نص السؤال

ادعاء المشركين أن سبب امتناعهم عن الإيمان هو عدم مجيء رسول لهم

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

ادعاء المشركين أن سبب امتناعهم عن الإيمان هو عدم مجيء رسول لهم (*)

مضمون الشبهة:                 

ادعى كفار قريش أن السبب في عدم إيمانهم هو عدم مجيء رسول لهم، ولذا أقسموا بالله - قبل إرسال الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليهم - أنهم إن جاءهم نذير ليكونن أهدى من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل،

قال تعالى:

(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا)

(فاطر:42)

وجها إبطال الشبهة:

1)  مقولتهم هذه تدل على أنهم كانوا على بصيرة من أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويعلمون صدق رسالته.

2)  أرسل الله الرسل فكذبوا من أقوامهم عنادا واستكبارا وحسدا.

التفصيل:

أولا. مقولة المشركين هذه تدل على علمهم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم:

هذه المقالة صدرت عن هؤلاء القوم قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغهم أن اليهود والنصارى كذبوا الرسل، فصدرت عنهم في مجرى المحاورة والمفاخرة بينهم وبين بعض أهل الكتاب ممن يقدم عليهم بمكة أو يقدمون هم عليهم إلى يثرب، أو بلاد الشام في أسفارهم، فربما كان أهل تلك البلدان يدعون المشركين إلى اتباع اليهودية أو النصرانية، فكان المشركون لا يجرءون على تكذيبهم؛ لأنهم كانوا مرموقين عندهم؛ إذ كانوا يفضلونهم بمعرفة الديانة وبأنهم ليسوا أميين، وهم يأبون أن يتركوا دين الشرك، فكانوا يعتذرون بأن رسول القوم الذين يدعونهم إلى دينهم لم يكن مرسلا إلى العرب، ولو جاءنا رسول لكنا أهدى منكم؛ وذلك كما

قال سبحانه وتعالى:

(أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين (156) أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم)

(الأنعام)

وهذا يشبه قوله سبحانه وتعالى:

(أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير)

(المائدة: ١٩)

وكذلك قوله سبحانه وتعالى:

(وإن كانوا ليقولون (167) لو أن عندنا ذكرا من الأولين (168) لكنا عباد الله المخلصين (169)

(الصافات).

وهذه الآيات - وغيرها - تدل على أنهم كانوا يعلمون صدق الرسل؛ ولذا رد الله عليهم شبهتهم هذه بإرسال الرسل إليهم لكنهم لم يزدادوا إلا نفورا واستكبارا وعنادا،

قال سبحانه وتعالى:

(فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا)

(فاطر:42)

وقال أيضا:

(فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة)

(الأنعام: ١٥٧)

وقال أيضا:

(فقد جاءكم بشير ونذير)

(المائدة: ١٩).

والمعنى: أننا حققنا لكم ما كنتم تقسمون عليه فهلا أحللتم قسمكم ووفيتم بوعدكم.

وهكذا يسجل القرآن عليهم تهافتهم في القول إذ كانوا قبل أن يأتيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - بالكتاب المبين يودون أن يشرفهم الله بكتاب لهم كما شرف الأولين، ويرجون لو كان ذلك أن يكونوا عبادا لله مخلصين، فلما جاءهم ما رغبوا فيه كفروا به، وذلك أفظع الكفر؛ لأنه كفر بما كانوا على بصيرة من أمره؛ إذ كانوا يتمنونه لأنفسهم ويغبطون الأمم التي أنزل عليهم مثله، فلم يكن كفرهم إذا عن مباغتة ولا عن قلة تمكن من النظر بل عن استكبار وعناد وتماد في الخطأ وعدم رجوع للحق، وإلا فقد زال العذر عنهم بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم[1].

ثانيا. سبب تكذيب المشركين للرسل هو الاستكبار والعناد والحسد:

ويبين الله - عز وجل - أيضا أن الذي منعهم من الإيمان بما جاء به الرسل هو استكبارهم وعنادهم حيث يعلمون الحق ولا يتبعونه،

قال سبحانه وتعالى:

(استكبارا في الأرض ومكر السيئ)

(فاطر:43)

وقال - سبحانه وتعالى - أيضا:

(فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها)

(الأنعام:157)

وقال سبحانه وتعالى:

(فكفروا به فسوف يعلمون)

(الصافات:170)

والعجيب أن هؤلاء المشركين قد أكدوا الأيمان في دعواهم تلك ووثقوها بكل ألفاظ التوكيد والتوثيق، ويكفي أنهم أقسموا بالله - عز وجل - جهد أيمانهم على الرغم من أنهم كانوا يحلفون بآبائهم وبأصنامهم؛ كما قال - سبحانه وتعالى - عنهم:

(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا)

(فاطر:42)

