرِ الإسلامِ، وسماحةِ شريعتِهِ: أن العباداتِ الشرعيَّةَ الواجبةَ على المسلِمِ تُعَدُّ ميسورةً ومقدورًا عليها، ولا تتطلَّبُ جهدًا ووقتًا كبيرًا يشُقُّ على الإنسانِ؛ فلا تَخْلو فريضةٌ مِن الفرائضِ، ولا شعيرةٌ مِن الشعائرِ مِن اليُسْرِ؛ مما يَجعَلُ الإنسانَ قادرًا على تطبيقِها والقيامِ بها؛ فالصلواتُ الواجبةُ على المسلِمِ في اليومِ والليلةِ خمسُ صَلَواتٍ، يُمكِنُ أن يؤدِّيَها المسلِمُ في أيِّ مكانٍ مناسِبٍ، ولا تتطلَّبُ وقتًا كبيرًا للاستعدادِ لها والقيامِ بها، والزكاةُ خفيفةٌ ميسَّرةٌ في أموالٍ معيَّنةٍ على القادرِ المستطيعِ الذي يَملِكُ المالَ الذي يبلُغُ النِّصابَ، ومِقْدارُ ما يُخرَجُ مِن ذلك المالِ يسيرٌ، والصومُ الواجبُ هو شهرٌ واحدٌ فقطْ في السَّنَةِ، ويكونُ في زَمَنِ النهارِ؛ مِن طلوعِ الفجرِ، وحتى غروبِ الشمسِ، والحجُّ الواجبُ يكونُ في العُمْرِ مرَّةً واحدةً لمَنِ استطاعَ إليه سبيلًا، وهكذا في سائرِ الأحكامِ والواجِباتِ، وأما في المستحبَّاتِ، فعلى المسلِمِ أن يستزيدَ منها قدرَ استطاعتِه، ودون إثقالٍ على نفسِهِ، كما وجَّه إلى ذلك النبيُّ ﷺ؛ فعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها؛ أنها قالت:

قال رسولُ اللهِ ﷺ: 

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ»

؛ رواه البخاري (5861)، ومسلِم (782).

الوجهُ الرابعُ: مِن يُسْرِ الإسلامِ، وسماحةِ شريعتِهِ: رفعُهُ الحرَجَ عن الناس؛ مراعاةً لمَن لا يستطيعون أداءَ العبادات:

ففي الطهارةِ: رخَّص لمَن لا يجدُ الماءَ للوضوءِ أن يتيمَّمَ بالترابِ حتى يؤدِّيَ الصلاةَ.

ورخَّص لمَن لا يستطيعُ القيامَ في الصلاةِ بسببِ العجزِ والمرضِ: أن يصلِّيَ قاعدًا، فإن لم يستطِعْ، فيصلِّي مضطجِعًا على جَنْبٍ.

وكذلك: رخَّص لمَن شَقَّ عليه الصيامُ في شهرِ رمضانَ بسببِ السفرِ أو المرضِ: أن يُفطِرَ تلك الأيَّامَ، ثم يَقْضيَها بعد أن يتعافى، أو يَرجِعَ مِن سفرِه.

وهكذا في سائرِ الأحكامِ والفرائضِ: يُوجَدُ رُخَصٌ لمَن يشُقُّ عليه أداؤُها، وقد استنبَطَ علماءُ الإسلامِ مِن الأدلَّةِ الشرعيَّةِ قاعدةً فقهيَّةً، وهي: «المشقَّةُ تَجلِبُ التيسيرَ»؛ وهذا كلُّه مِن التسهيلِ والمسامَحةِ والتيسيرِ في دِينِ الإسلام.

الوجهُ الخامسُ: مِن أهمِّ المرتكَزاتِ التي قام عليها منهجُ التيسيرِ في الإسلامِ: أن الأصلَ في الأشياءِ الحِلُّ والإباحةُ، وليس المنعَ والتحريمَ؛ فكلُّ ما خُلِقَ في هذا الكونِ مسخَّرٌ للإنسانِ، ومهيَّأٌ للاستمتاعِ به، ما لم يكن فيه نهيٌ صريحٌ؛

يقولُ اللهُ تعالى:

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}

[الجاثية: 13].

فعلى سبيلِ المثالِ: أباح الإسلامُ كافَّةَ أنواعِ العصائرِ والأشرِبةِ، إلا ما كان مسكِرًا؛ كالخمرِ، أو ضارًّا؛ كالسُّمِّ، والأصلُ هو حِلُّ أنواعِ المأكولاتِ والأطعمةِ، إلا ما حُرِّمَ؛ كلحمِ الخِنزِيرِ، والمَيْتةِ، وغيرِ ذلك، مما جاء في شريعةِ الإسلامِ تحريمُه؛ لِمَا في ذلك مِن ضرَرٍ على صحَّةِ الإنسانِ وسلامتِه.

