نص السؤال
دعوى صلب المسيح - عليه السلام - فداء للبشر
عبارات مشابهة للسؤال
الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.
الجواب التفصيلي
دعوى صلب المسيح - عليه السلام - فداء للبشر (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المتوهمين أن الله قد ضحى بولده المسيح - عليه السلام - كي ينقذ ويفدي البشرية من الخطيئة التي ورثوها عن آدم - عليه السلام - وهم بذلك يثبتون عقيدة الصلب والفداء.
وجوه إبطال الشبهة:
1) مفهوم العدالة الإلهية يقتضي أن يحاسب الإنسان عن عمله، بيد أن إقرار عقيدة الصلب فداء للبشر ينافي صفتي العدل والرحمة لله عز وجل.
2) عقيدة الفداء والصلب خرافة وثنية اقتبسها بولس من العقائد الوثنية القديمة.
3) نصوص الكتاب المقدس تبطل عقيدة الصلب والفداء.
4) عقيدة صلب المسيح - عليه السلام - باطلة بشهادة بعض النصارى مثل: أدوارسيوس، وارنست دي بولس، وملمن.... وغيرهم.
التفصيل:
أولا. مفهوم العدالة يقتضي أن يحاسب الإنسان عن عمله وإقرار عقيدة الصلب ينافي صفتي الرحمة والعدل لله:
يفصل الإمام الألوسي القول في هذه القضية مخاطبا النصارى قائلا: ألستم تقولون إن آدم - عليه السلام - استرجع وتاب؟ فأي شيء أبقت التوبة من ذنبه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له؟ فصار حينئذ قتل المسيح عبثا تعالى الله عنه.
ونقول لهم: أخبرونا عن هذا القضاء أليس هو استدراك مصلحة الأداء، وهو أن يأتي القاضي بمثل ما قصر فيه؟ فإن قالوا: نعم. قلنا: فالذي فوته آدم الانكفاف عن الأكل فيكون قضاؤه بصوم المسيح، فإن قالوا: إن آدم وجب عليه موت المعصية وهو الخلود في النيران أبدا وهو أعظم الميتين، فجاء موت المسيح قضاء عن ذلك الموت، فصار من جنسه. قلنا: هذا باطل؛ لأنه لو كان موت المسيح من جنس موت آدم لكان أماته الله - عز وجل - موت الخطيئة، وكان مخلدا في النار بدلا عن آدم؛ فموت الطبيعة ليس بدلا عن موت الخطيئة، وإذا بطلت دعواكم بطل قتل المسيح؛ إذ صار ساذجا عن المعنى فارغا عن الفائدة، والرب يتعالى عن العبث، وقلنا لهم أيضا: إن ولد الصلب أولى من ولد البنت في كثير من الأحكام، فولد صلب آدم أولى في الفداء من ولد بنته، وهو المسيح.
فإن قالوا: هو ابن الله فلا يصلح لفداء الخلائق غيره، قلنا: أليس عندكم في التوراة أن إسرائيل هو بكر الله، والبكر أولى وأفضل عند أبيه؟ فهلا فداه به ولم يدع الناس في عذاب إلى مجيء المسيح؟ ثم نقول: المسيح عندكم هو الإله الأزلي، وعند طائفة منكم هو ابن الله، فكيف يستقيم أن يكون الله - عز وجل - نفسه أو ابنه بدلا عن عبيده؟ والله - سبحانه وتعالى - هو الذي يتوفى الأنفس وبأمره وإرادته، فيتحد حينئذ القاتل والقتيل فيكون قاتلا قتيلا، ثم نقول: أرأيتم أن رجلا أمر عبده بأمر فخالف العبد، فغضب عليه وأوعده، فخاف العبد وأشفق من عقوبته، فرجع إلى خدمته وشمر في مرضاته، فعطف عليه مولاه رحمة منه، ثم التفت إلى ابنه فقال: هذا فداؤك فتسلم روحه أو إلى نفسه، فقتل نفسه عن عبده. أكنتم تعدونه حكيما أو عاقلا؟ فاعترفوا بالحق ولا تغالطوا أنفسكم.
ثم نقول: ألستم تعيبون
قول ربنا - سبحانه وتعالى - في القرآن العظيم:
(وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)
(النساء: ١٥٧)
ففي تكذيبه تكذيب لكل نبوات الأنبياء، عيسى فمن فوقه - عليهم السلام - وقد زعمتم أن قتل الشبه فداء عن المسيح - عليه السلام - ظلم وحيف لا يليق بالحكمة، فكيف نسيتم نفوسكم هاهنا وجوزتم أن يقتل الله - عز وجل - نفسه أو ابنه وينكل به على يد أعدائه فداء آدم، ولم تجعلوا ذلك ظلما وحيفا، والجور لا يجوز على العبد؟
ثم يقال لهم: هلا جعلتم هابيل بن آدم - عليه السلام - الذي قتله قابيل هو الفداء؛ لأنه من جوهر أبيه، وأما المسيح فهو ابن الإله وهما من جوهر واحد، فكان فداء هابيل أولى، ولا سيما أنكم توجبون على الله - عز وجل - الأصلح لعباده. فالأصلح في حقهم ألا يعذبوا مدة خمسة آلاف سنة إلى إرسال المسيح وصيرورته فداء، وله مندوحة عن ذلك بقتل هابيل.
ثم يقال لهم: ألستم رويتم في توراتكم أن الله - سبحانه وتعالى - قد فدى ولد عبده إبراهيم بذبح عظيم؟ فإن قالوا: بلى، قلنا لهم: أفكان ولد عبده أزكى لديه وأعز عليه من ولده المسيح الذي هو وإياه شيء واحد، وجوهر واحد، أم تقولون: أعوزته الغنم فلم يقدر على كبش يذبحه ويريح العالم من فتنة المسيح؟! وقد رويتم في التوراة أن الله - عز وجل - قدم إلى إبراهيم كبشا بدل ولده لما أمر بذبحه فعزم على ذلك رحمة منه سبحانه ولطفا، فلعله قد أمر المسيح في حق نفسه بما أمر به إبراهيم في حق ولده، فاستسلم وصار يخبر بذلك تلاميذه كما كان إبراهيم يخبر به ولده، ثم لما صح، عزم على تجرع كأس المنية لطف به وفداه برجل قد حضر أجله، فإن عناية الله تعالى بالمسيح لا تقصر عن عنايته بولد إبراهيم.