وهذا التأكيد بالقسم مبني على اعتقادهم أنهم أكمل البشر فطرة، وأعلاهم استعدادا لكل فضيلة، وكان اعتقادا راسخا في عقولهم متمكنا من وجدانهم ومن أدلته ما رواه التاريخ لنا من المفاخرات بين بعض العرب والفرس، وإذا كانت قبائل العرب كلها تعتقد أن شعبهم أزكى من جميع الأعاجم فطرة وأذكى أفئدة وأعز أنفسا وأكمل عقولا وأفهاما وأفصح ألسنة وأبلغ بيانا، فما القول بقريش التي دانت لها العرب واعترفت بفضلها على غيرها منهم، ولكن جمهور سادة قريش وكبرائها قد استكبروا بذلك وعتوا عتوا كبيرا، حتى كذبوا بأعظم ما فضل الله به جيلهم وقومهم على جميع الأجيال والأقوام بالحق - وهو القرآن - وصدوا عنه وصدفوا عن آياته، فكان إقسامهم أنهم لو جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم المجاورة لهم حجة عليهم، وإن صدق على غيرهم من قريش ومن سائر العرب الذين اهتدوا بالكتاب فسادوا به جميع الأمم، وكانوا أئمة لها في دينها ودنياها ما داموا مهتدين به معتصمين بحبله، وإذا كان ذلك القسم صادرا عن عقيدة راسخة فلا جرم أنه لو لم يأتهم النذير بهذا الكتاب المنير لاعتذروا في الآخرة بهذا العذر[2].

الخلاصة:

·لقد كان مشركو العرب يتفاخرون على أهل الكتاب بأنهم لو جاءهم رسول - كما جاء أهل الكتاب - لآمنوا به ولكانوا أهدى من جميع الأمم، وقد بين الله تعالى بطلان زعمهم هذا، فأرسل إليهم ما كانوا يرجون فكفروا به على بصيرة من أمره وعلى علم بصدقه.

·إن السبب الحقيقي في امتناع هؤلاء المشركين عن الإيمان هو استكبارهم وعنادهم، إذ كانوا يعلمون الحق ولا يتبعونه، كما أخبر الله - عز وجل - عنهم في قوله: )استكبارا في الأرض ومكر السيئ( (فاطر: 43).


المراجع

  1. (*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (فاطر/ 42، الأنعام/ 156، 157، الصافات/ 167: 169). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (فاطر/ 42، 43، المائدة/ 19، الأنعام/ 157). 
  2.  التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج11، ج22، ص332. 
  3.  تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج8، ص205.


الجواب التفصيلي

ادعاء المشركين أن سبب امتناعهم عن الإيمان هو عدم مجيء رسول لهم (*)

مضمون الشبهة:                 

ادعى كفار قريش أن السبب في عدم إيمانهم هو عدم مجيء رسول لهم، ولذا أقسموا بالله - قبل إرسال الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليهم - أنهم إن جاءهم نذير ليكونن أهدى من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل،

قال تعالى:

(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا)

(فاطر:42)

وجها إبطال الشبهة:

1)  مقولتهم هذه تدل على أنهم كانوا على بصيرة من أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويعلمون صدق رسالته.

2)  أرسل الله الرسل فكذبوا من أقوامهم عنادا واستكبارا وحسدا.

التفصيل:

أولا. مقولة المشركين هذه تدل على علمهم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم:

هذه المقالة صدرت عن هؤلاء القوم قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغهم أن اليهود والنصارى كذبوا الرسل، فصدرت عنهم في مجرى المحاورة والمفاخرة بينهم وبين بعض أهل الكتاب ممن يقدم عليهم بمكة أو يقدمون هم عليهم إلى يثرب، أو بلاد الشام في أسفارهم، فربما كان أهل تلك البلدان يدعون المشركين إلى اتباع اليهودية أو النصرانية، فكان المشركون لا يجرءون على تكذيبهم؛ لأنهم كانوا مرموقين عندهم؛ إذ كانوا يفضلونهم بمعرفة الديانة وبأنهم ليسوا أميين، وهم يأبون أن يتركوا دين الشرك، فكانوا يعتذرون بأن رسول القوم الذين يدعونهم إلى دينهم لم يكن مرسلا إلى العرب، ولو جاءنا رسول لكنا أهدى منكم؛ وذلك كما

قال سبحانه وتعالى:

(أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين (156) أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم)

(الأنعام)

وهذا يشبه قوله سبحانه وتعالى:

(أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير)

(المائدة: ١٩)

وكذلك قوله سبحانه وتعالى:

(وإن كانوا ليقولون (167) لو أن عندنا ذكرا من الأولين (168) لكنا عباد الله المخلصين (169)

(الصافات).

