نص السؤال

لماذا لا يكونُ مصدرُ القرآنِ هو تخيُّلاتِ النبيِّ، ووحيَهُ النفسيَّ، صاغَهُ بعبقريَّتِهِ وفصاحتِه؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

القرآنُ الكريم.

النبيُّ ^.

العبقريَّة.

الجواب التفصيلي

لا يُمكِنُ أن يكونَ مصدرُ القرآنِ الكريمِ تخيُّلاتِ النبيِّ ^، ووحيَهُ النفسيَّ؛ لعدَّةِ وجوهٍ، منها:

الوجهُ الأوَّلُ: كلُّ مَن يَقرَأُ القرآنَ الكريمَ لا تَخْفى عليه تلك الآياتُ التي تتحدَّثُ عن أمورٍ غيبيَّةٍ، تَشمَلُ غيبَ المكانِ، وغيبَ الزمانِ، لكلِّ زمَنٍ مِن الأزمان، في الماضي والحاضرِ والمستقبَل، وهذه الأمورُ تتجاوَزُ أسوارَ العقلِ البشَريِّ بمراحلَ، وتتخطَّى إمكانيَّاتِهِ بشكلٍ يفوقُ التصوُّرَ:

فأخبارُ الأُمَمِ السابقةِ مثلًا: جاءت في آياتٍ كثيرةٍ بترتيبِ حدوثِها بدِقَّةٍ، تَجعَلُ القارئَ لها يُدرِكُ منذُ الوهلةِ الأُولى: أن مَن يذكُرُها بهذا الشكلِ لا بدَّ أنه قد شَهِدَ أحداثَها في كلِّ أزمانِها وأماكنِها.

وكذلك مَن يتأمَّلِ الآياتِ التي تتحدَّثُ عن أمورِ المستقبَلِ الغيبيِّ بالنسبةِ لوقتِ نزولِها، ثم يَعرِفْ أن تلك النبوءاتِ قد تحقَّقتْ فعلًا بشهادةِ القاصي والداني، والعدُوِّ والصديق -: فإنه لا بدَّ أن فطرتَهُ السويَّةَ ستَصِلُ به إلى استنتاجِ مصدريَّةِ هذه الآياتِ التي تكشَّفتْ غيوبَ الزمانِ والمكانِ بتلك الدِّقَّةِ المتناهية، وأنها أمرٌ خارجَ نطاقِ قدرةِ المخلوقين، وأنه لا بدَّ وأن يكونَ مِن لدُنْ عليمٍ خبير.

ولنتأمَّلْ معًا رَدَّةَ فعلِ الكفَّارِ والمشرِكين عندما سَمِعوا آياتِ القرآنِ المُعجِزِ تُتْلى على مَسامِعِهم:

كيف بُهِتوا مِن كلامِ اللهِ تعالى، وظلُّوا يَحِيكون المؤامَراتِ: كيف يرُدُّون الناسَ عن ذلك الكلامِ المعجِز؟! وكيف يَصرِفون الناسَ عنه، ويَفتَرون الإشاعاتِ المناسِبةَ لذلك؟!

ولو كان القرآنُ مِن كلامِ الرسولِ ^، لَمَا جزَمَ بعدمِ استطاعةِ أحدٍ أن يأتِيَ بمِثلِه؛ فتحقُّقُ هذا الجَزْمِ بعد ذلك، دليلٌ على أن القرآنَ كلامُ اللهِ المعجِزُ.

فمن معجِزاتِ القرآنِ: تحدِّيهِ للإنسِ والجنِّ أن يأتُوا بمِثلِه، وإعلانُ القرآنِ للثَّقَلَيْنِ مِن الجنِّ والإنسِ أنهم لن يَقْدِروا على المجيءِ بمِثلِ كتابِ اللهِ؛ كما قال تعالى:

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}

[الإسراء: 88]

بل تحدَّاهم أن يأتوا بعَشْرِ سُوَرٍ مِثلِهِ، وتحدَّاهم أن يأتوا بسورةٍ مِن مِثلِه؛ فهذه علاماتٌ واضحةٌ في القرآنِ تدُلُّ قارِئَهُ وسامِعَهُ على أنه مِن عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وعلى استحالةِ أن يكونَ مِن عندِ غيرِه.

وكان بإمكانِهم أن يكذِّبوا القرآنَ لو استجابوا للتحدِّي، وأتَوْا بسورةٍ مِثلِ القرآن.

