نص السؤال

إن دَوْرَ المرأةِ في المجتمَعِ الإسلاميِّ على جانبٍ كبيرٍ مِن الضَّآلةِ، وإن ضآلةَ مرتبَتِها كانت أمرًا مسلَّمًا به في جميعِ مظاهرِ الحياة؛ حتى إنه في مسألةِ الميراثِ لا يُساوَى بينها وبين الرجُل؛ فلم يكن نصيبُها إلا نصفَ نصيبِ الرجُل.

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

الإسلامُ لا يُساوي بين الرجُلِ والمرأةِ في الميراث؛ ومِن ثَمَّ فهو دِينٌ مزيَّفٌ.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

إن هذه المسألةَ مِن الأمورِ التي أثارها المستشرِقون والمنصِّرون بُغْيةَ تشويهِ صورةِ الإسلامِ وانتقاصِه؛ للتنفيرِ منه على الأقلِّ بين أنصارِهم وبني جِلْدتِهم.

غيرَ أننا نُشيرُ ابتداءً إلى أن بعضَ المنصِفين مِن الغربيِّين أشادوا بنظامِ الإرثِ في الإسلام؛ فمِن ذلك قولُ (غُوسْتاف لُوبُون): «تُعَدُّ مبادئُ المواريثِ التي نَصَّ عليها القرآنُ بالغةَ العدلِ والإنصاف، ويَظهَرُ مِن مقابَلتي بينها وبين الحقوقِ الفَرَنْسيَّةِ والإنجليزيَّةِ: أن الشريعةَ الإسلاميَّةَ منَحَتِ الزوجاتِ - اللاتي يُزعَمُ أن المسلِمين لا يعاشِرونهنَّ بالمعروف - حقوقًا في المواريث، لا تجدُ مثلَها في قوانينِنا».

وهذه الشبهةُ سيتَّسِعُ مجالُ إيرادِ النقولِ والنصوصِ في تفنيدِها؛ إذا كان مُثيرُها نصرانيًّا؛ لكثرةِ الشهاداتِ مِن الغربيِّين وغيرِهم على جنايةِ الكنيسةِ على المرأةِ في قوانينِهم في الميراث؛ مما لا يتَّسِعُ المقامُ لذكرِها، غيرَ أننا نقولُ: «مَن كان بيتُهُ مِن زُجاجٍ، فلا يَرْمِ الناسَ بالحجارة».

والجوابُ عن هذه الشبهةِ يحتاجُ إلى بيانِ أن مسألةَ الميراثِ لا تَصِحُّ دليلًا على تحقيرِ المرأةِ في الإسلام.

وبيانُ ذلك تفصيلًا مِن ثلاثةِ أوجُه:

1- تقسيمُ الميراثِ في الشريعةِ الإسلاميَّةِ يقومُ على أُسُسٍ لا تتعلَّقُ بتحقيرِ المرأةِ، أو إنكارِ كِيانِها؛ ويُمكِنُ إرجاعُ تلك الأُسُسِ إلى ثلاثة:

الأساسُ الأوَّلُ: صِلةُ الوارثِ بالمورِّث:

فكلما اقترَبتْ صلةُ القرابةِ مِن المورِّث، زاد نصيبُ الوارث، وكلما تناءتِ القرابةُ، قَلَّ النصيبُ في الميراث؛ فابنةُ المتوفَّى - مثلًا - ترثُ نصيبًا أكبَرَ مِن نصيبِ والدِ المتوفَّى.

الأساسُ الثاني: موقعُ الوارثِ مِن الحياة:

إذْ إن الأجيالَ التي تستقبِلُ الحياةَ تَرِثُ في الأغلبِ أكثرَ مِن الأجيالِ التي تستعِدُّ للرحيلِ مِن الحياة؛ فالبنتُ تَرِثُ أكثرَ مِن الأب.