وإذا كان هذا وشبهه غير مستحيل عند النصارى، فما الذي أحاله في حق المسيح؟ وقد تضرع إلى الله غير مرة في صرف كأس المنية عنه، كما شهدت أناجيلكم بذلك، والمسيح لا ترد له دعوة. قد استجاب الله دعاءه، وحال بين اليهود وبين ما أرادوا منه، ورفع إليه. والدليل على ذلك: ما ذكره في الإنجيل.
ويقال لهم: لم تنكروا أن الله تعالى تاب على عبده آدم، وعافى عبده المسيح في فدائه بكافر أو بمؤمن عجله إلى الجنة لا سيما وقد استعمل المسيح الحيدة في الجواب، وعدم الإفصاح لما سأله رئيس الكهنة أهو المسيح كما تقدم؟ ويقال لهم: ماذا تقولون لو أن أحدنا اليوم عصى ربه أتجزئه التوبة أم لا بد أن يقتل ويصلب؟
فإن قالوا: تجزئه التوبة، يقال لهم: فهل هو أولى من صفي الله آدم؟ إذ قلتم: لا بد في توبته من قتل المسيح لأجله؟ وإن قلتم: لا تجزئه، كذبتم بولس، حيث يقول في رسالته: "أفتظن هذا أيها الإنسان الذي تدين الذين يفعلون مثل هذه، وأنت تفعلها، أنك تنجو من دينونة الله؟ أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة"؟ (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 2: 3، 4)، فلا حاجة إلى قتل وصلب؟
وكذا رويتم عن المسيح في الإنجيل أنه قال: "قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل". (مرقس 1: 15)؛ فقد شهد المسيح أن التوبة مستقلة بمحو الآثام، فلا حاجة إلى شيء آخر، ويقال لهم: ما تقولون فيمن مات قبل مجيء المسيح عليه السلام؟ أكانوا كفارا أم مؤمنين؟ فإن قالوا: مؤمنين فقد سلموا أن لا حاجة إلى قتل المسيح في تخليصهم؛ إذ إيمانهم مخلصهم لا غيره.
وإن قالوا: كانوا كفارا كذبهم المسيح؛ إذ قال في الإنجيل: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى. لم آت لأدعو أبرارا، بل خطاة إلى التوبة". (لوقا 5: 31، 32)، وأنتم قلتم: إن المسيح نزل من السماء لخلاص كل الناس، فإن قالوا: نعم. قلنا: فما تقولون فيمن مات قبل نزوله عليه السلام؟ وكيف الطريق إلى بلوغ دعوته إليهم؟ فإن قالوا: تعذر تلافي أمره وفات استدراكه بموته. قلنا: فإذن تكونوا قد نسبتموه إلى الظلم؛ حيث لم ينزل لخلاصهم قبل ذلك، فلم أخر نزوله حتى ماتوا على الضلالة والكفر، وكيف صار الأحياء أحق بالرحمة منهم؟!
وفي هذه المقالة هدم أصلكم. وإن تحامقوا وقالوا: إن المسيح دعا الأحياء وهو حي ثم مات فدعا الأموات في قبورهم، نقول: هل دعاهم وهو حي أم دعاهم وهو ميت؟ فإن قالوا: دعاهم وهو ميت سقطت مقالتهم وتبين جنونهم، وإن قالوا: دعاهم وهو حي فقد نقضوا قولهم: إنه مات[1].
وبهذا البيان يتضح أن زعمهم صلب المسيح - عليه السلام - لفداء البشر ومحو الخطيئة عنهم باطل؛
لأن الله يقول:
(ولا تزر وازرة وزر أخرى)
(الأنعام: ١٦٤).
إقرار عقيدة الصلب تنافي صفتي العدل والرحمة لله:
يشير الأستاذ عبد المجيد صبح إلى أنه أقيمت ندوة عن "الإله في المسيحية" فقال راهب كاثوليكي يقرر عقيدة الصلب: إن آدم - عليه السلام - لما عصى الله - عز وجل - بالأكل من الشجرة التي نهاه عن الأكل منها، صار هو وجميع أفراد ذريته خطاة مذنبين مستحقين للعقاب في الآخرة!!
ثم إن جميع ذرية آدم ولدوا خطاة مذنبين، فكانوا مستحقين للعقاب بذنوبهم، فتقرر عقابهم بأصلين على قولهم وزعمهم: ذنب أبيهم الأول الذي به ولدوا مذنبين، ثم ولادتهم مذنبين، قبل أن يقوموا بعمل شيء بحكم ذلك الأصل!!
وبعصيان آدم طرأ على الله مشكل:
(سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا)
(الإسراء:43)
من جهة اتصافه بصفتي الرحمة والعدل. إن عاقب آدم إعمالا لصفة العدل، ناقض صفة الرحمة، وإن لم يعاقبه إعمالا لصفة الرحمة، ناقض صفة العدل.
ثم بدا لله - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - بعد آلاف السنين حل هذا المشكل، وهو تناقض صفتي رحمته وعدله، في مسألة عصيان آدم، فكان الحل - بعد تفكره آلاف السنين - أن يحل الله في رحم امرأة، يكون ابنا لها من حيث هو إنسان ولد منها، ويكون هو ربها وإلهها من حيث هو الله!
ثم هو يعيش بين الناس يأكل كما يأكلون، ويشرب مما يشربون، ويتألم كما يتألمون، ثم يقتل أفظع قتلة: قتلة الصلب، ويلعن، ويضرب على رأسه بالشوك. كل ذلك فداء للبشر، وخلاصهم من خطاياهم كما قال يوحنا: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم". (يوحنا 1: 29). أهذا يليق بجلال الله وعظمته؟! فالمتصف بالضعف والعجز لا يكون إلها!
وترتب على هذا الاعتقاد الخاطئ مجموعة من الأمور وهي:
1. الاعتقاد بأن الله ناقص العلم، وأنه لم يكن يعلم ما يكون بعد.
2. القول بهذه العقيدة يستلزم القول بجواز البداء على الله، والبداء: أن يبدو لله ما لم يكن يعلم، ثم يتخذ لهذا الذي بدا حكما لم يكن قدره من قبل.
3. لا يمكن أن يؤمن بهذه العقيدة إلا من يأخذ الدين على أنه مناقض للعقل، وأن الدين لا يكون دينا إلا بهذه المناقضة!