ولمَّا رأينا أنهم ترَكوا الاستجابةَ للتحدِّي، مع أنه أمرٌ لا يكلِّفُهم كثيرًا مِن التَّبِعاتِ، واختاروا الطريقَ الوَعْرَ لمواجَهةِ الرسولِ ^، وهو الحربُ، وإزهاقُ الأنفُسِ، وإهدارُ الأموالِ -: عَلِمْنا - علمًا يقينيًّا - عَجْزَهم عن الإتيانِ بمِثلِهِ، مع كونِهم أساطينَ الفصاحةِ والبلاغة.

فكانوا يحذِّرون القادمَ إلى مكَّةَ مِن مجرَّدِ سَمَاعِ النبيِّ ^، وعندما جاء أبو جهلٍ ومَن معه للوليدِ بنِ المُغيرةِ، فقال الوليدُ: «وماذا أقولُ؟! فواللهِ ما فيكم رجُلٌ أَعْلَمُ منِّي بالشِّعْرِ، ولا برَجَزِهِ ولا بقَصِيدِه، ولا بأشعارِ الجِنِّ، واللهِ ما يُشبِهُ الذي يقولُهُ محمَّدٌ شيئًا مِن هذا، وواللهِ، إن لقولِهِ لَحَلَاوةً، وإن عليه لَطَلَاوةً، وإنه لمنيرٌ أعلاه، مشرِقٌ أسفَلُه، وإنه لَيَعْلو ولا يُعْلى، وإنه ليَحطِمُ ما تحتَه»؛ رواه الحاكم (2/ 506 رقم 3872)، والبيهقيُّ في «شُعَب الإيمان» (1/ 287 رقم 133)، و«دلائلِ النبوَّة» (2/ 198)؛ فغَضِبَ أبو جهلٍ لهذه الشهادة؛ فإن الصدقَ في هذه القضيَّةِ لا يَعْنيه، بل يُؤْذيه.

فالإجابةُ ماثِلةٌ أمامَ أعيُنِهم التي لا تُريدُ أن تُبصِرَ، وكلُّ ذلك يَشهَدُ على حقيقةِ تلك الإجابة؛ وهو أن ذلك الكلامَ إنما هو وحيٌ مِن ربِّ العالَمِين.

الوجهُ الثاني: كان مِن عادةِ كفَّارِ قُريشٍ، وأهلِ الكتابِ، وغيرِهم: أن يَسْأَلوا النبيَّ ^ عن أشياءَ؛ رَغْبةً منهم في تعجيزِه، ومحاوَلةً لإثباتِ عدمِ علمِهِ بكثيرٍ مِن الأمورِ الواردةِ في التوراةِ والإنجيل؛ لكنه كان يُجِيبُهم بوحيٍ مِن السماء، فيَجعَلُهم ينقلِبون على أعقابِهم صاغِرين، غيرَ أنه كان يتأخَّرُ عنه الوحيُ في بعضِ الأوقات، فلا يُجيبُ السائلَ إلا بعد نزولِ الآيةِ بالجوابِ، ولو بعد حِينٍ، فلو كان القرآنُ مِن تِلْقاءِ نفسِهِ ^، فهل كان سيتأخَّرُ عن الردِّ على ذلك التحدِّي؟!

الوجهُ الثالثُ: أن التغيُّراتِ التي كانت تَطرَأُ على وجهِ النبيِّ ^، وبدَنِهِ - سواءٌ تلك التي حدَثَتْ في أوَّلِ لقاءٍ له بجِبرِيلَ عليه السلامُ، أو ما تلا ذلك مِن لقاءاتٍ - لاحَظَها وشاهدَها كلُّ مَن كان حاضرًا وقتَها مِن أهلِ بيتِ النبوَّة، أو مِن الصحابة.

وما كانوا يَسمَعونه مِن الأَزِيزِ عند نزولِ الوحيِ، والثِّقَلُ الذي يَجعَلُ البعيرَ يبرُكُ عند نزولِ الوحيِ، وغيرُ تلك الأحوالِ التي فيها أوضَحُ دليلٍ على أن ما كان يحدُثُ مع نبيِّنا محمَّدٍ ^، إنما كان اتِّصالًا مع قوَّةٍ هائلةٍ خارقة، كان اتِّصالًا بين المَلَكِ الأعظَمِ مِن الملائكةِ - وهو جِبرِيلُ عليه السلامُ - وبين أطهَرِ وأشرَفِ خلقِ اللهِ أجمَعين، رسولِنا محمَّدٍ ^.