الأساسُ الثالثُ: ثِقَلُ الأعباءِ الماليَّةِ التي تُلزِمُ بها الشريعةُ الوارثَ:

وهنا يرثُ الذكَرُ ضعفَ ما ترثُ الأنثى التي لا تُكلَّفُ بالإنفاقِ على الزوج، أو الأولادِ، أو الآباءِ، أو القرابةِ العاجزةِ مادِّيًّا، وفي هذه الصورةِ يَظهَرُ أن التمييزَ لا تعلُّقَ له بطبيعةِ الجنس، وإنما هو مرتبِطٌ بطبيعةِ الإنفاق؛ وهذا ما سنوضِّحُهُ في النقطةِ التالية:

2- المرأةُ في الشريعةِ الإسلاميَّةِ مكفولةٌ ماليًّا مِن الذكورِ مِن أقاربِها:

فمَن يتحدَّثُ في أبوابِ التساوي بين المرأةِ والرجُلِ في الميراثِ، يتحدَّثُ عنها مجرِّدًا لها عن نظامِ الأموالِ المتوازي المكافئِ في الدِّين؛ فتقسيمُ الإسلامِ للأموالِ إنما هو وَفْقَ نظامٍ كاملٍ، وليس حالةً واحدة:

فهي إما أن تكونَ بنتًا: وجمهورُ العلماءِ يقولون بأن الأبَ مُلزَمٌ بالإنفاقِ على بنتِهِ حتى تتزوَّجَ، فإن لم يكن موجودًا، فنفَقتُها على الأخ، وهكذا تنتقِلُ كَفَالتُها الماليَّةُ بين الذكورِ، دون أن يُؤخَذَ مِن مالِها الخاصِّ شيءٌ.

وإما أن تكونَ زوجةً: فنفقتُها على زوجِها، وتَشمَلُ المأكَلَ، والمَشرَبَ، والمَسكَنَ، والمَلبَسَ، وهي واجبةٌ عليه، وإنْ كانت ذاتَ مال.

ولا يجوزُ أن تَدفَعَ مهرًا لنفسِها أو لزوجِها، ولو تكرَّر زواجُها مِن الرجال، ثيِّبًا كانت أم بِكْرًا.

ولو خطَبَ المرأةَ رجُلٌ، وعقَدَ عليها، وطلَّقها قبل أن يدخُلَ بها -: يجبُ عليه أن يُنفِقَ عليها حتى تخرُجَ مِن العدَّة؛ كيلا تبقى يومًا بلا نفقةٍ، حتى لا يتقاذَفَ المسؤوليَّةَ الأبُ أو الزوجُ؛ فقد حُسِمَ الأمرُ مِن اللهِ تعالى بنصِّ القرآن:

{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}

[البقرة:236].

وإما أن تكونَ أمًّا: فإنها لا تُكلَّفُ بشيءٍ مِن نفقةِ أبنائِها، وإنما تكونُ نفقتُهم على الأب، كما أن ابنَها يجبُ عليه أن يُنفِقَ عليها وعلى أبيهِ إن كان صحيحًا قادرًا، وكانت هي مُعسِرةً، وهي ذاتُ ذِمَّةٍ ماليَّةٍ مستقِلَّةٍ، تتصرَّفُ فيما تحُوزُهُ مِن مالٍ مِن مكاسِبِهِ الشرعيَّة، بما أباحَتْهُ لها الشريعةُ الإسلاميَّةُ مِن تصرُّفات.

نَعَمْ؛ إن كثيرًا مِن الغربِ قد حاوَلوا تربيةَ النساءِ على الاستقلال، وتعليمَهُنَّ طرُقَ الكسب، وجعَلوا للبناتِ رأيًا في اختيارِ الأزواج.

ولكنهم لم يخرُجوا عن جعلِ المرأةِ تابعةً للرجُل، ولم يَقدِروا على جعلِ أكثرِ النساءِ مستقِلَّاتٍ في معيشتِهِنَّ، غنيَّاتٍ عن الرجال، بل يربُّون فتياتِهم على ما يهواهُ فِتْيانُهم.

والمرأةُ إذا تزوَّجتْ، سُلِبَتْ كُنْيتَها واسمَها إلى اسمِ زوجِها؛ فهم لم يبلُغوا شأوَ كثيرٍ مِن المسلِمين في الحياةِ الاجتماعيَّة؛ فللفتاةِ المخطوبةِ عند المسلِمين مقامٌ رفيعٌ، ولربَّةِ البيتِ مكانةٌ عالية، ولأُمِّ الأولادِ المَقامُ الأعلى.

