نص السؤال

الفهم الخاطئ للقسم في القرآن الكريم

المؤلف: مجموعة مؤلفي بيان الإسلام

المصدر: موسوعة بيان الإسلام

الجواب التفصيلي

الفهم الخاطئ للقسم في القرآن الكريم (*)


مضمون الشبهة: 


يدعي بعض المشككين أن القرآن الكريم يعتمد على القسم في مواضع كثيرة، ويستدلــون

بقولــه تعالــى:

(والشمس وضحاها (1))

(الشمس)

وقولــه تعالــى:

(والفجر (1))

(الفجر)

، وقوله أيضا:

(والضحى (1) والليل إذا سجى (2))

(الضحى).

ويتساءلون، كيف يقسم الله تعالى والحالف على قوله متهم في صدقه؟ ويرمون من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن الكريم.

 
وجوه إبطال الشبهة: 


1) القسم في القرآن الكريم جاء لأغراض عدة، منها: مراعاة لاختلاف الاستعداد النفسي لدى البشر، وتوكيدا للمعاني. 
2)  القسم في القرآن الكريم بهذه المخلوقات جاء للاستدلال المحض، ولم يكن الغرض منه تقديسها أو تعظيمها. 
3) لله تعالى أن يحلف بما شاء من مخلوقاته كما هو وارد في كل الكتب السماوية، وليس للعبد أن يحلف إلا بالله تعالى، ثم إن القسم ورد أيضا في الكتاب المقدس. 


التفصيل: 


أولا. جاء القسم في القرآن نظرا لاختلاف الاستعداد النفسي لدى البشر: 


يختلف الاستعداد النفسي عند الفرد في تقبله للحق وانقياده لنوره، فالنفس الصافية يكفيها في الانصياع إليه اللمحة والإشارة، وأما النفس التي رانت عليها سحابة الجهل، وغشيتها ظلمة الباطل، فلا يهتز قلبها إلا بمطارق الزجر، وصيغ التأكيد، حتى يتزعزع نكيرها، والقسم في الخطاب من أساليب التأكيد التي يتخللها البرهان المفحم، والاستدراج بالخصم إلى الاعتراف بما يجحد. 
إن أسلوب القسم في اللغة طريق من طرق توكيد الكلام، وإبراز معانيه ومقاصده على النحو الذي يريده المتكلم، ومعلوم أن القرآن نزل بلغة العرب، وإثبات المطالب بالحلف واليمين طريقة مألوفة عندهم، فكان من عادتهم أنهم إذا قصدوا توكيد الأخبار وتقريرها جاءوا بالقسم، وعلى هذا جاءت في القرآن أقسام متنوعة في مواضع شتى، فذكر القسم تأكيدا وبالطريقة المألوفة لديهم. 
وللقسم أركان أربعة: المقسم، والمقسم به، والمقسم عليه، وأداة القسم، وما يعنينا الحديث عنه - فيما نحن بصدده - هو "المقسم به" ولمجيئه في القرآن الكريم أغراض منها: 
•   أن يكون شيئا عاليا بعيدا عنا يثير الرهبة والعظمة والجلال، والقسم به يثير لدينا الفضول العلمي وحب الاستطلاع، وذلك كالسماء وما فيها من شمس وقمر ونجوم. 
•   وقد يكون المقسم به شيئا مما يحيط بالإنسان ويتعايش به ومعه، ويقسم الله تعالى به لما فيه من منافع وفوائد، كالتين والزيتون. 
•   يقسم الله تعالى بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته، أو بآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وإقسامه ببعض مخلوقاته دليل على أنه من عظيم آياته [1].