4. لا يؤمن بهذه العقيدة إلا من يرى أن الرب تجري عليه الأحوال البشرية، أو يجريه الشيطان، أو أن يحزن على بعض ما فعل ويندم عليه ويأسف قلبه، ومثل أن يقع في تناقض يفكر في حله آلاف السنين، ثم ينتهي إلى حل لا يقبله عقل، ويناقض ما لله من جلال وإجلال، حتى إنه يحل في رحم امرأة، ثم يجري عليه أسوأ ما يجري على بشر!
5. إذا كان الله قد فعل ذلك فداء للبشر وخلاصا للعالم، فلا داعي للإيمان بهذه العقيدة؛ لأن الدعوى في هذا الاعتقاد أنه فعل ذلك تفدية وتخليصا للبشر أجمعين ولكل خطاياهم، فليكن عدم الإيمان بهذه العقيدة من خطاياهم التي تغفر، والتي هي مما ترتب على خلقهم.
6. إذا قيل: إن غير المؤمن بها لا ينجو، اقتضى ذلك أن "الله" بعد تفكير طويل فعل شيئا، لغاية مقصودة، ثم لم تحقق غايته ومقصوده، وتلك منقصة أخرى في حق الألوهية!
وإذا سلمنا - جدلا - بقبول القول بالصلب، واللعن، والضرب، وهو لم يذنب قط؛ وجدنا هذا القول منافيا لصفة العدل والرحمة معا. ثم لماذا كل هذه المأساة؟ ألم يكن الله قادرا على العفو عن آدم بدونها؟
قال الأستاذ نظمي لوقا - المسيحي - في كتابه "محمد الرسالة والرسول": إن القرآن الكريم قد حسم مسألة خطيئة آدم - عليه السلام - بقوله: )فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم (37)( (البقرة)، وبهذا البيان يتضح أن المسيح - عليه السلام - لم يصلب كما يزعمون فداء لخطيئة آدم عليه السلام.
ونقول: لماذا يؤخذ الجار بظلم الجار؟ لماذا يخطئ آدم عليه السلام؟ فيعاقب عيسى عليه السلام؟ وهل من العدل أن يخطئ واحد فيقتص من الآخر؟ وهل من العدل أن يرث البشر خطأ عن أبيهم آدم لم يقترفوه؟ وقد ذكرنا أن الله تاب عليه! إن الأمر الذي يتوافق مع العقل أن المرء ليس مسئولا عن شيء ليس له فيه يد، ولا أظن القوانين الوضعية تعاقب إنسانا على جرم إنسان آخر. فكيف إذا كان الأمر يتعلق بأمور إلهية؟ والله - عز وجل - قرر مبدأ مسئولية الإنسان عن أفعاله فقط
قائلا:
(ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون (164)
(الأنعام: ١٦٤).
وأخبر الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - أن كل إنسان مسئول عن عمله وعن نفسه، فقال لأقرب الناس إليه:
«يا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا» [2] [3].
ثانيا. عقيدة الفداء والصلب خرافة وثنية اقتبسها بولس من العقائد الوثنية القديمة:
هذا يؤكد أن جذور هذه الديانة المسيحية ترجع إلى الوثنية وهذا ما سنوضحه في هذا العرض:
إعدام الإله في الديانات الوثنية:
يذكر علاء أبو بكر أن فكرة "إعدام الإله" فكرة انتشرت في الديانات الوثنية القديمة وتناقلتها الأمم، ومن ذلك:
1. ديانة مثرا الفارسية:
ديانة فارسية ازدهرت في فارس في القرن السادس ق. م، ثم انتقلت إلى روما، وانتشرت في أوربا فبلغت مدنا شمالية في إنجلترا. ومن أوجه التشابه بين عقائد الديانتين وبين مثرا ويسوع، أن:
·كلا منهما كان وسيطا بين الله والبشر.
·مثرا ولد في كهف وولد عيسى في مذود البقر.
·كلا منهما ولد في الخامس والعشرين من ديسمبر.
·كلا منهما كان له اثنا عشر حواريا.
·كلا منهما مات ليخلص البشر من خطاياهم.
·كلا منهما دفن وعاد للحياة بعد دفنه.
·كلا منهما صعد السماء بعد دفنه.
·كلا منهما صعد السماء أمام تلاميذه.
·كلا منهما كان يدعى منقذا ومخلصا، ومن أوصافه أنه كان كالحمل الوديع.
·كلا منهما كان له أتباع يعمدون باسمه، ويقام عشاء مقدس في ذكراه.
هذا وقد جاء في كتاب "حياة المسيح في الكشوف والتاريخ" للعقاد أن: عبادة مثرا هذه انتقلت إلى الدولة الرومانية، وامتزجت بعبادة إيزوريس المصرية، ومنهما جاءت عبادة مثرا، وهي في جملتها هي الديانة المصرية التي صورت إيزيس أم الإله حوريس، وهو يرضع من ثديها. وهي أيضا صورة مريم العذراء التي تحتضن ابنها عيسى - عليه السلام - في أثناء رضاعته، وقبل فطامه.
2. ديانة بعل:
وهي ديانة بابلية انتقلت مع موجة الفتوحات البابلية إلى شمال الهلال الخصيب، وظل الكنعانيون يدينون بها. وفي كثير من الأحيان كان اليهود يتركون ديانتهم ويعبدون بعلا، ونهاية هذا الإله تكاد تكون هي الصورة التي صورت بها نهاية المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام:
· أسر قبل محاكمته.
· حوكم علنا.
·اعتدي عليه بعد محاكمته.
·نفذ الحكم عليه في أعلى الجبل.
· كان معه مذنب آخر محكوم عليه.
·ولما أراد الحاكم العفو عنه طالب الشعب بإعدامه هو، والعفو عن المجرم.
· وبعد تنفيذ الحكم عليه ظهر الظلام، وعم الاضطراب الناس، وعلا الرعد، وزلزلت الأرض.
·وكل منهما أقيم حرس على قبره.
·وكل منهما قام من القبر وصعد السماء.
3.ديانة الهندوس:
تتشابه كثير من تفاصيل قصة الصلب مع تفاصيل واردة في قصص وثنية مشابهة. فقد ذكر متى أحداثا غريبة عدة، صاحبت موت المسيح؛ حيث يقول: "ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض إلى الساعة التاسعة. ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: «إيلي، إيلي، لما شبقتني؟» أي: إلهي، إلهي، لماذا تركتني... فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم، وأسلم الروح. وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين، من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين". (متى 27: 45 - 52).