3- ميراثُ الأنثى قد يفُوقُ ميراثَ الذكَر، وقد يُساويه، وفي حالاتٍ أخرى: ترثُ الأنثى ولا يرثُ الذكَر؛ وبهذا تتَّضِحُ الصورةُ وتكتمِلُ:

صحيحٌ أن ذلك ليس راجعًا إلى كونِها أنثى، بل إلى كونِها أقربَ مِن الذكَرِ في هذه الحالةِ، أو نحوَ ذلك؛ ولكنْ في هذا إشارةٌ إلى أن كونَها أنثى ليس مانعًا مِن إعطائِها ما تستحِقُّه.

فهي إذا تساوت مع الرجُلِ في جهةِ القرابةِ ودرجتِها، ونحوِ ذلك، أخَذَ الرجُلُ أكثرَ منها غالبًا؛ لأن للرجُلِ مِيزةً عليها، وهي تحمِّلُهُ النفقةَ، ونحوَ ذلك.

ولكنْ متى كانت لها مِيزةٌ ليست عند الرجُلِ، أخَذتْ أكثرَ منه في الميراث؛ سواءٌ كانت هذه المِيزةُ نوعَ القرابةِ مِن الميِّتِ، أو درجَتَهُ، أو غيرَ ذلك؛ فعُلِمَ أن التفضيلَ مرجعُهُ إلى المِيزةِ، لا لمجرَّدِ كونِهِ ذكَرًا، أو كونِها أنثى:

فمِن الحالاتِ التي ترثُ فيها الأنثى أكثرَ مِن الذكَر:

لو مات رجُلٌ عن زوجةٍ، وبنتٍ، وأمٍّ، وأختَيْنِ لأُمٍّ، وأخٍ شقيقٍ، لوجَدْنا أن للزوجةِ ثلاثةَ أسهُمٍ مِن أصلِ أربعةٍ وعشرين سهمًا، وللأمِّ أربعةٌ، وللأخِ الشقيقِ خمسةُ أسهُمٍ، وتُحجَبُ الأختانِ لأمٍّ بالبنتِ، ويكونُ لها هنا اثنا عشَرَ سهمًا؛ فالبنتُ ترثُ في هذه المسألةِ أكثرَ مِن الأخِ الشقيق.

وكذلك الأمرُ: لو حَلَّ مَحَلَّ البنتِ بنتُ ابنٍ وإنْ نزَلَ، أو كان مَحَلَّ الأخِ الشقيقِ أبٌ، أو أخٌ لأبٍ، أو عمٌّ شقيقٌ، أو عمٌّ لأبٍ؛ فالبنوَّةُ مقدَّمةٌ على الأبوَّةِ والأخوَّة.

ولو ماتت امرأةٌ عن زوجٍ، وبنتٍ، وأختٍ شقيقةٍ، وأختٍ لأبٍ، فإن للزوجِ سهمًا واحدًا مِن أصلِ أربعةِ أسهُمٍ، وللبنتِ سهمَيْنِ، وللأختِ الشقيقةِ سهمًا واحدًا، وأما الأختُ لأبٍ، فمحجوبةٌ بالشقيقة؛ فالزوجُ هنا يرثُ نصفَ ما ترثُهُ البنت.

وكذلك الأمرُ: لو حَلَّ مَحَلَّ البنتِ: بنتُ ابنٍ وإنْ نزَلَ، أو أختٌ شقيقةٌ، أو لأبٍ، منفرِداتٌ، ودون وجودِ فرعٍ وارثٍ مذكَّرٍ أو مؤنَّثٍ، مع العمِّ الشقيقِ أو لأبٍ؛ فإنهنَّ يَرِثْنَ في مثلِ هذه الحالةِ أكثرَ مِن الزوجِ، وأكثرَ مِن العمِّ.