ثانيا. قسم الله - عز وجل - بمخلوقاته لا يعني تقديسها وتعظيمها: 


قد يكون الغرض من القسم الاستشهاد والاستدلال، وليس التعظيم والتقديس، إذ ورد استخدام العرب للقسم بمعنى الاستشهاد والاستدلال، مثل قول عنترة: 
والخيل تعلم والفوارس أنني
فرقت جمعهم بطعنة فيصل
وليس المقصود هنا: إلا أنك لو سألت الخيل ونطقت لشهدت على دعواه. 
ومن الأمثلة أيضا ما روي عن "هجرس" حين هم بقتل "جساس" قاتل أبيه، قال: "وفرسي وأذنيه، ورمحي ونصليه، وسيفي وغراريه [2]، لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه"، ثم طعنه فقضى عليه، وهو هنا لم يرد تقديس هذه الأشياء وتشريفها - وإن كانت عظيمة عنده - وإنما أراد أن يقول إنه تام العدة، قادر على الثأر، ومن ثم، فلا يسوغ له أن يترك قاتل أبيه حيا. 
وهناك ما يدل على أن القسم في القرآن الكريم لم يكن للتعظيم والتقديس، من ذلك: 
•       تعميم المقسم به على طريق تعميم الآيات الدالة،

كما قال تعالى:

(والشمس وضحاها (1) والقمر إذا تلاها (2) والنهار إذا جلاها (3) والليل إذا يغشاها (4) والسماء وما بناها (5) والأرض وما طحاها (6) ونفس وما سواها (7))

(الشمس)،

فلم يترك شيئا إلا وأقسم به، فكيف يظن أن الله عظم كل شيء، والسبيل إلى جعله آية دالة ظاهرة، فلا يصار إلا إليه. 
•   ما يتبع المقسم به من التنبيه على كونه دليلا للعقلاء،

كما قال تعالى:

(والفجر (1) وليال عشر (2) والشفع والوتر (3) والليل إذا يسر (4) هل في ذلك قسم لذي حجر (5))

(الفجر)

فهو هنا بعد ذكر الأقسام نبه سبحانه وتعالى على كونها دلائل لذي عقل وبصيرة،

وكذلـك في قولــه تعالــى:

(فلا أقسم بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76))

(الواقعة)

، أي: إن فيها دلالة عظيمة وشهادة كبيرة، فصرح بعظمة القسم لا بعظمة المقسم به. 
•       تفسير الآيات بعضها ببعض، فقد يذكر الله تعالى الأمور الدالة على أسلوب القسم بها تارة، وأخرى على أسلوب الآية والعبرة، وكلها إشهاد لمــن يتفكــر فيهــا،

قــال تعالى:

(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخــر بين السماء والأرض لآيــات لقــوم يعقلــون (164))

(البقرة)

، ثم أشهد القرآن على أسلوب القسم بهذه الآيات، فأشهد بالسماء والأرض، والشمس والضحى والفجر،... وغيرها. 


ثالثا. لله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته - كما هو واضح في الكتب السماوية كلها - وليس للعباد أن يحلفوا إلا بالله تعالى: 


وأكد العديد من العلماء - أمثال: د. سامي عطا حسن في كتابه "أسلوب القسم الظاهر في القرآن الكريم"، وعبد الحميد الفراهي في كتابه "إمعان في أقسام القرآن"، وابن القيم في كتابه "التبيان في أقسام القرآن" وغيرهم - على أن القسم في القرآن بمخلوقاته - عز وجل - خاص بالله وحده، ولا يجوز للعبد أن يحلف بها، ولله أن يحلف بما شاء، أما حلف العباد بغير الله فهو ضرب من الشرك،

كما قال صلى الله عليه وسلم:

«من حلف بغير الله فقد أشرك»

[3]

. وإنما أقسم الله بمخلوقاته؛ لأنها تدل على بارئها، وهو الله تعالى، وللإشارة إلى فضيلتها ومنفعتها ليعتبر الناس بها. وعن الحسن قال: "إن الله ليقسم بما شاء من خلقه، وليس لأحد أن يقسم إلا بالله" [4]. 
وقد ذكرت التوراة أن الله أقسم في مواضع عديدة، والإنجيل أيضا؛ ومن ذلك: "حلف الرب بيمينه وبذراع عزته". (إشعياء 62: 8). وفي الإنجيل: "من حلف بالهيكل فليس بشيء، ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم. أيها الجهال والعميان! أيما أعظم: ألذهب أم الهيكل الذي يقدس الذهب؟ ومن حلف بالمذبح فليس بشيء، ولكن من حلف بالقربان الذي عليه يلتزم. أيها الجهال والعميان! أيما أعظم: ألقربان أم المذبح الذي يقدس القربان؟ فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه! ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه، ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه". (متى 23: 16 - 22). وفي الزبور: "أقسم الرب ولن يندم". (المزمور 110: 4). وفي سفر التكوين: "بذاتي أقسمت". (التكوين 22: 16). 
وبهذا البيان اتضح أن القسم في القرآن الكريم، لم يكن تعظيما وتقديسا للمقسم به، وإنما للاستشهاد وللاستدلال به فقط [5].