وهذا نقله النصارى من الوثنيات القديمة، فقد نقل العلامة التنير عن عدد من المؤرخين إجماعهم على انتشار هذه الغرائب حال موت المخلصين لهذه الأمم. من ذلك: أن الهنود يقولون: "لما مات "كرشنا" مـخلصهم على الصليب، حدثت في الكون مصائب جمة، وعلامات متنوعة، وأحاطت بالقمر دائرة سوداء، وأظلمت الشمس عند منتصف النهار، وأمطرت السماء نارا ورمادا... ".
ويقول عباد بروسيوس: "إنه لما صلب على جبل قوقاس، اهتزت الكائنات، وزلزلت الأرض".
والاعتقاد بحدوث أحداث سماوية عظيمة عند موت أحد العظماء أو ولادته معروف عند الرومان واليونان.
كما ينقل المؤرخ كنون فرار في كتابه "حياة المسيح"، وينقل جيبون في تاريخه أن عددا من الشعراء والمؤرخين الوثنيين كان يقول: "لما قتل المخلص اسكولابيوس أظلمت الشمس، واختبأت الطيور في أوكارها؛ لأن شافي أمراضهم وأوجاعهم فارق هذه الدنيا". والقول بظلمة الشمس عند موت أحد المخلصين قيل عند مقتل هيركلوس، وبيوس، وكوتز لكوتثل، وكيبير ينوس إله الرومان. وعليه فهو أسطورة قديمة تداولتها الأمم، ونقلها أصحاب الأناجيل من تلك الوثنيات.
ويقول دوان: وكانوا في مصر يقدمون من البشر ذبيحة، وتمكنت بهم هذه العادة الشريرة حتى صاروا يقدمون الابن البكر من أحد العائلات الأتانية ذبيحة، يأخذونه إلى هيكل في "فستات في عالوس"، ويضعون على رأسه إكليلا، ثم يذبحونه قربانا للإله كما تذبح الأنعام.
ويقول العلامة M. William: ".. يعتقد الهنود الوثنيون بالخطيئة الأصلية[4]، ومما يدل على ذلك ما جاء في تضرعاتهم التي يتوسلون بها بعد "الكياتري"، وهي: "إني مذنب، ومرتكب الخطيئة، وطبيعتي شريرة، وحملتني أمي بالإثم، فخلصني يا ذا العين الحندقوقية، يا مخلص الخاطئين، يا مزيل الآثام والذنوب".
ويضيف دوان ما نصه: "ويعتقد الهنود بأن كرشنا المولود البكر الذي هو نفسه فشنو، الذي لا ابتداء له، ولا انتهاء، قد تحرك شفقة وحنوا؛ كي يخلص الأرض من ثقل حملها، فأتاها وخلص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه".
وقال هوك: "ويعتقد الهنود - الوثنيون - بتجسد أحد الآلهة، وتقديم نفسه ذبيحة فداء عن الناس والخطيئة".
ويزعمون أن بوذا الطبيب العظيم ومخلص العالم قدم نفسه ذبيحة؛ ليكفر آثام البشر، ويجعلهم ورثة ملكوت السماوات، وبولادته ترك كافة مجده في العالم ليخلص الناس من الشقاء والعذاب كما نذر.
4. ديانة الفرس:
وكان الفرس يدعون مثرا الوسيط بين الله والناس، والمخلص الذي بتألـمه خلص الناس ففداهم، ويدعونه "الكلمة" و "الفادي"، ويعتقدون أيضا أن زروستر المتشرع مرسل إلهي، أرسل ليخلص الناس من الطرق الشريرة، وإلى هذا الحين نرى أتباعه يدعونه زروستر - الحي المبارك المولود البكر الواحد الأبدي - وما شاكل ذلك من الألقاب، وأنه لما ولد ظهر نور أضاء الغرفة التي ولد فيها، وأنه ضحك على أمه من حين ولادته، ويدعونه "النور الشعشاني البارز من شجرة المعرفة الذي علق على شجرة".
5. ديانة السوريين القدماء:
كان السوريون يقولون: إن تموز - الإله المولود البكر من عذراء - تألـم من أجل الناس، ويدعونه "المخلص" و "الفادي" و "المصلوب"، وكانوا يحتفلون في يوم مخصوص من السنة بذكرى موته، فيصنعون صنما على أنه هو، ويضعونه على فراش ويندبونه، والكهنة ترتل قائلة: ثقوا بربكم، فإن الآلام التي قاساها قد جلبت لنا الخلاص.
واللافت للنظر في هذه العبادة أنه لم يلعن أحدهم إلهه إلا في المسيحية على يد بولس الذي قال: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا؛ لأنه مكتوب: ملعون كل من علق على خشبة". (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 3: 13). والحق أن بولس قد كفر بما جاء به المسيح - عليه السلام - وأفشى عقائد غريبة في دينه، عاتبه عليها التلاميذ، وكفروا معتقداته، وأمروه بالتوبة وعدم العودة إلى هذا الكفر مرة أخرى، وأرسلوا إلى من أضلهم بولس، ليحذروهم من معتقداته الفاسدة، وهو أول من نادى بقتل المسيح عيسى ابن مريم وقيامته من الأموات، وهذا ما اعترف به كتابكم:
·فهل صدق الله ومجده يحتاجان إلى كتاب بولس؟!
·وهل عجز الرب عن نشر كلمته بالفضيلة والصدق؟
·وهل يعقل أن يلجأ الرب إلى الكذب والكذابين لنشر دينه بين الناس؟!
·وما حكمة الإله في أن يوحي إلى كذاب نشر رسالته وتعاليمه؟!
·وهل رضي الرب بكذب بولس ليكسب مزيدا من الأتباع لدينه؟ أيخادع الرب عبيده؟! وما مصير من لم يخدعهم الرب ويرسل إليهم كاذبا لينقذهم؟!
·ألا يخشى ذلك الإله من تفشي الكذب والنفاق بين شعبه؟!
·وكيف أثق بهذا الإله الذي يرتكن إلى كاذب ومخادع لنشر رسالته؟!
·وهل سيحاسبنا الرب على الكذب يوم الحساب؟ كيف وهو ناشره؟!
·وما الفرق بين الشيطان والرب في هذه الصفة الرذيلة؟!
·ألم يكذب هو - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - بإعانته هذا الكاذب وإرسال الوحي إليه؟!
·وكيف يأمر الله بما لا يفعله هو؟! أليست هذه حجة عليه؟ أليس هذا من الظلم؟ ألم يقل في الناموس "لا تكذب"؟! فلماذا يعين الكاذب ويوحي إليه؟!