ومِن الحالاتِ التي تستوي فيه الأنثى والذكَرُ؛ فترثُ مِثلَه:

- إذا ترَكَ الميِّتُ بنتًا، وأبًا؛ فللبنتِ نصفُ التركةِ فرضًا، وللأبِ سدُسُ التركةِ فرضًا، وباقي التركةِ تعصيبًا (أي: للبنتِ نصفُ التركةِ مثلَ الأبِ).

- وكذلك: إذا ترَكَ الميِّتُ بنتَ ابنٍ، وجَدًّا؛ فلبنتِ الابنِ نصفُ التركةِ فرضًا، وللجَدِّ سدُسُ التركةِ فرضًا، والباقي تعصيبًا (أي: لبنتِ الابنِ نصفُ التركةِ مثلَ الجَدِّ).

ومِن الحالاتِ التي ترثُ فيها الأنثى، دون أن يرثَ الذكَرُ:

لو مات شخصٌ عن أُمٍّ، وبنتَيْنِ، وأختَيْنِ لأبٍ، وأخٍ لأمٍّ، فإن للأمِّ سهمَيْنِ مِن أصلِ ثمانيةٍ، ولكلِّ واحدةٍ مِن البنتَيْنِ أربعةُ أسهُمٍ، ويَبْقى للأختَيْنِ لأبٍ سهمان، لكلٍّ منهما سهمٌ، بينما يُحجَبُ الأخُ لأمٍّ بالأخواتِ لأبٍ؛ فجميعُ الإناثِ في هذه المسألةِ يَرِثْنَ باستثناءِ الأخِ لأمٍّ.

فما سُقْناهُ مِن أمثلةٍ يُثبِتُ بالدليلِ القاطعِ: أن شريعةَ اللهِ في الميراثِ، لا تُحابي جنسًا على جنس، إنما هي اعتباراتٌ في كلٍّ مِن الذكَرِ والأنثى، يقتضي الحقُّ والمَنطِقُ والعدلُ مراعاتَها.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

إن صاحبَ السؤالِ يريدُ أن يقولَ: إن الدِّينَ الإسلاميَّ - أو المتمسِّكَ به - يحتقِرُ المرأة؛ ومِن الدلائلِ على ذلك - وَفْقَ زعمِهِ - عدمُ تسويتِهِ بين المرأةِ وبين الرجُلِ في الميراث.

مختصَرُ الإجابة:

إن الإسلامَ هو الدينُ الوحيدُ الذي أنصَفَ المرأةَ في مقابِلِ الأديان الأخرى؛ كاليهوديَّة، والنَّصْرانيَّة.

والشريعةُ الإسلاميَّةُ عَدْلٌ كلُّها، وحكمةٌ كلُّها، غيرَ أن مفهومَ «العدلِ»، مفهومٌ مختلِفٌ عن «مفهومِ المساواة»؛ فلا يُشترَطُ لتحقيقِ العدلِ - الذي هو: وضعُ الشيءِ في موضعِهِ - التسويةُ في كلِّ شيءٍ، وإنما يُراعَى تحقيقُ المصلحة، وقد رأَيْنا أن الشريعةَ حقَّقتْ مصلحةَ المرأةِ في قضاءِ حوائجِها؛ بأنْ جعَلتْ لها ذِمَّةً ماليَّةً مستقِلَّة، وألزَمتْ مَن يَعُولُها مِن الذكورِ بالإنفاقِ عليها، وغيرِ ذلك.

فلا إشكالَ على ذلك: أنْ جعَلَ نصيبَها في الميراثِ في بعضِ الحالاتِ على النصفِ مِن نصيبِ الرجُل.

ولو سلَّمْنا جدلًا أن التسويةَ بينهما في الميراثِ أمرٌ مطلوبٌ، فإننا نجدُ الشريعةَ في حالاتٍ أخرى قد أعطَتِ المرأةَ نصيبًا كالرجُل، وفي حالاتٍ: أكثَرَ منه، وفي حالاتٍ: أعطتِ المرأةَ ولم تُعْطِ الرجُل.