والخلاصةُ: أن القارئَ المنصِفَ، والعاقلَ المتدبِّرَ للقرآنِ، لا بدَّ أن يسلِّمَ بأن القرآنَ الكريمَ لا يُمكِنُ أن يكونَ مِن عندِ بشَرٍ مهما كانت عبقريَّتُهُ وفصاحتُه، بل مِن ربِّ السمواتِ والأرضِ، العليمِ الحكيم.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

يدورُ السؤالُ حولَ إمكانيَّةِ أن يكونَ القرآنُ الكريمُ مِن فَيْضِ تخيُّلاتِ النبيِّ ^ ووحيِهِ النَّفْسيِّ، ولفرطِ عبقريَّتِهِ وفصاحتِهِ، استطاع أن يصُوغَه.

مختصَرُ الإجابة:

لا يُمكِنُ أن يكونَ مصدرُ القرآنِ الكريمِ تخيُّلاتِ النبيِّ ^، ووحيَهُ النفسيَّ؛ لوجوهٍ، منها:

- وجودُ الإعجازِ التاريخيِّ، والتشريعيِّ، والبلاغيِّ، والعِلْميِّ، وغيرِ ذلك مِن الأمورِ التي لا يُمكِنُ أن يأتيَ بها بشَرٌ في ذلك الزمانِ -: ينقُضُ هذا الادِّعاءَ.

- تأخُّرُ الوحيِ عن النبيِّ ^ لفَتَراتٍ كان خِلَالَها يُحجِمُ عن الإجابةِ عن تساؤُلاتِ المشرِكينَ، إلى أن يعُودَ الوحيُ مرَّةً أخرى إليه؛ فلو كان القرآنُ مِن تِلْقاءِ نفسِهِ ^، فهل كان سيتأخَّرُ عن الردِّ على ذلك التحدِّي؟!

- حدوثُ تغيُّراتٍ نَفْسيَّةٍ وجسَديَّةٍ كان يشاهِدُها الصحابةُ تحدُثُ للنبيِّ ^ عند نزولِ الوحيِ عليه. فالقرآنُ الكريمُ لا يُمكِنُ أن يكونَ مِن عندِ بشَرٍ مهما كانت عبقريَّتُهُ وفصاحتُه، بل مِن ربِّ السمواتِ والأرضِ، العليمِ الحكيم.


مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

يدورُ السؤالُ حولَ إمكانيَّةِ أن يكونَ القرآنُ الكريمُ مِن فَيْضِ تخيُّلاتِ النبيِّ ^ ووحيِهِ النَّفْسيِّ، ولفرطِ عبقريَّتِهِ وفصاحتِهِ، استطاع أن يصُوغَه.

مختصَرُ الإجابة:

لا يُمكِنُ أن يكونَ مصدرُ القرآنِ الكريمِ تخيُّلاتِ النبيِّ ^، ووحيَهُ النفسيَّ؛ لوجوهٍ، منها:

- وجودُ الإعجازِ التاريخيِّ، والتشريعيِّ، والبلاغيِّ، والعِلْميِّ، وغيرِ ذلك مِن الأمورِ التي لا يُمكِنُ أن يأتيَ بها بشَرٌ في ذلك الزمانِ -: ينقُضُ هذا الادِّعاءَ.

- تأخُّرُ الوحيِ عن النبيِّ ^ لفَتَراتٍ كان خِلَالَها يُحجِمُ عن الإجابةِ عن تساؤُلاتِ المشرِكينَ، إلى أن يعُودَ الوحيُ مرَّةً أخرى إليه؛ فلو كان القرآنُ مِن تِلْقاءِ نفسِهِ ^، فهل كان سيتأخَّرُ عن الردِّ على ذلك التحدِّي؟!

- حدوثُ تغيُّراتٍ نَفْسيَّةٍ وجسَديَّةٍ كان يشاهِدُها الصحابةُ تحدُثُ للنبيِّ ^ عند نزولِ الوحيِ عليه. فالقرآنُ الكريمُ لا يُمكِنُ أن يكونَ مِن عندِ بشَرٍ مهما كانت عبقريَّتُهُ وفصاحتُه، بل مِن ربِّ السمواتِ والأرضِ، العليمِ الحكيم.