الوجهُ السادسُ: سببُ عزوفِ عددٍ ممَّن يدخُلون في الإسلامِ، ثم يَرجِعون عنه، يَرجِعُ إلى أسبابٍ عدَّةٍ، منها الجهلُ بدِينِ الإسلامِ، وعدمُ التعرُّفِ عليه المعرفةَ الشاملةَ والمتعمِّقةَ والتامَّةَ، ولا سيما إذا رأى المسلِمُ الجديدُ بعضَ تصرُّفاتِ المسلِمين الخاطئة، والتي لا تمثِّلُ الدِّينَ، أو وجَدَ سوءَ معامَلةٍ مِن بعضِ المسلِمين؛ فتتكوَّنُ لدَيْهِ تصوُّراتٌ خاطئةٌ عن الدِّينِ، وعن شريعتِهِ وأحكامِه، ويسهُلُ عند ذلك أن تدخُلَ عليه الشكوكُ والشبهاتُ التي تشكِّكُهُ في دِينِ الإسلام، وتَجعَلُهُ يتراجَعُ عنه، ولا سيما إذا عاش في مجتمَعاتٍ غيرِ مسلِمةٍ، وكان لضغطِ الواقعِ والمجتمَعِ والشهَواتِ تأثيرٌ عليه؛ مما يَجعَلُهُ يتخلَّى عن الدينِ ويترُكُه؛ لوجودِ ضعفٍ عنده في العلمِ بالإسلامِ، والتمسُّكِ به، والاستقامةِ عليه.

الوجهُ السابعُ: مِن الأسبابِ كذلك التي تَجعَلُ الشخصَ يتراجَعُ عن الإسلامِ: التطبيقُ الخاطئُ له، لا سيما ممن يدخُلُ فيه مِن المسلِمين، والمهتدِين الجُدُدِ؛ فيكونُ عنده في البدايةِ حماسٌ غيرُ منضبِطٍ، وتشديدٌ على النفس، وإلزامُها بكافَّةِ أمورِ الدِّينِ، دون حكمةٍ وتدرُّجٍ واعتدالٍ؛ فيسبِّبُ له ذلك نفورَ النفسِ عن الدِّينِ، وقد حذَّر النبيُّ ﷺ مِن ذلك:

فقد جاء في الحديثِ عن أبي هُرَيْرةَ رضيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ ﷺ، قال: 

«إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ؛ فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا»

؛ رواه البخاري (39).

وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: 

«إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ؛ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ»

؛ رواه أحمد (13052).

فدِينُ الإسلامِ يَحمِلُ في تطبيقِهِ السعادةَ والعدالةَ للناس، ولا يَحمِلُ الشقاءَ والعذابَ؛ فالإنسانُ الذي يأخُذُ هذا الدِّينَ كما أراده اللهُ تعالى باعتدالٍ وفهمٍ ووعيٍ، يستمِرُّ على دينِ الإسلامِ، ويثبُتُ عليه، وينالُ السعادةَ والنجاةَ في الدنيا والآخِرة، وأما الذي يُشادُّ فيه، ويتشدَّدُ في غيرِ موضعِ التشدُّدِ، ويحرِّمُ الحلالَ والمباحَ، فإنه ينالُ الشقاءَ والعذابَ في الدنيا والآخِرة.

الوجهُ الثامنُ: توافُقُ سماحةِ الإسلامِ مع فطرةِ الإنسانِ؛ بعدمِ المؤاخَذةِ على الخطأِ، والنِّسْيانِ، والإكراه:

وفي هذا الأمرِ: تَظهَرُ سماحةُ الإسلامِ ويُسْرُهُ في توافُقِهِ مع الفطرةِ الإنسانيَّةِ السليمة، التي خلَقَها اللهُ في نفسِ الإنسانِ، ومِن هذه الفطرةِ: الخطأُ الذي يقَعُ فيه الإنسانُ في معظَمِ أحوالِهِ مِن غيرِ قصدٍ، وكذلك ما يعتريهِ مِن نِسْيانٍ؛ قال تعالى:

{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}

[البقرة: 286].

وما كان يُجيبُ به ^ في حَجَّةِ الوداعِ على مَن أخطأ، أو نَسِيَ، فقدَّم أو أخَّر، فكان الجوابُ دائمًا: 

«افْعَلْ وَلَا حَرَجَ»

؛ رواه البخاري (83، 124، 1736، 1737، 6665)، ومسلم (1306).

فما كان هذا الجوابُ إلا مِن سماحةِ الإسلامِ، وتيسيرِهِ، ورفعِهِ الحرَجَ على أتباعِه.

