نص السؤال
المصدر: شبهات المشككين في الإسلام
الجواب التفصيلي
ادعاء النمروذ بن كنعان أنه يستطيع الإحياء والإماتة(*)
مضمون الشبهة:
ادعى النمروذ بن كنعان - عنادا ومكابرة - لنفسه أنه يحيي ويميت، وذلك عندما أنكر عليه إبراهيم - عليه السلام - تألهه، ورفض الخضوع له
قائلا:
(ربي الذي يحيي ويميت)
(البقرة:٢٥٨)
فأتى النمروذ برجلين وأمر بقتل أحدهما وترك الآخر، وزعم أنه بذلك يحيي ويميت.
قال سبحانه وتعالى:
(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت)
(البقرة: ٢٥٨).
وجها إبطال الشبهة:
1) ضعف حجة النمروذ وتمويهه وهروبه، وعدم فهمه لمقالة إبراهيم عليه السلام.
2) إفحام إبراهيم للنمروذ وإلزامه الحجة بطلبه تغيير مسار الشمس.
التفصيل:
أولا. ضعف حجة النمروذ وتمويهه وهروبه من الحق:
إن هذا الملك - النمروذ - الذي حاج إبراهيم في ربه لم يكن منكرا لوجود الله أصلا إنما كان منكرا لوحدانية الله في الألوهية والربوبية ولتصريفه للكون وما يجري فيه وحده، وهنا كان لا بد من المواجهة والمحاجة بينه وبين إبراهيم - عليه السلام - وإقامة الحجة في المناظرة، وكان النمروذ قد طلب من إبراهيم دليلا على وجود الرب الذي يدعو إليه، فقال له إبراهيم:
(ربي الذي يحيي ويميت)
(البقرة: ٢٥٨)
أي: إنما الدليل على وجود حدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها وعدمها بعد وجودها، وهذا دليل على وجود الفاعل المختار ضرورة؛ لأنها لم تحدث بنفسها، فلا بد لها من موجد أوجدها، وهو الرب الذي أدعو إليه وإلى عبادته وحده لا شريك له، فعند ذلك قال المحاج وهو النمروذ: (أنا أحيي وأميت)، وذلك أنه أتي برجلين قد استحقا القتل، فأمر بقتل أحدهما فقتل، وأمر بالعفو عن الآخر فلم يقتل، فذلك عنده هو معنى الإحياء والإماتة.
وفي الحقيقة هذا ليس جوابا لإبراهيم - عليه السلام - ولا في معنى ما قاله، فإما أنه لم يفهم قول إبراهيم - عليه السلام - إذ جوابه منقطع عن الدليل لا يتصل به بالمرة، فإنه أراد أن يكون سببا للإحياء والإماتة، والكلام إنما هو في الإنشاء والتكوين لا في اتخاذ الأسباب والتوسل في الشيء المكون، فالمراد بالذي يحيي ويميت الذي ينشئ الحياة في جميع العوالم الحية من نبات وحيوان وغيرها، ويزيل الحياة بالموت، وإما أنه موه على قومه موهما أنه فاعل لذلك وأنه هو الذي يحيي ويميت، فادعى لنفسه هذا المقام عنادا ومكابرة.
ثانيا. إفحام إبراهيم - عليه السلام - للنمروذ:
لما رأى إبراهيم - عليه السلام - أن النمروذ لم يفهم أن مراده بالذي يحيي ويميت مصدر التكوين الذي يحيا كل حي بإحيائه ويموت بقطع إمداده له بالحياة، أو أن إبراهيم - عليه السلام - لما رآه ادعى هذه المكابرة قال له:
(فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب)
(البقرة: ٢٥٨)
وهذا من إبراهيم - في الحقيقة - إيضاح لقوله الأول، أي إذا كنت كما تدعي من أنك تحيي وتميت، فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود في خلق ذراته وتسخير كواكبه وحركاته، وربي هو الذي يعطي الحياة ويسلبها بقدرته وحكمته، وهو المكون لهذه الكائنات بهذا النظام وهذه السنن الحكيمة التي نشاهدها عليها، وهو الذي يطلع الشمس من المشرق فتبدو كل يوم كذلك، فإن كنت إلها تحيي وتميت كما تدعي فأت بها من المغرب وغير لنا نظام طلوعها، وائت بها من الجهة المقابلة للجهة التي جرت سنته - عز وجل - بظهورها منها، فبهت الذي كفر وأدركته الحيرة وأخذه الحصر والعي من نصوع الحجة وسطوعها فلم يحر جوابا؛ لعلمه بعجزه وانقطاعه وظهور عورة جهله وكذب زعمه وادعائه، وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام، فخرس وقامت عليه الحجة.