خاتمة الجواب

ينبغي قبل الحكمِ على منزلةِ المرأةِ في الإسلامِ: أن يُنظَرَ إلى كاملِ الصورة، وليس إلى جزءٍ معيَّنٍ منها قد يكونُ الاقتصارُ عليه منفِّرًا، ولكنَّ وَضْعَهُ ضمنَ المنظومةِ المتكامِلةِ يُظهِرُ كمالَهُ وحسنَهُ وعَدْلَه.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (135)، (143)، (146)، (147)، (149)، (205)، (213)، (214)، (227)، (233)، (246).

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

إن صاحبَ السؤالِ يريدُ أن يقولَ: إن الدِّينَ الإسلاميَّ - أو المتمسِّكَ به - يحتقِرُ المرأة؛ ومِن الدلائلِ على ذلك - وَفْقَ زعمِهِ - عدمُ تسويتِهِ بين المرأةِ وبين الرجُلِ في الميراث.

مختصَرُ الإجابة:

إن الإسلامَ هو الدينُ الوحيدُ الذي أنصَفَ المرأةَ في مقابِلِ الأديان الأخرى؛ كاليهوديَّة، والنَّصْرانيَّة.

والشريعةُ الإسلاميَّةُ عَدْلٌ كلُّها، وحكمةٌ كلُّها، غيرَ أن مفهومَ «العدلِ»، مفهومٌ مختلِفٌ عن «مفهومِ المساواة»؛ فلا يُشترَطُ لتحقيقِ العدلِ - الذي هو: وضعُ الشيءِ في موضعِهِ - التسويةُ في كلِّ شيءٍ، وإنما يُراعَى تحقيقُ المصلحة، وقد رأَيْنا أن الشريعةَ حقَّقتْ مصلحةَ المرأةِ في قضاءِ حوائجِها؛ بأنْ جعَلتْ لها ذِمَّةً ماليَّةً مستقِلَّة، وألزَمتْ مَن يَعُولُها مِن الذكورِ بالإنفاقِ عليها، وغيرِ ذلك.

فلا إشكالَ على ذلك: أنْ جعَلَ نصيبَها في الميراثِ في بعضِ الحالاتِ على النصفِ مِن نصيبِ الرجُل.

ولو سلَّمْنا جدلًا أن التسويةَ بينهما في الميراثِ أمرٌ مطلوبٌ، فإننا نجدُ الشريعةَ في حالاتٍ أخرى قد أعطَتِ المرأةَ نصيبًا كالرجُل، وفي حالاتٍ: أكثَرَ منه، وفي حالاتٍ: أعطتِ المرأةَ ولم تُعْطِ الرجُل.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

إن هذه المسألةَ مِن الأمورِ التي أثارها المستشرِقون والمنصِّرون بُغْيةَ تشويهِ صورةِ الإسلامِ وانتقاصِه؛ للتنفيرِ منه على الأقلِّ بين أنصارِهم وبني جِلْدتِهم.

غيرَ أننا نُشيرُ ابتداءً إلى أن بعضَ المنصِفين مِن الغربيِّين أشادوا بنظامِ الإرثِ في الإسلام؛ فمِن ذلك قولُ (غُوسْتاف لُوبُون): «تُعَدُّ مبادئُ المواريثِ التي نَصَّ عليها القرآنُ بالغةَ العدلِ والإنصاف، ويَظهَرُ مِن مقابَلتي بينها وبين الحقوقِ الفَرَنْسيَّةِ والإنجليزيَّةِ: أن الشريعةَ الإسلاميَّةَ منَحَتِ الزوجاتِ - اللاتي يُزعَمُ أن المسلِمين لا يعاشِرونهنَّ بالمعروف - حقوقًا في المواريث، لا تجدُ مثلَها في قوانينِنا».

وهذه الشبهةُ سيتَّسِعُ مجالُ إيرادِ النقولِ والنصوصِ في تفنيدِها؛ إذا كان مُثيرُها نصرانيًّا؛ لكثرةِ الشهاداتِ مِن الغربيِّين وغيرِهم على جنايةِ الكنيسةِ على المرأةِ في قوانينِهم في الميراث؛ مما لا يتَّسِعُ المقامُ لذكرِها، غيرَ أننا نقولُ: «مَن كان بيتُهُ مِن زُجاجٍ، فلا يَرْمِ الناسَ بالحجارة».

