نص السؤال
لماذا يتَّخِذُ كثيرٌ مِن المسلِمين موقِفًا ضِدَّ «النِّسْويَّة»، وهي تدعو إلى حمايةِ المرأة؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
ما هي الحرَكةُ النِّسْويَّة؟
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
«النِّسْويَّةُ»: لفظٌ يُتداوَلُ في كثيرٍ مِن وسائلِ الثقافةِ والإعلامِ المعاصِرة، وينبغي - قبل الحكمِ عليها - أن نُدرِكَ حقيقتَها؛ إذْ قد يتصوَّرُ بعضُ الناسِ أن النِّسْويَّةَ هي حمايةُ النساءِ، أو تفضيلُ النساءِ؛ اغترارًا باللفظ، وبالتالي ينتسِبُ إليها، أو يدافِعُ عنها؛ وهو فهمٌ خاطئٌ؛ فالمصطلَحاتُ تأخُذُ دَلَالاتٍ أوسعَ مِن اللفظِ اللغويِّ الخاصِّ بها.
ويُمكِنُ بيانُ ذلك في وجوه:
- مفهومُ «النِّسْويَّة»:
- مضامينُ باطِلةٌ لـ «النِّسْويَّة»:
- الآثارُ السيِّئةُ لـ «النِّسْويَّة»:
عاشت المجتمَعاتُ غيرُ المسلِمةِ خصوصًا في الغربِ أحوالًا مِن الظلم، وأشدُّ مَن عانى مِن ذلك النساءُ، ومع وجودِ انعتاقٍ عن الهيمنةِ الكنَسيَّةِ كان هناك اندفاعٌ لأيِّ مفهومٍ تحرُّريٍّ؛ ومِن هنا نشَأتْ حركةٌ تطالِبُ بحقوقِ النساءِ في مجتمَعاتٍ كانت تَحرِمُها مِن كثيرٍ مِن حقوقِها السياسيَّةِ والنِّظاميَّة.
فنشَأتْ هذه الحركةُ (النِّسْويَّةُ) وليدةَ ضغوطٍ اجتماعيَّةٍ وسياسيَّةٍ وثقافيَّةٍ متعدِّدة، لكنها نشأت وقد هامت على وجهِها في الأرضِ، لم تجدْ لها أيَّ فلسفةٍ تَتْبَعُها؛ فأنشأتْ لنفسِها تصوُّرًا، وأوجَدتْ لها فلسفتَها، التي تُعَدُّ رَدَّةَ فعلٍ.
فعلى سبيلِ المثالِ: كانت «النِّسْويَّةُ» تطالِبُ بمساواةِ المرأةِ بالرجُل، وتُظهِرُ الرجُلَ نموذجًا مثاليًّا، وتؤكِّدُ (سِيمُونْ دي بُوفْوار) - والتي تُعَدُّ مِن مؤسِّسي الفكرِ النِّسْويِّ - على فكرةِ أن على المرأةِ أن تكونَ مثلَ الرجُل؛ وذلك في هوَسِ المساواة؛ فتتبنَّى المرأةُ طريقةَ الرجالِ في العيشِ، وفي العملِ، وفي الحُبِّ، وفي طريقةِ الكتابةِ، وفي كلِّ شيء، وقد كانت (سِيمُونْ دي بُوفْوار) معجَبةً بالذكورةِ، وتحتقِرُ الأنوثةَ؛ لذا كانت تحلُمُ بأن تتحوَّلَ المرأةُ إلى رجُل.
لكنْ مع الوقتِ أصبَحتِ «النِّسْويَّةُ» تحتقِرُ الرجُلَ، وتعاديهِ وتحارِبُه، وشخَّصَتِ الداءَ في الرجُلِ بوصفِهِ المسؤولَ عن الوضعيَّةِ المتردِّيةِ للمرأة.
كثيرٌ مِن المصطلَحاتِ هي ذاتُ مفاهيمَ غيرِ مستقِرَّةٍ، بل تأخُذُ معانيَ متجدِّدةً في تحوُّلاتِها الزمنيَّة، وهي كذلك تتأثَّرُ بأصحابِ النفوذِ، القادِرين على تشكيلِ المعاني المختلِفةِ، عَبْرَ وسائلِ الإعلامِ والتعليمِ، والأنظِمةِ وغيرِها.