وأما الاستكراهُ، فهو أمرٌ خارجٌ عن إرادةِ الإنسانِ، لا يستطيعُ كلُّ إنسانٍ أن يتحمَّلَ ما قد يتعرَّضُ له مِن أذًى، أو ضررٍ، أو تهديدٍ بالقتلِ، أو قطعِ عضوٍ وغيرِه، فحِينَها: رخَّص له الشارعُ أن يتنازَلَ عن بعضِ مفاهيمِهِ الدينيَّةِ تخلُّصًا مِن الحالِ التي يعانِيها، والعذابِ الواقعِ عليه؛ كما حصَلَ لعمَّارِ بنِ ياسرٍ رضيَ اللهُ عنهما، حينما ذكَرَ آلهةَ قُريشٍ بخيرٍ، ونال مِن رسولِ اللهِ ^ تحت وَطْأةِ التعذيب، وقُتِلَ أبواهُ أمامَ عينَيْهِ، فشكا ذلك إلى رسولِ اللهِ ^,

فقال له الرسولُ ^: 

«كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟»، قال: مطمئِنًّا بالإيمانِ، قال النبيُّ ^: «إِنْ عَادُوا، فَعُدْ»

؛ رواه الحاكم (2/ 357 رقم 3362)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (8/ 362 رقم 16896).

وما ذلك إلا رحمةٌ وتيسيرٌ لهم؛ لأن الخطأَ والنِّسْيانَ مِن الأمورِ الفطريَّةِ التي لا يَسلَمُ منها أحدٌ، وأما الإكراهُ، فلأن قوَّةَ التحمُّلِ تختلِفُ مِن إنسانٍ لآخَرَ؛ مِن أجلِ ذلك جاء هذا التشريعُ الربَّانيُّ بهذه الصورةِ الميسَّرةِ، التي تناسِبُ طِباعَ الناسِ وفِطَرَهم.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال: السائلُ يدَّعي أن شرائعَ الإسلامِ صعبةٌ، ويشُقُّ على الإنسانِ الالتزامُ بها؛ وهذا يَجعَلُ بعضَ المسلِمينَ، أو مَن يدخُلُ في الإسلامِ، يتراجَعُ عن الإسلامِ ويترُكُه.

مختصَرُ الإجابة:

الإسلامُ هو دِينُ السماحةِ واليُسْرِ، بعَثَ اللهُ به نبيَّه محمَّدًا ﷺ إلى الناسِ كافَّةً في سائرِ الأرض؛ فمِن حكمةِ اللهِ تعالى: أنْ جعَلَ فيه مِن السماحةِ والتيسيرِ والمرونةِ ما يكونُ صالحًا لجميعِ البشَرِ في هذه الأرضِ؛ حتى يُمكِنَهمُ القيامُ به، والسيرُ عليه.

فالإسلامُ، وشريعتُهُ، وأحكامُهُ، ليس في أيٍّ منها حرَجٌ ولا مشقَّةٌ، ولا تكليفٌ بما لا يُطاقُ ولا يُستطاعُ مِن الأفعال.

 فقد تميَّز الدينُ الإسلاميُّ بوضوحِ العقيدةِ الإسلاميَّة، وسهولةِ الإيمانِ باللهِ تعالى؛ فعقيدتُهُ في غايةٍ مِن اليسرِ والسماحة.

ومِن يُسْرِ الإسلامِ، وسماحةِ شريعتِهِ: أن العباداتِ الشرعيَّةَ الواجبةَ على المسلِمِ تُعَدُّ ميسورةً، ومقدورًا عليها، ولا تتطلَّبُ جهدًا ووقتًا كبيرًا يشُقُّ على الإنسانِ؛ مما يَجعَلُ الإنسانَ قادرًا على تطبيقِها والقيامِ بها.

كما أن هنالك مراعاةً لمَن لا يستطيعون أداءَ العباداتِ؛ فوُجِدَتْ رُخَصٌ لهم مراعاةً لظروفِهم.

وأيضًا: فإن الأصلَ في الأشياءِ الحِلُّ والإباحةُ، وليس المنعَ والتحريمَ؛ فكلُّ ما خُلِقَ في هذا الكونِ مسخَّرٌ للإنسانِ، ومهيَّأٌ للاستمتاعِ به، ما لم يكن فيه نهيٌ صريحٌ.

وجاء النهيُ في الإسلامِ عن الغُلُوِّ في الدينِ، والتشديدِ على النفسِ، وإلزامِها ما يشُقُّ عليها مِن الأعمالِ؛ وهذا الذي يتسبَّبُ في عزوفِ بعضِهم عن الدِّينِ والتراجُعِ عنه، وهو الفهمُ الخاطئُ للدِّين، أو تطبيقُهُ بطريقةٍ غيرِ صحيحةٍ ليس فيها حكمةٌ ولا اعتدالٌ.