والجوابُ عن هذه الشبهةِ يحتاجُ إلى بيانِ أن مسألةَ الميراثِ لا تَصِحُّ دليلًا على تحقيرِ المرأةِ في الإسلام.

وبيانُ ذلك تفصيلًا مِن ثلاثةِ أوجُه:

1- تقسيمُ الميراثِ في الشريعةِ الإسلاميَّةِ يقومُ على أُسُسٍ لا تتعلَّقُ بتحقيرِ المرأةِ، أو إنكارِ كِيانِها؛ ويُمكِنُ إرجاعُ تلك الأُسُسِ إلى ثلاثة:

الأساسُ الأوَّلُ: صِلةُ الوارثِ بالمورِّث:

فكلما اقترَبتْ صلةُ القرابةِ مِن المورِّث، زاد نصيبُ الوارث، وكلما تناءتِ القرابةُ، قَلَّ النصيبُ في الميراث؛ فابنةُ المتوفَّى - مثلًا - ترثُ نصيبًا أكبَرَ مِن نصيبِ والدِ المتوفَّى.

الأساسُ الثاني: موقعُ الوارثِ مِن الحياة:

إذْ إن الأجيالَ التي تستقبِلُ الحياةَ تَرِثُ في الأغلبِ أكثرَ مِن الأجيالِ التي تستعِدُّ للرحيلِ مِن الحياة؛ فالبنتُ تَرِثُ أكثرَ مِن الأب.

الأساسُ الثالثُ: ثِقَلُ الأعباءِ الماليَّةِ التي تُلزِمُ بها الشريعةُ الوارثَ:

وهنا يرثُ الذكَرُ ضعفَ ما ترثُ الأنثى التي لا تُكلَّفُ بالإنفاقِ على الزوج، أو الأولادِ، أو الآباءِ، أو القرابةِ العاجزةِ مادِّيًّا، وفي هذه الصورةِ يَظهَرُ أن التمييزَ لا تعلُّقَ له بطبيعةِ الجنس، وإنما هو مرتبِطٌ بطبيعةِ الإنفاق؛ وهذا ما سنوضِّحُهُ في النقطةِ التالية:

2- المرأةُ في الشريعةِ الإسلاميَّةِ مكفولةٌ ماليًّا مِن الذكورِ مِن أقاربِها:

فمَن يتحدَّثُ في أبوابِ التساوي بين المرأةِ والرجُلِ في الميراثِ، يتحدَّثُ عنها مجرِّدًا لها عن نظامِ الأموالِ المتوازي المكافئِ في الدِّين؛ فتقسيمُ الإسلامِ للأموالِ إنما هو وَفْقَ نظامٍ كاملٍ، وليس حالةً واحدة:

فهي إما أن تكونَ بنتًا: وجمهورُ العلماءِ يقولون بأن الأبَ مُلزَمٌ بالإنفاقِ على بنتِهِ حتى تتزوَّجَ، فإن لم يكن موجودًا، فنفَقتُها على الأخ، وهكذا تنتقِلُ كَفَالتُها الماليَّةُ بين الذكورِ، دون أن يُؤخَذَ مِن مالِها الخاصِّ شيءٌ.

وإما أن تكونَ زوجةً: فنفقتُها على زوجِها، وتَشمَلُ المأكَلَ، والمَشرَبَ، والمَسكَنَ، والمَلبَسَ، وهي واجبةٌ عليه، وإنْ كانت ذاتَ مال.

ولا يجوزُ أن تَدفَعَ مهرًا لنفسِها أو لزوجِها، ولو تكرَّر زواجُها مِن الرجال، ثيِّبًا كانت أم بِكْرًا.

ولو خطَبَ المرأةَ رجُلٌ، وعقَدَ عليها، وطلَّقها قبل أن يدخُلَ بها -: يجبُ عليه أن يُنفِقَ عليها حتى تخرُجَ مِن العدَّة؛ كيلا تبقى يومًا بلا نفقةٍ، حتى لا يتقاذَفَ المسؤوليَّةَ الأبُ أو الزوجُ؛ فقد حُسِمَ الأمرُ مِن اللهِ تعالى بنصِّ القرآن:

{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}

[البقرة:236].