الخلاصة:

 
•   نزل القرآن بلغة العرب، وقد لجأ القرآن إلى القسم جريا على عادة العرب في توكيد الكلام وإبراز معانيه، ومن أغراضه أيضا: أن يكون شيئا يثير الفضول العلمي وحب الاستطلاع، وقد يكون شيئا مما يحيط بالإنسان ويتعايش به ومعه، فيقسم الله تعالى به لما فيه من منافع... إلخ. 
•   ليس معنى قسم الله - عز وجل - ببعض مخلوقاته أن هذه الأشياء معظمة ومقدسة، بل إن القسم بها جاء على سبيل الاستدلال والاستشهاد، ومثال ذلك كثير في لغة العرب الفصيحة. 
•   الله - عز وجل - هو خالق الكون وكل ما فيه من مخلوقاته، وله وحده سبحانه وتعالى أن يحلف بما شاء من خلقه، فكل شيء تحت أمره ورهن إشارته، أما العبد، فلا يجوز له أن يحلف بغير الله؛ لأن هذا من قبيل الشرك بالله. ولذلك نرى كل الكتب السماوية تشمل على أسلوب القسم، فكيف يعاب على القرآن وجود القسم فيه وهو موجود في غيره من الكتب السماوية؟!

المراجع

  1. (*) موقع الكلمة. www.alkalema.com [1]. مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط 13، 1425هـ/2004م، ص284 وما بعدها.
  2. الغرار: حد السيف.
  3. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ (6072)، وأبو داود في سننه، كتاب الإيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء (3253)، وصححــه الألبانــي في صحيــح أبي داود (2787).
  4. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الإيمان والنذور، باب الرجل يحلف بغير الله أو بأبيه (12288).
  5. الشبكة الإسلامية. www.islamweb.org


الجواب التفصيلي

الفهم الخاطئ للقسم في القرآن الكريم (*)


مضمون الشبهة: 


يدعي بعض المشككين أن القرآن الكريم يعتمد على القسم في مواضع كثيرة، ويستدلــون

بقولــه تعالــى:

(والشمس وضحاها (1))

(الشمس)

وقولــه تعالــى:

(والفجر (1))

(الفجر)

، وقوله أيضا:

(والضحى (1) والليل إذا سجى (2))

(الضحى).

ويتساءلون، كيف يقسم الله تعالى والحالف على قوله متهم في صدقه؟ ويرمون من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن الكريم.

 
وجوه إبطال الشبهة: 


1) القسم في القرآن الكريم جاء لأغراض عدة، منها: مراعاة لاختلاف الاستعداد النفسي لدى البشر، وتوكيدا للمعاني. 
2)  القسم في القرآن الكريم بهذه المخلوقات جاء للاستدلال المحض، ولم يكن الغرض منه تقديسها أو تعظيمها. 
3) لله تعالى أن يحلف بما شاء من مخلوقاته كما هو وارد في كل الكتب السماوية، وليس للعبد أن يحلف إلا بالله تعالى، ثم إن القسم ورد أيضا في الكتاب المقدس. 


التفصيل: 


أولا. جاء القسم في القرآن نظرا لاختلاف الاستعداد النفسي لدى البشر: 