فدِينُ الإسلامِ يَحمِلُ في تطبيقِهِ السعادةَ والعدالةَ للناس، ولا يَحمِلُ الشقاءَ والعذابَ؛ فالإنسانُ الذي يأخُذُ هذا الدِّينَ كما أراده اللهُ تعالى باعتدالٍ وفهمٍ ووعيٍ، يستمِرُّ على دينِ الإسلامِ، ويثبُتُ عليه، وينالُ السعادةَ والنجاةَ في الدنيا والآخِرة.

وأخيرًا: فإن سماحةَ الإسلامِ ويُسْرَهُ يَظهَرانِ في توافُقِهِما مع الفطرةِ الإنسانيَّةِ السليمة؛ بعدمِ المؤاخَذةِ على الخطأِ والنِّسْيانِ والإكراهِ؛ وما ذلك إلا رحمةٌ وتيسيرٌ على المكلَّفين:

لأن الخطأَ والنِّسْيانَ مِن الأمورِ الفطريَّةِ التي لا يَسلَمُ منها أحدٌ، وهما خارِجان عن إرادةِ الإنسان، وأما الإكراهُ، فلأنه لا يستطيعُ كلُّ إنسانٍ أن يتحمَّلَ ما قد يتعرَّضُ له مِن أذًى، أو ضررٍ، أو تهديدٍ بالقتلِ، أو قطعِ عضوٍ وغيرِه، فحِينَها: رخَّص له الشارعُ أن يتنازَلَ عن بعضِ مفاهيمِهِ الدينيَّةِ تخلُّصًا مِن الحالِ التي يعانِيها، والعذابِ الواقعِ عليه؛ مِن أجلِ ذلك جاء هذا التشريعُ الربَّانيُّ بهذه الصورةِ الميسَّرةِ، التي تناسِبُ طِباعَ الناسِ وفِطَرَهم.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

فمبدأُ اليُسْرِ والسماحةِ ثابتٌ في دِينِ الإسلام، وهو مَقصِدٌ عظيمٌ مِن مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميَّةِ السَّمْحةِ، لا يُنكِرُهُ إلا مَن لم يَعرِفْ أحكامَ الإسلامِ وحقيقةَ رسالتِه، أو مَن أراد التُّهَمةَ بغيرِ دليل، وهو مبدأٌ مأخوذٌ مِن النصوصِ الكثيرةِ الواردةِ في كتابِ الله، وسُنَّةِ نبيِّهِ ^ الصحيحة.

فمبدأُ اليُسْرِ والسماحةِ ثابتٌ في دِينِ الإسلام، وهو مَقصِدٌ عظيمٌ مِن مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميَّةِ السَّمْحةِ، لا يُنكِرُهُ إلا مَن لم يَعرِفْ أحكامَ الإسلامِ وحقيقةَ رسالتِه، أو مَن أراد التُّهَمةَ بغيرِ دليل، وهو مبدأٌ مأخوذٌ مِن النصوصِ الكثيرةِ الواردةِ في كتابِ الله، وسُنَّةِ نبيِّهِ ^ الصحيحة.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال: السائلُ يدَّعي أن شرائعَ الإسلامِ صعبةٌ، ويشُقُّ على الإنسانِ الالتزامُ بها؛ وهذا يَجعَلُ بعضَ المسلِمينَ، أو مَن يدخُلُ في الإسلامِ، يتراجَعُ عن الإسلامِ ويترُكُه.

مختصَرُ الإجابة:

الإسلامُ هو دِينُ السماحةِ واليُسْرِ، بعَثَ اللهُ به نبيَّه محمَّدًا ﷺ إلى الناسِ كافَّةً في سائرِ الأرض؛ فمِن حكمةِ اللهِ تعالى: أنْ جعَلَ فيه مِن السماحةِ والتيسيرِ والمرونةِ ما يكونُ صالحًا لجميعِ البشَرِ في هذه الأرضِ؛ حتى يُمكِنَهمُ القيامُ به، والسيرُ عليه.

فالإسلامُ، وشريعتُهُ، وأحكامُهُ، ليس في أيٍّ منها حرَجٌ ولا مشقَّةٌ، ولا تكليفٌ بما لا يُطاقُ ولا يُستطاعُ مِن الأفعال.

 فقد تميَّز الدينُ الإسلاميُّ بوضوحِ العقيدةِ الإسلاميَّة، وسهولةِ الإيمانِ باللهِ تعالى؛ فعقيدتُهُ في غايةٍ مِن اليسرِ والسماحة.