عزيزي المسيحي:
إن بولس هو مخترع أسطورة صلب الإله فداء للبشرية في المسيحية، والتي علمت أنها أسطورة وثنية، والذي لعب بالكل ليربح الكل، وليكون شريكا في الإنجيل: "فإني إذ كنت حرا من الجميع، استعبدت نفسي للجميع لأربح الأكثرين. فصرت لليهود كيهودي لأربح اليهود. وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس. وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس مع أني لست بلا ناموس لله، بل تحت ناموس للمسيح لأربح الذين بلا ناموس. صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء. صرت للكل كل شيء، لأخلص على كل حال قوما. وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل، لأكون شريكا فيه".. (رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس الأولى 9: 19 - 23).
بولس هو الذي قرر أنه ليس له دين، ولن يؤمن، ولا يريد أن يعرف إلا دين صلب الإله وقيامته من الأموات: "وأنا لما أتيت إليكم - أيها الإخوة - أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة مناديا لكم بشهادة الله، لأني لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبا". (رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس الأولى 2: 2). ولن يقبل غيره حتى لو نزل إليه ملاك من السماء بما يخالف هذه الوثنية: "ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيما". (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 1: 8).
لقد كان بولس كافرا بما أنزل على عيسى - عليه السلام - وكان يضطهد تلاميذه وأتباعه، ثم ادعى فجأة أنه رأى عيسى - عليه السلام - في طريقه إلى دمشق، وتولى الدعوة إليه. فما مقدار صدق هذه الرواية؟ أين تلقى الرسالة وكيف تلقاها؟ هل عصابته التي كانت معه ممكن أن تكون شاهدة عيان لما حدث[5]؟!
ثالثا. نصوص الكتاب المقدس تبطل عقيدة الصلب والفداء:
يسوق الأستاذ علاء أبو بكر مجموعة من النصوص الإنجيلية التي يلحظ القارئ اضطرابها وقولها الصريح ببطلان عقيدة الصلب والفداء، وطريقنا في توضيح ذلك هو مسلك السؤال والجواب عنه على النحو التالي:
هل قبض اليهود على عيسى عليه السلام؟!
لا. وهذه هي إجابة عيسى - عليه السلام - نفسه، انظروا كيف وقف يتحدى اليهود علانية، قائلا لهم: إنهم لن يتمكنوا منه، ولن يقبضوا عليه، وسيرفعه الله إلى مكان آمن، لا يستطيعون الوصول إليه: "سمع الفريسيون الجمع يتناجون بهذا من نحوه، فأرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خداما ليمسكوه. فقال لهم يسوع: أنا معكم زمانا يسيرا بعد، ثم أمضي إلى الذي أرسلني. ستطلبونني ولا تجدونني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا". (يوحنا 7: 33، 34).
إذن فقد أعلمهم عيسى - عليه السلام - أن الله سوف يتوفاه إليه، أي يستخلصه وينقذه منهم ويرفعه إليه. لكن هل يسوع هنا هو ابن الإنسان؟ لا. وإلا ما تكلم عنه بصيغة الغائب قائلا: "متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو". (يوحنا 8: 28).
لكن لماذا لا يكون يسوع هو ابن الإنسان؟ لاحظ أنها نبوءة أخبرهم بها! فلو كان يقصد نفسه، فما الحكمة إذا من أن يعلمهم ذلك في مجال التبكيت، واللوم، والتحدي؟ وهل هذا منطق؟ هل من العقل أو من الكلام المفيد أن أقول لك: لو أنت أطلقت على النار ومت، فستعلم أن الميت هو أنا؟
وهل لو كان هو الذي علق على الصليب لكان إلها تافها كاذبا، فقد تحدى اليهود، وأخبرهم أنه سيغلبهم، وسوف يغلب العالم كله، فهل بعد كلامه هذا تغلبه شرذمة قليلة من اليهود؟ ولا يمكن أيضا أن يكون رسولا؛ لأن الرسول لا يخبر إلا بالصدق، ويتكلم بما يوحى إليه، فكيف يتحداهم رسول الله، بناء على تعليمات من الإله، ثم يخدعه هذا الإله ويتركه يصلب؟
كما أنها نبوءة في المقام الأول، ولا بد أن تتحقق، وإلا كان نبيا كاذبا وحاشاه. وعلى ذلك فإن الذي فهمه اليهود كان خطأ، وماتوا في خطيئتهم وهم يؤمنون أنهم صلبوا رسول الله. ولو سلمتم أن يسوع هو ابن الإنسان هنا، لانتفت عنه صفة الألوهية، لقول الكتاب المقدس: "إن الله ليس كمثله أحد قط". أي: لا يشبهه إنسان ولا حيوان، ولا طائر، ولا أي كائن، ولقول الكتاب المقدس: "ليس الله إنسانا فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم". (العدد 23: 19).
وبهذا التحدي يكون عيسى - عليه السلام - قد ضرب لليهود مثلا يقترب في الإعجاز من قول الله - عز وجل - لأبي لهب: إنه سيموت كافرا، وسيحشر إلى جهنم وبئس المصير هو وزوجته. وإلى أن ماتا كانا كافرين. وهو نفس ما قاله عيسى - عليه السلام - لليهود: إنهم سيؤمنون أنه ابن الإنسان الذي سيكون معلقا على الصليب، ويموتون على هذا الفهم وعلى هذه الخطية.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها اليهود قتل عيسى - عليه السلام - فقد سبقتها عدة محاولات، بيد أن عيسى - عليه السلام - نجح في الانفلات منهم، بما أعطاه الله من قدرة على التخفي، وإخفاء شخصيته وصوته وملامحه عن أقرب الناس إليه، وإليك مجموعة من محاولات اليهود:
·فقد أرادوا أن يقذفوه من فوق الجبل فمكنه الله من تغيير هيئته، وخرج من وسطهم وهم لم يعرفوه: "فامتلأ غضبا جميع الذين في المجمع حين سمعوا هذا، فقاموا وأخرجوه خارج المدينة، وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى أسفل. أما هو فجاز في وسطهم ومضى". (لوقا 4: 28 - 30).
