نص السؤال

دعوى أن القرآن سحر مبين أتى به محمد صلى الله عليه وسلم

عبارات مشابهة للسؤال

الإنسانُ لا يكونُ حُرًّا إلا إذا أنكَرَ وجودَ الله؛ فإنه ما دام يُثبِتُ وجودَ اللهِ، فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيه.

الجواب التفصيلي

دعوى أن القرآن سحر مبين أتى به محمد محمد صلى الله عليه وسلم (*)

مضمون الشبهة:

ادعى المشركون أن ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من القرآن ما هو إلا سحر مبين ينقله محمد - صلى الله عليه وسلم - عن غيره ويحكيه عنهم.

قال سبحانه وتعالى:

(وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين)

(الأحقاف:7)

وقال سبحانه وتعالى:

(قال الكافرون إن هذا لساحر مبين)

(يونس:2)

ويرمون من وراء ذلك إلى الطعن في صحة القرآن الكريم.

وجوه إبطال الشبهة:

1)  تخبط المشركين في أمر القرآن ومحمد - صلى الله عليه وسلم - يدل على كذبهم.

2)  حقيقة السحر وبطلان كون القرآن منه.

3)  لو كان القرآن سحرا لتعلموا صناعة السحر وأتوا بمثله، ولكنهم عجزوا عن تحديه لهم أن يأتوا بمثل أقصر سوره.

4)  لا دليل للمشركين ولا حجة تؤيد دعواهم فهي باطلة.

5)  دعا القرآن المشركين إلى التجرد في الحكم واستخدام المنهج الصحيح في البحث.

6)  أنذر القرآن المشركين عاقبة تكذيبهم وافترائهم في الآخرة.

التفصيل:

أولا. تخبط المشركين:

يرمي المشركون القرآن بالسحر تارة، ويرمون محمدا - صلى الله عليه وسلم - تارة أخرى بالسحر،

قال سبحانه وتعالى:

(وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين)

قال سبحانه وتعالى:

(قال الكافرون إن هذا لساحر مبين)

وهذا تخبط منهم وضلال في أمر القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم.

ولذلك فإن آية يونس السابقة قرأها ابن عامر، وأبو عمرو، ونافع، ويعقوب، وأبو جعفر "لسحر" وقرأ الباقون(لساحر)، يقصدون بالسحر القرآن، ويقصدون بالساحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلا القولين قد قالوا، وكلا القولين يشير إلى إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم.

فقد قالوا: )سحر مبين( لأن ما ينطق به معجز، وأولى لهم - لو كان يتدبرون - أن يقولوا: نبي يوحي إليه؛ لأن ما ينطق به معجز، فالسحر لا يتضمن من الحقائق الكونية الكبرى ومن منهج الحياة والحركة، ومن التوجيه والتشريع ما يقوم به مجتمع راق، وما يرتكز عليه نظام متفرد.

ولقد كان الوحي عندهم يختلط بالسحر؛ لاختلاط الدين بالسحر في الوثنيات كلها[1].

ثانيا. حقيقة السحر تختلف عن القرآن:

إن قولهم: القرآن سحر جاء به ساحر، يتضمن اعترافهم بأنهما فوق المعهود والمعلوم للبشر في عالم الأسباب المقدورة لهم، وسموه سحرا؛ لأنه خارق للعادة بقوة تأثيره في القلوب وجذبه النفوس إلى الإيمان، وحملها على احتقار الحياة، ولذاتها في سبيل الله، حتى إنه ليفرق بين المرء وأخيه، وأمه وأبيه، وزوجه وبنيه، وفصيلته التي تؤويه وتمنعه وتحميه، وإنما السحر ما كان بأسباب خفية خاصة ببعض الناس يتعلمها بعضهم من بعض، وهي إما حيل وشعوذة، وإما خواص طبيعية علمية مجهولة للجماهير، وإما تأثير قوى النفس وتوجيه الإرادة، وكلها من الأمور المشتركة بين كثيرين من العارفين بها.

ثالثا. عجز المشركين أمام تحدي القرآن:

لقد استبان لعامة العرب ثم لغيرهم من شعوب العجم أن القرآن ليس بسحر يؤثر بالتعليم والصناعة، بل هو مجموعة علوم عالية في العقائد والآداب والتشريع والاجتماع، مرقية للعقول، مزكية للنفوس، مصلحة للناس، وأنه معجز للبشر في أسلوبه ونظمه ومعانيه وهدايته وتشريعه وإخباره بالغيب، وأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - مبلغ له، ولم يكن ليقدر على شيء منه، وقد عجز عنه غيره، فقد تحدى الله العرب أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مفتريات أو بسورة منه فعجزوا،

قال سبحانه وتعالى:

(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)

(الإسراء:88)

وقال سبحانه وتعالى:

(أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين)

(هود:13)

وقال سبحانه وتعالى:

(قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين)

(يونس:38)

ولو كان القرآن سحرا كما زعم هؤلاء لتعلموا صناعة السحر وأتوا بمثله أو ببعض سور منه، لكنهم عجزوا عن التحدي، فثبت أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبي الله ورسوله، وأن ما جاء به وحي من الله عز وجل.