ومِن يُسْرِ الإسلامِ، وسماحةِ شريعتِهِ: أن العباداتِ الشرعيَّةَ الواجبةَ على المسلِمِ تُعَدُّ ميسورةً، ومقدورًا عليها، ولا تتطلَّبُ جهدًا ووقتًا كبيرًا يشُقُّ على الإنسانِ؛ مما يَجعَلُ الإنسانَ قادرًا على تطبيقِها والقيامِ بها.

كما أن هنالك مراعاةً لمَن لا يستطيعون أداءَ العباداتِ؛ فوُجِدَتْ رُخَصٌ لهم مراعاةً لظروفِهم.

وأيضًا: فإن الأصلَ في الأشياءِ الحِلُّ والإباحةُ، وليس المنعَ والتحريمَ؛ فكلُّ ما خُلِقَ في هذا الكونِ مسخَّرٌ للإنسانِ، ومهيَّأٌ للاستمتاعِ به، ما لم يكن فيه نهيٌ صريحٌ.

وجاء النهيُ في الإسلامِ عن الغُلُوِّ في الدينِ، والتشديدِ على النفسِ، وإلزامِها ما يشُقُّ عليها مِن الأعمالِ؛ وهذا الذي يتسبَّبُ في عزوفِ بعضِهم عن الدِّينِ والتراجُعِ عنه، وهو الفهمُ الخاطئُ للدِّين، أو تطبيقُهُ بطريقةٍ غيرِ صحيحةٍ ليس فيها حكمةٌ ولا اعتدالٌ.

فدِينُ الإسلامِ يَحمِلُ في تطبيقِهِ السعادةَ والعدالةَ للناس، ولا يَحمِلُ الشقاءَ والعذابَ؛ فالإنسانُ الذي يأخُذُ هذا الدِّينَ كما أراده اللهُ تعالى باعتدالٍ وفهمٍ ووعيٍ، يستمِرُّ على دينِ الإسلامِ، ويثبُتُ عليه، وينالُ السعادةَ والنجاةَ في الدنيا والآخِرة.

وأخيرًا: فإن سماحةَ الإسلامِ ويُسْرَهُ يَظهَرانِ في توافُقِهِما مع الفطرةِ الإنسانيَّةِ السليمة؛ بعدمِ المؤاخَذةِ على الخطأِ والنِّسْيانِ والإكراهِ؛ وما ذلك إلا رحمةٌ وتيسيرٌ على المكلَّفين:

لأن الخطأَ والنِّسْيانَ مِن الأمورِ الفطريَّةِ التي لا يَسلَمُ منها أحدٌ، وهما خارِجان عن إرادةِ الإنسان، وأما الإكراهُ، فلأنه لا يستطيعُ كلُّ إنسانٍ أن يتحمَّلَ ما قد يتعرَّضُ له مِن أذًى، أو ضررٍ، أو تهديدٍ بالقتلِ، أو قطعِ عضوٍ وغيرِه، فحِينَها: رخَّص له الشارعُ أن يتنازَلَ عن بعضِ مفاهيمِهِ الدينيَّةِ تخلُّصًا مِن الحالِ التي يعانِيها، والعذابِ الواقعِ عليه؛ مِن أجلِ ذلك جاء هذا التشريعُ الربَّانيُّ بهذه الصورةِ الميسَّرةِ، التي تناسِبُ طِباعَ الناسِ وفِطَرَهم.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

هنالك مَن يدَّعي أن شرائعَ الإسلامِ صعبةٌ، وأن فيها مشقَّةً، ولا يستطيعُ الإنسانُ الداخلُ في الإسلامِ القيامَ بها.

والجوابُ على هذه الشبهةِ مِن عدَّةِ أوجُه:

الوجهُ الأوَّلُ: الإسلامُ هو دِينُ السماحةِ واليُسْرِ، بعَثَ اللهُ به نبيَّه محمَّدًا ﷺ إلى الناسِ كافَّةً في سائرِ الأرضِ؛ فمِن حكمةِ اللهِ تعالى: أنْ جعَلَ فيه مِن السماحةِ والتيسيرِ والمرونةِ ما يكونُ صالحًا لجميعِ البشَرِ في هذه الأرضِ، مِن أدناها إلى أقصاها، حتى يَضمَنَ مصالحَهم، وحتى يَشمَلَ ما يحتاجون إليه في مَعاشِهم ومَعادِهم، وحتى يُمكِنَهمُ القيامُ به، والسيرُ عليه؛ فقد اقتضَتْ حكمةُ اللهِ سبحانه أن يكونَ هذا الدينُ وشريعتُهُ سمحةً ميسَّرةً مناسِبةً لجميعِ الناسِ حتى يتمكَّنوا مِن أدائِها، والسيرِ عليها، والاستقامةِ عليها، والأخذِ بها في جميعِ الأحوال.