وهذا التنزيل على هذا المعنى السابق أحسن مما ذكره بعض الأصوليين والمنطقيين من أن عدول إبراهيم - عليه السلام - عن المقام الأول إلى المقام الثاني انتقال من دليل إلى دليل أوضح منه، أو أنه جواب آخر، أو أن إبراهيم - عليه السلام - لما وصف ربه - عز وجل - بما هو صفة له من الإحياء والإماتة - وهو أمر له حقيقة ومجاز - قصد إبراهيم - عليه السلام - إلى الحقيقة، وفزع النمروذ إلى المجاز وموه على قومه، فسلم له إبراهيم - عليه السلام - تسليم الجدل وانتقل معه من المثال الأول إلى الثاني وجاء بأمر لا مجاز فيه فانقطعت حجة النمروذ ولم يمكنه أن يقول: أنا آتي بها من المشرق؛ لأن ذوي الألباب والعقول يكذبونه.
وليس الأمر في الحقيقة على ما ذكروا، بل المقام الأول يكون كالمقدمة للثاني، ويبين ما ادعاه النمروذ في الأول، ومن فهم الآية على الوجه السابق الذي قررناه يعلم أنه لا محل للشبهة التي يوردها بعض الناس على حجة إبراهيم عليه السلام، وهي أنه كان للنمروذ أن يقول له: إذا كان ربك هو الذي يأتي بالشمس من المشرق وهو قادر على ما طالبتني به من الإتيان بها من المغرب فليأت بها يوما ما، قال بعض المقلدين: ولا يمكن أن يسأل إبراهيم - عليه السلام - ربه ذلك؛ لأن فيه خراب العالم، وقال بعض المرتابين: إنه لو قال له النمروذ ذلك لألزمه، والحقيقة أن نمروذ على طغيانه وغروره قد فهم من الحجة ما لم يفهمه هؤلاء القائلون، فقد فهم أن مراد إبراهيم - عليه السلام - أن هذا النظام في سير الشمس لا بد له من فاعل حكيم، إذ لا يكون مثله بالمصادفة والاتفاق، وإن ربي الذي أعبده هو ذلك الفاعل الحكيم الذي قضت حكمته بأن تكون الشمس على ما ترى، ومن فهم هذا لا يمكن أن يقول: اطلب من هذا الحكيم أن يرجع عن حكمته ويبطل سنته، كذلك لا محل لقول بعضهم: لم سكت إبراهيم - عليه السلام - عن كشف شبهته الأولى إذ زعم أن ترك القتل إحياء، فقد علمت أن مسألة الشمس قد كشفت ذلك انكشافا لا يخفى إلا على من تخفى عليه الشمس.
الخلاصة:
·مكابرة النمروذ وعناده وهروبه من حجة إبراهيم - عليه السلام - لضعف حجته إذ هو يعلم أنه لا يقدر على الإحياء والإماته إلا الله تعالى، ولو طالبه إبراهيم بإحياء الميت الذي أمر بقتله لما استطاع.
·المعنى المراد من حجة إبراهيم - عليه السلام - المفحمة للنمروذ هي إعلامه أن هذا النظام في سير الشمس لا بد له من فاعل حكيم، وهذا هو الله عز وجل، وقد اقتضت حكمته بأن تكون الشمس على ما ترى.
المراجع
- (*) الآية التي وردت فيها الشبهة: (البقرة/ 258).
- الآية التي ورد فيها الرد على الشبهة: (البقرة/ 258).