·بل لم يعرفه سبعة من تلاميذه وخاصته: "بعد هذا أظهر أيضا يسوع نفسه للتلاميذ على بحر طبرية. ظهر هكذا: كان سمعان بطرس، وتوما الذي يقال له التوأم، ونثنائيل الذي من قانا الجليل، وابنا زبدي، واثنان آخران من تلاميذه مع بعضهم. قال لهم سمعان بطرس: «أنا أذهب لأتصيد». قالوا له: «نذهب نحن أيضا معك». فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت. وفي تلك الليلة لم يمسكوا شيئا. ولما كان الصبح، وقف يسوع على الشاطئ. ولكن التلاميذ لم يكونوا يعلمون أنه يسوع. فقال لهم يسوع: «يا غلمان، ألعل عندكم إداما؟».[6] أجابوه:«لا!» فقال لهم: «ألقوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فتجدوا». فألقوا، ولم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك". (يوحنا 21: 1 - 7).
·وكذلك لم يعرفه اليهود الذين كانوا يسمعونه في المعبد في كل حين، ولو كان بإمكان اليهود القبض عليه والتعرف عليه لفعلوا، ولكن تغيير صورته وشكله وصوته أشكل عليهم الأمر، مما اضطرهم للجوء لأحد تلاميذه ليرشدهم عليه.
لكن إذا كان عيسى - عليه السلام - قد مكنه الله من أن يخفي صورته وشكله وصوته، فما هي الحكمة من هذه المعجزة؟ فإن قلتم: إنه تعمد ذلك لفداء البشرية، لتناقض قولكم ما تثبت مع اجتهاد المسيح في الصلاة ليذهب إلهه عنه كأس الموت!! ولكان يهوذا هو الرجل الجدير بالتقديس؛ لأنه في هذه الحالة سيكون الفادي الحقيقي لما تسمونه الخطيئة الأصلية[7].
إذن نخلص من هذه المقتطفات التي اقتطفناها من نصوص الكتاب المقدس إلى أن عيسى - عليه السلام - قد تحدى اليهود، وأعلمهم أنهم سيموتون في خطيتهم: أي على فهمهم الخاطئ، وعلى محاولتهم قتل نبي الله، ولن يمكنهم الله منه، أي: لن يقبضوا عليه ليصلبوه.
من الذي مات على الصليب؟
ويواصل الأستاذ علاء أبو بكر طرح أسئلته التي تفند مسألة الصلب قائلا: يدعي النصارى باختلاف فرقهم أن عيسى - عليه السلام - هو الإله المتجسد مع اختلافهم في طبيعته: هل هو ذو طبيعة واحدة أم ذو طبيعتين؟ فسواء كان ابن الإله أو الإله الرئيسي، فهو في النهاية إله. والإله لا يموت باعتراف الكتاب!!
"انظروا الآن! أنا أنا هو. وليس إله معي. أنا أميت وأحيي". (التثنية 32: 39)، أما يسوع: "قال: قد أكمل. ونكس رأسه وأسلم الروح". (يوحنا 19: 30). "إني أرفع إلى السماء يدي وأقول: حي أنا إلى الأبد". (التثنية 32: 40)، ولكن يسوع: "فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وأسلم الروح". (متى 27: 50).
إذن فليس هو الله، وبما أنه ليس هو الله، فلا يوجد داع لأن ينزل ويتجسد. وبما أنه ليس الله، فلا سلطان له لغفران الذنوب. وبما أنه لا سلطان له لغفران الذنوب، إذن فأسطورة الصلب والفداء من الوثنيات التي يحتويها الكتاب المقدس من الأديان الوثنية الأخرى.
إذن فقد أثبتنا في النقطة الثانية أن الذي مات على الصليب ليس هو عيسى - عليه السلام - وهم يدعون أن عيسى هو الله، فلا بد أن الذي مات على الصليب شخص آخر غير يسوع.
ومن الضروري أن نثبت أن يسوع الذي يدعون أنه صلب ليس الله؛ لأنه سينفي من جانب آخر أنه لا ضرورة لنزول الإله وتجسده؛ لأنه أحب العالم وضحى بابنه الوحيد من أجل الخطايا السابقة، كما يقول بولس مقتبس أسطورة الصلب والفداء من الأديان الوثنية القديمة: "ولكن الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. فبالأولى كثيرا ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب! لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه، فبالأولى كثيرا ونحن مصالحون نخلص بحياته! وليس ذلك فقط، بل نفتخر أيضا بالله، بربنا يسوع المسيح، الذي نلنا به الآن المصالحة. من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع. فإنه حتى الناموس كانت الخطية في العالم. على أن الخطية لا تحسب إن لم يكن ناموس. لكن قد ملك الموت من آدم إلى موسى، وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم، الذي هو مثال الآتي. ولكن ليس كالخطية هكذا أيضا الهبة. لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون، فبالأولى كثيرا نعمة الله، والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح، قد ازدادت للكثيرين! وليس كما بواحد قد أخطأ هكذا العطية. لأن الحكم من واحد للدينونة، وأما الهبة فمن جرى خطايا كثيرة للتبرير. لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد، فبالأولى كثيرا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر، سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح! فإذا كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا ببر واحد صارت الهبة إلى جميع الناس، لتبرير الحياة. لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضا بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبرارا. وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية. ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدا. حتى كما ملكت الخطية في الموت، هكذا تملك النعمة بالبر، للحياة الأبدية، بيسوع المسيح ربنا". (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 5: 8 - 21).
"وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس، مشهودا له من الناموس والأنبياء، بر الله بالإيمان بيسوع المسيح، إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون. لأنه لا فرق. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله، متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله". (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 3: 21 - 25).
إن لله صفات لا تغير، يقول الكتاب المقدس: "أنا الرب لا أتغير". (ملاخي3: 6). "فبمن تشبهون الله؟ وأي شبه تعادلون به"؟ (إشعياء 40: 18). "لا مثل لك يا رب! عظيم أنت وعظيم اسمك في الجبروت". (إرمياء 10: 6). فلا يمكن أن يكون الرب إنسان، ولا حيوان، ولا جماد، ولا نبات، ولا أي صورة يمكن الإنسان أن يتخيلها، فهو لا مثيل له، ليس كمثله شيء. وقد أكد الكتاب على هذه النقطة عدة مرات، حتى لا يلبس الشيطان على الناس أمر دينهم، فعندما طلب موسى من الله أن يراه: "قال: لا تقدر أن ترى وجهي؛ لأن الإنسان لا يراني ويعيش". (الخروج 33: 20).
فكيف يكون عيسى - عليه السلام - هو الله. وهل الله له جسد، أو مولود من الجسد بالطبع تكون الإجابة بالنفي: لا، لأن "المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح". (يوحنا 3: 6). فهذا نفي قاطع من عيسى - عليه السلام - وتحذير أن يتخذه إنسان ما إله، لأنه مولود من جسد امرأة، فكان عظاما ولحما.