يختلف الاستعداد النفسي عند الفرد في تقبله للحق وانقياده لنوره، فالنفس الصافية يكفيها في الانصياع إليه اللمحة والإشارة، وأما النفس التي رانت عليها سحابة الجهل، وغشيتها ظلمة الباطل، فلا يهتز قلبها إلا بمطارق الزجر، وصيغ التأكيد، حتى يتزعزع نكيرها، والقسم في الخطاب من أساليب التأكيد التي يتخللها البرهان المفحم، والاستدراج بالخصم إلى الاعتراف بما يجحد. 
إن أسلوب القسم في اللغة طريق من طرق توكيد الكلام، وإبراز معانيه ومقاصده على النحو الذي يريده المتكلم، ومعلوم أن القرآن نزل بلغة العرب، وإثبات المطالب بالحلف واليمين طريقة مألوفة عندهم، فكان من عادتهم أنهم إذا قصدوا توكيد الأخبار وتقريرها جاءوا بالقسم، وعلى هذا جاءت في القرآن أقسام متنوعة في مواضع شتى، فذكر القسم تأكيدا وبالطريقة المألوفة لديهم. 
وللقسم أركان أربعة: المقسم، والمقسم به، والمقسم عليه، وأداة القسم، وما يعنينا الحديث عنه - فيما نحن بصدده - هو "المقسم به" ولمجيئه في القرآن الكريم أغراض منها: 
•   أن يكون شيئا عاليا بعيدا عنا يثير الرهبة والعظمة والجلال، والقسم به يثير لدينا الفضول العلمي وحب الاستطلاع، وذلك كالسماء وما فيها من شمس وقمر ونجوم. 
•   وقد يكون المقسم به شيئا مما يحيط بالإنسان ويتعايش به ومعه، ويقسم الله تعالى به لما فيه من منافع وفوائد، كالتين والزيتون. 
•   يقسم الله تعالى بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته، أو بآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وإقسامه ببعض مخلوقاته دليل على أنه من عظيم آياته [1].


ثانيا. قسم الله - عز وجل - بمخلوقاته لا يعني تقديسها وتعظيمها: 


قد يكون الغرض من القسم الاستشهاد والاستدلال، وليس التعظيم والتقديس، إذ ورد استخدام العرب للقسم بمعنى الاستشهاد والاستدلال، مثل قول عنترة: 
والخيل تعلم والفوارس أنني
فرقت جمعهم بطعنة فيصل
وليس المقصود هنا: إلا أنك لو سألت الخيل ونطقت لشهدت على دعواه. 
ومن الأمثلة أيضا ما روي عن "هجرس" حين هم بقتل "جساس" قاتل أبيه، قال: "وفرسي وأذنيه، ورمحي ونصليه، وسيفي وغراريه [2]، لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه"، ثم طعنه فقضى عليه، وهو هنا لم يرد تقديس هذه الأشياء وتشريفها - وإن كانت عظيمة عنده - وإنما أراد أن يقول إنه تام العدة، قادر على الثأر، ومن ثم، فلا يسوغ له أن يترك قاتل أبيه حيا. 
وهناك ما يدل على أن القسم في القرآن الكريم لم يكن للتعظيم والتقديس، من ذلك: 
•       تعميم المقسم به على طريق تعميم الآيات الدالة،

كما قال تعالى:

(والشمس وضحاها (1) والقمر إذا تلاها (2) والنهار إذا جلاها (3) والليل إذا يغشاها (4) والسماء وما بناها (5) والأرض وما طحاها (6) ونفس وما سواها (7))

(الشمس)،

فلم يترك شيئا إلا وأقسم به، فكيف يظن أن الله عظم كل شيء، والسبيل إلى جعله آية دالة ظاهرة، فلا يصار إلا إليه. 
•   ما يتبع المقسم به من التنبيه على كونه دليلا للعقلاء،

كما قال تعالى:

(والفجر (1) وليال عشر (2) والشفع والوتر (3) والليل إذا يسر (4) هل في ذلك قسم لذي حجر (5))

(الفجر)

فهو هنا بعد ذكر الأقسام نبه سبحانه وتعالى على كونها دلائل لذي عقل وبصيرة،

وكذلـك في قولــه تعالــى:

(فلا أقسم بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76))

(الواقعة)

، أي: إن فيها دلالة عظيمة وشهادة كبيرة، فصرح بعظمة القسم لا بعظمة المقسم به. 
•       تفسير الآيات بعضها ببعض، فقد يذكر الله تعالى الأمور الدالة على أسلوب القسم بها تارة، وأخرى على أسلوب الآية والعبرة، وكلها إشهاد لمــن يتفكــر فيهــا،

قــال تعالى:

(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخــر بين السماء والأرض لآيــات لقــوم يعقلــون (164))

(البقرة)

، ثم أشهد القرآن على أسلوب القسم بهذه الآيات، فأشهد بالسماء والأرض، والشمس والضحى والفجر،... وغيرها. 