الجواب التفصيلي

لا يُمكِنُ أن يكونَ مصدرُ القرآنِ الكريمِ تخيُّلاتِ النبيِّ ^، ووحيَهُ النفسيَّ؛ لعدَّةِ وجوهٍ، منها:

الوجهُ الأوَّلُ: كلُّ مَن يَقرَأُ القرآنَ الكريمَ لا تَخْفى عليه تلك الآياتُ التي تتحدَّثُ عن أمورٍ غيبيَّةٍ، تَشمَلُ غيبَ المكانِ، وغيبَ الزمانِ، لكلِّ زمَنٍ مِن الأزمان، في الماضي والحاضرِ والمستقبَل، وهذه الأمورُ تتجاوَزُ أسوارَ العقلِ البشَريِّ بمراحلَ، وتتخطَّى إمكانيَّاتِهِ بشكلٍ يفوقُ التصوُّرَ:

فأخبارُ الأُمَمِ السابقةِ مثلًا: جاءت في آياتٍ كثيرةٍ بترتيبِ حدوثِها بدِقَّةٍ، تَجعَلُ القارئَ لها يُدرِكُ منذُ الوهلةِ الأُولى: أن مَن يذكُرُها بهذا الشكلِ لا بدَّ أنه قد شَهِدَ أحداثَها في كلِّ أزمانِها وأماكنِها.

وكذلك مَن يتأمَّلِ الآياتِ التي تتحدَّثُ عن أمورِ المستقبَلِ الغيبيِّ بالنسبةِ لوقتِ نزولِها، ثم يَعرِفْ أن تلك النبوءاتِ قد تحقَّقتْ فعلًا بشهادةِ القاصي والداني، والعدُوِّ والصديق -: فإنه لا بدَّ أن فطرتَهُ السويَّةَ ستَصِلُ به إلى استنتاجِ مصدريَّةِ هذه الآياتِ التي تكشَّفتْ غيوبَ الزمانِ والمكانِ بتلك الدِّقَّةِ المتناهية، وأنها أمرٌ خارجَ نطاقِ قدرةِ المخلوقين، وأنه لا بدَّ وأن يكونَ مِن لدُنْ عليمٍ خبير.

ولنتأمَّلْ معًا رَدَّةَ فعلِ الكفَّارِ والمشرِكين عندما سَمِعوا آياتِ القرآنِ المُعجِزِ تُتْلى على مَسامِعِهم:

كيف بُهِتوا مِن كلامِ اللهِ تعالى، وظلُّوا يَحِيكون المؤامَراتِ: كيف يرُدُّون الناسَ عن ذلك الكلامِ المعجِز؟! وكيف يَصرِفون الناسَ عنه، ويَفتَرون الإشاعاتِ المناسِبةَ لذلك؟!

ولو كان القرآنُ مِن كلامِ الرسولِ ^، لَمَا جزَمَ بعدمِ استطاعةِ أحدٍ أن يأتِيَ بمِثلِه؛ فتحقُّقُ هذا الجَزْمِ بعد ذلك، دليلٌ على أن القرآنَ كلامُ اللهِ المعجِزُ.

فمن معجِزاتِ القرآنِ: تحدِّيهِ للإنسِ والجنِّ أن يأتُوا بمِثلِه، وإعلانُ القرآنِ للثَّقَلَيْنِ مِن الجنِّ والإنسِ أنهم لن يَقْدِروا على المجيءِ بمِثلِ كتابِ اللهِ؛ كما قال تعالى:

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}

[الإسراء: 88]

بل تحدَّاهم أن يأتوا بعَشْرِ سُوَرٍ مِثلِهِ، وتحدَّاهم أن يأتوا بسورةٍ مِن مِثلِه؛ فهذه علاماتٌ واضحةٌ في القرآنِ تدُلُّ قارِئَهُ وسامِعَهُ على أنه مِن عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وعلى استحالةِ أن يكونَ مِن عندِ غيرِه.

وكان بإمكانِهم أن يكذِّبوا القرآنَ لو استجابوا للتحدِّي، وأتَوْا بسورةٍ مِثلِ القرآن.

ولمَّا رأينا أنهم ترَكوا الاستجابةَ للتحدِّي، مع أنه أمرٌ لا يكلِّفُهم كثيرًا مِن التَّبِعاتِ، واختاروا الطريقَ الوَعْرَ لمواجَهةِ الرسولِ ^، وهو الحربُ، وإزهاقُ الأنفُسِ، وإهدارُ الأموالِ -: عَلِمْنا - علمًا يقينيًّا - عَجْزَهم عن الإتيانِ بمِثلِهِ، مع كونِهم أساطينَ الفصاحةِ والبلاغة.