فالإسلامُ، وشريعتُهُ، وأحكامُهُ، ليس في أيٍّ منها حرَجٌ ولا مشقَّةٌ، ولا تكليفٌ بما لا يُطاقُ ولا يُستطاعُ مِن الأفعالِ؛

كما قال تعالى:

{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}

[الحج: 78]،

وقال تعالى:

{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

[البقرة: 286].

وفي الحديثِ عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ ﷺ، قال: 

«إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ؛ فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا»

؛ رواه البخاري (39).

الوجهُ الثاني: تميَّز الدينُ الإسلاميُّ - عن غيرِهِ مِن الأديانِ والعقائدِ - بوضوحِ العقيدةِ الإسلاميَّة، وسهولةِ الإيمانِ باللهِ تعالى؛ حيثُ أُمِرَ الناسُ بعبادةِ اللهِ وحده، وأنه الإلهُ الواحدُ الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكن له كُفُوًا أحدٌ، بيدِهِ مَلَكوتُ السمواتِ والأرضِ، لا معبودَ سواهُ، وأنه لا وساطةَ بين العبادِ وخالِقِهم، ولا شركاءَ معه؛ فليس في العقيدةِ الإسلاميَّةِ ألغازٌ لا يَعرِفُها إلا فئةٌ مِن الأحبارِ والرهبانِ، وليس فيها غموضٌ كما في العقائدِ الأخرى مِن تجزئةِ الواحدِ إلى ثلاثةٍ، وليس فيها استهانةٌ بالعقلِ الإنسانيِّ ليعبُدَ أحجارًا وأشخاصًا وحيواناتٍ؛ كما في البُوذيَّةِ وغيرِها، وإنما هي عقيدةٌ في غايةٍ مِن اليسرِ والسماحة.

الوجهُ الثالثُ: مِن يُسْرِ الإسلامِ، وسماحةِ شريعتِهِ: أن العباداتِ الشرعيَّةَ الواجبةَ على المسلِمِ تُعَدُّ ميسورةً ومقدورًا عليها، ولا تتطلَّبُ جهدًا ووقتًا كبيرًا يشُقُّ على الإنسانِ؛ فلا تَخْلو فريضةٌ مِن الفرائضِ، ولا شعيرةٌ مِن الشعائرِ مِن اليُسْرِ؛ مما يَجعَلُ الإنسانَ قادرًا على تطبيقِها والقيامِ بها؛ فالصلواتُ الواجبةُ على المسلِمِ في اليومِ والليلةِ خمسُ صَلَواتٍ، يُمكِنُ أن يؤدِّيَها المسلِمُ في أيِّ مكانٍ مناسِبٍ، ولا تتطلَّبُ وقتًا كبيرًا للاستعدادِ لها والقيامِ بها، والزكاةُ خفيفةٌ ميسَّرةٌ في أموالٍ معيَّنةٍ على القادرِ المستطيعِ الذي يَملِكُ المالَ الذي يبلُغُ النِّصابَ، ومِقْدارُ ما يُخرَجُ مِن ذلك المالِ يسيرٌ، والصومُ الواجبُ هو شهرٌ واحدٌ فقطْ في السَّنَةِ، ويكونُ في زَمَنِ النهارِ؛ مِن طلوعِ الفجرِ، وحتى غروبِ الشمسِ، والحجُّ الواجبُ يكونُ في العُمْرِ مرَّةً واحدةً لمَنِ استطاعَ إليه سبيلًا، وهكذا في سائرِ الأحكامِ والواجِباتِ، وأما في المستحبَّاتِ، فعلى المسلِمِ أن يستزيدَ منها قدرَ استطاعتِه، ودون إثقالٍ على نفسِهِ، كما وجَّه إلى ذلك النبيُّ ﷺ؛ فعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها؛ أنها قالت:

قال رسولُ اللهِ ﷺ: 

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ»

؛ رواه البخاري (5861)، ومسلِم (782).

الوجهُ الرابعُ: مِن يُسْرِ الإسلامِ، وسماحةِ شريعتِهِ: رفعُهُ الحرَجَ عن الناس؛ مراعاةً لمَن لا يستطيعون أداءَ العبادات:

ففي الطهارةِ: رخَّص لمَن لا يجدُ الماءَ للوضوءِ أن يتيمَّمَ بالترابِ حتى يؤدِّيَ الصلاةَ.

ورخَّص لمَن لا يستطيعُ القيامَ في الصلاةِ بسببِ العجزِ والمرضِ: أن يصلِّيَ قاعدًا، فإن لم يستطِعْ، فيصلِّي مضطجِعًا على جَنْبٍ.

وكذلك: رخَّص لمَن شَقَّ عليه الصيامُ في شهرِ رمضانَ بسببِ السفرِ أو المرضِ: أن يُفطِرَ تلك الأيَّامَ، ثم يَقْضيَها بعد أن يتعافى، أو يَرجِعَ مِن سفرِه.