فـ «النِّسْويَّةُ» تحوَّلتْ مِن مجرَّدِ مطالَباتٍ بحقوقِ المرأةِ، إلى مطالَباتٍ بمساواةٍ تامَّةٍ - تنمحي معها أنوثتُها - حتى وصَلتْ إلى مصادَمةِ أصولِ الفطرةِ السليمةِ؛ مِن إلغاءِ الفروقِ البَيُولوجيَّةِ بين الرجُلِ والمرأة.
وتعبِّرُ المنظِّرةُ النِّسْويَّةُ الفَرَنسيَّةُ الشهيرةُ (سِيمُونْ دي بُوفْوار) بقولِها: «لا نُولَدُ امرأةً، ولكنْ نَصيرُ امرأةً»، على إلغاءِ الفرقِ البَيُولُوجيِّ بين الرجُلِ والمرأة، وهو أساسُ الدعوةِ إلى المساواةِ الذي تتبنَّاه النِّسْويَّة، والمعنى الذي تريدُهُ: أن المرأةَ لا تُولَدُ امرأةً، وإنما تَصيرُ كذلك بفعلِ التنشئةِ الاجتماعيَّة.
وتطوَّر ذلك إلى إزالةِ كلِّ قيدٍ مِن العِفَّةِ وغيرِها؛ مما يَشمَلُ الدعوةَ إلى المِثْليَّةِ (السُّحَاقِ)، وإلغاءِ الزواجِ والأسرةِ، وحربِ الأمومةِ، وإباحةِ الإجهاضِ، فضلًا عن حربِ القِوامةِ والحِجابِ وغيرِها، حتى تطوَّرتْ إلى حربِ أيِّ دِينٍ - لكونِهِ يَحمِلُ قيودًا أخلاقيَّةً - وإنكارِ وجودِ اللهِ تعالى تبَعًا لذلك.
وهي بذلك تتداخَلُ مع مصطلَحاتٍ متعدِّدةٍ؛ فـ «الأبويَّةُ»، و«الأموميَّةُ»، و«الجَنْدَرُ»، و«المساواةُ بين الجنسَيْنِ»، و«تحريرُ المرأةِ»، و«الأنثويَّةُ»، تمَّ دَمْجُها أو دَمْجُ بعضِ معانيها في دعوةِ «الحرَكةِ النِّسْويَّة».
وليس معنى ذلك: أن كلَّ مَن تبنَّى «النِّسْويَّةَ» وصَلَ إلى نهايةِ الطريق، لكنَّ المقصودَ: هو السياقُ الذي تتَّجِهُ له «النِّسْويَّةُ»، ويُبرِزُهُ النافِذون لحربِ الإسلامِ والإنسانيَّةِ، ولمقاصدَ لا تَخْفى.
والمواضَعةُ البشريَّةُ إذا لم يكُنْ لها سِياجٌ إلهيٌّ يَضبِطُها، ظهَرتْ متناقِضةً، كما هو حالُ بني الإنسانِ، وهذا الأمرُ إن كان يسوِّغُ لـ «النِّسْويَّةِ الغربيَّةِ» ظهورَها، إلا أنه لا يسوِّغُ امتدادَها لبقيَّةِ العالَمِ؛ فالإسقاطاتُ الاجتماعيَّةُ تتفاوَتُ مِن مجتمَعٍ إلى مجتمَعٍ، والمجتمَعاتُ التي تُحكَمُ بقوانينَ وضعيَّةٍ لا يَصِحُّ أن تُعمَّمَ تجربتُها على الشعوبِ المسلِمة.
لقد وجَدتِ «النِّسْويَّةُ» استجابةً لها في مجتمَعاتِنا المسلِمةِ، في ظلِّ اتِّساعِ دائرةِ التواصُلِ الحديثِ، وقد صرَّحتْ كثيرٌ مِن النِّسْويَّاتِ العربيَّاتِ بوقوعِهنَّ في الزِّنى متفاخِرةً بذلك، ووصَلَ ذلك إلى إظهارِ السُّحَاق، والزِّنى وما لَحِقَ به: هو أصلٌ مِن أصولِ فسادِ العالَمِ؛ حتى قال بعضُ العارِفين بالنِّسْويَّةِ: «النِّسْويَّةُ هي النظريَّةُ، والسُّحاقُ هو التطبيقُ».