فكانوا يحذِّرون القادمَ إلى مكَّةَ مِن مجرَّدِ سَمَاعِ النبيِّ ^، وعندما جاء أبو جهلٍ ومَن معه للوليدِ بنِ المُغيرةِ، فقال الوليدُ: «وماذا أقولُ؟! فواللهِ ما فيكم رجُلٌ أَعْلَمُ منِّي بالشِّعْرِ، ولا برَجَزِهِ ولا بقَصِيدِه، ولا بأشعارِ الجِنِّ، واللهِ ما يُشبِهُ الذي يقولُهُ محمَّدٌ شيئًا مِن هذا، وواللهِ، إن لقولِهِ لَحَلَاوةً، وإن عليه لَطَلَاوةً، وإنه لمنيرٌ أعلاه، مشرِقٌ أسفَلُه، وإنه لَيَعْلو ولا يُعْلى، وإنه ليَحطِمُ ما تحتَه»؛ رواه الحاكم (2/ 506 رقم 3872)، والبيهقيُّ في «شُعَب الإيمان» (1/ 287 رقم 133)، و«دلائلِ النبوَّة» (2/ 198)؛ فغَضِبَ أبو جهلٍ لهذه الشهادة؛ فإن الصدقَ في هذه القضيَّةِ لا يَعْنيه، بل يُؤْذيه.

فالإجابةُ ماثِلةٌ أمامَ أعيُنِهم التي لا تُريدُ أن تُبصِرَ، وكلُّ ذلك يَشهَدُ على حقيقةِ تلك الإجابة؛ وهو أن ذلك الكلامَ إنما هو وحيٌ مِن ربِّ العالَمِين.

الوجهُ الثاني: كان مِن عادةِ كفَّارِ قُريشٍ، وأهلِ الكتابِ، وغيرِهم: أن يَسْأَلوا النبيَّ ^ عن أشياءَ؛ رَغْبةً منهم في تعجيزِه، ومحاوَلةً لإثباتِ عدمِ علمِهِ بكثيرٍ مِن الأمورِ الواردةِ في التوراةِ والإنجيل؛ لكنه كان يُجِيبُهم بوحيٍ مِن السماء، فيَجعَلُهم ينقلِبون على أعقابِهم صاغِرين، غيرَ أنه كان يتأخَّرُ عنه الوحيُ في بعضِ الأوقات، فلا يُجيبُ السائلَ إلا بعد نزولِ الآيةِ بالجوابِ، ولو بعد حِينٍ، فلو كان القرآنُ مِن تِلْقاءِ نفسِهِ ^، فهل كان سيتأخَّرُ عن الردِّ على ذلك التحدِّي؟!

الوجهُ الثالثُ: أن التغيُّراتِ التي كانت تَطرَأُ على وجهِ النبيِّ ^، وبدَنِهِ - سواءٌ تلك التي حدَثَتْ في أوَّلِ لقاءٍ له بجِبرِيلَ عليه السلامُ، أو ما تلا ذلك مِن لقاءاتٍ - لاحَظَها وشاهدَها كلُّ مَن كان حاضرًا وقتَها مِن أهلِ بيتِ النبوَّة، أو مِن الصحابة.

وما كانوا يَسمَعونه مِن الأَزِيزِ عند نزولِ الوحيِ، والثِّقَلُ الذي يَجعَلُ البعيرَ يبرُكُ عند نزولِ الوحيِ، وغيرُ تلك الأحوالِ التي فيها أوضَحُ دليلٍ على أن ما كان يحدُثُ مع نبيِّنا محمَّدٍ ^، إنما كان اتِّصالًا مع قوَّةٍ هائلةٍ خارقة، كان اتِّصالًا بين المَلَكِ الأعظَمِ مِن الملائكةِ - وهو جِبرِيلُ عليه السلامُ - وبين أطهَرِ وأشرَفِ خلقِ اللهِ أجمَعين، رسولِنا محمَّدٍ ^.

والخلاصةُ: أن القارئَ المنصِفَ، والعاقلَ المتدبِّرَ للقرآنِ، لا بدَّ أن يسلِّمَ بأن القرآنَ الكريمَ لا يُمكِنُ أن يكونَ مِن عندِ بشَرٍ مهما كانت عبقريَّتُهُ وفصاحتُه، بل مِن ربِّ السمواتِ والأرضِ، العليمِ الحكيم.