وهكذا في سائرِ الأحكامِ والفرائضِ: يُوجَدُ رُخَصٌ لمَن يشُقُّ عليه أداؤُها، وقد استنبَطَ علماءُ الإسلامِ مِن الأدلَّةِ الشرعيَّةِ قاعدةً فقهيَّةً، وهي: «المشقَّةُ تَجلِبُ التيسيرَ»؛ وهذا كلُّه مِن التسهيلِ والمسامَحةِ والتيسيرِ في دِينِ الإسلام.

الوجهُ الخامسُ: مِن أهمِّ المرتكَزاتِ التي قام عليها منهجُ التيسيرِ في الإسلامِ: أن الأصلَ في الأشياءِ الحِلُّ والإباحةُ، وليس المنعَ والتحريمَ؛ فكلُّ ما خُلِقَ في هذا الكونِ مسخَّرٌ للإنسانِ، ومهيَّأٌ للاستمتاعِ به، ما لم يكن فيه نهيٌ صريحٌ؛

يقولُ اللهُ تعالى:

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}

[الجاثية: 13].

فعلى سبيلِ المثالِ: أباح الإسلامُ كافَّةَ أنواعِ العصائرِ والأشرِبةِ، إلا ما كان مسكِرًا؛ كالخمرِ، أو ضارًّا؛ كالسُّمِّ، والأصلُ هو حِلُّ أنواعِ المأكولاتِ والأطعمةِ، إلا ما حُرِّمَ؛ كلحمِ الخِنزِيرِ، والمَيْتةِ، وغيرِ ذلك، مما جاء في شريعةِ الإسلامِ تحريمُه؛ لِمَا في ذلك مِن ضرَرٍ على صحَّةِ الإنسانِ وسلامتِه.

الوجهُ السادسُ: سببُ عزوفِ عددٍ ممَّن يدخُلون في الإسلامِ، ثم يَرجِعون عنه، يَرجِعُ إلى أسبابٍ عدَّةٍ، منها الجهلُ بدِينِ الإسلامِ، وعدمُ التعرُّفِ عليه المعرفةَ الشاملةَ والمتعمِّقةَ والتامَّةَ، ولا سيما إذا رأى المسلِمُ الجديدُ بعضَ تصرُّفاتِ المسلِمين الخاطئة، والتي لا تمثِّلُ الدِّينَ، أو وجَدَ سوءَ معامَلةٍ مِن بعضِ المسلِمين؛ فتتكوَّنُ لدَيْهِ تصوُّراتٌ خاطئةٌ عن الدِّينِ، وعن شريعتِهِ وأحكامِه، ويسهُلُ عند ذلك أن تدخُلَ عليه الشكوكُ والشبهاتُ التي تشكِّكُهُ في دِينِ الإسلام، وتَجعَلُهُ يتراجَعُ عنه، ولا سيما إذا عاش في مجتمَعاتٍ غيرِ مسلِمةٍ، وكان لضغطِ الواقعِ والمجتمَعِ والشهَواتِ تأثيرٌ عليه؛ مما يَجعَلُهُ يتخلَّى عن الدينِ ويترُكُه؛ لوجودِ ضعفٍ عنده في العلمِ بالإسلامِ، والتمسُّكِ به، والاستقامةِ عليه.

الوجهُ السابعُ: مِن الأسبابِ كذلك التي تَجعَلُ الشخصَ يتراجَعُ عن الإسلامِ: التطبيقُ الخاطئُ له، لا سيما ممن يدخُلُ فيه مِن المسلِمين، والمهتدِين الجُدُدِ؛ فيكونُ عنده في البدايةِ حماسٌ غيرُ منضبِطٍ، وتشديدٌ على النفس، وإلزامُها بكافَّةِ أمورِ الدِّينِ، دون حكمةٍ وتدرُّجٍ واعتدالٍ؛ فيسبِّبُ له ذلك نفورَ النفسِ عن الدِّينِ، وقد حذَّر النبيُّ ﷺ مِن ذلك:

فقد جاء في الحديثِ عن أبي هُرَيْرةَ رضيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ ﷺ، قال: 

«إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ؛ فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا»

؛ رواه البخاري (39).

وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: 

«إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ؛ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ»

؛ رواه أحمد (13052).

فدِينُ الإسلامِ يَحمِلُ في تطبيقِهِ السعادةَ والعدالةَ للناس، ولا يَحمِلُ الشقاءَ والعذابَ؛ فالإنسانُ الذي يأخُذُ هذا الدِّينَ كما أراده اللهُ تعالى باعتدالٍ وفهمٍ ووعيٍ، يستمِرُّ على دينِ الإسلامِ، ويثبُتُ عليه، وينالُ السعادةَ والنجاةَ في الدنيا والآخِرة، وأما الذي يُشادُّ فيه، ويتشدَّدُ في غيرِ موضعِ التشدُّدِ، ويحرِّمُ الحلالَ والمباحَ، فإنه ينالُ الشقاءَ والعذابَ في الدنيا والآخِرة.