ومثلُ هذه التصريحاتِ - وإن كانت موغِلةً في الوَقَاحةِ والابتذالِ - إلا أنها تعبِّرُ عن حقيقةِ ما يريدُهُ ويدعو إليه الخطابُ النِّسْويُّ، وهي دعوةٌ قديمةٌ بيَّنها اللهُ تعالى في كتابِهِ؛ حيثُ قال:
{وَاللهُ يريدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيريدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}
[النساء: 27]
قال بعضُ السلفِ في تفسيرِ الآيةِ: «يعني: تَزْنُونَ كما يَزْنون».
غيرَ أن الذي غاب عن التصوُّرِ والفكرِ عند هؤلاءِ: أن التشريعَ الإسلاميَّ قد حَفِظَ حقوقَ المرأةِ كاملةً؛ لذا لم تكن هذه الفلسفةُ النِّسْويَّةُ - بخروجِها عن الدِّينِ وانسلاخِها منه - لِتَلْقى القَبولَ، وأما ما تظُنُّهُ المرأةُ مِن ظلمٍ واقعٍ عليها، فهو ناشئٌ عن أمرَيْن:
الأوَّلُ: ظلمٌ شخصيٌّ يمارِسُهُ أفرادٌ، ودِينُ الإسلامِ مِن تصرُّفاتِهم بريءٌ.
الثاني: فهمٌ قاصرٌ للتشريعِ الإسلاميِّ الذي عامَلَ المرأةَ بالعدل؛ حيثُ حَظِيَتْ فيه بالكرامة، وكانت حقوقُ المرأةِ متوافِقةً مع تكوينِها الفطريّ.
ولذا نرفُضُ - وَفْقَ التصوُّرِ الإسلاميِّ - المرتكَزاتِ الفكريَّةَ لـ «النِّسْويَّة»، كما نرفُضُ كثيرًا مِن تطبيقاتِها، وأما جزءٌ مِن مَطَالبِها - كتجريمِ الاغتصابِ، وغيرِه - فهو حقٌّ دعا إليه الإسلام، ولا ينبغي التسمِّي بـ «النِّسْويَّةِ» أو التأثُّرُ بأفكارِها نتيجةً لتفاصيلَ جزئيَّةٍ سبَقَ إليها الإسلام.
نتَجَ عن مفهومِ «النِّسْويَّةِ» آثارٌ على الأديان، وعلى الفكرِ والمعرفةِ، وعلى واقعِ المجتمَعِ والأفراد:
فأما تأثيراتُها على الأديانِ: فقد سعَتْ إلى محارَبتِها نظرًا لتبنِّي الأديانِ - وخصوصًا الإسلامَ - للمفهومِ الأخلاقيِّ والفطريِّ على تفاوُتٍ بينها في ذلك؛ مما اضطَرَّ «النِّسْويَّةَ» إلى محارَبتِها، أو على الأقلِّ: إخضاعُها للدِّراسةِ مِن منظورٍ نِسْويٍّ، والتعديلُ عليها؛ لتزيلَ التمييزَ ضدَّ المرأةِ حسَبَ رأيِهم، ثم ما لَبِثَتْ أن وصَلتْ إلى البحثِ عن دِينٍ وثَنيٍّ نِسْويٍّ؛ كما يقولُ بعضُ الباحثين.
وأما تأثيراتُها على الفكرِ والمعرفةِ: فأهمُّها دخولُ «النِّسْويَّةِ» في مجالاتٍ لم تكن مطروقةً مِن قبلُ؛ مثلُ: «النقدِ الأدبيِّ النِّسْويِّ»، و«النِّسْويَّةِ البيئيَّةِ»، و«علمِ الأخلاقِ النِّسْويِّ»، و«نظريَّةِ المعرفةِ النِّسْويَّةِ»، وقد دعَتِ «النِّسْويَّةُ» إلى إعادةِ قراءةِ التاريخ، كما دعَتْ إلى إعادةِ صياغةِ اللغة؛ لتَحمِلَ سِمةَ الحياد.