وهذه الآيات - وغيرها - تدل على أنهم كانوا يعلمون صدق الرسل؛ ولذا رد الله عليهم شبهتهم هذه بإرسال الرسل إليهم لكنهم لم يزدادوا إلا نفورا واستكبارا وعنادا،

قال سبحانه وتعالى:

(فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا)

(فاطر:42)

وقال أيضا:

(فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة)

(الأنعام: ١٥٧)

وقال أيضا:

(فقد جاءكم بشير ونذير)

(المائدة: ١٩).

والمعنى: أننا حققنا لكم ما كنتم تقسمون عليه فهلا أحللتم قسمكم ووفيتم بوعدكم.

وهكذا يسجل القرآن عليهم تهافتهم في القول إذ كانوا قبل أن يأتيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - بالكتاب المبين يودون أن يشرفهم الله بكتاب لهم كما شرف الأولين، ويرجون لو كان ذلك أن يكونوا عبادا لله مخلصين، فلما جاءهم ما رغبوا فيه كفروا به، وذلك أفظع الكفر؛ لأنه كفر بما كانوا على بصيرة من أمره؛ إذ كانوا يتمنونه لأنفسهم ويغبطون الأمم التي أنزل عليهم مثله، فلم يكن كفرهم إذا عن مباغتة ولا عن قلة تمكن من النظر بل عن استكبار وعناد وتماد في الخطأ وعدم رجوع للحق، وإلا فقد زال العذر عنهم بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم[1].

ثانيا. سبب تكذيب المشركين للرسل هو الاستكبار والعناد والحسد:

ويبين الله - عز وجل - أيضا أن الذي منعهم من الإيمان بما جاء به الرسل هو استكبارهم وعنادهم حيث يعلمون الحق ولا يتبعونه،

قال سبحانه وتعالى:

(استكبارا في الأرض ومكر السيئ)

(فاطر:43)

وقال - سبحانه وتعالى - أيضا:

(فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها)

(الأنعام:157)

وقال سبحانه وتعالى:

(فكفروا به فسوف يعلمون)

(الصافات:170)

والعجيب أن هؤلاء المشركين قد أكدوا الأيمان في دعواهم تلك ووثقوها بكل ألفاظ التوكيد والتوثيق، ويكفي أنهم أقسموا بالله - عز وجل - جهد أيمانهم على الرغم من أنهم كانوا يحلفون بآبائهم وبأصنامهم؛ كما قال - سبحانه وتعالى - عنهم:

(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا)

(فاطر:42)

وهذا التأكيد بالقسم مبني على اعتقادهم أنهم أكمل البشر فطرة، وأعلاهم استعدادا لكل فضيلة، وكان اعتقادا راسخا في عقولهم متمكنا من وجدانهم ومن أدلته ما رواه التاريخ لنا من المفاخرات بين بعض العرب والفرس، وإذا كانت قبائل العرب كلها تعتقد أن شعبهم أزكى من جميع الأعاجم فطرة وأذكى أفئدة وأعز أنفسا وأكمل عقولا وأفهاما وأفصح ألسنة وأبلغ بيانا، فما القول بقريش التي دانت لها العرب واعترفت بفضلها على غيرها منهم، ولكن جمهور سادة قريش وكبرائها قد استكبروا بذلك وعتوا عتوا كبيرا، حتى كذبوا بأعظم ما فضل الله به جيلهم وقومهم على جميع الأجيال والأقوام بالحق - وهو القرآن - وصدوا عنه وصدفوا عن آياته، فكان إقسامهم أنهم لو جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم المجاورة لهم حجة عليهم، وإن صدق على غيرهم من قريش ومن سائر العرب الذين اهتدوا بالكتاب فسادوا به جميع الأمم، وكانوا أئمة لها في دينها ودنياها ما داموا مهتدين به معتصمين بحبله، وإذا كان ذلك القسم صادرا عن عقيدة راسخة فلا جرم أنه لو لم يأتهم النذير بهذا الكتاب المنير لاعتذروا في الآخرة بهذا العذر[2].

الخلاصة:

·لقد كان مشركو العرب يتفاخرون على أهل الكتاب بأنهم لو جاءهم رسول - كما جاء أهل الكتاب - لآمنوا به ولكانوا أهدى من جميع الأمم، وقد بين الله تعالى بطلان زعمهم هذا، فأرسل إليهم ما كانوا يرجون فكفروا به على بصيرة من أمره وعلى علم بصدقه.

·إن السبب الحقيقي في امتناع هؤلاء المشركين عن الإيمان هو استكبارهم وعنادهم، إذ كانوا يعلمون الحق ولا يتبعونه، كما أخبر الله - عز وجل - عنهم في قوله: )استكبارا في الأرض ومكر السيئ( (فاطر: 43).


المراجع

  1. (*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (فاطر/ 42، الأنعام/ 156، 157، الصافات/ 167: 169). الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (فاطر/ 42، 43، المائدة/ 19، الأنعام/ 157). 
  2.  التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج11، ج22، ص332. 
  3.  تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج8، ص205.