أما الذين اتخذوا إنسانا إلها وعبدوه بعد أن أنعم الله عليهم بنعمة العقل، وعرفوا الإله الحقيقي الذي يدين ولا يدان، الحي الذي لا يصلب ولا يموت، القدوس الذي لا يهان، فهم من الأنجاس الخالدين في أتون النار: "لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله، بل حمقوا في أفكارهم، وأظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء، وأبدلوا مجد الله الذي لا يفني بشبه صورة الإنسان الذي يفني، والطيور، والدواب، والزحافات. لذلك أسلمهم الله أيضا في شهوات قلوبهم إلى النجاسة، لإهانة أجسادهم بين ذواتهم. الذين استبدلوا حق الله بالكذب، واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق، الذي هو مبارك إلى الأبد. آمين. لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان". (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 1: 21 - 26).
ونكون في هذه النقطة قد أثبتنا أن عيسى - عليه السلام - ليس بإله، بل هو نبي أرسله الله إلى أمته، لا يملك غفران الذنوب، ولم يقل لبني إسرائيل: إنه قد جاء إليهم كإله، متجسدا في صورة بشر لغفران الخطيئة الأزلية، كما أثبتنا أن الذي كان على الصليب لا يمكن أن يكون الله؛ لأن الله لا يموت، وفي ذلك تفنيد لأسطورة الصلب والفداء.
فالذي مات على الصليب فهذا أمر غير مهم بالنسبة لنا أو لكم، فبعض الكتب تقول: إنه يهوذا الخائن، وبعضها الآخر يقول: إنه لم يكن واحد من التلاميذ خائنا، بل وافق يهوذا - وهو أصغر التلاميذ سنا - على أن يلقي شبه عيسى - عليه السلام - عليه، ويلقي شبهه على عيسى - عليه السلام - وأكد عليه هذا الطلب ثلاث مرات ووافق. وفريق الآخر يخمن أن الذي صلب هو سمعان القيرواني الذي كان يحمل الصليب. فلا يهمنا أن نعلم من الذي كان على الصليب. لكن جل همنا هو: هل كان يسوع على الصليب أم لا؟
هل هناك شهود على صلبه؟
لا. فقد تركه كل تلاميذه وهربوا، بل إن حادثة الصلب والقيامة بها من التناقضات التي تضطر كل ذي عقل أن يرفضها. فعلى سبيل المثال:
·حدثت قصة العشاء الأخير وتدليك يسوع بالطيب في بيت سمعان الأبرص عند مرقس ومتى: "وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص، وهو متكئ، جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن". (مرقس 14: 3)، "وفيما كان يسوع في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص، تقدمت إليه امرأة معها قارورة طيب كثير الثمن". (متى 26: 6، 7)، بينما حدثت عند لوقا في بيت الفريسي: "وسأله واحد من الفريسيين أن يأكل معه، فدخل بيت الفريسي واتكأ". (لوقا 7: 36)، إلا أنها حدثت في منزل مريم ومرثا ولعازر في بيت عنيا عند يوحنا: "ثم قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا، حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات. فصنعوا له هناك عشاء. وكانت مرثا تخدم، وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه". (يوحنا 12: 1، 2).
· حدثت واقعة تدليك يسوع بالطيب قبل عيد الفصح بيومين عند مرقس ومتى: "وكان الفصح وأيام الفطير بعد يومين". (مرقس 14: 1)، "تعلمون أنه بعد يومين يكون الفصح". (متى 26: 2)، بينما حدثت قبل الفصح بستة أيام عند يوحنا: "ثم قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا". (يوحنا 12: 1)، وسكت عنها لوقا، ولكنه ذكرها قبل إرسال التلاميذ الإثني عشر.
·ثم سكب العطر على رأس يسوع عند مرقس ومتى: "فكسرت القارورة وسكبته على رأسه". (مرقس 14: 4)، "فسكبته على رأسه وهو متكئ". (متى 26: 7)، إلا أنه عند لوقا ويوحنا دهنت رجليه بالطيب: "ووقفت عند قدميه من ورائه باكية، وابتدأت تبل قدميه بالدموع، وكانت تمسحهما بشعر رأسها، وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب". (لوقا 7: 38)، "فأخذت مريم منا من طيب ناردين خالص كثير الثمن، ودهنت قدمي يسوع، ومسحت قدميه بشعرها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب". (يوحنا 12: 3).
·كان العشاء الأخير في اليوم الأول من الفطير عند مرقس ولوقا: "وفي اليوم الأول من الفطير. حين كانوا يذبحون الفصح، قال له تلاميذه:«أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح"؟ (مرقس 14: 12)، إلا أنه كان عند يوحنا بعد موت يسوع وقيامته: " ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية، وكان صبح. ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا، فيأكلون الفصح". (يوحنا 18: 28).
ومن المعلوم أن وجود فكرة الخطيئة الأصلية ونزول الرب ليصلب ليغفرها لتدل على أنه لم يوجد إنسان على وجه الأرض من الأبرار، ولا حتى من الأنبياء، والواقع أن الكتاب المقدس يؤكد عكس ذلك: فقد كان إبراهيم وإيليا وأخنوخ ويوحنا المعمدان، وأهل نينوى وغيرهم من الأبرار الذين أرضوا الرب بأعمالهم مع إيمانهم: "وبارك الرب إبراهيم في كل شيء". (التكوين 24: 1)، "وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد؛ لأن الله أخذه". (التكوين 5: 24)، "الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه". (متى 11: 11)، إذا كان يوحنا من الأبرار، بل ومن أعظم من ولدتهم النساء، إذا فقد كان هناك عظماء أبرار آخرين، ومع ذلك فإن يوحنا أفضلهم، ويفضل الكل النبي الخاتم، أصغرهم فلا وجود إذا للخطيئة الأزلية.