أما تأثيراتُها على واقعِ المجتمَعِ والأفراد:
ففي جانبِ المرأةِ: أدَّتِ «النِّسْويَّةُ» إلى فِقْدانِ التوازُنِ لدى المرأة، وجعَلتْ منها سِلْعةً وشيئًا مِن الأشياء، وخلَقتْ لها هُوِيَّةً جديدةً.
وفي جانبِ الأُسْرةِ: أدَّت إلى انهيارِ الأسرةِ وهدمِها؛ وذلك لأنها هاجَمَتْها مِن عدَّةِ نواحٍ، هي: الانتقاصُ مِن قدرِ الزواجِ وأهميَّتِه، والتقليلُ مِن شأنِ الأُمومةِ ووظيفتِها، وتغييرُ شكلِ الأسرةِ بضمِّ أشكالٍ جديدةٍ لها.
وفي جانبِ المجتمَعِ: أدَّت إلى الفوضى اللاأخلاقيَّة، كما أدَّت «النِّسْويَّةُ» إلى تعميقِ الصِّراعِ بين المرأةِ والرجُل:
ومنها على سبيلِ المثالِ: «الجَنْدَرُ»؛ وهو - كما يعبِّرُ بعضُ الباحثين - ليس إلا هلاكٌ للحَرْثِ والنَّسْل:
هلاكٌ للحرثِ: ممثَّلًا بكلِّ حرثٍ في الأرضِ، وكلِّ أوجُهِ العمل؛ فإسنادُ مهامِّ الرجُلِ للمرأةِ ظلمٌ، والضدُّ كذلك.
وهلاكٌ للنسلِ: لأنه سيُخِلُّ بمنظومةِ الجنسِ البشَريِّ بقَبولِهِ للتزاوُجِ بحسَبِ ما تُمليهِ ثقافةُ الفردِ على نفسِه.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
يظُنُّ السائلُ أن «الحركةَ النِّسْويَّةَ» تُعَدُّ دعوةً إلى حقوقِ المرأةِ، وأن الوقوفَ ضدَّها يُعَدُّ مِن أدلَّةِ وقوفِ الإسلامِ ضدَّ حقوقِ المرأة.
مختصَرُ الإجابة:
«النِّسْويَّةُ»: لفظةٌ خدَّاعةٌ؛ فقد يظُنُّ بعضُهم أن المقصودَ بها: الدفاعُ عن حقوقِ المرأة، والعنايةُ بها؛ ولهذا يرَوْنَها محمودةً، أو يرَوْنَها ممارَسةً لكشفِ الحجابِ ونحوِهِ؛ فيرَوْنَها مجرَّدَ معصية.
لكنَّ المقصودَ: هي حركةٌ ذاتُ مفاهيمَ، تطوَّرتْ مِن كونِها مطالَبةً بحقوقٍ سياسيَّةٍ معيَّنةٍ، إلى أن تضمَّنتْ مفاهيمَ مصادِمةً للإسلامِ، بل للإنسانيَّةِ؛ مِن محارَبةِ أيِّ قيدٍ، ولو كان العِفَّةَ، وإلى إلغاءِ الفروقِ البَيُولوجيَّةِ والنفسيَّةِ، بل دعت إلى حربِ الرجُلِ وقتلِهِ أحيانًا، وتشجيعِ المِثلِيَّةِ (السُّحَاقِ)، وغيرِ ذلك.
فمَن ينتقِدِ «النِّسْويَّةَ» مِن المسلِمين، إنما ينتقِدُ مفهومَ النِّسْويَّةِ في عدَدٍ مِن سياقاتِهِ الحاليَّة.