وإما أن تكونَ أمًّا: فإنها لا تُكلَّفُ بشيءٍ مِن نفقةِ أبنائِها، وإنما تكونُ نفقتُهم على الأب، كما أن ابنَها يجبُ عليه أن يُنفِقَ عليها وعلى أبيهِ إن كان صحيحًا قادرًا، وكانت هي مُعسِرةً، وهي ذاتُ ذِمَّةٍ ماليَّةٍ مستقِلَّةٍ، تتصرَّفُ فيما تحُوزُهُ مِن مالٍ مِن مكاسِبِهِ الشرعيَّة، بما أباحَتْهُ لها الشريعةُ الإسلاميَّةُ مِن تصرُّفات.

نَعَمْ؛ إن كثيرًا مِن الغربِ قد حاوَلوا تربيةَ النساءِ على الاستقلال، وتعليمَهُنَّ طرُقَ الكسب، وجعَلوا للبناتِ رأيًا في اختيارِ الأزواج.

ولكنهم لم يخرُجوا عن جعلِ المرأةِ تابعةً للرجُل، ولم يَقدِروا على جعلِ أكثرِ النساءِ مستقِلَّاتٍ في معيشتِهِنَّ، غنيَّاتٍ عن الرجال، بل يربُّون فتياتِهم على ما يهواهُ فِتْيانُهم.

والمرأةُ إذا تزوَّجتْ، سُلِبَتْ كُنْيتَها واسمَها إلى اسمِ زوجِها؛ فهم لم يبلُغوا شأوَ كثيرٍ مِن المسلِمين في الحياةِ الاجتماعيَّة؛ فللفتاةِ المخطوبةِ عند المسلِمين مقامٌ رفيعٌ، ولربَّةِ البيتِ مكانةٌ عالية، ولأُمِّ الأولادِ المَقامُ الأعلى.

3- ميراثُ الأنثى قد يفُوقُ ميراثَ الذكَر، وقد يُساويه، وفي حالاتٍ أخرى: ترثُ الأنثى ولا يرثُ الذكَر؛ وبهذا تتَّضِحُ الصورةُ وتكتمِلُ:

صحيحٌ أن ذلك ليس راجعًا إلى كونِها أنثى، بل إلى كونِها أقربَ مِن الذكَرِ في هذه الحالةِ، أو نحوَ ذلك؛ ولكنْ في هذا إشارةٌ إلى أن كونَها أنثى ليس مانعًا مِن إعطائِها ما تستحِقُّه.

فهي إذا تساوت مع الرجُلِ في جهةِ القرابةِ ودرجتِها، ونحوِ ذلك، أخَذَ الرجُلُ أكثرَ منها غالبًا؛ لأن للرجُلِ مِيزةً عليها، وهي تحمِّلُهُ النفقةَ، ونحوَ ذلك.

ولكنْ متى كانت لها مِيزةٌ ليست عند الرجُلِ، أخَذتْ أكثرَ منه في الميراث؛ سواءٌ كانت هذه المِيزةُ نوعَ القرابةِ مِن الميِّتِ، أو درجَتَهُ، أو غيرَ ذلك؛ فعُلِمَ أن التفضيلَ مرجعُهُ إلى المِيزةِ، لا لمجرَّدِ كونِهِ ذكَرًا، أو كونِها أنثى:

فمِن الحالاتِ التي ترثُ فيها الأنثى أكثرَ مِن الذكَر:

لو مات رجُلٌ عن زوجةٍ، وبنتٍ، وأمٍّ، وأختَيْنِ لأُمٍّ، وأخٍ شقيقٍ، لوجَدْنا أن للزوجةِ ثلاثةَ أسهُمٍ مِن أصلِ أربعةٍ وعشرين سهمًا، وللأمِّ أربعةٌ، وللأخِ الشقيقِ خمسةُ أسهُمٍ، وتُحجَبُ الأختانِ لأمٍّ بالبنتِ، ويكونُ لها هنا اثنا عشَرَ سهمًا؛ فالبنتُ ترثُ في هذه المسألةِ أكثرَ مِن الأخِ الشقيق.