الجواب التفصيلي
ادعاء النمروذ بن كنعان أنه يستطيع الإحياء والإماتة(*)
مضمون الشبهة:
ادعى النمروذ بن كنعان - عنادا ومكابرة - لنفسه أنه يحيي ويميت، وذلك عندما أنكر عليه إبراهيم - عليه السلام - تألهه، ورفض الخضوع له
قائلا:
(ربي الذي يحيي ويميت)
(البقرة:٢٥٨)
فأتى النمروذ برجلين وأمر بقتل أحدهما وترك الآخر، وزعم أنه بذلك يحيي ويميت.
قال سبحانه وتعالى:
(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت)
(البقرة: ٢٥٨).
وجها إبطال الشبهة:
1) ضعف حجة النمروذ وتمويهه وهروبه، وعدم فهمه لمقالة إبراهيم عليه السلام.
2) إفحام إبراهيم للنمروذ وإلزامه الحجة بطلبه تغيير مسار الشمس.
التفصيل:
أولا. ضعف حجة النمروذ وتمويهه وهروبه من الحق:
إن هذا الملك - النمروذ - الذي حاج إبراهيم في ربه لم يكن منكرا لوجود الله أصلا إنما كان منكرا لوحدانية الله في الألوهية والربوبية ولتصريفه للكون وما يجري فيه وحده، وهنا كان لا بد من المواجهة والمحاجة بينه وبين إبراهيم - عليه السلام - وإقامة الحجة في المناظرة، وكان النمروذ قد طلب من إبراهيم دليلا على وجود الرب الذي يدعو إليه، فقال له إبراهيم:
(ربي الذي يحيي ويميت)
(البقرة: ٢٥٨)
أي: إنما الدليل على وجود حدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها وعدمها بعد وجودها، وهذا دليل على وجود الفاعل المختار ضرورة؛ لأنها لم تحدث بنفسها، فلا بد لها من موجد أوجدها، وهو الرب الذي أدعو إليه وإلى عبادته وحده لا شريك له، فعند ذلك قال المحاج وهو النمروذ: (أنا أحيي وأميت)، وذلك أنه أتي برجلين قد استحقا القتل، فأمر بقتل أحدهما فقتل، وأمر بالعفو عن الآخر فلم يقتل، فذلك عنده هو معنى الإحياء والإماتة.
وفي الحقيقة هذا ليس جوابا لإبراهيم - عليه السلام - ولا في معنى ما قاله، فإما أنه لم يفهم قول إبراهيم - عليه السلام - إذ جوابه منقطع عن الدليل لا يتصل به بالمرة، فإنه أراد أن يكون سببا للإحياء والإماتة، والكلام إنما هو في الإنشاء والتكوين لا في اتخاذ الأسباب والتوسل في الشيء المكون، فالمراد بالذي يحيي ويميت الذي ينشئ الحياة في جميع العوالم الحية من نبات وحيوان وغيرها، ويزيل الحياة بالموت، وإما أنه موه على قومه موهما أنه فاعل لذلك وأنه هو الذي يحيي ويميت، فادعى لنفسه هذا المقام عنادا ومكابرة.
ثانيا. إفحام إبراهيم - عليه السلام - للنمروذ:
لما رأى إبراهيم - عليه السلام - أن النمروذ لم يفهم أن مراده بالذي يحيي ويميت مصدر التكوين الذي يحيا كل حي بإحيائه ويموت بقطع إمداده له بالحياة، أو أن إبراهيم - عليه السلام - لما رآه ادعى هذه المكابرة قال له:
(فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب)
(البقرة: ٢٥٨)
وهذا من إبراهيم - في الحقيقة - إيضاح لقوله الأول، أي إذا كنت كما تدعي من أنك تحيي وتميت، فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود في خلق ذراته وتسخير كواكبه وحركاته، وربي هو الذي يعطي الحياة ويسلبها بقدرته وحكمته، وهو المكون لهذه الكائنات بهذا النظام وهذه السنن الحكيمة التي نشاهدها عليها، وهو الذي يطلع الشمس من المشرق فتبدو كل يوم كذلك، فإن كنت إلها تحيي وتميت كما تدعي فأت بها من المغرب وغير لنا نظام طلوعها، وائت بها من الجهة المقابلة للجهة التي جرت سنته - عز وجل - بظهورها منها، فبهت الذي كفر وأدركته الحيرة وأخذه الحصر والعي من نصوع الحجة وسطوعها فلم يحر جوابا؛ لعلمه بعجزه وانقطاعه وظهور عورة جهله وكذب زعمه وادعائه، وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام، فخرس وقامت عليه الحجة.