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية:
ينبغي الحذَرُ مِن استخدامِ لفظِ «النِّسْويَّةِ»؛ إذْ تحوَّل مِن مصطلَحٍ لُغَويٍّ منسوبٍ للنساءِ، إلى مفهومٍ لحركةٍ تطوَّرتْ وتضمَّنتْ مفاهيمَ مصادِمةً للفطرةِ والدِّينِ والأخلاقِ والحياةِ البشَريَّة.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
يظُنُّ السائلُ أن «الحركةَ النِّسْويَّةَ» تُعَدُّ دعوةً إلى حقوقِ المرأةِ، وأن الوقوفَ ضدَّها يُعَدُّ مِن أدلَّةِ وقوفِ الإسلامِ ضدَّ حقوقِ المرأة.
مختصَرُ الإجابة:
«النِّسْويَّةُ»: لفظةٌ خدَّاعةٌ؛ فقد يظُنُّ بعضُهم أن المقصودَ بها: الدفاعُ عن حقوقِ المرأة، والعنايةُ بها؛ ولهذا يرَوْنَها محمودةً، أو يرَوْنَها ممارَسةً لكشفِ الحجابِ ونحوِهِ؛ فيرَوْنَها مجرَّدَ معصية.
لكنَّ المقصودَ: هي حركةٌ ذاتُ مفاهيمَ، تطوَّرتْ مِن كونِها مطالَبةً بحقوقٍ سياسيَّةٍ معيَّنةٍ، إلى أن تضمَّنتْ مفاهيمَ مصادِمةً للإسلامِ، بل للإنسانيَّةِ؛ مِن محارَبةِ أيِّ قيدٍ، ولو كان العِفَّةَ، وإلى إلغاءِ الفروقِ البَيُولوجيَّةِ والنفسيَّةِ، بل دعت إلى حربِ الرجُلِ وقتلِهِ أحيانًا، وتشجيعِ المِثلِيَّةِ (السُّحَاقِ)، وغيرِ ذلك.
فمَن ينتقِدِ «النِّسْويَّةَ» مِن المسلِمين، إنما ينتقِدُ مفهومَ النِّسْويَّةِ في عدَدٍ مِن سياقاتِهِ الحاليَّة.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
«النِّسْويَّةُ»: لفظٌ يُتداوَلُ في كثيرٍ مِن وسائلِ الثقافةِ والإعلامِ المعاصِرة، وينبغي - قبل الحكمِ عليها - أن نُدرِكَ حقيقتَها؛ إذْ قد يتصوَّرُ بعضُ الناسِ أن النِّسْويَّةَ هي حمايةُ النساءِ، أو تفضيلُ النساءِ؛ اغترارًا باللفظ، وبالتالي ينتسِبُ إليها، أو يدافِعُ عنها؛ وهو فهمٌ خاطئٌ؛ فالمصطلَحاتُ تأخُذُ دَلَالاتٍ أوسعَ مِن اللفظِ اللغويِّ الخاصِّ بها.
ويُمكِنُ بيانُ ذلك في وجوه:
- مفهومُ «النِّسْويَّة»:
- مضامينُ باطِلةٌ لـ «النِّسْويَّة»:
- الآثارُ السيِّئةُ لـ «النِّسْويَّة»:
عاشت المجتمَعاتُ غيرُ المسلِمةِ خصوصًا في الغربِ أحوالًا مِن الظلم، وأشدُّ مَن عانى مِن ذلك النساءُ، ومع وجودِ انعتاقٍ عن الهيمنةِ الكنَسيَّةِ كان هناك اندفاعٌ لأيِّ مفهومٍ تحرُّريٍّ؛ ومِن هنا نشَأتْ حركةٌ تطالِبُ بحقوقِ النساءِ في مجتمَعاتٍ كانت تَحرِمُها مِن كثيرٍ مِن حقوقِها السياسيَّةِ والنِّظاميَّة.
فنشَأتْ هذه الحركةُ (النِّسْويَّةُ) وليدةَ ضغوطٍ اجتماعيَّةٍ وسياسيَّةٍ وثقافيَّةٍ متعدِّدة، لكنها نشأت وقد هامت على وجهِها في الأرضِ، لم تجدْ لها أيَّ فلسفةٍ تَتْبَعُها؛ فأنشأتْ لنفسِها تصوُّرًا، وأوجَدتْ لها فلسفتَها، التي تُعَدُّ رَدَّةَ فعلٍ.