الوجهُ الثامنُ: توافُقُ سماحةِ الإسلامِ مع فطرةِ الإنسانِ؛ بعدمِ المؤاخَذةِ على الخطأِ، والنِّسْيانِ، والإكراه:

وفي هذا الأمرِ: تَظهَرُ سماحةُ الإسلامِ ويُسْرُهُ في توافُقِهِ مع الفطرةِ الإنسانيَّةِ السليمة، التي خلَقَها اللهُ في نفسِ الإنسانِ، ومِن هذه الفطرةِ: الخطأُ الذي يقَعُ فيه الإنسانُ في معظَمِ أحوالِهِ مِن غيرِ قصدٍ، وكذلك ما يعتريهِ مِن نِسْيانٍ؛ قال تعالى:

{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}

[البقرة: 286].

وما كان يُجيبُ به ^ في حَجَّةِ الوداعِ على مَن أخطأ، أو نَسِيَ، فقدَّم أو أخَّر، فكان الجوابُ دائمًا: 

«افْعَلْ وَلَا حَرَجَ»

؛ رواه البخاري (83، 124، 1736، 1737، 6665)، ومسلم (1306).

فما كان هذا الجوابُ إلا مِن سماحةِ الإسلامِ، وتيسيرِهِ، ورفعِهِ الحرَجَ على أتباعِه.

وأما الاستكراهُ، فهو أمرٌ خارجٌ عن إرادةِ الإنسانِ، لا يستطيعُ كلُّ إنسانٍ أن يتحمَّلَ ما قد يتعرَّضُ له مِن أذًى، أو ضررٍ، أو تهديدٍ بالقتلِ، أو قطعِ عضوٍ وغيرِه، فحِينَها: رخَّص له الشارعُ أن يتنازَلَ عن بعضِ مفاهيمِهِ الدينيَّةِ تخلُّصًا مِن الحالِ التي يعانِيها، والعذابِ الواقعِ عليه؛ كما حصَلَ لعمَّارِ بنِ ياسرٍ رضيَ اللهُ عنهما، حينما ذكَرَ آلهةَ قُريشٍ بخيرٍ، ونال مِن رسولِ اللهِ ^ تحت وَطْأةِ التعذيب، وقُتِلَ أبواهُ أمامَ عينَيْهِ، فشكا ذلك إلى رسولِ اللهِ ^,

فقال له الرسولُ ^: 

«كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟»، قال: مطمئِنًّا بالإيمانِ، قال النبيُّ ^: «إِنْ عَادُوا، فَعُدْ»

؛ رواه الحاكم (2/ 357 رقم 3362)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (8/ 362 رقم 16896).

وما ذلك إلا رحمةٌ وتيسيرٌ لهم؛ لأن الخطأَ والنِّسْيانَ مِن الأمورِ الفطريَّةِ التي لا يَسلَمُ منها أحدٌ، وأما الإكراهُ، فلأن قوَّةَ التحمُّلِ تختلِفُ مِن إنسانٍ لآخَرَ؛ مِن أجلِ ذلك جاء هذا التشريعُ الربَّانيُّ بهذه الصورةِ الميسَّرةِ، التي تناسِبُ طِباعَ الناسِ وفِطَرَهم.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

فمبدأُ اليُسْرِ والسماحةِ ثابتٌ في دِينِ الإسلام، وهو مَقصِدٌ عظيمٌ مِن مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميَّةِ السَّمْحةِ، لا يُنكِرُهُ إلا مَن لم يَعرِفْ أحكامَ الإسلامِ وحقيقةَ رسالتِه، أو مَن أراد التُّهَمةَ بغيرِ دليل، وهو مبدأٌ مأخوذٌ مِن النصوصِ الكثيرةِ الواردةِ في كتابِ الله، وسُنَّةِ نبيِّهِ ^ الصحيحة.

فمبدأُ اليُسْرِ والسماحةِ ثابتٌ في دِينِ الإسلام، وهو مَقصِدٌ عظيمٌ مِن مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميَّةِ السَّمْحةِ، لا يُنكِرُهُ إلا مَن لم يَعرِفْ أحكامَ الإسلامِ وحقيقةَ رسالتِه، أو مَن أراد التُّهَمةَ بغيرِ دليل، وهو مبدأٌ مأخوذٌ مِن النصوصِ الكثيرةِ الواردةِ في كتابِ الله، وسُنَّةِ نبيِّهِ ^ الصحيحة.