رابعا. دعوى المشركين بلا دليل:

ومن رد القرآن عليهم أن بين لهم أنهم يفترون كذبا زورا بغير علم أو دليل يستندون إليه في دعواهم: أن القرآن سحر مبين، إنما هي دعوى كاذبة حاولوا أن يعللوا بها وقع القرآن القاهر في القلوب كغيرها من الاتهامات الباطلة التي ظنوا أنهم يستطيعون أن يواجهوا بها الآيات البينات كي يحولوا بينها وبين القلوب ولا دليل لهم على دعواهم، ولكنها من جملة الأكاذيب لتضليل العامة من الجماهير، أما الذين كانوا يقولون هذا القول - وهم من السادة - فقد كانوا على يقين أنه قرآن فوق مقدور البشر وفوق طاقة المتكلمين.. ولقد حدث بذلك بعض هؤلاء الكبراء بعضا في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمر القرآن ثم دبروا بينهم تلك المكيدة؛ ليصدوا بها الجماهير عن القرآن الذي يغلب القلوب ويأسر النفوس!

وقد كشف القرآن أمرهم، وهو يقرر أنهم أميون لم يؤتوا من قبل كتابا يقيسون به الكتب ويعرفون به الوحي؛ فيفتوا بأن ما جاءهم اليوم ليس كتابا وليس وحيا، وليس من عند الله، ولم يرسل إليهم من قبل رسول، فهم يهرفون إذن بما لا علم لهم به ويدعون ما ليس يعلمون:

(وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير)

(سبأ:44)

خامسا. المنهج الحق في البحث عن الحقائق هو الذي دعاهم إليه القرآن الكريم:

لقد رد القرآن عليهم بأن دعاهم إلى المنهج الصحيح في البحث عن الحقائق بكل حيادية وموضوعية بعيدا عن الأهواء والأحكام المسبقة، وهي دعوة خالصة إلى منهج البحث عن الحق، ومعرفة الافتراء من الصدق، وتقدير الواقع الذي يواجهونه من غير زيف ولا دخل:

(قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد)

(سبأ:46)

إنها دعوة إلى القيام لله بعيدا عن الهوى، بعيدا عن المصلحة، بعيدا عن ملابسات الأرض، بعيدا عن الهواتف والدوافع التي تشتجر في القلب، فتبعد به عن الله، بعيدا عن التأثر بالتيارات السائدة في البيئة، والمؤثرات الشائعة في الجماعة.

دعوة إلى التعامل مع الواقع البسيط، لامع القضايا والدعاوى الرائجة، ولا مع العبارات المطاطة، التي تبعد القلب والعقل عن مواجهة الحقيقة في بساطتها.

دعوة إلى منطق الفطرة الهادئ الصافي، بعيدا عن الضجيج والخلط واللبس، والرؤية المضطربة والغبش الذي يحجب صفاء الحقيقة.

وهي في الوقت ذاته منهج في البحث عن الحقيقة، منهج بسيط يعتمد على التجرد من الرواسب والغواشي والمؤثرات وعلى مراقبة الله وتقواه.

وهي "واحدة" إن تحققت صح المنهج واستقام الطريق، القيام لله.. لا لغرض ولا لهوى ولا لمصلحة ولا لنتيجة.. التجرد.. الخلوص.. ثم التفكر والتدبر بلا مؤثر خارج عن الواقع الذي يواجهه القائمون لله المتجردون.

(أن تقوموا لله مثنى وفرادى). مثنى ليراجع أحدهما الآخر.. ويأخذ معه ويعطي في غير تأثر بعقلية الجماهير التي تتبع الانفعال الطارئ، ولا تتلبث لتتبع الحجة في هدوء.. وفرادى مع النفس وجها لوجه في تمحيص هادئ عميق.

)ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة(.. فما عرفتم عنه إلا العقل والتدبر والرزانة، وما يقول شيئا يدعو إلى التظنن بعقله ورشده إن هو إلا القول المحكم[2] القوي المبين.

(إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد)

كالهاتف المحذر من حريق في دار يوشك أن يلتهم من لا يفر من الحريق وهو تصوير - فوق أنه صادق - بارع موح مثير.

وبعد أن دعاهم إلى التفكير الهادئ البريء.. )ما بصاحبكم من جنة( يدعوهم إلى أن يفكروا ما مصلحته؟ وما بواعثه؟ ماذا يعود عليه؟ ويأمره أن يلمس منطقهم ويوقظ وجدانهم إلى هذه الحقيقة في صورة موحية:

(قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد)

(سبأ:47)

هو يعلم ويرى ولا يخفى عليه شيء، وهو على كل شيء شهيد، فيما أفعل وفيما أنوي وفيما أقول...

(قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب)

(سبأ:48)

وهذا الذي جئتكم به هو الحق القوي الذي يقذف به الله (علام الغيوب (48)، فهو يقذف به عن علم ويوجههه على علم ولا يخفى عليه هدف ولا تغيب عنه غاية ولا يقف للحق الذي يقذف به الله معترض..

(قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)

(سبأ:49)

فمنذ جاء القرآن استقر منهج الحق واتضح ولم يعد الباطل إلا مماحكة أمام الحق الواضح الحاسم الجازم:

(قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب)

(سبأ:50)

فلا عليكم إذن إن ضللت، فإنما أضل على نفسي، وإن كنت مهتديا فإن الله هو الذي هداني بوحيه، لا أملك لنفسي شيئا إلا بإذن الله، وأنا تحت مشيئته أسير فضله. (إنه سميع قريب (50)([3].

سادسا. عاقبة المكذبين المفترين:

يحذرهم القرآن مغبة تكذيبهم بآيات الله وافترائهم على الله كذبا الذي منه ادعاؤهم أن القرآن سحر مبين وأن الرسول ساحر؛ فيذكرهم بمصارع الذين كذبوا من قبل وهم لم يؤتوا معشار ما أوتي أولئك الغابرون من علم، ومن قوة، ومن مال ومن تعمير، فلماذا كذبوا الرسل أخذهم النكير، أي الهجوم المدوي الشديد:

(وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير)

(سبأ:45)

ولقد كان النكير مهلكا، وكانت قريش تعرف مصارع بعضهم في الجزيرة، فهذا التذكير يكفي وهذا السؤال التهكمي (فكيف كان نكير (45) سؤال يلمس قلوب المخاطبين وهم يعرفون كيف كان هذا النكير.

وفي ختام الرد على تكذيب هؤلاء الظالمين للنبي - صلى الله عليه وسلم - ورميه بأنه ساحر وأن ما جاء به سحر يعقب القرآن الكريم بمشهد من مشاهد القيامة حيث لا ينفعهم تكذيبهم وافتراؤهم على القرآن والرسول، بل سيكون ذلك حسرة وندامة عليهم يوم لا ينفع الندم وكان بإمكانهم الإيمان في الحياة الدنيا وكانت الفرصة متاحة لهم لكنهم كذبوا وقالوا: سحر وساحر..

(ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب (51) وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد (52) وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد (53) وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب (54)

(سبأ).

فلا يستطيعون الإفلات ولا إفلات )وأخذوا من مكان قريب (51)(.. )وقالوا آمنا به( الآن بعد فوات الآوان.. )وأنى لهم التناوش من مكان بعيد (52)(، وكيف يتناولون الإيمان من مكانهم هذا. ومكان الإيمان بعيد عنهم، فقد كان ذلك في الدنيا فضيعوه، وقد كفروا به من قبل، وقالوا سحر وساحر وإفك مفترى وأساطير الأولين.. فانتهى الأمر ولم يعد لهم أن يحاولوه اليوم.... )وحيل بينهم وبين ما يشتهون( من الإيمان في غير موعده.. )إنهم كانوا في شك مريب (54)(، فها هو ذا اليقين بعد الشك المريب[4].

الخلاصة:

·السحر هو صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره وهو إما حيل وشعوذة، وإما خواص طبيعية علمية مجهولة للجماهير، وإما التأثير على قوى النفس وتوجيه الإرادة، وكلها أمور مكتسبة يتعلمها الراغب في ذلك.

·القرآن الكريم مجموعة من العلوم والمعارف في العقائد والآداب والتشريع والاجتماع، مرقية للعقول، مزكية للنفوس، مصلحة للناس، وليس حيل وشعوذة.

·إذا كان القرآن سحرا - كما زعم هؤلاء - لتعلم هؤلاء صناعة السحر وأتوا بمثل القرآن أو ببعض سور منه أو حتى سورة منه، لكنهم عجزوا، فثبت أن ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وحي من السماء، وأنه نبي من عند الله.

·القرآن وحي من عند الله معجز في أسلوبه ونظمه ومعانيه وهدايته وتشريعه وإخباره بالغيب ومن ثم فلا حجة لمن يدعي أنه من عند محمد - صلى الله عليه وسلم - أو متعلم من أحد البشر.

المراجع

  1. (*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (الصافات/ 15، المدثر/ 24، سبأ/ 43، الأحقاف/ 7). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (الإسراء/ 88، هود/ 13، يونس / 38). 
  2.  في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج3، ص1761 بتصرف. 
  3.  المحكم: ما لا يحتاج سامعه إلى تأويله لبيانه، أو ما أمكن معرفة المراد بظاهره، أو بدلالة تكشف عنه. 
  4. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج5، ص2913: 2917 بتصرف. 
  5. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ص2916 بتصرف.