فعلى سبيلِ المثالِ: كانت «النِّسْويَّةُ» تطالِبُ بمساواةِ المرأةِ بالرجُل، وتُظهِرُ الرجُلَ نموذجًا مثاليًّا، وتؤكِّدُ (سِيمُونْ دي بُوفْوار) - والتي تُعَدُّ مِن مؤسِّسي الفكرِ النِّسْويِّ - على فكرةِ أن على المرأةِ أن تكونَ مثلَ الرجُل؛ وذلك في هوَسِ المساواة؛ فتتبنَّى المرأةُ طريقةَ الرجالِ في العيشِ، وفي العملِ، وفي الحُبِّ، وفي طريقةِ الكتابةِ، وفي كلِّ شيء، وقد كانت (سِيمُونْ دي بُوفْوار) معجَبةً بالذكورةِ، وتحتقِرُ الأنوثةَ؛ لذا كانت تحلُمُ بأن تتحوَّلَ المرأةُ إلى رجُل.
لكنْ مع الوقتِ أصبَحتِ «النِّسْويَّةُ» تحتقِرُ الرجُلَ، وتعاديهِ وتحارِبُه، وشخَّصَتِ الداءَ في الرجُلِ بوصفِهِ المسؤولَ عن الوضعيَّةِ المتردِّيةِ للمرأة.
كثيرٌ مِن المصطلَحاتِ هي ذاتُ مفاهيمَ غيرِ مستقِرَّةٍ، بل تأخُذُ معانيَ متجدِّدةً في تحوُّلاتِها الزمنيَّة، وهي كذلك تتأثَّرُ بأصحابِ النفوذِ، القادِرين على تشكيلِ المعاني المختلِفةِ، عَبْرَ وسائلِ الإعلامِ والتعليمِ، والأنظِمةِ وغيرِها.
فـ «النِّسْويَّةُ» تحوَّلتْ مِن مجرَّدِ مطالَباتٍ بحقوقِ المرأةِ، إلى مطالَباتٍ بمساواةٍ تامَّةٍ - تنمحي معها أنوثتُها - حتى وصَلتْ إلى مصادَمةِ أصولِ الفطرةِ السليمةِ؛ مِن إلغاءِ الفروقِ البَيُولوجيَّةِ بين الرجُلِ والمرأة.
وتعبِّرُ المنظِّرةُ النِّسْويَّةُ الفَرَنسيَّةُ الشهيرةُ (سِيمُونْ دي بُوفْوار) بقولِها: «لا نُولَدُ امرأةً، ولكنْ نَصيرُ امرأةً»، على إلغاءِ الفرقِ البَيُولُوجيِّ بين الرجُلِ والمرأة، وهو أساسُ الدعوةِ إلى المساواةِ الذي تتبنَّاه النِّسْويَّة، والمعنى الذي تريدُهُ: أن المرأةَ لا تُولَدُ امرأةً، وإنما تَصيرُ كذلك بفعلِ التنشئةِ الاجتماعيَّة.
وتطوَّر ذلك إلى إزالةِ كلِّ قيدٍ مِن العِفَّةِ وغيرِها؛ مما يَشمَلُ الدعوةَ إلى المِثْليَّةِ (السُّحَاقِ)، وإلغاءِ الزواجِ والأسرةِ، وحربِ الأمومةِ، وإباحةِ الإجهاضِ، فضلًا عن حربِ القِوامةِ والحِجابِ وغيرِها، حتى تطوَّرتْ إلى حربِ أيِّ دِينٍ - لكونِهِ يَحمِلُ قيودًا أخلاقيَّةً - وإنكارِ وجودِ اللهِ تعالى تبَعًا لذلك.
وهي بذلك تتداخَلُ مع مصطلَحاتٍ متعدِّدةٍ؛ فـ «الأبويَّةُ»، و«الأموميَّةُ»، و«الجَنْدَرُ»، و«المساواةُ بين الجنسَيْنِ»، و«تحريرُ المرأةِ»، و«الأنثويَّةُ»، تمَّ دَمْجُها أو دَمْجُ بعضِ معانيها في دعوةِ «الحرَكةِ النِّسْويَّة».