وهذا التنزيل على هذا المعنى السابق أحسن مما ذكره بعض الأصوليين والمنطقيين من أن عدول إبراهيم - عليه السلام - عن المقام الأول إلى المقام الثاني انتقال من دليل إلى دليل أوضح منه، أو أنه جواب آخر، أو أن إبراهيم - عليه السلام - لما وصف ربه - عز وجل - بما هو صفة له من الإحياء والإماتة - وهو أمر له حقيقة ومجاز - قصد إبراهيم - عليه السلام - إلى الحقيقة، وفزع النمروذ إلى المجاز وموه على قومه، فسلم له إبراهيم - عليه السلام - تسليم الجدل وانتقل معه من المثال الأول إلى الثاني وجاء بأمر لا مجاز فيه فانقطعت حجة النمروذ ولم يمكنه أن يقول: أنا آتي بها من المشرق؛ لأن ذوي الألباب والعقول يكذبونه.
وليس الأمر في الحقيقة على ما ذكروا، بل المقام الأول يكون كالمقدمة للثاني، ويبين ما ادعاه النمروذ في الأول، ومن فهم الآية على الوجه السابق الذي قررناه يعلم أنه لا محل للشبهة التي يوردها بعض الناس على حجة إبراهيم عليه السلام، وهي أنه كان للنمروذ أن يقول له: إذا كان ربك هو الذي يأتي بالشمس من المشرق وهو قادر على ما طالبتني به من الإتيان بها من المغرب فليأت بها يوما ما، قال بعض المقلدين: ولا يمكن أن يسأل إبراهيم - عليه السلام - ربه ذلك؛ لأن فيه خراب العالم، وقال بعض المرتابين: إنه لو قال له النمروذ ذلك لألزمه، والحقيقة أن نمروذ على طغيانه وغروره قد فهم من الحجة ما لم يفهمه هؤلاء القائلون، فقد فهم أن مراد إبراهيم - عليه السلام - أن هذا النظام في سير الشمس لا بد له من فاعل حكيم، إذ لا يكون مثله بالمصادفة والاتفاق، وإن ربي الذي أعبده هو ذلك الفاعل الحكيم الذي قضت حكمته بأن تكون الشمس على ما ترى، ومن فهم هذا لا يمكن أن يقول: اطلب من هذا الحكيم أن يرجع عن حكمته ويبطل سنته، كذلك لا محل لقول بعضهم: لم سكت إبراهيم - عليه السلام - عن كشف شبهته الأولى إذ زعم أن ترك القتل إحياء، فقد علمت أن مسألة الشمس قد كشفت ذلك انكشافا لا يخفى إلا على من تخفى عليه الشمس.
الخلاصة:
·مكابرة النمروذ وعناده وهروبه من حجة إبراهيم - عليه السلام - لضعف حجته إذ هو يعلم أنه لا يقدر على الإحياء والإماته إلا الله تعالى، ولو طالبه إبراهيم بإحياء الميت الذي أمر بقتله لما استطاع.
·المعنى المراد من حجة إبراهيم - عليه السلام - المفحمة للنمروذ هي إعلامه أن هذا النظام في سير الشمس لا بد له من فاعل حكيم، وهذا هو الله عز وجل، وقد اقتضت حكمته بأن تكون الشمس على ما ترى.
المراجع
- (*) الآية التي وردت فيها الشبهة: (البقرة/ 258).
- الآية التي ورد فيها الرد على الشبهة: (البقرة/ 258).