وكذلك الأمرُ: لو حَلَّ مَحَلَّ البنتِ بنتُ ابنٍ وإنْ نزَلَ، أو كان مَحَلَّ الأخِ الشقيقِ أبٌ، أو أخٌ لأبٍ، أو عمٌّ شقيقٌ، أو عمٌّ لأبٍ؛ فالبنوَّةُ مقدَّمةٌ على الأبوَّةِ والأخوَّة.

ولو ماتت امرأةٌ عن زوجٍ، وبنتٍ، وأختٍ شقيقةٍ، وأختٍ لأبٍ، فإن للزوجِ سهمًا واحدًا مِن أصلِ أربعةِ أسهُمٍ، وللبنتِ سهمَيْنِ، وللأختِ الشقيقةِ سهمًا واحدًا، وأما الأختُ لأبٍ، فمحجوبةٌ بالشقيقة؛ فالزوجُ هنا يرثُ نصفَ ما ترثُهُ البنت.

وكذلك الأمرُ: لو حَلَّ مَحَلَّ البنتِ: بنتُ ابنٍ وإنْ نزَلَ، أو أختٌ شقيقةٌ، أو لأبٍ، منفرِداتٌ، ودون وجودِ فرعٍ وارثٍ مذكَّرٍ أو مؤنَّثٍ، مع العمِّ الشقيقِ أو لأبٍ؛ فإنهنَّ يَرِثْنَ في مثلِ هذه الحالةِ أكثرَ مِن الزوجِ، وأكثرَ مِن العمِّ.

ومِن الحالاتِ التي تستوي فيه الأنثى والذكَرُ؛ فترثُ مِثلَه:

- إذا ترَكَ الميِّتُ بنتًا، وأبًا؛ فللبنتِ نصفُ التركةِ فرضًا، وللأبِ سدُسُ التركةِ فرضًا، وباقي التركةِ تعصيبًا (أي: للبنتِ نصفُ التركةِ مثلَ الأبِ).

- وكذلك: إذا ترَكَ الميِّتُ بنتَ ابنٍ، وجَدًّا؛ فلبنتِ الابنِ نصفُ التركةِ فرضًا، وللجَدِّ سدُسُ التركةِ فرضًا، والباقي تعصيبًا (أي: لبنتِ الابنِ نصفُ التركةِ مثلَ الجَدِّ).

ومِن الحالاتِ التي ترثُ فيها الأنثى، دون أن يرثَ الذكَرُ:

لو مات شخصٌ عن أُمٍّ، وبنتَيْنِ، وأختَيْنِ لأبٍ، وأخٍ لأمٍّ، فإن للأمِّ سهمَيْنِ مِن أصلِ ثمانيةٍ، ولكلِّ واحدةٍ مِن البنتَيْنِ أربعةُ أسهُمٍ، ويَبْقى للأختَيْنِ لأبٍ سهمان، لكلٍّ منهما سهمٌ، بينما يُحجَبُ الأخُ لأمٍّ بالأخواتِ لأبٍ؛ فجميعُ الإناثِ في هذه المسألةِ يَرِثْنَ باستثناءِ الأخِ لأمٍّ.

فما سُقْناهُ مِن أمثلةٍ يُثبِتُ بالدليلِ القاطعِ: أن شريعةَ اللهِ في الميراثِ، لا تُحابي جنسًا على جنس، إنما هي اعتباراتٌ في كلٍّ مِن الذكَرِ والأنثى، يقتضي الحقُّ والمَنطِقُ والعدلُ مراعاتَها.

خاتمة الجواب

ينبغي قبل الحكمِ على منزلةِ المرأةِ في الإسلامِ: أن يُنظَرَ إلى كاملِ الصورة، وليس إلى جزءٍ معيَّنٍ منها قد يكونُ الاقتصارُ عليه منفِّرًا، ولكنَّ وَضْعَهُ ضمنَ المنظومةِ المتكامِلةِ يُظهِرُ كمالَهُ وحسنَهُ وعَدْلَه.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (135)، (143)، (146)، (147)، (149)، (205)، (213)، (214)، (227)، (233)، (246).