وليس معنى ذلك: أن كلَّ مَن تبنَّى «النِّسْويَّةَ» وصَلَ إلى نهايةِ الطريق، لكنَّ المقصودَ: هو السياقُ الذي تتَّجِهُ له «النِّسْويَّةُ»، ويُبرِزُهُ النافِذون لحربِ الإسلامِ والإنسانيَّةِ، ولمقاصدَ لا تَخْفى.
والمواضَعةُ البشريَّةُ إذا لم يكُنْ لها سِياجٌ إلهيٌّ يَضبِطُها، ظهَرتْ متناقِضةً، كما هو حالُ بني الإنسانِ، وهذا الأمرُ إن كان يسوِّغُ لـ «النِّسْويَّةِ الغربيَّةِ» ظهورَها، إلا أنه لا يسوِّغُ امتدادَها لبقيَّةِ العالَمِ؛ فالإسقاطاتُ الاجتماعيَّةُ تتفاوَتُ مِن مجتمَعٍ إلى مجتمَعٍ، والمجتمَعاتُ التي تُحكَمُ بقوانينَ وضعيَّةٍ لا يَصِحُّ أن تُعمَّمَ تجربتُها على الشعوبِ المسلِمة.
لقد وجَدتِ «النِّسْويَّةُ» استجابةً لها في مجتمَعاتِنا المسلِمةِ، في ظلِّ اتِّساعِ دائرةِ التواصُلِ الحديثِ، وقد صرَّحتْ كثيرٌ مِن النِّسْويَّاتِ العربيَّاتِ بوقوعِهنَّ في الزِّنى متفاخِرةً بذلك، ووصَلَ ذلك إلى إظهارِ السُّحَاق، والزِّنى وما لَحِقَ به: هو أصلٌ مِن أصولِ فسادِ العالَمِ؛ حتى قال بعضُ العارِفين بالنِّسْويَّةِ: «النِّسْويَّةُ هي النظريَّةُ، والسُّحاقُ هو التطبيقُ».
ومثلُ هذه التصريحاتِ - وإن كانت موغِلةً في الوَقَاحةِ والابتذالِ - إلا أنها تعبِّرُ عن حقيقةِ ما يريدُهُ ويدعو إليه الخطابُ النِّسْويُّ، وهي دعوةٌ قديمةٌ بيَّنها اللهُ تعالى في كتابِهِ؛ حيثُ قال:
{وَاللهُ يريدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيريدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}
[النساء: 27]
قال بعضُ السلفِ في تفسيرِ الآيةِ: «يعني: تَزْنُونَ كما يَزْنون».
غيرَ أن الذي غاب عن التصوُّرِ والفكرِ عند هؤلاءِ: أن التشريعَ الإسلاميَّ قد حَفِظَ حقوقَ المرأةِ كاملةً؛ لذا لم تكن هذه الفلسفةُ النِّسْويَّةُ - بخروجِها عن الدِّينِ وانسلاخِها منه - لِتَلْقى القَبولَ، وأما ما تظُنُّهُ المرأةُ مِن ظلمٍ واقعٍ عليها، فهو ناشئٌ عن أمرَيْن:
الأوَّلُ: ظلمٌ شخصيٌّ يمارِسُهُ أفرادٌ، ودِينُ الإسلامِ مِن تصرُّفاتِهم بريءٌ.
الثاني: فهمٌ قاصرٌ للتشريعِ الإسلاميِّ الذي عامَلَ المرأةَ بالعدل؛ حيثُ حَظِيَتْ فيه بالكرامة، وكانت حقوقُ المرأةِ متوافِقةً مع تكوينِها الفطريّ.
ولذا نرفُضُ - وَفْقَ التصوُّرِ الإسلاميِّ - المرتكَزاتِ الفكريَّةَ لـ «النِّسْويَّة»، كما نرفُضُ كثيرًا مِن تطبيقاتِها، وأما جزءٌ مِن مَطَالبِها - كتجريمِ الاغتصابِ، وغيرِه - فهو حقٌّ دعا إليه الإسلام، ولا ينبغي التسمِّي بـ «النِّسْويَّةِ» أو التأثُّرُ بأفكارِها نتيجةً لتفاصيلَ جزئيَّةٍ سبَقَ إليها الإسلام.