ومن العجيب أن تقرأ في الأناجيل نزول موسى وإيليا وظهورهم لعيسى - عليه السلام - بل ورؤية التلاميذ لهما: "وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم إلى جبل عال منفردين. وتغيرت هيئته قدامهم، وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور. وإذا موسى وإيليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه. فجعل بطرس يقول ليسوع: يا رب، جيد أن نكون ههنا! فإن شئت نصنع هنا ثلاث مظال: لك واحدة، ولموسى واحدة، ولإيليا واحدة". (متى 17: 1ـ 4)، "وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا، وصعد بهم إلى جبل عال منفردين وحدهم. وتغيرت هيئته قدامهم، وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدا كالثلج، لا يقدر قصار على الأرض أن يبيض مثل ذلك. وظهر لهم إيليا مع موسى، وكانا يتكلمان مع يسوع. فجعل بطرس يقول ليسوع: يا سيدي، جيد أن نكون ههنا. فلنصنع ثلاث مظال: لك واحدة، ولموسى واحدة، ولإيليا واحدة. لأنه لم يكن يعلم ما يتكلم به إذ كانوا مرتعبين". (مرقس 9: 2 - 6). فإذا كانت هناك فرصة ما لتجلي الأنبياء ورجوعهم من الموت، فلماذا لم يتجل آدم وحواء ليقتص الله منهما بدلا من ابنه أو نفسه؟
هل الإسلام هو أول من قال بعدم صلب عيسى عليه السلام؟
لا. لقد سبق الإسلام في نفي القول بصلب عيسى - عليه السلام - كثير من الطوائف المسيحية التي عاصرت عيسى - عليه السلام - وأحداث الصلب، أو اقتربت منه، وسمعت من شهود عيان، وهذه بعض فرق النصارى الأولين الذين آمنوا بعدم صلب عيسى عليه السلام: الباسيليديون، والبارديسيانية، والماينسية، والدوسيتية، والكورنثية، والساطريونسية، والمارسيونية، والبولسية، والماركيونية، والسيرنثية، والهرمسية، والكاربوكرايتة، والبارسكاليونية، والتايتانيسية، والفلنطانيائية، ومن ثم فليس الإسلام بدعا فيما يقول بل جاء التصريح منهم أنفسهم.
رابعا. عقيدة صلب المسيح باطلة بشهادة كثير من علماء النصارى:
هل صحيح أن المسيح قد صلب كما تزعم الكتب المقدسة؟!
إن كثيرا من علماء النصارى ومحققيهم ينفون نفيا قاطعا وقوع الصلب على عيسى - عليه السلام - ومنهم أدوار سيوس في كتابه "عقيدة المسلمين"، ومنهم أرنست دي بولس في كتابه "النصرانية الحقة"؛ ومنهم ملمن في كتابه "تاريخ الديانة النصرانية"... إلخ.
أما دائرة المعارف الكبرى - التي اشترك في تأليفها قرابة (500) من كبار العلماء والباحثين والمحققين - فقد أكدت وقوع التحريف والتزييف في الأناجيل، واعتبر مؤلفوها قصة الصلب وما فيها من تناقض وتعارض أحد الأدلة على ذلك، كما أكدوا أيضا أن أصول تعاليم النصرانية مأخوذة من الوثنية والبوذية... ومن المحتمل جدا أن القبر الذي دفن فيه المصلوب قد نبش في اليوم الثالث، فلما اكتشف النابشون أن الجثة لغير عيسى - عليه السلام - سقط في أيديهم، فقرروا إخفاءها وأشاعوا أن عيسى قام من قبره في اليوم الثالث وصعد إلى السماء[8]!!
والحقيقة أن بولس اليهودي الماسوني العدو الأول للمسيح هو أصل كل ما حدث في النصرانية من أباطيل، وهو الذي اخترع قصة الصلب، واخترع دعوى ألوهية المسيح، وخرافة الفداء.
ولعل أكبر وثيقة تاريخية فضحت زيف الديانة النصرانية، وأثبتت بطلان معتقدات أتباعها هي إنجيل برنابا التي أثبتها العلماء قبل الإسلام بحوالي 300 سنة، وقد قال فيها المستر تولاند العالم الإنكليزي الشهير الذي اطلع عليها سنة 1718م: "سأقول على النصرانية السلام"، كتب عنها في كتابه المسمى "الناصري"، واختتم تعليقه عليها بقوله: "إن مد النصرانية وقف منذ ذلك الحين"؛ أي: منذ ظهور النسخة الأولى من إنجيل برنابا.
كما قال: "إن المسيحية ستتلاشى تدريجيا حتى تنمحي من الوجود". وفي عهد البابا ستكس الخامس عثر الراهب فرامرينو بطريق المصادفة على نسخة من هذا الإنجيل في مكتبة الفاتيكان فسرقها، وطالعها بشوق عظيم، فكانت سببا في اعتناقه الإسلام!!
وقد زعم بعض النصارى أن هذا الإنجيل من وضع المسلمين، ولكن هذا الزعم يكذبه المنشور الذي أصدره البابا جلاسيوس الأول، والذي يتضمن بيان الكتب التي يحرم قراءتها وكان من بينها إنجيل برنابا، وكان صدور هذا المنشور في أواخر القرن الخامس الميلادي؛ أي: قبل بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بحوالي مائة عام.
وهذا الإنجيل يؤكد تأكيدا جازما وقوع الصلب على يهوذا دون غيره، كما ينفي نفيا قاطعا تأليه عيسى - عليه السلام - بل يؤكد نبوته، وأنه مخلوق لله، يخضع للنواميس التي يخضع لها سائر البشر؛ كما يبشر برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - تصريحا لا تلميحا!!
وبرنابا هذا هو أحد الحواريين - أنصار عيسى عليه السلام - وهو متفق مع بطرس رئيس الحواريين على نفي تأليه عيسى، وهو أول من حكم بكفر بولس اليهودي الذي اخترع فكرة تأليه المسيح، وقد صرح بذلك في أول صفحة من إنجيله.
وثمة دليل آخر على كذب الزاعمين بصلب المسيح عليه السلام: يروى أنه دخل على المنذر الثالث - أحد ملوك الحيرة - جماعة من الأساقفة في محاولة لتنصيره، وذلك في عام 513م، وفي أثناء مناقشته حول صلب المسيح - عليه السلام - ودعوى ألوهيته دخل عليه قائد شرطته، وأسر له بشيء، فتظاهر الملك بالتأثر وأخذ يضرب كفا بكف ويقول: يا له من خبر سيئ! ثم التفت إلى رئيس الأساقفة وقال له: لقد أخبرني قائد شرطتي أن رئيس الملائكة قد مات، فانتفض الأسقف مذعورا، وقال له: هذا محال يا مولاي، لقد غشك من أخبرك بهذا الخبر؛ فإن الملائكة مخلدون يستحيل عليهم الفناء. فضحك الملك وقال له: إذا كانت الملائكة لا تموت، فكيف