ثالثا. لله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته - كما هو واضح في الكتب السماوية كلها - وليس للعباد أن يحلفوا إلا بالله تعالى: 


وأكد العديد من العلماء - أمثال: د. سامي عطا حسن في كتابه "أسلوب القسم الظاهر في القرآن الكريم"، وعبد الحميد الفراهي في كتابه "إمعان في أقسام القرآن"، وابن القيم في كتابه "التبيان في أقسام القرآن" وغيرهم - على أن القسم في القرآن بمخلوقاته - عز وجل - خاص بالله وحده، ولا يجوز للعبد أن يحلف بها، ولله أن يحلف بما شاء، أما حلف العباد بغير الله فهو ضرب من الشرك،

كما قال صلى الله عليه وسلم:

«من حلف بغير الله فقد أشرك»

[3]

. وإنما أقسم الله بمخلوقاته؛ لأنها تدل على بارئها، وهو الله تعالى، وللإشارة إلى فضيلتها ومنفعتها ليعتبر الناس بها. وعن الحسن قال: "إن الله ليقسم بما شاء من خلقه، وليس لأحد أن يقسم إلا بالله" [4]. 
وقد ذكرت التوراة أن الله أقسم في مواضع عديدة، والإنجيل أيضا؛ ومن ذلك: "حلف الرب بيمينه وبذراع عزته". (إشعياء 62: 8). وفي الإنجيل: "من حلف بالهيكل فليس بشيء، ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم. أيها الجهال والعميان! أيما أعظم: ألذهب أم الهيكل الذي يقدس الذهب؟ ومن حلف بالمذبح فليس بشيء، ولكن من حلف بالقربان الذي عليه يلتزم. أيها الجهال والعميان! أيما أعظم: ألقربان أم المذبح الذي يقدس القربان؟ فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه! ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه، ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه". (متى 23: 16 - 22). وفي الزبور: "أقسم الرب ولن يندم". (المزمور 110: 4). وفي سفر التكوين: "بذاتي أقسمت". (التكوين 22: 16). 
وبهذا البيان اتضح أن القسم في القرآن الكريم، لم يكن تعظيما وتقديسا للمقسم به، وإنما للاستشهاد وللاستدلال به فقط [5].


الخلاصة:

 
•   نزل القرآن بلغة العرب، وقد لجأ القرآن إلى القسم جريا على عادة العرب في توكيد الكلام وإبراز معانيه، ومن أغراضه أيضا: أن يكون شيئا يثير الفضول العلمي وحب الاستطلاع، وقد يكون شيئا مما يحيط بالإنسان ويتعايش به ومعه، فيقسم الله تعالى به لما فيه من منافع... إلخ. 
•   ليس معنى قسم الله - عز وجل - ببعض مخلوقاته أن هذه الأشياء معظمة ومقدسة، بل إن القسم بها جاء على سبيل الاستدلال والاستشهاد، ومثال ذلك كثير في لغة العرب الفصيحة. 
•   الله - عز وجل - هو خالق الكون وكل ما فيه من مخلوقاته، وله وحده سبحانه وتعالى أن يحلف بما شاء من خلقه، فكل شيء تحت أمره ورهن إشارته، أما العبد، فلا يجوز له أن يحلف بغير الله؛ لأن هذا من قبيل الشرك بالله. ولذلك نرى كل الكتب السماوية تشمل على أسلوب القسم، فكيف يعاب على القرآن وجود القسم فيه وهو موجود في غيره من الكتب السماوية؟!

المراجع

  1. (*) موقع الكلمة. www.alkalema.com [1]. مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط 13، 1425هـ/2004م، ص284 وما بعدها.
  2. الغرار: حد السيف.
  3. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ (6072)، وأبو داود في سننه، كتاب الإيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء (3253)، وصححــه الألبانــي في صحيــح أبي داود (2787).
  4. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الإيمان والنذور، باب الرجل يحلف بغير الله أو بأبيه (12288).
  5. الشبكة الإسلامية. www.islamweb.org