نتَجَ عن مفهومِ «النِّسْويَّةِ» آثارٌ على الأديان، وعلى الفكرِ والمعرفةِ، وعلى واقعِ المجتمَعِ والأفراد:
فأما تأثيراتُها على الأديانِ: فقد سعَتْ إلى محارَبتِها نظرًا لتبنِّي الأديانِ - وخصوصًا الإسلامَ - للمفهومِ الأخلاقيِّ والفطريِّ على تفاوُتٍ بينها في ذلك؛ مما اضطَرَّ «النِّسْويَّةَ» إلى محارَبتِها، أو على الأقلِّ: إخضاعُها للدِّراسةِ مِن منظورٍ نِسْويٍّ، والتعديلُ عليها؛ لتزيلَ التمييزَ ضدَّ المرأةِ حسَبَ رأيِهم، ثم ما لَبِثَتْ أن وصَلتْ إلى البحثِ عن دِينٍ وثَنيٍّ نِسْويٍّ؛ كما يقولُ بعضُ الباحثين.
وأما تأثيراتُها على الفكرِ والمعرفةِ: فأهمُّها دخولُ «النِّسْويَّةِ» في مجالاتٍ لم تكن مطروقةً مِن قبلُ؛ مثلُ: «النقدِ الأدبيِّ النِّسْويِّ»، و«النِّسْويَّةِ البيئيَّةِ»، و«علمِ الأخلاقِ النِّسْويِّ»، و«نظريَّةِ المعرفةِ النِّسْويَّةِ»، وقد دعَتِ «النِّسْويَّةُ» إلى إعادةِ قراءةِ التاريخ، كما دعَتْ إلى إعادةِ صياغةِ اللغة؛ لتَحمِلَ سِمةَ الحياد.
أما تأثيراتُها على واقعِ المجتمَعِ والأفراد:
ففي جانبِ المرأةِ: أدَّتِ «النِّسْويَّةُ» إلى فِقْدانِ التوازُنِ لدى المرأة، وجعَلتْ منها سِلْعةً وشيئًا مِن الأشياء، وخلَقتْ لها هُوِيَّةً جديدةً.
وفي جانبِ الأُسْرةِ: أدَّت إلى انهيارِ الأسرةِ وهدمِها؛ وذلك لأنها هاجَمَتْها مِن عدَّةِ نواحٍ، هي: الانتقاصُ مِن قدرِ الزواجِ وأهميَّتِه، والتقليلُ مِن شأنِ الأُمومةِ ووظيفتِها، وتغييرُ شكلِ الأسرةِ بضمِّ أشكالٍ جديدةٍ لها.
وفي جانبِ المجتمَعِ: أدَّت إلى الفوضى اللاأخلاقيَّة، كما أدَّت «النِّسْويَّةُ» إلى تعميقِ الصِّراعِ بين المرأةِ والرجُل:
ومنها على سبيلِ المثالِ: «الجَنْدَرُ»؛ وهو - كما يعبِّرُ بعضُ الباحثين - ليس إلا هلاكٌ للحَرْثِ والنَّسْل:
هلاكٌ للحرثِ: ممثَّلًا بكلِّ حرثٍ في الأرضِ، وكلِّ أوجُهِ العمل؛ فإسنادُ مهامِّ الرجُلِ للمرأةِ ظلمٌ، والضدُّ كذلك.
وهلاكٌ للنسلِ: لأنه سيُخِلُّ بمنظومةِ الجنسِ البشَريِّ بقَبولِهِ للتزاوُجِ بحسَبِ ما تُمليهِ ثقافةُ الفردِ على نفسِه.
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية:
ينبغي الحذَرُ مِن استخدامِ لفظِ «النِّسْويَّةِ»؛ إذْ تحوَّل مِن مصطلَحٍ لُغَويٍّ منسوبٍ للنساءِ، إلى مفهومٍ لحركةٍ تطوَّرتْ وتضمَّنتْ مفاهيمَ مصادِمةً للفطرةِ والدِّينِ والأخلاقِ والحياةِ البشَريَّة.